هل يمكن أن يكون التعلم الذاتي مطبّقاً على الكون نفسه؟

التعلم الذاتي والكون
حقوق الصورة: مو فيل/ شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التعلم الذاتي هو أن يتعلم الشخص مادةً أو أن يتقن مجالاً ما دون مدرس أو تعليم رسمي. ومن الأمثلة الشهيرة على هؤلاء ليوناردو دافنشي، كاتو لومب، المترجم الهنغاري الذي يتقن 17 لغة على الأقل، وجوليان أسانج مؤسس ويكيليكس. وحاليّاً، قد يكون هناك فردٌ جديد انضمّ إلى هذه القائمة: الكون نفسه، إذ يمكن للكون أن يعلم نفسه باستمرار كيف يتطور إلى حالة أكثر استقراراً، وفقاً لبحثٍ جديد نُشر مؤخراً في أرشيف مسودات ما قبل الطباعة “arXiV”؛ ما يعني أن العمل لم يخضع بعد لمراجعة الأقران.

كون يسعى للاستمرار

تشرح الورقة البحثية، التي كتبها باحثون في مايكروسوفت وعلماء في جامعة براون الأميركية، من بين آخرين، أن جميع قوانين الفيزياء التي يمكننا رؤيتها أو قياسها اليوم هي قوانين عملت وانبثقت بنفسها بمرور الزمن. وإذا أردنا فهم كيفية تطور هذه القوانين الفيزيائية، كما يقولون، يجب علينا تطبيق الانتقاء الطبيعي الدارويني على علم الكونيات.

دعونا نوضح الأمر قليلاً: مع سعي الكون إلى الاستقرار بمرور الزمن بعد الانفجار العظيم، تطورت قوانين الفيزياء الأبسط التي اعتمد عليها في البداية لتصبح أكثر تعقيداً. لماذا لا تزال هناك قطط وكلاب في عالمنا، لكن لا توجد مفصليات ثلاثية الفصوص أو ديناصورات؟ أثبتت القطط والكلاب أنها الأفضل تكيفاً مع بيئتها ونجحت في نقل جيناتها إلى ذريتها. ينطبق الشيء نفسه على الكون. نقطة الاختلاف فقط هي أن الكون لا يحتاج إلى التنافس مع الأكوان الأخرى، ولكن فقط للاستمرار.

اقرأ أيضاً: ما هو مفهوم حزام الكويكبات؟

التعلم في الوقت المناسب

تصور نسخة مبكرة من الكون أن  التجاذب الثقالي مفهوم أكثر وضوحاً منذ البداية. في هذه الحالة، قانون الجاذبية لنيوتن “قانون التربيع العكسي”؛ الذي ينص على أن جميع الأجسام المادية في الكون تجذب أي أجسام مادية أخرى بقوة تتناسب طرداً مع جداء كتلتها وتتناسب عكساً مع مربع المسافة بين مراكز كتلها، لا يمكن أن يكون صحيحاً بعد الآن.

اليوم، يشرح هذا القانون لماذا تبلغ قوة جاذبية سطح القمر نحو سدس قوة الجاذبية على الأرض (يُذكر أن كتلة القمر أقل بكثير من كتلة الأرض). لكن في تلك النسخة الأبسط من الكون، ربما كانت الجاذبية مفهوماً أكثر ارتباطاً بالسكون، وكانت الجاذبية على القمر والأرض هي نفسها. يمكنك تطبيق نفس طريقة التفكير على قوانين الفيزياء الأربعة عشر الأخرى.

توضح جانا ليفين، أستاذة الفيزياء وعلم الفلك في كلية بارنارد في جامعة كولومبيا الأميركية، مديرة العلوم في “بايونير ووركس” (Pioneer Works)، وهو مجتمع مقره نيويورك يشجع التفكير الراديكالي بين الفنون والعلوم: “إذا كان الكون قادراً على الحساب باستخدام مجموعة معينة من الخوارزميات، فربما يمكنه فعل الشيء نفسه الذي نراه في الذكاء الاصطناعي، حيث لديك أنظمة التعلم الذاتي التي تعلم نفسها قواعد جديدة. وبالقواعد في علم الكونيات، نعني قوانين الفيزياء”.

