العدسات السائلة قد تجعل تلسكوبات وكالة ناسا المستقبلية أكثر كفاءة من تلسكوب جيمس ويب

العدسات السائلة قد تجعل تلسكوبات وكالة ناسا المستقبلية أكثر كفاءة من تلسكوب جيمس ويب
رسم توضيحي يبيّن المرحلة الأخيرة من عملية تصنيع تلسكوب مستقبلي عملاق في الفضاء باستخدام السوائل. حقوق الصورة: ستوديو إيلا مارو/ وكالة ناسا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تبحث وكالة ناسا باستمرار عن طرق جديدة لتزيد من قدرتها على رصد أقاصي الكون، إذ اختبرت الوكالة في سلسلة حديثة من التجارب تكنولوجيا قد تمكّنها من بناء تلسكوبات أكبر بـ 10 مرات (أو حتى 100 مرة) من تلسكوب جيمس ويب الفضائي. إليك التفاصيل المثيرة لهذه التكنولوجيا الجديدة. 

الحجم هو العامل الأهم

تتميّز قوانين الفيزياء (لدرجة مزعجة) بكونها مادّية بطبيعتها. لذا، عندما يتعلق الأمر بالبصريات، فالحجم هو العامل الأهم. وبالنسبة للتلسكوبات، يعني ذلك أنه كلما ازداد حجم التلسكوب، كان أداؤه أفضل.  

تستطيع التلسكوبات الأكبر حجماً جمع كمية أكبر من الضوء مقارنة بالتلسكوبات الأصغر، ما يسمح لعلماء الفلك برصد الأجرام الأصغر حجماً والأكثر ظلمة والأكثر بعداً بوضوح أكبر. على الرغم من أن تلسكوب جيمس ويب أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية مقارنة بسلفه، تلسكوب هابل الفضائي، إلا أن إحدى أهم مزاياه هي أن مرآته الرئيسية أكبر بنحو 6.25 مرة من مرآة تلسكوب هابل. تستطيع هذه المرآة تجميع كمية أكبر بكثير من الضوء، ما يجعلها قادرة على رصد أجسام أكثر بعداً، وهو أمر لا يستطيع تلسكوب هابل مجاراته.   

اقرأ أيضاً: تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي سيتمكّن قريباً من البحث عن أول الفوتونات في الكون

مع ذلك، يخلق كبر حجم التلسكوبات تحدّيات صعبة، سواءً من الناحية المالية أو الإجرائية. على سبيل المثال، كلّف مشروع جيمس ويب الفضائي بأكمله 10 مليار دولار. بدأ العمل على بناء المرآة الرئيسية الخاصة بتلسكوب جيمس ويب في 2004، واستغرقت عملية محاذاة أجزائها المختلفة في الفضاء 3 أشهر. تعود الحاجة إلى محاذاة هذه القطع في الفضاء إلى أنها كانت مرتبة فوق بعضها بشكل مسطّح لسهولة النقل والإطلاق إلى الفضاء. تعادل مساحة سطح تلسكوب جيمس ويب عند نشره بشكل كامل مساحة ملعب كرة المضرب، ويبلغ طول درعه الشمسي 21 متراً، بينما يبلغ عرضه 14 متراً، ما يجعل هذا التلسكوب أكبر من أن تحمله أي مركبة إلى مداره دون تخزين أجزائه المختلفة بشكل مسطح.     

الحجم هو العامل الأهم
تشاهد «كارين نايبرغ»، رائدة الفضاء من وكالة ناسا، فقاعة من الماء تعوم بحرية في الفضاء بينها وبين الكاميرا التي التقطت الصورة، ما يجعلها تبدو مقلوبة في القطرة. حقوق الصورة: وكالة ناسا.

استخدام السوائل كعدسات

بالنسبة لعلماء وكالة ناسا، تعتبر أي تكنولوجيا جديدة تساعدهم على تصميم تلسكوبات أكبر، دون أن يضطروا للتعامل مع التحدّيات التي يتطلّبها بناء التلسكوبات الحالية وتجميعها، مثيرة للاهتمام للغاية. وهنا تدخل العدسات السائلة المعادلة.  

