ما تأثير نجاح مهمة دارت التابعة لوكالة ناسا على مستقبل الدفاع الكوكبي؟

ما تأثير نجاح مهمة دارت التابعة لوكالة ناسا على مستقبل الدفاع الكوكبي؟
الكويكب ديمورفوس كما صورته مركبة دارت التابعة لوكالة ناسا على بعد 67 كيلومتراً وقبل 11 ثانية من التصادم. وكالة ناسا/ مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يشير تعبير “رهاب الكويكبات” إلى الخوف من اصطدام كويكب بالأرض. وهو حدث من شأنه أن ينهي الحياة كما نعرفها. على الرغم من أن هذه الأحداث كانت مستبعدة من قبل، فإننا الآن بتنا نمتلك الطرق التي نستطيع باستخدامها حماية البشرية من الظواهر الغريبة في هذا الكون الذي لا يمكن التنبؤ به. 

في مساء 26 سبتمبر/ أيلول 2022، وعلى بُعد نحو 11.2 مليون كيلومتر عن الأرض، وصلت أخيراً مركبة دارت التابعة لوكالة ناسا (مركبة اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج، DART) إلى الكويكب “ديديموس” (Didymos) واصطدمت بكويكب ديمورفوس (Dimorphus) الصغير الذي يدور حوله. سافرت هذه المركبة لمدة تجاوزت 10 أشهر بقليل لاختبار ما إذا كان بالإمكان إنقاذ الأرض من الكويكبات أو المذنّبات الخطيرة في المستقبل من خلال تغيير مساراتها. 

مهمة الدفاع عن الأرض ضد الكويكبات 

قال بيل نيلسون (Bill Nelson)، مدير وكالة ناسا خلال مؤتمر إحاطة عامة عن مهمة دارت عُقد بعد ظهر نفس اليوم وقبل تصادم المركبة بالكويكب: “كوكب الأرض هو موطننا الوحيد، لذلك يجب علينا الاعتناء به”. أضاف نيلسون مشيراً إلى أن مهمة دارت هي “أول مهمة تهدف لاختبار التكنولوجيا التي ستستخدم في الدفاع عن الأرض ضد الكويكبات المستقبلية المدمّرة”. 

الحصى الرمادي على سطح كويكب ديمورفوس
شكراً مركبة دارت . لقد أنجزتي غرضك. هذه هي الصورة المكتملة الأخيرة التي التقطتها هذه المركبة لكويكب ديمورفوس قبل الاصطدام بسطحه. وكالة ناسا/ مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز

على الرغم من أن الكويكبات والنيازك الصغيرة تصطدم بالأرض بشكل منتظم إلى حد ما، فإن معظم هذه الأجسام لا ترصد أو لا تشكل خطراً على الكوكب. وفي حين أن البشر يعتبرون محظوظين مقارنة بالديناصورات (حتى الآن)، لا يوجد ما يضمن أن هذا الحظ سيستمر في المستقبل. في الواقع، وقع أكبر حدث تصادم كويكبي تم توثيقه في التاريخ قبل 115 عاماً فقط عندما مسح كويكب يبلغ قطره ارتفاع مبنى من 25 طابقاً نحو 2072 كيلومتراً مربعاً من الغابات في منطقة غير مأهولة في سيبيريا، روسيا. قال ليندلي جونسون (Lindley Johnson)، مسؤول برنامج الدفاع الكوكبي في وكالة ناسا لموقع بوبيولار ساينس (Popular Science، العلوم للعموم) إنه إذا وقع حدث مماثل في منطقة حضرية، فمن المؤكد أنه سيتسبب بكارثة طبيعية. يضيف جونسون قائلاً إن مهمة دارت هي “إنجاز مهم” في سعي البشر لامتلاك القدرة على حماية الكوكب من هذه الأحداث الرهيبة.

اقرأ أيضاً: في خطوة جديدة لحرف مسار الكويكبات التي تشكل تهديداً للأرض: نجاح اصطدام المركبة دارت بكويكب

قال جونسون أيضاً: “هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها البشر على المعلومات والتكنولوجيا التي تمكّنهم من تغيير بنية المجموعة الشمسية لجعلها مكاناً أكثر ملاءمة لأشكال الحياة”.

