مكوك كولومبيا: حادث ناسا الذي أسفر عن مقتل 7 رواد فضاء

مكوك كولومبيا: حادث ناسا الذي أسفر عن مقتل 7 رواد فضاء
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Everett Collection
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 1 فبراير/ شباط عام 2003، وتحديداً في ولاية تكساس الأميركية، كانت ملايين العيون تنظر إلى السماء الصافية بترقب، حيث تنتظر مرور مكوك الفضاء كولومبيا قبل وصوله إلى مركز التحكم في فلوريدا، بعد رحلة في الفضاء دامت أسبوعين. ولكن، وقبل 16 دقيقة من موعد الهبوط، حدث ما لا يمكن تصوره، تحطم المكوك وتناثرت شظاياه الملتهبة أثناء اختراقه الغلاف الجوي للأرض، ومات جميع أفراد طاقم الرحلة، وكل ذلك لأن تحذيرات الخبراء لم تلقَ آذاناً صاغية. ما الذي حدث فعلاً في المكوك والذي تسبب بتحطمه ووفاة الطاقم؟ وهل كان بالإمكان تدارك الحادث المأساوي؟ لنطلع إلى القصة.

بداية رحلة مكوك الفضاء كولومبيا: اللقاء الأخير

في صباح 16 يناير/ كانون الثاني عام 2003، وفي تمام الساعة 7 صباحاً وفقاً للتوقيت المحلي لمركز كنيدي للفضاء (Kennedy Space Center) في فلوريدا الولايات المتحدة. كان فريق مكون من 7 رواد فضاء يستعد للانطلاق في رحلة مكوك الفضاء كولومبيا (sts-107)، وهي الرحلة رقم 133 لبرنامج المكوك التابع لوكالة الفضاء الأميركية ناسا، والـ 28 لمكوك كولومبيا.

 يتكون الفريق من:

  • ريك هاسباند (Rick Husband) قائد الرحلة.
  • وليام ماكوول (William McCool) طيار الاختبار في البحرية الأميركية.
  • ديفيد براون (David Brown) جراح الطيران البحري والطيار المقاتل من الدرجة الأولى.
  • مايكل أندرسون (Michael Anderson) ملازم أول في سلاح الجو الأميركي.
  • كالبانا شاولا (Kalpana Chawla) مهندسة الطيران من أصل هندي.
  • لوريل كلارك (Laurel Clark) قائدة بحرية سابقة تخصصت في مهام الغوص مع الأختام البحرية الأميركية.
  • إيلان رامون (Ilan Ramon) العقيد في سلاح الجو الإسرائيلي، وهو أول رائد فضاء إسرائيلي.

في تلك الأثناء كان المهندسون يزودون المكوك بالوقود اللازم للانطلاق، وهو خزان خارجي يحتوي على نحو مليوني لتر من وقود الهيدروجين والأوكسجين السائل، بحيث يمكنهم حرق وقود كافٍ لملء حوض سباحة أولمبي كل 30 ثانية.

في تمام الساعة 10:38، بدأ العد التنازلي لانطلاق المكوك، وعملت أجهزة الكمبيوتر على بدء تشغيل المحركات الرئيسية. بعد دقيقة كانت سرعة المكوك قد بلغت 12 ألف كيلومتر في الساعة، أي نحو 10 أضعاف سرعة الصوت، وهو ما يكفي ليخترق المكوك الغلاف الجوي. وعلى ارتفاع 43 كيلومتراً أسقط المكوك معززات الصواريخ الصلبة، والآن أصبح المكوك في الفضاء وعلى ارتفاع 280 كيلومتراً من مركز التحكم.

اقرأ أيضاً: كيف يستحم رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية؟

رحلة المكوك كولومبيا

على الأرض وفي مركز التحكم، أجرى الفنيون في 17 يناير/ كانون الثاني فحصاً روتينياً لمقطع الفيديو الموثق لمرحلة الانطلاق، واكتشفوا حادثة مريبة. انفصلت قطعة صغيرة من طبقة الرغوة العازلة والمغلفة للمكوك عن خزان الوقود واصطدمت بالجناح بعد وقت قصير من الإقلاع.

 وفقاً لجيم أوبيرغ (Jim Oberg) مراقب المهام السابق، يمكن أن تحدث مثل هذه الحوادث، ولا يمكن اعتبارها مشكلة تتعلق بالسلامة، وإنما مسألة صيانة يمكن التحقق منها لدى عودة المكوك إلى الأرض، وليس قبل ذلك.

