ماذا تعلم عن العاصفة الغبارية التي غطت كوكب المريخ بأكمله؟

صورة ذاتية لعربة ناسا المتجولة كيوريوسيتي تم التقاطها في اليوم المريخي 2082 (في 15 يونيو، 2018). حيث تسببت عاصفة غبارية على المريخ بخفوت ضوء الشمس وانخفاض مستوى الرؤية في موقع العربة المتواجد ضمن حفرة جيل.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يواجه المريخ بعض المتاعب، حيث تغمر كامل سطحه في الوقت الحالي عاصفة غبارية “طوقت الكوكب بأكمله” بعد أن بدأت قبل أسبوعين، والتي ازداد حجمها بعد ذلك لتتحول إلى حدث شمل كامل الكوكب، ما أجبر وكالة ناسا على تعليق عملياتها للعربة الجوالة أوبورتيونيتي.

كوكب المريخ ليس غريباً عن العواصف الغبارية، ولكن هذه العاصفة ليست من النوع المعتاد، فهي أكثر ضخامة بكثير. هذه العواصف التي تشمل أرجاء الكوكب تحدث مرة واحدة فقط كل 5.5 سنة أو نحو ذلك، مبتلعةً كامل الكوكب داخل سحابة من الغبار أحمر اللون.

تجري العواصف الغبارية على المريخ إلى حد كبير مثلما تجري على كوكب الأرض. فلدينا هنا رياح عاتية تجتاح سطح الأرض وتدفع في طريقها الحبوب الصغيرة التي يقارب حجمها بضع مئات من الميكرونات. تتطاير هذه الحبوب في الهواء، وحالما ترتفع بضع سنتيمترات فقط، يدفع بها الاضطراب المتزايد نحو الأعلى أكثر فأكثر. تصور مثل هذه الحالة وأنت تراقبها وهي تتطور إلى شيء أكثر فظاعة، ولديك عاصفة غبارية قادرة على قذف الغبار مسافة 20 كيلومتراً في الجو، لتغطي مساحات شاسعة من الأرض.

يقول دون بانفيلد، عالم الكواكب في جامعة كورنيل: “ما يميز المريخ، هو أن كثافة الهواء لا تزيد عن 1% من كثافته على الأرض، وذلك لأن المريخ لديه ضغط جوي منخفض للغاية”.

لا بد للرياح من أن تكون أكثر سرعة لكي تحرك الجسيمات من مكانها على سطح المريخ، ولكنها سوف تهب بنفس القوة إلى حد ما”.  تندفع هذه الرياح خلال هذه العواصف بسرعة تقارب 97 كيلومتراً في الساعة، ولكن نظراً لعدم وجود غلاف جوي، سينتهي بها الأمر وكأنها مجرد نسيم منعش. (أرجو المعذرة مارك واتني).

تقول تانيا هاريسون، عالمة كواكب في جامعة أريزونا الحكومية، أن الحرارة هي القوة المحركة للعواصف الغبارية على المريخ: “إذا وصل ضوء الشمس إلى السطح ورفع من حرارته، فهذا يتسبب باضطراب يؤدي إلى ارتفاع الهواء الساخن إلى الأعلى. وعلى المريخ، يوجد الكثير من الغبار الحر على السطح، لدرجة أن هذه الرياح الصاعدة تأخذ معها الكثير منه”. هذا الغبار تحديداً ناعم للغاية –أكثر من الرمال على الأرض- ولهذا يبقى معلقاً في الهواء، ولا يستقر إلا بعد فترة طويلة.

تقول هاريسون أن من أكبر ألغاز المريخ التفاوت بين العواصف، حيث أن بعضها تبقى محلية المستوى وتنتهي بسرعة، على حين أن بعضها الآخر يمتد على مستوى الكوكب ويستمر لأسابيع، ولكن حتى الآن: “نعلم أن موسم العواصف الغبارية يحدث في نفس الوقت سنوياً، من بداية الربيع إلى الصيف، وأن الموسم يتسبب بظهور التدرجات الكبيرة في درجات الحرارة كل سنة”. ولكن ليس من الواضح السبب الذي يجعل بعض الأعوام تشهد عواصف إقليمية، وبعضها الآخر عواصف شاملة. بشكل عام، تبدأ العواصف في النصف الشمالي، وتنتقل إلى النصف الجنوبي بعد أن تعبر الأحواض وصولاً إلى خط الاستواء. وإذا عبرت خط الاستواء ووصلت إلى النصف الجنوبي نحو نهاية الغطاء القطبي، فهناك احتمال كبير بأن تتضخم وتمتد. تقول هاريسون: “هذا ما رأيناه وهو يحدث هذه السنة”.

