تعرّف إلى هواة الفلك الذين يتعقّبون أقمار التجسس الاصطناعية السرية بهدف التسلية

إطلاق سبيس إكس للقمر الصناعي زوما وهبوط صاروخ المرحلة الأولى. مصدر الصورة: سبيس إكس عبر فليكر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما الذي حدث لزوما بحق السماء؟ نحن نعلم أن شركة نورثروب جرومان قامت ببناء هذا القمر الصناعي فائق السرية لصالح إحدى الوكالات التابعة لحكومة الولايات المتحدة، وأن شركة سبيس إكس قامت بإطلاقه يوم الأحد في السابع من يناير الحالي.

ولكن ما نعرفه عن هذا القمر الصناعي هو أقل بكثير مما لا نعرفه عنه. فنحن لسنا متأكدين من هوية الوكالة التي بني القمر الصناعي لصالحها، وبالرغم من أن سبيس إكس صرّحت بأن صاروخها فالكون-9 “قد نفذ كامل العملية بشكل صحيح ليلة الأحد”؛ إلا أنه لم يتم تأكيد نجاح عملية الإطلاق رسمياً. ونظراً للطبيعة السرية للمركبة الفضائية، ليس هناك أحدٌ يتحدث عما جرى. ربما تكون قد فشلت بالانطلاق من المرحلة الثانية للصاروخ فالكون-9 قبل خروج المرحلة الثانية من المدار المخصص. ربما تكون قد نجحت بالوصول إلى المدار ولكنها تعطلت بعد ذلك، وربما تكون في الواقع قد نجحت بالوصول إلى المدار وهي بحالة جيدة. ولكن لا أحد يتحدث عما جرى لها بطريقة أو بأخرى.

إن كان زوما لا يزال في مداره، فهناك مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين سيكونون على أهبة الاستعداد ويترقبون ظهوره من جديد خلال أسبوع، وذلك عندما يفترض بمداره المتوقع أن يخرجه من ظل الأرض ويجعله ظاهراً في وضح النهار. إن كان هناك بالفعل، ينبغي عندها لانعكاسات الضوء الساطع عنه أن تكون مرئية من الأرض في بعض أجزاء من أوروبا وأميركا الشمالية. ومتعقبو القمر الصناعي في مختلف أنحاء العالم – الذين يكرسون أوقات فراغهم لمعرفة ما الذي ترغب الحكومات حقاً بأن يبقى خفياً عن الأنظار – سيكونون بانتظار الحصول على لمحة لهذا الوميض.

المسح البصري للسماء

يُعدّ ماركو لانغبروك من هواة الفلك منذ 40 عاماً، حيث بدأ بممارسة هذه الهواية عندما كان عمره 6 أعوام. حيث كان مفتوناً بالنيازك والشهب، وبدأ حينها بالتقاط الصور لها. وقد حافظ على هذا الشغف حتى عندما كبر وعمل في مهنة أكثر واقعية في علم الآثار.

كانت قفزة صغيرة من النيازك إلى الأقمار الاصطناعية الساقطة، وسرعان ما أصبح لانغبروك مهتماً بالأشياء التي سقطت من السماء بعد أن قام البشر بإطلاقها، وبدأ اهتمامه بعودة الأقمار الاصطناعية. وقد أدى هذا التغير في التوجه إلى ظهور شبكة مترامية الأطراف من هواة الرصد تقوم بتتبّع مدارات المئات من الأقمار الاصطناعية السرية التي تدور حول الأرض على مدار الساعة.

يشرح لانغبروك الذي يقيم في هولندا وهو يبتسم قائلاً: “لقد اكتشفت أن بإمكانك تطبيق كافة أنواع الرصد على الأقمار الاصطناعية السرية، وقد استحوذ هذا الأمر على مخيلتي، لأنها ببساطة أشياء سرية. إنه أمر مثير. إن رؤية ما لا يفترض بك رؤيته يعتبر تجربة ممتعة على الدوام”.

