ماذا سيحدث لمجرة درب التبانة بعد موتها؟

ماذا سيحدث لمجرة درب التبانة بعد موتها؟
علماء من جامعة سيدني يجدون مقبرة تتألف من النجوم الميتة في مجرة درب التبانة. المرصد الأوروبي الجنوبي/إس برنير
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الزوال مصير محتوم لجميع المواد الطبيعية. ولكن دائماً ما تضع دراسة كوننا دائم التوسّع حياتنا التي تبدو غير مهمة في منظورها الصحيح. على سبيل المثال، بمجرد زوال مجرة درب التبانة، ستكون جميع الأدلة على وجود البشر مختفية منذ زمن طويل.

في الكون الفسيح خارج كوكب الأرض، تعتبر الظواهر الفيزيائية المسؤولة عن الموت أقل موضوعية بقليل مما هي على كوكبنا. على سبيل المثال، عندما تبدأ الشمس بالاحتضار، سيصبح لونها أميل للأحمر وستنتفخ ليبلغ حجمها مئات أضعاف حجمها الحالي. وفي مراحلها الأخيرة، ستلتهم الشمس الكواكب الداخلية. ما سيتسبب إما في احتراق الأرض، أو تجمّدها في العدم البارد دون نجم ليحافظ على دفئها. على ضوء موضوع الدمار الكوني نفسه، توقّع بعض العلماء أن مجرة درب التبانة كما نعرفها اليوم ستزول بعد نحو 5 مليارات سنة من الآن عندما تصطدم بمجرة المرأة المتسلسلة التي تبعد مسافة تبلغ 2.5 مليار سنة ضوئية، ما سيتسبب بتشكّل مجرة واحدة كبيرة.

اقرأ أيضاً: مرصد جايا يكشف أسراراً مذهلة عن مجرة درب التبانة

بقايا مجرة درب التبانة

ولكن كما يمكن أن تبقى عظام الحيوانات والبشر بعد موتها، ستترك مجرتنا جثة وراءها. على الرغم من أن زوال مجرة درب التبانة لن يحدث قبل مليارات السنين، تبين دراسة جديدة نشرت في مجلة الأخبار الشهرية للجمعية الفلكية الملكية ما سيحدث لنجوم هذه المجرة بعد حدث الاصطدام الكبير، إذ إنها ستقع في مكان أطلق عليه الباحثون اسم العالم المجري السفلي.

يعتبر هذا الجحيم السماوي موطناً لتوزّعات من النجوم النيوترونية والثقوب السوداء الميتة التي تشكّلت عندما أنهت انفجارات المستعرات العظمى حياة النجوم الكبيرة. على الرغم من أن هذه المناطق غير مرئية بالعين المجردة، فقد استخدم علماء الفلك المحاكيات الرقمية بالإضافة إلى المعلومات المتعلقة بتاريخ المجرات لنمذجة هذه التوزّعات النجمية القديمة، ما مهّد الطريق لرسم أول خريطة لقبر مجرة درب التبانة. يقول طالب مرحلة الدكتوراة في جامعة سيدني والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، ديفيد سويني (David Sweeney): “تمكّن علماء الفلك من تصميم هذه المحاكيات بالغة التعقيد لمجرة درب التبانة، والتي تبين شكلها”، ويضيف: “لذلك، قمنا بتصميم محاكيات مشابهة واكتشفنا المناطق الخالية من النجوم”.

