ما تبعات تأخير مهمة سايكي على جهود وكالة ناسا في دراسة الكويكبات؟

ما تبعات تأخير مهمة سايكي على جهود وكالة ناسا في دراسة الكويكبات؟
سيدرس علماء مهمة يانوس التابعة لوكالة ناسا والتي تضم مركبتين فضائيتين تشكّل مجموعة من الكويكبات الصغيرة وتبعات ذلك على تاريخ المجموعة الشمسية. لوكهيد مارتن
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد أقبل العصر الذهبي لدراسة الكويكبات، إذ أصبح هذا المجال الدراسي يمثّل إحدى الأولويات الرئيسية بالنسبة للعلماء عندما يتعلق الأمر باستكشاف الفضاء، مع ازدياد المساعي البحثية المستقبلية مثل إطلاق مركبة لوسي من قِبل وكالة ناسا، والتي بدأت رحلتها التي ستستغرق 12 سنة تجاه كويكبات طروادة المشتريّة، ومهمة هيرا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية والتي سترسل فيها مركبة تجاه كويكب ديمورفوس لدراسة تبعات مهمة دارت (DART) التي تم إتمامها في شهر سبتمبر/ أيلول 2022. حتى الآن، أطلقت وكالات الفضاء الدولية نحو 15 مهمة مخصصة لدراسة الكويكبات. وسيتم إطلاق المزيد من المهمات في المستقبل.

لماذا تستحق الكويكبات الدراسة؟

غالباً ما تستحوذ العوالم الرائعة والمرعبة الكثيرة في الكون على النسبة الأكبر من الاهتمام في مجال استكشاف الفضاء. لذلك، ما الذي يجعل هذه الأجسام الصخرية العائمة التي ندعوها الكويكبات تستحق الدراسة العلمية؟

وفقاً لعالم البرامج في قسم علوم الكواكب في وكالة ناسا، توم ستاتلر (Tom Statler)، يعود ذلك إلى أن الكويكبات تتمتع بالعديد من السمات التي لا تزال غير مفهومة بالنسبة لنا. قال ستاتلر لموقع بوبيولار ساينس (Popular Science، العلوم للعموم) في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “عندما يتعلق الأمر بالكويكبات، فنحن بدأنا للتو باكتشاف مدى تنوعها. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر فهم منشأ هذا التنوع والطريقة التي يساعدنا بواسطتها على كشف تاريخ المجموعة الشمسية هدفاً بالغ الأهمية”.

اقرأ أيضاً: ما علاقة حبيبات القمر الزجاجية بتصادم الكويكبات بالأرض؟

تحمل إحدى أكثر مهمات وكالة ناسا المرتقبة اسم مهمة سايكي. تضم هذه المهمة مركبة فضائية ستقطع مسافة 450 مليون كيلومتر لتصل إلى حزام الكويكبات الذي يقع بين كوكبي المريخ والمشتري وتكتشف ما إذا كان أحد الأجسام الصخرية الكبيرة الغني بالمعادن والموجود هناك، والذي يعتقد أنه نواة قديمة لكوكب مبكّر، قد تشكّل ضمن نفس الظروف التي تشكّلت فيها نواة الأرض أو ضمن ظروف مشابهة. من خلال دراسة خواص هذا الجسم، يمكن أن يستفيد العلماء من المعلومات التي ستكشفها مركبة سايكي عن مواده الصخرية في فهم المراحل المبكّرة الفوضوية التي مرت فيها مجموعتنا الشمسية وآلية تشكّل الكواكب مثل الأرض.

مركبة سايكي

خططت وكالة ناسا لإطلاق مركبة سايكي في وقت سابق من عام 2022. لكن فوتت المهمة الفترة الملاءمة للإطلاق بسبب التأخر في إعداد برمجيات المركبة ومعداتها. وهي أدوات تؤدي دوراً بالغ الأهمية في قدرة المركبة على التوجّه والحركة.

نظراً لأن الوكالة لم تحصل على الوقت الكافي لإكمال الاختبارات الأولية على نظام المركبة قبل الإطلاق، تم تأجيل المهمة إلى شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على الأقل. للالتزام بهذا الموعد، يعمل علماء وكالة ناسا على إعادة تصميم مسار رحلة مركبة سايكي لأن تأخير إطلاق المهمة سيؤخر أيضاً موعد وصول المركبة إلى وجهتها، والذي قدّر من قبل أنه سيحصل في عام 2026. كما قرر علماء المهمة في خطة الطيران الأساسية، أن المركبة ستستفيد من الدفع الثقالي لكوكب المريخ؛ وهي تقنية يتم فيها استغلال جاذبية أحد الكواكب لتسريع المركبات الفضائية. ستصل المركبة في النهاية إلى حزام الكويكبات في شهر أغسطس/ آب 2029.