في الفضاء، انطلق المكوك في مداره بسرعة 2800 كيلومتر في الساعة. ولنحو أسبوعين من الزمن، استمتع طاقم الرحلة بالمناظر المدهشة للأرض، وأجروا 79 تجربة علمية، لتحديد تأثير انعدام الجاذبية على الخلايا البشرية، وهو ما كان متوقعاً أن يساعد في تطوير علاجات لأمراض مثل السرطان وهشاشة العظام.

اقرأ أيضاً: لماذا تم إرسال خلايا بقرية إلى محطة الفضاء الدولية؟

عودة مكوك الفضاء كولومبيا إلى الأرض

بعد مرور 16 يوماً على الرحلة، وبعد إنجاز الطاقم المهام الموكلة له، انتهت الرحلة في 31 يناير / كانون الثاني. وفي صباح 1 فبراير/ شباط استعدوا للعودة إلى الأرض. منح مركز جونسون للفضاء في هيوستن (Johnson Space Center)، الإذن لكولومبيا بدخول الغلاف الجوي للأرض.

في الساعة 8:15 دقيقة، بدأ قائد الرحلة ريك هاسباند بمجموعة من المناورات، لوضع المكوك بالوضعية الصحيحة لدخول الغلاف الجوي، بحيث يميل بزاوية 40 درجة للأعلى.

دخل المكوك الذي يزن 100 طن الغلاف الجوي بسرعة 2800 كيلومتر في الساعة. وصلت درجة الحرارة على الجناحين إلى 1400 درجة مئوية، نتيجة لقوة الاحتكاك، لكن بوجود طبقة الرغوة العازلة لا داعي للقلق على الهيكل الداخلي للمكوك، كل شيء على ما يرام، أو هذا ما كان معتقداً.

اقرأ أيضاً: ما تبعات السرعة الهائلة التي يرسل بها تلسكوب جيمس ويب البيانات على العلماء؟

وقوع الكارثة والرئيس الأميركي يعلن: لا يوجد ناجون

في الساعة 8:45 صباحاً تعطلت 4 مستشعرات حرارية على الجانب الأيسر للمكوك، وبعد دقائق أخرى سجل مركز التحكم خروج المزيد من المستشعرات عن الخدمة، وانقطع الاتصال بالمكوك، وهنا شعروا بالقلق.

في نحو الساعة 9 صباحاً، أصبح مكوك كولومبيا مرئياً في السماء، ورأى شهود عيان في ولايتي تكساس ولويزيانا شظايا متوهجة منفصلة تتساقط من المكوك. وعندما وصلت الأخبار إلى مركز المراقبة افترضوا أن الطاقم قد قُتل.

وفي الساعة الواحدة بعد الظهر، أعلنت وكالة ناسا فقدان كولومبيا، وفتحت تحقيقاً بالحادثة. بعد ذلك بوقت قصير، ظهر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أمام الصحافة قائلاً: “جلب هذا اليوم أخباراً مروعة وحزناً عميقاً لبلدنا. فقدنا كولومبيا، لا يوجد ناجون”. لكن كيف يمكن أن يحدث هذا؟

اقرأ أيضاً: من الخيال العلمي إلى التنفيذ: 14 مشروعاً مذهلاً لوكالة ناسا

تكهنات بما حدث على متن المكوك كولومبيا

عيّنت ناسا الأدميرال المتقاعد هال غيمان (Hal Gehman) رئيساً للتحقيق في حادثة تحطم مكوك الفضاء كولومبيا، وعالج غيمان مع فريق من الخبراء مجموعة من النظريات، أهمها:

  • عمل تخريبي نتيجة تسلل لداخل المكوك قبل الإقلاع، لكن وبعد التحقيق الأمني لتحديد من اقترب من المكوك، تبين أن المكوك كان خالياً سوى من طاقم رواد الفضاء السبعة.
  • حدوث خلل أثناء عملية اختراق الغلاف الجوي، حيث بينت قراءات المستشعرات قبل انقطاع الاتصال بكولومبيا تسجيل درجات حرارة عالية جداً في منطقة واحدة، ما فتح المجال لفرضية دخول الغازات والحرارة الشديدة إلى داخل المكوك بطريقة ما.

على الرغم من رفض مركز مراقبة المهمة الفرضية الثانية، فإن فريق غيمان أكد أنها الأكثر احتمالاً. توجهت الأنظار بذلك إلى وجود خلل في المكوك منذ مرحلة الانطلاق. وبمراجعة الفيديوهات لاحظوا انفصال قطعة الرغوة واصطدامها بالمكوك، إلا أن الكاميرات لم تسمح برؤية ما تسبب به الاصطدام.