تقنية حرف مسار الكويكبات

خلال الدقائق القليلة التي سبقت الاصطدام، تحرّكت مركبة دارت نحو الكويكب بسرعة تتجاوز 22 ألف كيلومتر في الساعة، ثم ضربت الكويكب في نقطة تبعد 17 متراً عن مركزه ودمّرت نفسها بشكل كامل قرابة الساعة 7:14 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة. بعد صدم هذه المركبة التي كلّفت أكثر من 3 مليون دولار بكويكب ديمورفوس، يتوقع العلماء أن هذا الحدث تسبب بتقليل السرعة المدارية لهذا الكويكب بمقدار جزء من مليمتر واحد في الثانية. وفقاً لجونسون، بما أن هذه المركبة أخف وزناً بمقدار 4.9 مليار كيلوغرام من كويكب ديمورفوس، كان الهدف من المهمة التسبب بانحراف مساره فقط. وهو إنجاز يتطلب مقداراً من الطاقة أقل من تلك المتطلبة لتدميره. في النهاية، فإن حرف الكويكب عن مساره هو آلية وقائية مضمونة وآمنة أكثر. قال جونسون: “لن نتمكّن من التأكد من أننا فتتنا كويكباً أو دمرناه بشكل كامل”، ويضيف: “إذا لم نفعل شيئاً لتغيير مساره، فسنوجه عدداً كبيراً من القطع إلى الأرض فقط”. توفّر آلية حرف مسار الكويكبات كمية كبيرة من الوقت الثمين قبل اصطدامها بالكوكب وتوفّر لنا المزيد من التحكم بها. 

على الرغم من أن عملية جمع البيانات المتعلقة بالاصطدام ومعالجتها لا تزال مستمرة، يبدو أن محاولة البشر الأولى لتحريك جرم سماوي وأول اختبار في برنامج الدفاع الكوكبي كانا ناجحين. بالإضافة إلى فقدان القدرة على التصوير بكاميرا المركبة، تم تأكيد اصطدامها بالكويكب من خلال فقدان الاتصال معها. على الرغم من أن حساب مقدار انحراف مسار الكويكب الناجم عن الاصطدام سيستغرق علماء وكالة ناسا أسابيع أو أشهراً، فإن قدرة المركبة على الاصطدام بهدفها حوّلت فكرة الدفاع الكوكبي من فكرة توجد في أفلام نهاية العالم إلى حل واقعي. ولكن ما تبعات هذه الخطوة الأولى على تطوير الإجراءات الاحترازية الأخرى؟

Here are the first images taken by #LICIACube of #DARTmission impact on asteroid #Dimorphos.
Now weeks and months of hard work are now starting for scientists and technicians involved in this mission, so stay tuned because we will have a lot to tell! pic.twitter.com/kVz1WmcsL7

— LICIACube (@LICIACube) September 27, 2022

على الرغم من أن مركبة دارت تدمرت، فإن علماء وكالة ناسا يقولون إن الأبحاث العلمية الحقيقة في مهمتها بدأت للتو. أمضت التلسكوبات الأرضية سنوات في رصد نظام ديديموس-ديمورفوس الكويكبي ورصده. وسيتم الآن توجيه هذه التلسكوبات إلى هذا النظام لإجراء أرصاد جديدة لمداره ومقارنته بما كان عليه قبل الاصطدام. قالت إيلينا آدامز (Elena Adams)، مهندسة الأنظمة في مهمات دارت في مختبر جامعة جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية خلال مؤتمر عقد بعد الاصطدام ليلة 26 سبتمبر/ أيلول 2022 إنه سيتم توجيه الأدوات الأخرى التي تقوم بمسح السماء، مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، قريباً نحو هذا النظام الكويكبي. قد تحصل وكالة ناسا أيضاً على صور لهذا النظام من مركبات نشطة أخرى مثل قمر ليسيا كيوب الاصطناعي ومركبة لوسي بالإضافة إلى تلسكوب هابل الفضائي

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث عندما تتصادم مجرتان؟

الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تستثمر الموارد في حماية كوكب الأرض. إذ سترسل وكالة الفضاء الأوروبية في أكتوبر/تشرين الأول 2024 مسباراً آخر يحمل اسم هيرا (Hera) لفحص تداعيات مهمة دارت وإجراء مسح مفصّل سيمنح العلماء المعلومات التي يحتاجونها لفهم التجربة بما يكفي لتكرارها بنجاح أكبر. مهمة دارت هي البداية فقط، ولكنها تمثّل بداية كون لن يكون البشر فيه سكاناً مستسلمين فقط، بل سيكونوا قادرين على تثبيت أرجلهم في الكون المتقلب.