في الواقع، كانت الحكومات تطلب من مواطنيها تتبع الأقمار الاصطناعية في بدايات سباق الفضاء. وحتى قبل إطلاق القمر سبوتنيك، أُطلق مشروع “مون ووتش” لتدريب الفلكيين الهواة على تتبع الأقمار الاصطناعية التي كانت الولايات المتحدة تعمل على تطويرها والتي كان الجميع ينتظرها على أحر من الجمر. اعتمدت هذه الفرق على تلسكوبات خاصة أو مناظير لمعرفة موضع مرور قمر اصطناعي بمراقبة النجوم التي كانت تمر قربها بسرعة، واستخدام ساعة توقيت لتسجيل تقدم المركبة.

يقول لانغبروك: “كما في حالة شبكة الإحداثيات الأرضية وخطوط الطول والعرض، يوجد شبكة إحداثية في السماء، ويتمتع كل نجم بإحداثيات ضمن هذه الشبكة. وبالاعتماد على النجوم كنقاط مرجعية، يمكن تحديد إحداثيات القمر الاصطناعي في السماء”.

لا يركز كل المراقبين على الأقمار الاصطناعية التجسسية. حيث يكتفي الكثيرون بمراقبة الأقمار الاصطناعية ذات المدرات المعروفة مسبقاً، أو يحاولون تصويرها أثناء عبورها في السماء خلال الليل. غير أن القمر الاصطناعي السري يمثل تحدياً أكبر، وهو ما يجذب مجموعة صغيرة للغاية من الهواة.

تيد مولكزان مراقب كندي وعضو في المجموعة (والتي لا تحمل اسماً محدداً ولا تخضع لقيادة محددة، ويتواصل أعضاؤها عبر قائمة تراسل بالبريد الإلكتروني أسست في 1994 وتسمى سيسات إل)، ويقول أن 21 شخصاً من كافة أنحاء العالم ساهموا في عمليات الرصد على مدى سنة واحدة. كان معظم المراقبين من أوروبا أو أميركا الشمالية، ولكن كان هناك أيضاً واحد من جنوب أفريقيا وآخر من أستراليا. يقول مولكزان: “من المذهل ما يمكنك تحقيقه حتى بمجموعة صغيرة وغير منظمة مثل مجموعتنا”. يقدر مولكزان أن هؤلاء الأشخاص قدموا ما يزيد على 21,000 عملية رصد، وكانت 18,000 منها لأقمار اصطناعية سرية.

كل هذا كان خلال عام واحد فقط. وتراقب المجموعة ما مجمله حوالي 400 جسم سري في السماء، وتسجل المدارات والحالة الفنية للأقمار الاصطناعية. فإذا كان أحدها لا ينفذ المناورات الضرورية للبقاء في المدار، أو كان يلمع بطريقة غريبة، يعرف هؤلاء الباحثون أن هناك مشكلة ما.

يتبدل الأشخاص في هذه المجموعة مع انضمام أشخاص جدد وانسحاب بعض القدامى بشكل مستمر، حيث يزيد نشاطهم عندما تتاح لهم الفرصة، ويتوقفون عندما تجبرهم الظروف على ذلك. إنها ليست هواية للجميع، كما يقر مولكزان بوضوح.

يقول مولكزان: “إنه عمل شاق، ولا يرغب الكثيرون بهواية متعبة. يوجد بعض الأشخاص ممن يظنون أنهم يرغبون بهذه الهواية، ولكنهم يتعبون بعد فترة، ويبحثون عن طريقة أفضل لإمضاء وقت ممتع. ولا يمكن أن ألومهم. إنها مجرد هواية، وإذا لم تعجبك، يمكنك ببساطة أن تبحث عن شيء آخر. الحياة قصيرة، ويجب أن تفعل ما يمتعك”.

كان مولكزان طفلاً أثناء سباق الفضاء، وكان يشعر بالذهول إزاء الأخبار حول الأقمار الاصطناعية الجديدة التي تمر في السماء فوق رؤوس الجميع. وعندما أصبح راشداً، تناهى إلى مسمعه أن العلماء كانوا يطلبون المساعدة من الفلكيين الهواة لتتبع الأقمار الاصطناعية لتنفيذ عمليات رصد علمية. تعلم مولكزان بنفسه كيفية تتبع الأقمار الاصطناعية من كتاب يسمى “مراقبة الأقمار الاصطناعية للأرض”، مستخدماً منظاراً على مسند متين ثلاثي القوائم في شقته في تورنتو. كان يتلقى رسائل بالبريد الإلكتروني من مركز جودارد للتحليق الفضائي التابع لناسا، تتضمن تفاصيل مدارات الأقمار الاصطناعية، ويقوم بمطابقة ملاحظاته مع السجلات المنشورة. ولكن في الواقع، لم تكن كل السجلات منشورة.

