لماذا كان يوم 29 يونيو 2022 أقصر يوم مرّ على الأرض منذ اختراع الساعة الذريّة؟

لماذا كان يوم 29 يونيو/ حزيران 2022 أقصر يوم مرّ على الأرض منذ اختراع الساعة الذريّة؟
ناسا جونسون
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حطّمت الأرض نفسها مؤخراً رقماً قياسياً خاصاً بها. أكّد العلماء الذين يدرسون دوران كوكب الأرض أن يوم 29 يونيو/ حزيران 2022 كان أقصر يوم مرّ في التاريخ. عندما تكمل الأرض دورة كاملة حول محورها، تحدد سرعة إنجاز دورة واحدة (والتي تستغرق 24 ساعة تقريباً مع تقلّبات طفيفة) طول اليوم. لكن في 29 يونيو/ حزيران 2022، دارت الأرض بسرعة أكبر من المعتاد بقليل، ما قصّر مدة هذا اليوم بمقدار 1.59 ميلي ثانية.

خبر تاريخي لكنه غير مفاجئ

يعتبر هذا الخبر تاريخياً ولكنّه ليس مفاجئاً. إذ إنه منذ ستينيات القرن الماضي، استخدم علماء الفلك الساعات الذريّة لقياس سرعة دوران الأرض. وفي عام 1987، أنشأ الاتحاد الفلكي الدولي واتحاد علم تقسيم الأرض وعلم فيزياء الأرض ما يدعى بخدمات دوران الأرض والأنظمة المرجعية الدولية لمراقبة دوران الأرض والحفاظ على دقة التوقيت العالمي. لكن في السنوات القليلة الماضية، لاحظ علماء هذه الهيئة نمطاً غريباً في دوران الأرض. يبدو أن دوران الأرض قد ازداد سرعةً. ففي 2020، شهدت الأرض مرور أقصر 28 يوماً في تاريخها. إذ حلّت ساعة منتصف الليل في 19 يونيو/ حزيران 2022 قبل 1.47 ميلي ثانية مما كان متوقعاً. لم تتناقص سرعة دوران الأرض في عام 2021 على الرغم من أن هذه السنة كانت أطول بقليل من 2022.

يبدو أن سرعة دوران الأرض في 2022 ستكون أكبر أيضاً. إذ إن يوم 29 يونيو/ حزيران لم يكن اليوم الوحيد الذي انتهى بسرعة كبيرة أكثر من المعتاد. حلّت ساعة منتصف الليل في 26 يوليو/ تموز قبل 1.50 ميلي ثانية من الموعد المحدد. وقد يكسر كوكب الأرض الرقم القياسي مجدداً في المستقبل القريب إذا استمر بالدوران بسرعة أكبر.  

اقرأ أيضاً: الساعات الذرية الأكثر دقة تثبت صحة نظرية النسبية العامة لأينشتاين مرة أخرى

لماذا تزداد سرعة دوران الأرض؟

لكن لماذا تزداد سرعة دوران الأرض؟ لم يصل علماء الفلك بعد إلى إجابة هذا السؤال، ولكن لديهم بعض الفرضيّات. يُتوقّع أن يناقش علماء الفلك في الاجتماع السنوي القادم لجمعية علوم أرض آسيا وأوقيانوسيا انخفاض طول الأيام وعلاقته بظاهرة تحمل اسم تأرجح تشاندلر.

تصف ظاهرة تأرجح تشاندلر الحركات الصغيرة وغير المنتظمة التي تتسبب بتغيّرات طفيفة في سرعة دوران الأرض. تشبه هذه الحركات الحركة الاهتزازية للبلابل عندما تبدأ بالتباطؤ. يعتقد العلماء أن التغيرات في الضغط الجويّ وقاع المحيط تتسبب بتحرك الأرض بطريقة تجعل محور دورانها ينحرف. قال ليونيد زوتوف (Leonid Zotov)، عالم الفلك في الاتحاد الفلكي الدولي لموقع تايم آند ديت (Time and Date) إن السعة الاعتيادية لتأرجح تشاندلر تبلع نحو 3-4 أمتار عند سطح الأرض. ولكن هذه الظاهرة اختفت من عام 2017 إلى 2020. تُرجع فرضيات أخرى تفسّر انخفاض سرعة دوران الأرض إلى انخفاض وزن الغطاء الجليدي في القطبين الشمالي والجنوبي بسبب ذوبان الجليد، والنشاط الزلزالي والتغيرات التي طرأت على لب الأرض الداخلي المنصهر.  

على الأرجح أنك لم تلحظ أن ساعة منتصف الليل في 29 يونيو/ حزيران حلّت في موعد أبكر. إذ إننا لا نقيس الزمن بالميلي ثانية في حياتنا اليومية. لكن الحواسيب تستطيع ملاحظة هذا التغيّر. وعلماء الفلك اليوم قلقون من أنه إذا استمرت سرعة دوران الأرض بالتزايد، فسيؤثّر ذلك على الطريقة التي تقيس بها هذه الحواسيب الوقت. نظراً لأن أقمار نظام تحديد المواقع العالمي والهواتف الذكية والحواسيب وأجهزة الاتصالات الأخرى تستخدم الساعات الذرية، وسيوثّر ازدياد سرعة دوران الأرض على قدرتها على أداء وظائفها ويجعلها غير قابلة للاستخدام.  

اقرأ أيضاً: ليس هناك كوكب بديل عن الأرض

حل، لكن مؤقت

درس العلماء الدوليون الذين يراقبون مُدد الأيام فكرة إزالة ثانية كبيسة من نهاية شهر ديسمبر/كانون الثاني. تكمن الفكرة في طرح ثانية واحدة من الساعات للحفاظ على تزامن الوقت الذي نقيسه مع دوران الأرض. لكن لا يوافق جميع العلماء على هذا الاقتراح. إذ نشرت شركة ميتا (Meta) منشوراً على مدونتها في 25 يوليو/ تموز 2022 تجادل فيه أن فكرة الثانية الكبيسة هي فكرة نشأت في سبعينيات القرن الماضي وعفا عليها الزمن، وأنها ستتسبب في فشل برامج البيانات والتكنولوجيات المستخدمة اليوم.

لا يعرف أحد ما إذا كانت الأرض ستتباطأ أو تستمر بالتسارع في النهاية. إذ إن ذلك ليس واضحاً حتى بالنسبة للخبراء. قال زوتوف: “أعتقد أن احتمال وصولنا للحد الأدنى من [طول اليوم] هو 70%”، وأضاف: “كما أنني لا أعتقد أننا بحاجة إلى طرح الثانية الكبيسة”.