لماذا تعلق ناسا الكثير من الآمال على الزراعة الفضائية؟

لماذا تعلق ناسا الكثير من الآمال على الزراعة الفضائية؟
اختبار المحاصيل المزروعة في موئل النباتات المتقدم (APH) على متن محطة الفضاء الدولية. حقوق الصورة:ناسا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن زراعة النباتات في الفضاء ليست بالأمر السهل في الواقع، لكن تحقيق ذلك بالنسبة لرواد الفضاء لم يعد مجرد إنجاز يحققونه، بل أصبح حاجة ضروريةً لهم.

كان لتجارب زراعة النباتات على محطة الفضاء الدولية تاريخ قصير، ولكنه اتسم بالحماسة والتفاؤل، ففي الوقت الذي يتجه فيه رواد الفضاء نحو الاستقلال أكثر عن الأرض على المدى الطويل، يصبح من الضروري جداً أن يكونوا قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية في المدار.

إنتاج المحاصيل في الفضاء مستقبلاً

تقول ناسا في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني: «تركز المشاريع الصغيرة التي تجري في المحطة الفضائية اليوم على إجراء البحوث الأولية المرتبطة بنمو المحاصيل وأدائها. إنها بمثابة نقطة انطلاق لتطوير أنظمة كاملة لإنتاج المحاصيل التي سترافق رواد الفضاء في المستقبل». 

لكن الجهود الحالية لإنتاج المحاصيل الفضائية على نطاق واسع تواجه تحديات مالية ولوجستية وثغرات تكنولوجية. وفي هذا الصدد، يدعم بحث جديد نُشر مؤخراً في دورية «Frontiers in Astronomy and Space Sciences» الحاجة إلى تطورات جديدة في الأتمتة والروبوتات وحتى التعلم الآلي للتغلب على بعض هذه العقبات. 

نظراً لأن الأطعمة المعبأة مسبقاً تفسد بمرور الوقت، بالإضافة إلى أن توصيل الموارد من الأرض إلى مستوطنات القمر أو المريخ المحتملة يستغرق وقتاً طويلاً، فمن الأفضل استثمار الموارد في الحفاظ على صحة طواقم الرحلات في الوقت الفعلي. 

يقول سيمون جيلروي، أستاذ علم النبات في جامعة ويسكونسن ماديسون، والذي لم يشارك في البحث: «توفير الطعام والأكسجين باستمرار، بالإضافة للأشياء اللازمة للحفاظ على صحة الطاقم مكلف وصعب جداً. في الحقيقة، الفضاء مكانٌ لا يساعد على وجود الحياة فيه، وذلك أحد أسباب كونه فرصةً عظيمة لدراسة النباتات وسجل التطور البشري». 

اقرأ أيضاً: وكالة ناسا تنفق الكثير على رحلات الفضاء التجارية

علم النبات الفلكي

ولكن اهتمام ناسا العميق بدراسة كيفية تفاعل النباتات مع بيئة الفضاء، أو ما يعرف بعلم النبات الفلكي، ينبع إلى حد ما من الدروس المستقاة من تاريخ القراصنة. منذ قرون مضت، عندما كان المستكشفون المغامرون يسافرون لمسافات طويلة عبر البحر، كان الكثيرون يموتون بسبب مرض الإسقربوط الذي ينجم عن نقص فيتامين سي الحاد. 

هذا الفيتامين المهم، والذي يوجد بشكلٍ طبيعي في البرتقال، عنصر غذائي أساسي للبقاء بصحة جيدة.  وعلى الرغم من أن رواد الفضاء الحاليين يمكنهم الحصول على حاجتهم اليومية من الفيتامينات من خلال تناول الأقراص بدلاً عن الخوض بمشاكل الزراعة وصعوباتها المؤرقة، لكن النباتات توفر فوائد نفسية ومغذية قوية لهم.

وتنص مقالة فرونتيرز أيضاً على أنه باستخدام ما يُعرف بالتصوير الفائق الطيفي- وهي طريقة يمكنها التقاط ومعالجة كمية كبيرة من المعلومات عبر الطيف الكهرومغناطيسي (ليس فقط من خلال الضوء الأحمر والأخضر والأزرق)- يمكن للعلماء تطوير دقة نظام مراقبة صحة النبات. سيجمع هذا النظام البيانات لضمان سلامة الغذاء من خلال مراقبة صحة النبات بشكل مستقل وإعطاء رواد الفضاء تنبيهاً مبكراً عن أمراض النبات أو إصابتها بالجفاف أو بالعدوى الميكروبية. 

