تعرف على أكبر قمر اكتشفناه حتى الآن

تخيل فني لشكل الكوكب المكتشف وقمره (الذي قد يكون بحجم نبتون).
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على بعد ثمانية آلاف سنة ضوئية تقريباً عن الأرض، يوجد نجم يقارب شمسنا حجماً، وكما في نظامنا الشمسي يدور حول هذا النجم البعيد كوكب يقارب في حجمه كوكب المشتري، ولكن التشابهات لا تقتصر على هذا، حيث يدور عملاق غازي بحجم نبتون حول هذا الكوكب، وقد يكون أول قمر نكتشفه خارج النظام الشمسي، وأضخم قمر رصدناه على الإطلاق.

وتقريباً على مدى العقدين الماضيين أكَّد العلماء وجود 3,800 كوكب خارجي تقريباً (وهي الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى خارج النظام الشمسي)، وعلى الرغم من وجود حوالي 200 قمر يدور حول كواكب النظام الشمسي -ويحتكر المشتري وحده 79 قمراً منها- إلا أن الباحثين لم يتمكنوا حتى الآن من العثور على أية أقمار حول الكواكب الخارجية، وقد نُشر هذا الاكتشاف في مجلة Science Advances.

وقد قام فلكيون من جامعة كولومبيا -في سبيل البحث عن هذه “الأقمار الخارجية”- بدراسة بيانات من التلسكوب الفضائي كيبلر التابع لناسا حول 284 كوكباً عابراً (أي الكواكب التي تعبر ما بين نجومها والمرصد، مما يؤدي إلى خفوت وجيز في ضوء هذه النجوم)، وقد ركز العلماء على الكواكب التي تحتاج إلى أكثر من 30 يوماً لإكمال مداراتها حول نجومها؛ حيث تشير الأبحاث السابقة إلى أن الكواكب التي تدور حول نجومها بوقت أقل تقع على مسافة قريبة جداً من هذه النجوم، مما يمنع بقاء أية أقمار.

وقد اكتشف العلماء شذوذات في البيانات تشير إلى وجود قمر حول الكوكب الخارجي كيبلر 1625 بي، وهذا العملاق الغازي يقارب في حجمه كوكب المشتري، ويدور حول النجم كيبلر 1625 الذي يساوي الشمس في كتلته، على بعد 7,825 سنة ضوئية من الأرض، في كوكبة البجعة سيجنوس.

وقد استحصل الباحثون بعد ذلك على حوالي 40 ساعة من الوقت لاستخدام التلسكوب الفضائي هابل التابع لناسا لتحليل كيبلر 1625 بي خلال عبوره أمام نجمه على مدى 19 ساعة. وقد استطاعوا -باستخدام هابل الذي يتفوق في الدقة على كيبلر بحوالي أربعة أضعاف- أن يكتشفوا وجود مجموعتين من الدلالات التي تشير إلى وجود قمر خارجي، حيث يقول ديفيد كيبينج (وهو فيزيائي فلكي في جامعة كولومبيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة): “لقد استنتجنا بالفعل أن وجود قمر يعتبر تفسيراً ممتازاً للبيانات التي لدينا”. (يمكنك أن تقرأ المزيد حول بحث كيبينج عن الأقمار الخارجية هنا).

أولاً -وبعد عبور الكوكب الخارجي أمام النجم- اكتشف الباحثون خفوتاً آخرَ في سطوع النجم أصغر بكثير من سابقه بعد حوالي 3 ساعات ونصف، وهو ما يدعم السيناريو القائل بأن القمر كان يتبع الكوكب مثل كلب يتبع مالكه.

أما ثانياً فقد اكتشف العلماء أن الكوكب بدأ يعبر قبل حوالي 80 دقيقة من الوقت المتوقع، وهو ما يتوافق مع الوضع الذي يتضمن وجود سحب ثقالي من القمر بحيث يتسبب في اختلال الموضع المتوقع للكوكب، وعلى الرغم من أن هذا الشذوذ قد يكون ناتجاً أيضاً عن سحب ثقالي من كوكب آخر، إلا أن كيبلر لم يجد أية أدلة على وجود كواكب أخرى حول هذا النجم خلال بعثته التي دامت لأربع سنوات.

يقول الفيزيائي الفلكي شون ريموند (من جامعة بوردو في فرنسا، وهو لم يشترك في هذا العمل): “يبدو أنهم اكتشفوا الكنز المخبأ أخيراً، فالأقمار موجودة ويمكن العثور عليها، إنها إذن خطوة جديدة ومثيرة في مجال اكتشاف العوالم الخارجية”.

ويقدِّر العلماء أن كتلة القمر الخارجي -الذي أطلقوا عليه اسم كيبلر 1625 بي آي- تبلغ فقط نسبة 1.5% من كتلة الكوكب الذي يدور حوله، وهي نسبة تقارب نسبة كتلتي الأرض والقمر. ولكن هذا يعني أيضاً أن هذا القمر الخارجي قد يكون هائل الحجم؛ حيث إن كتلة كيبلر 1625 بي تبلغ على الأرجح عدة أضعاف من كتلة المشتري، مما يجعل قمره أقرب في الحجم والكتلة إلى نبتون.