كيف ترصد قمراً اصطناعياً تجسسياً

خلال الحرب الباردة، توقفت الحكومات عن الإعلان عن الإحداثيات الدقيقة لبعض الأقمار الاصطناعية، وذلك بعد أن قامت بتطوير شبكات احترافية خاصة للتتبع. ولكن مراقبي الأقمار الاصطناعية الهواة تمكنوا من إيجاد وسيلة للاستمرار بتتبع هذه الأقمار على أي حال. يقول مولكزان: “بدأ بعض الأشخاص الذين تعرفت عليهم في الثمانينيات بتخصيص وقت لتتبع هذه الأقمار الاصطناعية السرية. وأعتقد أن هذا يعود بشكل جزئي إلى رغبتهم باستخدام مهاراتهم لمشاكسة الحكومة التي ترغب بإخفاء هذه الأقمار. كانوا ينظرون إلى الموضوع على أنه تحدٍّ، وكنت أعتقد أن العثور على هذه الأقمار وتتبعها أمر مدهش”.

تعتبر عمليات الإطلاق نفسها أحداثاً كبيرة، ينتج عنها الكثير من النيران والضجيج، وفي الولايات المتحدة، تكون قريبة من التجمعات السكانية لدرجة أن الحكومة تضطر للإعلان عنها، حتى لو كانت الحمولة سرية. حيث أن فضح السر بهذه الطريقة المبهمة يبقى أفضل عموماً من إثارة ذعر جماعي بسبب انطلاق الأصوات والدخان من موقع الإطلاق بدون تحذير مسبق. وهو ما يتيح للمتتبعين الحصول على موضع ابتدائي ولحظة ابتدائية لحركة القمر الاصطناعي الذين يلاحقونه.

عادة ما تقع مراحل الصاروخ عائدة إلى الأرض ما أن توصل حمولتها إلى المدار. وإذا كانت الحكومات ترغب بتجنب إثارة ذعر الناس بالأصوات المرتفعة عند منصة الإطلاق، فلا شك أنها سترغب بتجنب رؤية عناوين في الصحف حول أشخاص يعثرون بالصدفة على حطام فضائي. وبالتالي، يقوم المعنيون بتحديد بقعة من الكوكب –عادة ما تكون في عرض المحيط- حيث يعتقدون أن المركبة الفضائية ستعود إلى الأرض، ويتواصلون مع ربابنة الطائرات وقباطنة السفن لتحذيرهم من الاقتراب من هذا الموضع خلال فترة محددة. وهذا ما يقدم فكرة تقريبية للمراقبين حول اتجاه طيران الصاروخ، وهو ما يمكن الاعتماد عليه لتقدير نوع المدار لهذا القمر الاصطناعي.

يقول مولكزان: “إن المسار الذي تلمح إليه هذه الإحداثيات أو تكشف عنه يسمح لك بحساب موضع السطح المداري الذي سيدخل إليه القمر الاصطناعي، وبتقريب جيد جداً. وهي أول خطوة هامة للعثور عليه. يمكنك أن تنظر إلى المدار على أنه حلقة كبيرة تحيط بالأرض. وما أن نعرف هذا، يبقى أمامنا السؤال الكبير: أين القمر الاصطناعي ضمن هذه الحلقة؟”

المحافظة على السرّيّة

تظهر الأقمار الاصطناعية في السماء لنفس السبب الذي يجعل القمر يشع. حيث أنها تعكس ضوء الشمس، ما يجعلها مرئية من الأرض. حاولت بعض البعثات إخفاء أقمارها الاصطناعية عن الأنظار، غير أن هذه الجهود لم تتكلل بالنجاح، وهو أمر معروف لنا بطبيعة الحال.

يقول لانغبروك: “إن فكرة المحافظة على سرية الأقمار الاصطناعية تبدو سخيفة بعض الشيء. حيث أنه يمكن رؤية بعضها بالعين المجردة بسهولة ضمن بيئة حضرية. إن هذا أشبه بمحاولة الحفاظ على سرية حاملة طائرات أمام جسر غولدن غيت في سان فرانسيسكو”.

