زحل موغلٌ في القِدم، أما حلقاته فعمرها من عمر الديناصورات على الأرض فقط

لنلبسه بعض الحلقات.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد حلقات زحل واحداً من أكثر المناظر الرائعة التي يمكن مشاهدتها في النظام الشمسي، ويعد عمرها من عمر الديناصورات ولكن لم يسبق لنا أن فهمنا قصة منشئها بصور جيدة. يبدو أن هذا بدأ يتغير بسرعة بفضل وابل البيانات التي جمعها المسبار كاسيني التابع لناسا قبل أن يلقى حتفه في سبتمبر 2017.

وفقاً للنتائج التي نشرت يوم الخميس 17 يناير في دورية Science العلمية، فإن حلقات زحل أصغر سناً بكثير من الكوكب نفسه، حيث يتراوح عمرها من 10 إلى 100 مليون سنة فقط، مقارنة بعمر العملاق الغازي الذي يبلغ حوالي 4.5 مليار سنة. خلال معظم فترات وجوده، بقي زحل طفلاً عارياً، ولم يُلبسه النظام الشمسي بعض الحلقات إلا منذ فترة قريبة نسبياً.

يقول لوتشانو يس، الباحث في جامعة سابينزا في روما والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة: “كانت هناك أدلة سابقة من قياسات فوياجر وكاسيني بأن الحلقات لم تتشكل مع تشكّل زحل”. ويضيف: “أما الآن فلدينا دليل ملموس بدرجة أكبر بكثير، والذي لم يكن الحصول عليه ممكناً إلى خلال المرحلة النهائية من المهمة: النهاية الكبرى“.

يشير يس بقوله هذا إلى الأيام الأخيرة من عمر كاسيني، التي أنهت فيها المركبة الفضائية 13 سنة قضتها وهي تدور حول نظام زحل بحفلة وداع عنيفة، حيث أنجزت 6 عمليات انقضاض اقتربت فيها من الكوكب ضمن المنطقة الواقعة بين الحلقات وغلافه الجوي، ثم انقضت بمقدمتها عميقاً داخل الغلاف الجوي لتجمع أكبر قدر ممكن من البيانات قبل أن تتفكك.

في تلك المرحلة الأخيرة، كانت كاسيني قريبة بمما يكفي لتقيس المجال الثقالي حول زحل وحلقاته. استعداداً لإجراء القياسات، قام ييس وفريقه بإنشاء نماذج مفصلة تتنبأ بالشكل المحتمل للحقل الثقالي بالاعتماد على ما كان معروفاً وتم التنبؤ به من قبل حول حجم زحل وتركيبته البنيوية.

يقول بوركهارد ميليتزر، الباحث المختص في الكواكب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة: “في النهاية، ثبت لنا أن كل هذه النماذج كانت خاطئة”. ويضيف: “لقد دُهشنا تماماً بهذه النتائج”. فالحقل الثقالي غريب، واتضح أننا لم نكن نفهم كيف سيبدو عليه في الواقع”. فقد تبين أن شدة الجاذبية الناجمة عن زحل أكبر بنحو 40 مليون مرة من شدة الجاذبية الناجمة عن حلقاته.

أسفرت قياسات الحقل الثقالي عن اثنتين من النتائج المهمة. الأولى، لا بد أن هناك تدفقات هائلة حول خط الاستواء يمكنها أن تفسر غرابة الحقل الثقالي. والثانية، تشير تقديرات الكتلة الحلقية (التي تم استنتاجها من قياسات الحقل الثقالي) إلى أن الحلقات أقل ضخامة وأفتح لوناً مما كان يُعتقد سابقاً، مما يشير بقوة إلى صغر السن، واحتمال أن الحلقات كانت أكبر كتلة في الماضي عما هي عليه اليوم.

يقول ميليتزر: “هذه هي المرة الأولى التي تقاس فيها كتلة الحلقات مع الجاذبية”. ويضيف: “كان هناك محاولات أخرى للقيام بذلك باستخدام موجات الكثافة، ولكن القياسات المأخوذة عن الجاذبية تتمتع بدرجة أعلى من الموثوقية والجودة. وهذه هي المرة الأولى التي نحصل عليها بشكل فعلي لزحل”.

يعد استنتاج كتلة الحلقات من بيانات الحقل الثقالي عملية سهلة نسبياً وبديهية، ولكن الانتقال من كتلة الحلقات إلى عمرها، كما يقول يس، فهي عملية تتطلب قدراً أكبر من الدقة والإتقان. نحن على علم مسبق بأن النيازك تجعل لون الحلقات شيئاً فشيئاً أشد قتامة بمرور الوقت. إذا افترضنا أن الحلقات كانت عبارة عن جليد نقي في البداية، يمكننا أن نعتمد على قتامة لون الحلقات لتقدير عدد النيازك التي اصطدمت بالحلقات.

