تلسكوب جيمس ويب الفضائي يواصل إذهالنا بإرسال مجموعة كبيرة من البيانات الكونية

تلسكوب جيمس ويب الفضائي على وشك إرسال كميات هائلة من البيانات الكونية إلينا
استطاع تلسكوب جيمس ويب الصمود في درجات حرارة متطرفة جداً خلال رحلته التي امتدت 1.6 مليون كيلومتر بعيداً عن كوكب الأرض. مركز جودارد للتحليق الفضائي/سي آي إل/أدريانا مانريك جوتيريز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بفضل تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)، بات بمقدورنا النظر بوضوح أبعد بكثير من ركننا الصغير في هذا الكون. نشرت وكالة ناسا مؤخراً بعضاً من أكثر صور الكون وضوحاً التي تم التقاطها حتى الآن. على الرغم من أن التلسكوب لم يبدأ عملياته العلمية إلا منذ ستة أشهر فقط، فإن الدفعة الأولى من الصور، والتي تضمنت خمس مجرات متجاورة تسمى خماسية ستيفان، وسديم كارينا التي تُعتبر منطقة غازية تولد فيها النجوم- كانت من بين أفضل صور الكون المذهلة التي التقطت حتى الآن.  

يبدو أن إثارة إعجاب عشاق الفضاء حول العالم أصعب مما قد تعتقد. في الواقع، هناك جهد كبير تم بذله لضمان أن تكون الصور الكونية المقرّبة ليست جميلة وحسب، بل وتعكس الأولويات العلمية لمجتمع علم الفلك. إذاً ما الذي يتم فعله بالضبط لضمان أن تكون صور تلسكوب جيمس ويب التالية مثالية؟

 الفرق بين تلسكوب جيمس ويب وهابل

تكمن الإجابات عن هذه الأسئلة في الاختلافات بين تلسكوب جيمس ويب والتلسكوب الذي سبقه؛ تلسكوب هابل الفضائي الذي بلغ من العمر 32 عاماً. يتمتع الاثنان بقدرات مختلفة إلى حد كبير: يلتقط تلسكوب هابل الصور بشكل أساسي في نطاق الطول الموجي المرئي والأشعة فوق البنفسجية، بينما يلتقط تلسكوب جيمس ويب صور أهدافه في نطاق الأشعة تحت الحمراء، أي في نطاق موجات الضوء غير المرئية بالعين المجردة. لإنشاء المشاهد المذهلة التي تم نشرها مؤخراً، كان على العلماء معالجة هذه الصور وتلوينها. وهذا ما يفسر أيضاً لماذا يمكن أن تبدو العديد من الصور لنفس الجسم الكوني مختلفة تماماً، اعتماداً على كيفية اختيار الفلكيين طريقة تلوينها.

بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لاختلاف حجم مرايا تلسكوب جيمس ويب وقدرتها على رؤية ضوء الأشعة تحت الحمراء، يستطيع التلسكوب النظر أبعد في الكون مقارنةً بتلسكوب هابل. ووفقاً لوكالة ناسا، يمكنك التفكير في الأمر على أن تلسكوب هابل قادر على رؤية “المجرات الصغيرة” الأقرب، بينما يمكن لتلسكوب جيمس ويب اكتشاف “المجرات الوليدة” الأبعد في الواقع.

قال عالم برنامج بعثة تلسكوب جيمس ويب، إريك سميث، خلال مؤتمر صحفي عقدته وكالة ناسا يوم الثلاثاء: «كانت الصور الأولى لتلسكوب جيمس ويب استثنائية بشكل خاص على الرغم من أنها كانت مجرد تدريبات من الناحية الفنية». وأشار سميث إلى أن علماء الفلك ربما كانوا متحفظين للغاية في اختيار الأهداف الأولى للتلسكوب لأنهم لم يفكروا في مدى جودة الصور عند التخطيط لهذه المشاريع. يقول سميث: «نحن نقوم بالاكتشاف ولم نبدأ المحاولة بعد، لذلك فإن التوقعات حول ما سينجزه التلسكوب كبيرة جداً». 

اقرأ أيضاً: ما المرحلة التالية في استكشاف الفضاء بعد إطلاق تلسكوب جيمس ويب؟

ولكن مع الصور الحالية عالية الجودة، يأمل سميث أن يكون العلماء أكثر ميلاً إلى المغامرة في الدورة العلمية الثانية للتلسكوب، لأنهم يدركون الآن مدى جودة أداء التلسكوب».

