رصد مجرة يمكن أن تكون قد تشكّلت بدون المادة المظلمة

تشكل مجرة دون مادة مظلمة
حقوق الصورة: جوزيف كلوباكا/ شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

فوجئ علماء الفلك بالعثور على مجرة تفتقر إلى مكون غير مرئي، ولكن أساسي: إنه المادة المظلمة.

تولّد المادة المظلمة، وهي مادة افتراضية غامضة تشكّل 27% من الكون ولا تصدر الضوء، قوّة جذب تؤثّر على المادة العادية. تلعب المادة المظلمة في النموذج الذي يتّبعه العلماء لتشكّل المجرات دوراً أساسياً لأن الجاذبية التي تولّدها تمثّل الأساس الذي يسمح للمجرات بالتشكل.

لماذا يُعد اكتشاف تشكل مجرة دون المادة المظلمة غريباً؟

يقول «بافيل مانسيرا بينيا»، عالم فلك في جامعة «غرونينغن» والمعهد الهولندي لعلم الفلك الراديوي، والذي قاد مشروعاً حديثاً لدراسة «مجرة فائقة الانتشار» اسمها «إيه جي سي 114905» (AGC 114905) ستُنشر نتائجه في دورية «ملاحظات شهرية للجمعية الفلكية الملكية» (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society): «ضمن فهمنا الحالي لعملية تشكّل المجرات وتطوّرها، تتشكل المجرات في مركز هالة كبيرة من المادة المظلمة». يضيف مانسيرا بينيا أن هالات المادة المظلمة هذه تتراكم في الفضاء وتجذب المجرات لبعضها.

لهذا تفاجأ مانسيرا بينيا وفريقه كثيراً عندما وجدوا مجرة يعتقدون أنها تشكّلت دون المادة المظلمة.

درس مانسيرا بينيا في السنوات القليلة الماضية نوعاً من المجرات يسمى «المجرات فائقة الانتشار». تحتوي هذه المجرات على واحد بالألف من عدد النجوم الموجود في مجرة درب التبانة، على الرغم من أن حجمها يقترب من حجم هذه المجرة. يقول مانسيرا بينيا إن هذه المجرات تكون ذات سطوع أقل، لذلك لم يتمكّن علماء الفلك من رصد الكثير منها حتى تطوّرت تكنولوجيا التلسكوبات حديثاً. لكن لا يزال الخبراء يجهلون كيف تشكّلت هذه المجرات، والتي لها كتل أقل بكثير من المجرات العادية.

تتألف كتلة المجرة من كتل النجوم والغاز الذي تحتوي عليه، وهما مكونان يستطيع العلماء رؤيتهما، كما تتألف أيضاً من المادة المظلمة، والتي لا يستطيع العلماء رصدها. يعلم علماء الفلك أنه كلما تركّزت الكتلة أكثر قرب مركز المجرة، ستكون سرعة دورانها حول نفسها أكبر. ولكن معظم المجرات المرصودة تدور بسرعة أكبر من تلك التي يُتنبّأ بها من وزنها.

هنا تدخل المادة المظلمة المعادلة: إذ أنها تزيد من وزن المجرة دون أن تكون مرئية بالنسبة للتلسكوبات بشكل مباشر. بأخذ ذلك بعين الاعتبار، اعتاد علماء الفلك أن يرصدوا مجرات تدور بسرعة أكبر من المتنبأ بها بتأثير المادة المظلمة.

إذا تمكنا من قياس كتلة النجوم والغاز في مجرة ما باستخدام التلسكوبات، ثم قارنّا هذه الكتلة بالكتلة الكلية للمجرة التي يمكننا حسابها انطلاقاً من سرعة دورانها، يمكننا عندها أن نعرف كمية المادة المظلمة الموجودة في تلك المجرة من الفرق بين القيمتين. طبّق فريق الباحثين هذا على المجرة الجديدة، وتفاجئوا بأن حركة المجرة يمكن تفسيرها باستخدام المادة العادية فقط.

اقرأ أيضاً: شبكة كونية باهتة تفسّر تشكل المجرات

المجرة «إيه جي سي 114905» (AGC 114905) 

يقول مانسيرا بينيا إن الفريق حاول وضع نموذج للطريقة التي يفترض أن يؤثر بها الشكل الأكثر رواجاً من المادة المظلمة على هذه المجرة، والذي يُدعى «هالة المادة المظلمة الباردة». ولكن لم تنتج محاكاة الأشكال المألوفة من المادة المظلمة نفس النتائج التي استمدّها الباحثون من الأرصاد، ما يوفّر أدلة إضافية على أن هذه المجرة يمكن فعلاً أن تكون قد تشكّلت دون المادة المظلمة.

يقول مانسيرا بينيا إن العلماء قد رصدوا من قبل عدداً من المجرات التي تحتوي على كمية قليلة أو معدومة من المادة المظلمة، ولكن لم تزود أي منها العلماء بأدلة مقنعة مثل المجرة الجديدة. يقول مانسيرا بينيا: «أعتقد أن النتائج الجديدة تبين إمكانية تشكّل المجرات دون المادة المظلمة».

وفقاً لـ «إغناسيو تراجيلو»، عالم فلك في معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري في إسبانيا، والذي درس المجرات التي تحتوي على كمية قليلة من المادة المظلمة، ولم يشارك في الدراسة الجديدة، يعلم العلماء بالفعل بوجود نوع آخر من المجرات التي لا تحتوي على المادة المظلمة، وهي تلك التي تشكّلت نتيجة التفاعل المدّي بين مجرتين. يمكن للجذب المدّي لمجرة قريبة أن يسلب المجرة من محتواها من المادة المظلمة، مما يفسّر تشكّل بعض المجرات مع المادة المظلمة، ولكن فقدانها لها في النهاية.

وفقاً لتروجيلو، أشهر مجرتين يفترض أنهما لا تحتويان على المادة المظلمة هما «اليعسوب 2» و«اليعسوب 4»، ويعتقد أن استنتاج عدم احتواء إحدى هاتين المجرتين على المادة المظلمة بُني على افتراضات خاطئة حول المجرة. ولكن المجرة الأخرى «تُدمّر مدّياً بسبب جارتها» حسب قوله. لكن مجرة إيه جي سي 114905 رُصدت بدقة أكثر من ناحية بعدها عنا وسرعة دورانها، كما أنها تبدو معزولة، لذلك من غير المرجح أن تكون مادتها المظلمة قد سُرقت من قبل مجرة قريبة منها.

يقول تروجيلو: «الدراسة الجديدة جدية للغاية، واُنجزت بشكل جيد»، ويوافق أن المجرة مرشّحة لتعتبر إحدى المجرات التي لم تحتوِ أبداً على المادة المظلمة.

يلفت تروجيلو إلى أنه لا يعتقد أن هذا الاكتشاف سيغير الطريقة التي ينظر بها العلماء إلى المادة المظلمة وتشكّل المجرات بعد. يتطلّع تروجيلو إلى نتائج المشاريع التي يمكنها أن تحلل هذه المجرة بشكل أكثر دقة، مثل الدراسات التي أجريت على المجرات الأخرى.

يشير تروجيلو إلى أن الدراسات التي يبدو أن نتائجها تتعارض مع الفرضيات العلمية السائدة هي مهمة. وذلك لأنها تحفّز وضع نظريات جديدة والقيام بتجارب جديدة. ويقول: «إن إيجاد أشياء غريبة هو أمر عظيم بالفعل».