فإذا جمعنا هذه البيانات مع أرقام الكتلة الحلقية، عندما يمكننا أن نحدد المدة التي استغرقتها الحلقات للوصول إلى درجة القتامة التي هي عليها اليوم، والتي تعطينا فكرة فعلية عن عمر الحلقات، وتصوراً تقديرياً للفترة الزمنية التي تشكلت فيها.

لا تخبرنا النتائج الجديدة عن كيفية تشكل الحلقات بالضبط، ولكن الفريق يعتقد أن أحد الأشياء التي لعبت دوراً في ذلك من المرجح أن يكون نوعاً من الاصطدامات الهائلة بالغة التأثير التي حدثت داخل نظام زحل. يقول ميليتزر: “لقد انفجر شيء ما وشكّل هذه الأعداد الهائلة من جسيمات الحلقات التي نراها اليوم”.

بالنظر إلى أن الحلقات فتية للغاية، يقول ميليتزر: “فإنها لم تتشكل عندما تشكّل النظام الشمسي”. وفي الوقت نفسه، فإن الإطار الزمني لتشكل الحلقات – الذي يتراوح عمره من 10 إلى 100 مليون سنة – هو نفس الإطار الزمني الذي انقرضت فيه الديناصورات (قبل نحو 65 مليون سنة) على يد اصطدام نيزكي أيضاً.

ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت هذه الأحداث مترابطة بأي شكل من الأشكال، ولكن هذه النتائج الجديدة تشير إلى أن النظام الشمسي ربما كان يشهد نوعاً من الاضطرابات الاستثنائية على صعيد الأجرام والاصطدامات في ذلك الوقت. يضيف يس أن بعض زملائه يعتقدون أن النتائج تساعد في تعزيز الفكرة القائلة بأنه حتى الأقمار الداخلية لزحل هي أجرام في عمر الشباب.

يقول جيمس أودونوجون، وهو فلكي في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا: “أنا مسرور ومتفاجئ في الوقت نفسه بمدى نجاح الفريق في تقدير عمر الحلقات بهذه الدقة”. ويضيف: “ليس واضحاً ما هو الحدث الكارثي الذي تسبب بتشكيل الحلقات، ولكن فكرة أنها تشكلت في نفس الفترة التي انقرضت فيها الديناصورات تعد نتيجة جوهرية تستحق إنهاء مهمة كاسيني في سبيلها. يبدو أن تلك الفترة الزمنية الخاصة كانت حافلة بالأحداث بالنسبة للنظام الشمسي!”.

يضيف أودونوجون قائلاً إن الأرقام الجديدة المتعلقة بالكتلة تشير إلى أنك تحتاج إلى نحو 5,000 نسخة من المنظومة الحلقية التي تطوق زحل فقط لكي تشكل شيئاً بحجم القمر. ومع ذلك، فإن الأجسام الصخرية ضمن الحلقة منتشرة بكثرة لدرجة أن بإمكانها أن تغطي سطح الأرض 80 مرة.

يقول أودونوجون: “كلما تعلمنا المزيد عن حلقات زحل، كلما بدت لنا أكثر هشاشة وأقرب لظاهرة عابرة”. في العام الماضي، كشف عدد من العلماء عن تنبؤات مستندة إلى بيانات كاسيني تفيد بأن حلقات زحل سوف تزول خلال فترة لا تتجاوز 300 مليون سنة. من المحتمل أن المشتري وأورانوس ونبتون كانت تمتلك منظومات حلقية أكبر بكثير في الماضي، ونظام زحل سوف يتلاشى بنفس الطريقة.

لا شك أن هناك المزيد من الألغاز التي يجب حلها عندما يتعلق الأمر بحلقات زحل، وسوف يستمر ميراث كاسيني بعطائه لبعض الوقت. يأمل الفريق باستخدام المزيد من بيانات بعثة كاسيني لتحديد السرعة التي يدور بها باطن الكوكب بدقة، وكيف يمكن لذلك أن يؤثر على تطور حلقاته وعلى سلوكها.

كما أنهم قاموا بقياس مكون صغير من جاذبية زحل ذي المنشأ غير المعروف. يقول يس: “نحن نطلق عليه اسم [الجانب المظلم] من جاذبية زحل”. ويضيف: “أنا محتارٌ حقاً من هذه النتائج”، وهو يأمل بأن يكتشف السبب وراءها.

في الواقع، قد لا تكون حلقات زحل هي الكنز الوحيد الذي يتباهى هذا العملاق الغازي بوجوده في مداره.