وحجم القمر هذا يمثل مفاجأة في حد ذاته، حيث يقول ريموند: “لا يتجاوز حجم أكبر الأقمار في النظام الشمسي نسبة واحد على عشرة آلاف من حجم كواكبها التي تدور حولها”، ويقول آفي لوب (عضو مجلس إدارة قسم الفلك في جامعة هارفارد، ولم يشترك في الدراسة) إن الكوكب والقمر “ضخمان للغاية، لدرجة يمكن اعتبارهما نظاماً ثنائياً من الكواكب”.

يقول كيبينج: “إن أضخم الأشياء هي التي يمكن العثور عليها بسهولة، وقد يتبين لنا أن هذا النظام القمري شائع الانتشار، ويمكن اكتشافه بسهولة”.

 

تخيل فني للنظام الشمسي الذي يعتقد العلماء أنهم رصدوا القمر الخارجي فيه.
مصدر الصورة: دان دوردا

ويقدر العلماء أن القمر الخارجي يدور على بعد حوالي 33 مليون كيلومتر من كوكبه، وهو يعني أنه قريب بما فيه الكفاية من الحقل الثقالي للكوكب حتى يتعرض للتمزيق، ولكن لا يوجد شيء مماثل في نظامنا الشمسي حتى يقوم الباحثون برصده مباشرة. وقد قام الباحثون -من أجل دراسة ديناميكية هذا الزوج من الأجسام- ببناء نماذج حاسوبية لرؤية التفاعل بينهما، يقول كيبينج: “وجدنا أن القمر مستقر تماماً في حوالي ثلاثة أرباع عمليات المحاكاة التي قمنا بها، ولا يوجد لدينا ما يدعو إلى الاعتقاد بأن المدار غير مستقر”.

يدور كيبلر 1625 بي حول نجمه على بعد يقارب بعد الأرض عن الشمس، مما يضع الكوكب الخارجي وقمره ضمن المنطقة القابلة للسكن (أي المنطقة المحيطة بالنجم وتكون الحرارة فيها مناسبة لوجود الماء السائل على سطح الكوكب). وبما أن الحياة موجودة عملياً في جميع أماكن تواجد المياه على الأرض، فإن البحث عن الحياة الفضائية يركز على المناطق القابلة للسكن.

ويصنَّف كيبلر 1625 بي وقمره المحتمل الجديد ضمن فئة العمالقة الغازية، وبالتالي ليس من الممكن أن يحملا الماء السائل الضروري للحياة كما نعرفها، ولكن لوب يقول: “إذا كانت هناك أقمار صخرية إضافية تدور حول الكوكب الكبير، فقد تكون صالحة للسكن. وهذه هي الناحية الأكثر إثارة من الأبحاث اللاحقة لهذا الاكتشاف في المستقبل”.

ويثير حجم هذا القمر الخارجي المحتمل الكثير من التساؤلات حول كيفية تشكله، حيث يُعتقد أن بعض الأقمار -بما فيها قمرنا- قد تكتَّلت من الحطام الناتج عن صدمة هائلة للكوكب الأساسي، في حين تشكلت أخرى -مثل ترايتون (قمر نبتون)- كأجسام مستقلة علقت لاحقاً في الحقل الثقالي للكوكب. ولكن أليكس تيتشي (المؤلف الرئيسي للمقالة، وهو فيزيائي فلكي في جامعة كولومبيا) يقول إن هذا القمر الخارجي لا يبدو أنه تشكل بأي من الطريقتين السابقتين؛ حيث لا يمكن أن نتخيل أن تؤدي صدمة على عملاق غازي إلى شطر قمر عنه، ولا أن من الممكن أن يعلق قمرٌ بهذا الحجم في حقل ثقالي.

ويوجد احتمال آخر هو أن القمر الخارجي تشكَّل من نفس المواد التي تشكل منها الكوكب الأساسي، وذلك كما يُعتقد أنه حدث مع المشتري وأقماره. وهناك نماذج جديدة لتشكل الأقمار تشير إلى أن “نسبة صغيرة من الأقمار يمكن أن ينتهي بها المطاف لتصبح بنسبة 1% من كتلة كوكبها الأساسي، وهو ما يطابق تقريباً حالة كيبلر 1625 بي”، وذلك كما يقول ريموند.

ويقول كيبينج إن من المرجح -في المستقبل- أن تركِّز عمليات البحث عن الأقمار الخارجية على الكواكب الخارجية الأبعد عن نجمها مقارنة بالأرض، ويضيف أن هذه العمليات -سواء أجريت بتلسكوب هابل أو تلسكوب جيمس ويب المقبل (التابعين لناسا)- قد تؤدي إلى اكتشاف أقمار خارجية أصغر من أكبر أقمار المشتري.

ويؤكد الباحثون على ضرورة التحلي بالواقعية بخصوص هذا الاكتشاف، حيث يقول تيتشي: “من الواضح أن اكتشاف أول قمر خارجي ادِّعاءٌ كبير، ويتطلب دليلاً دامغاً، بالإضافة إلى أن حجم هذا القمر -الذي يقارب حجم نبتون وفقاً لحساباتنا- لم يكن متوقعاً من قبل، ولهذا يوجد ما يدعونا إلى الحذر والبحث عن المزيد من الأدلة”.

ويأمل الباحثون أن يتم استخدام هابل ثانية لمراقبة كيبلر 1625 بي وتأكيد وجود القمر الخارجي.