اقرأ أيضاً: أسئلة منتصف الليل: هل نعيش وحدنا في الكون؟

قانون كوني ليحكم الجميع

في هذه المرحلة، تمزج الورقة البحثية علم الكونيات -أو دراسة الكون وأصوله- مع علم الأحياء. إذ كتب المؤلفون: “نتساءل عما إذا كانت هناك آلية منسوجة في عمق نسيج العالم الطبيعي، يمكن من خلالها للكون أن يتعلم قوانينه”. بعبارةٍ أخرى، القانون أو المعيار الكوني يتجاوز جميع المجالات العلمية. هذا يعني أن قوانين الفيزياء، كما نعرفها، يمكن أن تخضع لقوانين الكون ذات الترتيب الأعلى والتي تتحكم فيها، ولا يمكننا حتى فهمها.

يقول بروس باسيت، الأستاذ في قسم الرياضيات بجامعة كيب تاون ورئيس مجموعة علم الكونيات في المعهد الإفريقي للعلوم الرياضية في جنوب إفريقيا: “يعد استكشاف الروابط بين المجالات العلمية أمراً بالغ الأهمية لأن المعرفة ليست مجزأة أساساً. نحن البشر ببساطة ضيّقو الأفق. نقوم بتقسيم المعرفة إلى علم الأحياء، والفيزياء، وعلم الاجتماع بسبب أدمغتنا المحدودة، وتكلفة هذا التقسيم والضغط هي أننا نفتقد بسهولة القواسم المشتركة والكونية المخفية بين فروع المعرفة البشرية”.

قد يكون هذا هو السبب في أن البشر يواجهون صعوبة في استيعاب فكرة أن الكون يمكن أن يكون ذاتي الحركة، إذ لا يمكننا تفسير ذلك جيداً من خلال تخصصاتنا العلمية الحالية. إذ يقول عالم الكونيات الشهير نيل ديغراس تايسون: “الكون ليس ملزماً بأن يكون منطقياً بالنسبة لنا”.

وعلى عكس البشر، لا يحتاج الكون إلى التنافس مع الأكوان الأخرى، يهتم الكون بشؤونه الخاصة. بالطبع، عندما نستخدم أفعالاً مثل “ينافس” و”يهتم” لوصف الكون ككلّ، فإننا نستسلم لمركزية الإنسان؛ وجهة النظر الفلسفية القائلة بأن كل شيء يبدأ وينتهي بالبشر. لكن لا يمكننا فعل الكثير حيال الأمر حقاً، فقدرٌ كبيرٌ من الطريقة التي نفكر بها بالعالم من حولنا متجذر في اللغة التي اعتدنا عليها. الكون ليس لديه عقلٌ واعٍ، مثلما الاصطفاء؛ الاصطفاء الطبيعي حيادي بنسبة 100%.

قرب نهاية ورقتهم المكونة من 79 صفحة، يعترف العلماء أن كل ما يفعلونه هو محاولة اتخاذ الخطوات الأولى نحو تشكيل نظرية جديدة. إذ يكتبون “من المبكر بالفعل التعليق حول ما إذا كانت هذه الأفكار لها علاقة بكوننا. الفكرة الأساسية مثيرة للاهتمام، وتمزج بين علم الكونيات والأفكار الجوهرية وراء الذكاء الاصطناعي، لكنها تأملية وراديكالية في نفس الوقت”.

لكن الفيزياء النظرية تحتاج إلى أفكار راديكالية لتستمر بالمضي قدماً. إنها دعوة لاستكشاف فكرة مجنونة لأننا نجد أنفسنا في مواجهة كونٍ مجنون لا نفهم منه إلا القليل. وقد يلهمنا ذلك لاكتشافٍ ثوريّ حقيقي، وربما يقودنا إلى مكانٍ لا يستطيع حتى مؤلفو الدراسة تخيله.