أربع صور لمجرة درب التبانة والعالم المجري السفلي. تُظهر الصورتان العلويتان المجرة من الأعلى والجانب. وتبدو المجرة في الصورة اليسرى كمجرة حلزونية نموذجية. بينما تبدو في الصورة اليمنى وكأنها شريط ساطع. يبدو العالم المجري السفلي في الصورة اليمنى السفلى على شكل كرة صغيرة تحتوي على نقطة ساطعة. بينما يبدو في الصورة اليمنى وكأنه شريط يحتوي على خط ينبثق إلى الخارج.
تمثيل ملون لمجرة درب التبانة المرئية (في الأعلى) مقارنة بمدى العالم المجري السفلي (في الأسفل). جامعة سيدني

من خلال دراسة هذه المحاكيات، اكتشف الباحثون أمراً فاجأهم للغاية. في حين أن كتلة هذه المقبرة المجرية تبلغ نسبة 1% فقط من كتلة مجرة درب التبانة الكلية، إلا أنها تحتوي على توزّعات وبنى مختلفة للغاية عن تلك الموجودة في المجرة المرئية. يعني ذلك أن المجرة والعالم المجري السفلي الخاص بها ليسا متناظرين بشكل مثالي، وأن بنية كل منهما تختلف بشكل كبير عند النظر إليها من زوايا مختلفة. الغريب هو أن هذه المقبرة أكبر بكثير من المجرة الحية. في الواقع، إن حجمها يفوق بكثير حجم مجردة درب التبانة.

مقابر مجرية أكبر من المجرات نفسها

يقول سويني: “تمتلك هذه المقبرة شكلاً غريباً بحق”، ويضيف: “إذ إنها أكبر بثلاث مرات تقريباً من مجرتنا. ما يعني أنها منتفخة كثيراً، وهو أمر يجعل رصدها أكثر صعوبة”. يعني تعبير منتفخة في هذا السياق أن المقبرة المجرية تشبه سحابة كروية الشكل بدلاً من أن تشبه المجرات الحلزونية مثل مجرة درب التبانة.

اقرأ أيضاً: شاهد قلب مجرة درب التبانة كما لم تره من قبل

من المنطقي طرح السؤال التالي: متى ستموت مجرة درب التبانة بالضبط؟ لسوء الحظ، ووفقاً لأستاذ علم الفلك في جامعة سيدني والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، بيتر تاتهيل (Peter Tuthill)، لم يتمكن العلماء بعد من معرفة جواب هذا السؤال. ولكن كما يشير تاتهيل، لا يمكن اعتبار مجرة درب التبانة مجرة يافعة بعد الآن،

إذ يقول: “لقد ولى العصر الذهبي للكون”، ويضيف: “تجاوزت المجرة التي نعيش فيها اليوم مرحلة العصور الأساسية لتشكّل النجوم”. على الرغم من أن النجوم الجديدة لا تزال آخذة في التشكّل في مجرتنا، فإن معدل تشكّل هذه النجوم ينخفض بشكل منتظم. وهي علامة لا ريب فيها على أن المجرة تقترب ببطء من موتها. في جميع الأحوال، العلماء على يقين من أن بعض الأجزاء الأصلية من مجرتنا يمكن أن تبقى حية. وفقاً لسويني، سيتم قذف نحو 30% من النجوم النيوترونية الميتة الموجودة في العالم السفلي لمجرة درب التبانة إلى الفضاء بين المجري في نهاية المطاف، وستنتقل هذه النجوم إلى أنظمة جديدة.

يضيف تاتهيل قائلاً إن الخريطة الحالية التي صممها الباحثون هي إحصائية بامتياز؛ إذ يستطيع علماء الفلك استخدامها لتقدير مواقع النجوم الميتة فقط. لكن لم يتمكّن العلماء بعد من استخدامها لاكتشاف الأجرام السماوية وتحديد مواقعها بدقة في العالم المجري السفلي. يقول تاتهيل: “وجدنا خريطة للمقبرة المجرية ولكننا لا نعرف مواقع القبور فيها”.

اقرأ أيضاً: رصد مجرة يمكن أن تكون قد تشكّلت بدون المادة المظلمة

مع إجراء المزيد من الأبحاث المفصلة حول هذه النجوم الميتة في المستقبل، يمكن أن يتم استخدام البيانات المحدّثة لتعديل هذه الخريطة الأولية. مع ذلك، يتطلع مؤلفو الدراسة إلى الاطلاع على المكتشفات الجديدة المهمة التي يمكن أن تنتج من دراسة الأجرام السماوية الميتة.