يقول بانفيلد: “من الواضح أنه توجد آلية ما للتغذية الخلفية، وهي حساسة للظروف المحيطة، ما يسمح ببقاء الغبار معلقاً في الهواء لفترات أطول، ولكننا لا نعرف ماهيتها”.

وبالتالي، لا توجد حتى الآن وسيلة لتوقع فترة استمرار عاصفة إقليمية، أو ما إذا كانت ستتحول إلى عاصفة كوكبية أو لا. يقول بانفيلد: “لم نتمكن من رصد العواصف بتجهيزات على السطح أو في المدار إلا حوالي 9 مرات منذ 1924. ببساطة، ليس لدينا ما يكفي من البيانات”. وعلى سبيل المثال، فقد استمرت إحدى العواصف في 2007 حوالي أربعة أشهر قبل أن تبدأ بالتلاشي، وما زال السبب مجهولاً. وتعمل العربة كيوريوسيتي، والتي ما زالت نشطة بفضل بطاريتها النووية، على استغلال الوضع وجمع كل ما يمكن جمعه من البيانات على الأرض.

تمتد هذه الصور على مدى أسبوعين تقريباً، وتبدأ بلقطة للمنطقة قبل ظهور العاصفة.

لا تمثل هذه العواصف خطراً شديداً على البعثات المريخية، ولكن يوجد الكثير من التبعات التي يجب أخذها بعين الاعتبار. وعلى سبيل المثال، فقد توجب وضع أوبورتيونيتي في وضعية السبات لأنها تعمل بالطاقة الشمسية، وكانت العاصفة شديدة بما يكفي لمنع ضوء الشمس من الوصول إلى ألواحها الشمسية (مثل المسبار السطحي إنسايت الذي سيصل لاحقاً). وعندما يكون لديك عاصفة تغطي الكوكب بأكمله، فهذا يعني وجود كميات هائلة من المواد الناعمة والتي تلتصق بسهولة على أي شيء، والتي تنتظر تلاشي العاصفة حتى تهبط من الهواء. وعندما تهبط أخيراً، يمكن أن تغطي العربات الجوالة والمسابر السطحية بكميات كبيرة لدرجة إفساد أية معدات بصرية، وهو ما حصل للمطياف بالأشعة تحت الحمراء لأوبورتيونيتي. يقول بانفيلد أن أفضل ما يمكن لناسا أن تفعله هو أن تأمل بأن تقوم الرياح المريخية بإزالة الغبار عن العربات، ولكن الأمر “مسألة حظ من الناحية العملية”.

تقول هاريسون: “لا شك بأننا نأخذ العواصف الغبارية بعين الاعتبار عند الهبوط بعربة أو مسبار على المريخ، ولكن من حسن الحظ أن الطقس على المريخ يتكرر برتابة ويمكن توقعه بسهولة، ويمكننا أن نختار الأماكن التي تتعرض لقدر أقل من العواصف والغبار”. لا يمكن تجنب الأحداث الشاملة، ولكن يمكن لناسا وشركائها تحديد مناطق أكثر استقراراً من غيرها. بالطبع، تشير هاريسون إلى أن مخزونات الجليد تقع في بضعة مناطق شمالية حيث تتكرر العواصف بكثرة. وإذا كانت هذه المخزونات هدفاً للمستوطنين في المستقبل “فقد نضطر لإجراء مفاضلة”، لأن بعض العمليات قد تستقر بشكل دائم في مناطق معرضة للعواصف.

لكن الغبار أيضاً ليس بالشيء الإيجابي لصحة البشر. ومن السهل أن نتخيل المستوطنين على المريخ وهم يدخلون إلى منازلهم تاركين خلفهم أثراً من الغبار بعد إمضاء يوم في الخارج، كما ليس من الصعب أن نتخيل دخول هذه المادة إلى الجسم البشري، ومن المستحيل أن تكون مفيدة للصحة. لن يقبل البشر بسهولة أن يتعايشوا مع بعض الغبار الأحمر الخطر، ولكن من ناحية أخرى، ليس هذا الخطر الوحيد الذي يهدد حياتك على المريخ.