يستطيع تلسكوب جيمس ويب أيضاً جمع بياناتٍ أكثر بسرعة أكبر من تلسكوب هابل. في هذا الصدد، قال عالم برنامج بعثة جيمس ويب، كلاوس بونتوبيدان، للمراسلين إن علماء ناسا يقضون أسابيع في المتوسط في تنزيل وتحرير الصور الفردية قبل تجميعها للحصول على صورة متكاملة ونشرها للعموم. 

يرسل هابل نحو 120 غيغابايت من البيانات العلمية إلى الأرض أسبوعياً. بينما سيتم نشر نحو 50 تيرابايت من بيانات تلسكوب جيمس ويب خلال الأيام القليلة المقبلة- أي أكثر 400 مرة مما يرسله هابل أسبوعياً- للعموم. تم إنشاء صور الحقول العميقة الجديدة لتلسكوب جيمس ويب، والتي كشف عنها الرئيس بايدن يوم الاثنين، من تراكب عدة صور ذات أطوال موجية مختلفة، واستغرق اكتمالها نحو 12.5 ساعة، وفقاً لوكالة ناسا. في المقابل، استغرق إنشاء صور الحقول الأعمق لتلسكوب هابل عدة أسابيع لتجميعها. 

اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب الفضائي على وشك أن يبهرنا بالاكتشافات الجديدة

خطط مستقبلية

على الرغم من أن وكالة ناسا لم تصدر بعد قائمة أهداف جديدة أو جدولاً زمنياً لنشر صور جديدة، فإن مسؤولي الوكالة يقولون إن فريق المهمة سيركز على التحقيق في الكواكب الخارجية لنجم ترابيست-1 (Trappist-1) خلال السنة الأولى من عمل تلسكوب جيمس ويب. سيقوم التلسكوب بإجراء “استطلاع جوي” في محاولة لمعرفة المزيد عن الغلاف الجوي للنظام النجمي وقابليته للسكن وتشكيلات الكواكب حوله. 

من المتوقع أن يستمر التلسكوب في العمل لبضعة عقود. طالما أن التلسكوب يمتلك طاقة كافية ويمكنه تحمّل الظروف القاسية في الفضاء، يجب أن يكون قادراً على العمل بكامل طاقته طوال تلك المدة. خلال الوقت الذي سيراقب فيه النجوم، سيكون عمل تلسكوب جيمس ويب بمثابة عمل آلة الزمن، حيث سيمنح العلماء نافذة صغيرة على ما كان يبدو عليه الكون منذ أكثر من 13 مليار سنة مضت. يقول الأستاذ المشارك في هندسة الطيران وميكانيكا الهندسة بجامعة تكساس في أوستن، موريبا جاه، إن القياسات التي يرسلها التلسكوب لن توفر الأدلة اللازمة للنظر في أصول الكون وحسب، بل ستكون مفيدة للغاية للتطورات المستقبلية في علم الفلك وهندسة الطيران أيضاً. 

ويضيف موريبا: «ما نريده حقاً ليس فقط أن نفهم ما حدث، ولكن أن نتنبأ بما سيحدث في المستقبل. إذا كنا قادرين على التنبؤ بشكل أكثر دقة، يمكننا اتخاذ قرارات أفضل لضمان أننا كجنس بشري يمكن أن يزدهر إلى الأبد حقاً».

اقرأ أيضاً: تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي سيتمكّن قريباً من البحث عن أول الفوتونات في الكون

بينما يبدو مستقبل تلسكوب جيمس ويب مشرقاً في الوقت الحالي، إلا أن علماء الفلك يحذرون من أن الفضاء بعيد عن كونه فارغاً، إذ لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث هناك. في الوقت الحالي، يوجد التلسكوب في نقطة لاغرانج الثانية (L2)، وهي منطقة جاذبية مستقرة تبعد نحو مليون ميل عن الأرض، حيث يمكن أن تكون الأجسام هناك، مثل الخردة الفضائية أو النيازك الدقيقة، أكثر ميلاً للانجراف. لكن موريبا يشير إلى أن التلسكوب يمكن أن يُدمّر في أي لحظة إذا ما اصطدمت به قطعة كبيرة من الصواريخ أو الصخور الفضائية أو قمر صناعي صغير. 

ومع ذلك، ومع توقف الكثير على نجاح التلسكوب المستمر، فمن شبه المؤكد أن تلسكوب جيمس ويب سيستمر في عمله ويساهم في تقدم أبحاث الفضاء لعدة سنوات قادمة على الأقل.