هناك نموذج أولي لهذا النظام بالفعل ما يزال قيد التطوير في مركز كينيدي للفضاء، ويُستخدم حالياً لإنشاء قاعدة بياناتٍ لصور النباتات يمكن لرواد الفضاء الرجوع إليها لتحديد عوامل إجهاد النبات.

تأمل ناسا في المستقبل أن تُستخدم هذه الأنظمة للمساعدة في تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي يمكن استخدامها في محطة الفضاء الدولية والبوابة القمرية، وهي نقطة استيطانية تدور حول القمر كجزءٍ من برنامج أرتميس الفضائي التابع لناسا. ولكن الوكالة تقول إن هناك المزيد من العمل الذي يجب القيام به قبل التأكد من أن الطواقم التي ستُرسل إلى المريخ سيكون لديها نظام غذائي صحي ومتكامل يرافقها أثناء رحلاتها.

اقرأ أيضاً: وكالة ناسا تختبر ليزرات فضائية لنقل البيانات الرصدية إلى الأرض

مشاريع متعددة لتطوير الزراعة في الفضاء

تدرس وكالة ناسا أيضاً، وبالتعاون مع وزارة الزراعة الأميركية (USDA)، خيار استخدام الحشائش الصغيرة (الميكروجرين)، وهي نباتات صغيرة غنية بالمغذيات ويمكن زراعتها وتناولها بسهولة ولا تحتاج إلى عملٍ كثير. هناك أيضاً العديد من المشاريع البحثية حول زراعة المحاصيل في الفضاء قيد التنفيذ، بما في ذلك نظام «فيجي» (Veggie) لإنتاج الخضروات، وهي حديقة في محطة الفضاء الدولية سيدرس رواد الفضاء من خلالها آثار انعدام الوزن على النباتات. 

وهناك مشروع آخر يُدعى «الموئل النباتي المتقدم» (APH)، وهو عبارة عن نظامٍ لتنمية النباتات مؤتمت بالكامل ويُستخدم لحصاد المحاصيل النباتية وإجراء البحوث عليها في الوقت الفعلي. بفضل هذه المشاريع والمشاريع المشابهة، أصبحت ناسا رائدة في أبحاث وحلول المحاصيل الفضائية.   

ومن أحدث المشاريع في هذا الصدد مشروع «أوهالو 3» (Ohalo III)، وهو نموذج أولي لمنصة إنتاج المحاصيل في مركز كينيدي للفضاء. حيث ستعمل هذه المنصة على اختبار تكنولوجيات تنمية النباتات الجديدة، واختبار طرقٍ متقدمة لتوصيل الماء إلى النبات. كما ستسمح المنصة لرواد الفضاء باختيار وتناول مجموعة متنوعة من المحاصيل تُستخدم غالباً بصنع السلطات، والتي يأمل العلماء أن تقلل من إجهاد قائمة الطعام، وهي مشكلة فريدة تواجهها المطاعم عادةً عندما يشعر عملاؤها بالملل من الخيارات المقدمة.

سيتم إرسال منصة «أوهالو 3»، والتي بدأ العمل بها عام 2019، في نهاية المطاف على مركبة «مارس ترانزيت»، حيث ستساعد في تطوير أنظمة الإنتاج الأولى على القمر والمريخ. 

ومع ذلك، لا يزال البشر على بعد سنوات من إنجاز حلم زراعة المحاصيل الفضائية على نطاق واسع، كما يقول جيلروي. لكن تتجلى أهمية مشاريع محطات الفضاء خلال العقود القليلة القادمة في وضع حجر الأساس للأجيال القادمة كي تزدهر. 

يقول جيلروي: «ما زلنا في مرحلة الاكتشاف والتجريب حيث نقوم بخطوات واسعة لإيجاد الحلول. نحن أشبه بالمستكشفين الذين ركبوا قواربهم وأبحروا عبر البحار السبعة ببساطة لاكتشاف ماذا تخبئ وراءها».