اقرأ أيضاً: إنجاز هندسي: كيف أنقذ مهندسو ناسا مسبار الكويكبات بعد أن تعطل في الفضاء؟

على الرغم من أن التأخير يمثّل إخفاقاً، فإن علماء المهمة يهتمون بإنجازها بشكلٍ صحيح أكثر من الالتزام بجدول زمني صارم. ففي النهاية، يتم إيقاف معظم المهمات العلمية وإعادة استئنافها خلال مرحلتي التخطيط والاختبار. مع ذلك، خططت وكالة ناسا لنشر النتائج والتوصيات الصادرة عن لجنة مراجعة مستقلة مخصصة لمهمة سايكي بتاريخ 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ضمن لقاء مفتوح عبر الإنترنت. على الرغم من ذلك، فإن تأخير مهمة سايكي قد يعطّل بعض المشاريع البحثية الأخرى التي تخطط لها وكالة ناسا. إحدى هذه المهمات هي مهمة يانوس، وهي إحدى المهمات الأقل شهرة والمتعلقة بدراسة الكويكبات.

مهمة يانوس هي مهمة تضم مركبتين فضائيتين تنتميا إلى صنف من الساتلات النانوية يحمل اسم الساتلات الصغيرة (SmallSats). ستدرس المركبتان نظامين كويكبيين ثنائيين. والنظام الكويكبي الثنائي هو نظام يتألف من كويكبين يدوران حول مركز كتلة مشترك. من خلال التقاط الصور بالأمواج المرئية والأشعة تحت الحمراء، يأمل العلماء أن يتمكنوا من فهم آلية تشكّل هذه الأنظمة الثنائية. على الرغم من أنه كان من المقرر إطلاق مركبتي مهمة يانوس كساتلين ثانويين باستخدام صاروخ فالكون هيفي (Falcon Heavy) الخاص بشركة سبيس إكس (SpaceX)، والذي كان سيحمل مركبة سايكي أيضاً، فإن إطلاق مهمة يانوس سيؤجَّل أيضاً.

بمجرد إفلات مركبتي مهمة يانوس عن المركبة الفضائية الرئيسية، كان من المقرر أنهما ستحصلان على دفع ثقالي من كوكب الأرض في أغسطس/ آب 2025، قبل وصولهما إلى وجهتيهما في عام 2026. لا يزال من غير المعروف ما إذا سيتم إرسال مركبتي مهمة يانوس مع مهمة سايكي العام المقبل. ولكن أكد تصريح من وكالة ناسا، أن الوكالة “تواصل دراسة الخيارات المتاحة فيما يتعلق بمهمة يانوس”.

اقرأ أيضاً: هل تنجح ناسا في استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة الطوب من الغبار القمري؟

مصير غير معروف لمهمة يانوس حتى الآن

على الرغم من أننا لن نعرف مصير مهمة يانوس حتى يحين وقتها، فإن الاهتمام المتزايد في دراسة الكويكبات والاستثمارات الجديدة في هذا المجال تجعله من أكثر المجالات شيوعاً في استكشاف الفضاء. يقول أستاذ علوم الكواكب في جامعة أريزونا والباحث المشارك في فريق مهمة سايكي، إريك أسفوغ (Erik Asphaug)، إن دراسة الكويكبات مهمة من الناحيتين الاقتصادية والعملية أيضاً. على سبيل المثال، لا يزال علماء وكالة ناسا يتغنون بنجاح مهمة دارت (DART)، والتي تم صدم مركبة فضائية ضمنها بكويكب لإثبات أن البشر قادرون على تغيير مساره.

يقول أسفوغ: “نجحت مهمة دارت نجاحاً باهراً؛ إذ إنها حرفت مسار الكويكب الذي اصطدمت به بمقدار أكبر من المتوقع”، ويضيف: “حوّلت هذه المهمة فكرة مجردة إلى آلية مثبتة يمكن تطبيقها في الحالات الخطرة”. يقول أسفوغ أيضاً إن تغيير مسارات الكويكبات تبعاً لحاجات البشر سيمثّل آلية مفيدة للغاية في إنشاء القواعد المستقبلية على القمر وإجراء العمليات الأخرى على سطحه. يعتقد أسفوغ أنه بدلاً من الاعتماد على موارد الأرض واستنزافها، يمكن في المستقبل استخدام الكويكبات الغنية بالموارد لتلبية احتياجات رواد الفضاء من الماء والمعادن والمواد التي يتم تعدينها.

إذ يقول: “بالنظر إلى مدى الضرر الذي تحدثه عمليات التعدين الأرضي، لا يمكنني إلا أن أفكر أن هذه الممارسة قصيرة النظر للغاية”، ويضيف: “لذا فأنا أسعى لدعم مجال دراسة الكويكبات حتى نتمكن من إجراء عمليات التعدين والتصنيع التي تجرى على الأرض حالياً في الفضاء”.