محاكاة الاصطدام

لتحديد ما تسببت به قطعة الرغوة العازلة، حاول أخصائي ناسا سكوت هابارد (Scott Hubbard)، وهو رئيس بعثة برنامج المريخ، تحسين جودة الصورة. بعد شهرين من محاولات التحسين بيّن التحليل أن المكوك في لحظة الاصطدام كان يسير بسرعة نحو 800 كيلومتر في الساعة، وأن قطعة رغوة بحجم حقيبة صغيرة ووزن أقل من كيلوغرام واحد اصطدمت بالمكوك.

وفقاً لهابارد، اصطدمت القطعة بحافة الجناح الأيسر، وهو الجزء المغطى بألواح عازلة مصنوعة من مادة الكربون المقوى. توفر ألياف الكربون حماية من درجات حرارة تتراوح ما بين -160 و1650 درجة مئوية، ومع ذلك لا يمكنها توفير قوة أو صلابة للهيكل.

للتأكد من قدرة قطعة الرغوة على إحداث الثقب، استخدم هابارد آلة اختبار تُعرف بـ “مسدس الدجاج”، وهو مدفع مصمم لمحاكاة اصطدام الطيور بالطائرات، حيث أطلق قطعة مماثلة من الرغوة على ألواح الكربون المقوى. بعد عدة محاولات على الألواح وفقاً لترتيبها على الجناح، تمكنت القطعة من إحداث ثقب بقطر 25 سنتيمتراً في اللوح الكربوني الثامن. إذاً هكذا قُتل طاقم مكوك الفضاء كولومبيا.

اقرأ أيضاً: حوادث الاصطدام المتعمدة وغير المتعمدة توفر معلومات مهمة عن الفضاء

السبب وراء حادثة تحطم مكوك الفضاء كولومبيا

بعد ربط الأحداث والأدلة، تبين للمحققين أن قطعة الرغوة استطاعت إحداث ثقب في الجناح الأيسر، وأن الثقب قد سمح بدخول الغازات والحرارة الشديدة للهيكل الداخلي للمكوك، والتي قد تصل إلى 4400 درجة مئوية، وعملت كمثقب لهب حراري. عطلت الحرارة العالية أجهزة المكوك، بدءاً من مستشعرات درجات الحرارة وحتى الهيكل الداخلي للمكوك، فتحطم المكوك وقُتل من بداخله.

في التقرير الذي صدر في 26 أغسطس/ آب 2003. كتب المحققون: “تفككت وحدة الطاقم وتعرض الطاقم لظروف دخول تفوق سرعة الصوت فلم يكن من الممكن النجاة من خلال أي قدرة موجودة”. ولكن لماذا لم يكتشف أحد الثقب؟

لغز آخر

طالما أن خلل انفصال الرغوة واصطدامها بالمكوك قد تم اكتشافه منذ اليوم الأول للرحلة، فلماذا لم يلحظ أحد الثقب الذي أحدثته؟

 وفقاً للتقرير، طلب المهندسون الذين اكتشفوا انفصال الرغوة من إدارة ناسا تزويدهم بصور من الأقمار الصناعية لجناح المكوك الأيسر، إلا أن الإدارة قد رفضت.

بالنسبة لناسا، كان ذلك النوع من الإصابات شائعاً، ولم يتسبب مسبقاً بأيّ حوادث تُذكر، لكن غيمان كانت له وجهة نظر أخرى. وضّح غيمان في تقريره أن التحقق من وجود إصابة قد يؤدي إلى تأخير الرحلة، بالإضافة إلى أن الكونغرس الأميركي كان قد حدّد جدولاً زمنياً لناسا لإكمال برنامجها، وأصدر مرسوماً ينذر فيه وكالة الفضاء الدولية من أن أي تأخير في المهمة سوف يؤدي لقطع الأموال وإيقاف برنامجها.

 قادت هذه الاستنتاجات لسؤال آخر: لو أن ناسا استطاعت تحديد الثقب بواسطة الأقمار الصناعية، هل كان بالإمكان إنقاذ الطاقم وتدارك الحادث؟

وفقاً لهابارد، يمكن إنقاذ الطاقم نظرياً من خلال إطلاق مكوك آخر للالتحام بكولومبيا وإخلائه من الرواد السبعة.

اقرأ أيضاً: ما أطول زمن قضاه الإنسان في الفضاء وما التحديات التي واجهته؟

بالنتيجة أوصى المحققون في تقريرهم بتغيير نظام الإدارة الخاص بالبرنامج، وهو ما وافق عليه مدير ناسا شون أو كيف في مؤتمر صحفي: “ما نحتاج القيام به هو فحص تلك الإجراءات الثقافية والأنظمة والطريقة التي نؤدي بها أعمالنا، لتحسين أهداف السلامة بالإضافة إلى المهمة الأكبر، والمتمثلة في الاستكشاف”.