يعتمد مراقبو الأقمار الاصطناعية أساليب مختلفة في تتبع طرائدهم. يستخدم البعض التلسكوبات والمناظير لأخذ القياسات، تماماً مثل المشاركين في برنامج مون ووتش. ويميل آخرون نحو أساليب ذات تقنيات أكثر تعقيداً. يقول لانغبروك: “في معظم الأحيان، أستخدم التصوير الفوتوغرافي والفيديو فائق الحساسية لأخذ القياسات لمواضع القمر الاصطناعي”.

كما أن بعض هؤلاء الهواة يقومون بكتابة برامجهم الحاسوبية الخاصة لحساب المدارات، ويستخدم آخرون برامج جاهزة، ويرسلون ملاحظاتهم إلى زملائهم حول العالم. يقول مولكزان: “إذا قرأت قائمة التراسل لدينا فعلى الأرجح أنك ستصاب بالضجر. قد تدور بعض النقاشات حول شيء ما بين الحين والآخر، ولكن هذا لا يحدث كثيراً. وتتلخص معظم الرسائل بسلاسل طويلة من الأرقام، مذيلة بالتحيات والأمنيات الطيبة”.

يتمتع أفراد هذه المجموعة باستقلالية في حياتهم واهتماماتهم، ويستخدمون المعلومات التي يجمعونها بأساليب مختلفة. ويتحدث بعضهم إلى الصحافة ويكتبون مدونات يقرأها العامة، ويفضل آخرون الابتعاد عن هذه النشاطات. كما أنهم يختلفون في معاييرهم حول المعلومات التي يناقشونها أو لا.

يستغل مولكزان هوايته لتأمّل الماضي، حيث يقوم بتنظيف صور قديمة أرشيفية لبعض الأقمار الصناعية القديمة، ويستخدم مهاراته لتأكيد صحة صور لصاروخ سبوتنيك ون وهو يعبر في سماء بالتيمور. كما ساعد لانغبروك على تحديد أقمار اصطناعية سرية كانت في موضع مناسب لجمع المعلومات المتعلقة بتحطم طائرة الركاب MH17، والتي سقطت في أوكرانيا في 2014. بل حتى طُلب منه تقديم تقرير شخصي حول الحادثة للبرلمان الهولندي.

ماذا عن زوما؟

قرر مولكزان أخذ استراحة من مراقبة الأقمار الاصطناعية والتركيز على عمله، وهو لا يخطط لمراقبة زوما. غير أن لانغبروك وغيره يأملون برؤية لمحة من هذا القمر الاصطناعي، في حال كان ما يزال في الأعلى.

يعتبر هذا القمر الاصطناعي مثيراً للاهتمام بسبب تاريخ مريب من تأجيل عمليات الإطلاق، كما أن مداره كان غريباً للغاية، حيث يفترض بعملية إطلاقه أن توصله إلى ميل مداري يبلغ حوالي 50 درجة. وهو مدار لا تستخدمه الأقمار الاصطناعية عادة، وفقاً للانغبروك، ولكنه مشابه لمدار محطة الفضاء الدولية. ويعتقد لانغبروك أن هذا عرض تقديمي تقني ما، ولكن لا يوجد أي شخص يمكنه البت بنوعية التقنيات التي قد يتم استعراضها هكذا.

غير أن الحياة قد تصبح مملة بدون مسحة من الغموض. وفي حال وجود أية أدلة، فعلى الأرجح أننا سنسمع عنها من أمثال مولكزان ولانغبروك، الذين يراقبون هذه الأقمار الاصطناعية بالنيابة عنا.

يقول مولكزان: “إنها هواية مناسبة لي. حيث تتضمن الرياضيات، والفيزياء، وتتيح لك إمكانية الاستفادة من علوم الحاسوب، وإذا أردت، يمكن أن تفتح لك الأبواب إلى عالم التاريخ والسياسة. يقول لي الناس في بعض الأحيان أنها هواية غريبة، غير أنني أعتبر بعض الهوايات، مثل بناء نماذج السفن ضمن الزجاجات، هواية غريبة أيضاً. ولكن في النهاية، لا يحق لي أن أصدر أحكاماً على أي شخص. ومن المؤكد أن العالم سيتحول إلى مكان ممل إذا أحببنا نفس الأشياء جميعاً.”