كما أوضحت وكالة ناسا في منشور على مدوّنتها أعلنت فيه عن تجاربها الأخيرة، تتميز السوائل بخاصية تسمى «التوتر السطحي»، وهي «قوة مرونية تحافظ على تماسك جزيئات سطح السائل». هذه القوة هي التي تجعل شكل قطرات الماء كروياً على الأرض، على الأقل حتى تصبح شدة قوة جاذبية الأرض التي تؤثر على القطرات كبيرة جداً لدرجة تجعلها تنهار تحت تأثير وزنها.  

لكن في الفضاء الخارجي، لا تمثّل الجاذبية الأرضية مشكلة كبيرة. لذلك، لا يوجد حد تقريباً لأحجام قطرات السوائل الكروية (مع أن ذلك يتسبب بمشكلات متعلقة باستخدام المراحيض في الفضاء). لهذا السبب، يسعى علماء وكالة ناسا إلى البحث في إمكانية استخدام السوائل لصنع أجهزة بصرية عالية الدقة.   

يقول «إدوارد بالابان»، الباحث الرئيسي في تجربة التلسكوب المعتمد على السوائل:

«ضمن ظروف الجاذبية الصغرى، تتخذ السوائل أشكالاً تساعد على تصميم العدسات والمرايا، لذلك إذا صنعنا هذه الأدوات البصرية في الفضاء، يمكن استخدامها لبناء تلسكوبات أكبر بكثير من تلك التي كنا نعتقد أننا قادرين على بنائها».

اقرأ أيضاً: تلسكوب هابل يرصد اندماج ثلاث مجرات في حدث عنيف

حتى الآن، أثبت فريق تجربة التلسكوب ذي العدسات السائلة (فلوت) من خلال عدة تجارب أجريت على الأرض أن هذه الفكرة قابلة للتطبيق. 

باستخدام دلو مملوء بالماء، تمكن الباحثون من صنع عدسات «تتمتع أسطحها بجودة عالية للغاية تماثل أو حتى تتفوق على تلك التي يتم تصنيعها باستخدام أفضل تقنيات الصقل». والأفضل من ذلك أن «تصنيع هذه العدسات استغرق وقتاً أقل بكثير مقارنة بالطرق التقليدية». 

بعد تأكيد إثبات المفهوم، اختبر الباحثون أفكارهم ضمن رحلتين جويتين مكافئتين أجريتا بالتعاون مع شركة «زيرو جي» (الرحلات الجوية المكافئة هي الرحلات التي تتّبع فيها الطائرات مسارات لها شكل قطع مكافئ، وذلك لمحاكاة ظروف الفضاء الخارجي حيث ينعدم الوزن). اختبرت الطائرتان خلال الرحلتين انعدام الوزن 50 مرة في فواصل زمنية قدرها 15-20 ثانية، وتمكّن الباحثون مجدداً من تشكيل العدسات السائلة بنجاح، على الأقل قبل عودة تأثير الجاذبية نتيجة اتباع الطائرة لمسار أقل انحناءً.  

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تغير تكنولوجيا وقود الهيدروجين شكل الطائرات التي نعرفها حالياً؟

الخطوات التالية نحو استخدام عدسات التلسكوبات السائلة

الخطوة التالية هي إجراء التجارب على السوائل في محطة الفضاء الدولية. توجد جميع المعدّات التي يحتاجها الباحثون في المحطة، وسيصل رواد فضاء مهمة «أكسيوم-1» إليها خلال الأيام القليلة القادمة. سيكون «آيتان ستيبي»، اختصاصي المهمة، مسؤولاً عن إجراء التجربة، والتي ستتضمن صنع عدسات من البوليمرات السائلة في ظروف الجاذبية الصغرى، ثم معالجتها إما بالأشعة فوق البنفسجية أو الحرارة، حتى تُعاد إلى الأرض لتتم دراستها بشكل أكثر تفصيلاً.   

قال «فيفيك دويفيدي»، عالم يعمل في تجربة التلسكوب ذي العدسة السائلة ومركز «غودارد» للرحلات الفضائية التابع لوكالة ناسا: «نتوقّع أن يمكننا هذا النهج من تصنيع عدسات لها أشكال مثالية وأسطح مصقولة بشكل مثالي، وهي الأسطح الأكثر ملائمة لتصنيع المرايا». إن تطبيق هذه التكنولوجيا من شأنه أن يجعل وكالة ناسا تقترب خطوة من تحقيق الهدف المتمثّل في بناء تلسكوب فضائي عملاق في المستقبل.