جهود عربية في مجال الفضاء: من أول رائد فضاء عربي سعودي إلى مسبار الأمل والكوكب الأحمر

جهود عربية في مجال الفضاء: من أول رائد فضاء عربي سعودي إلى مسبار الأمل والكوكب الأحمر
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Alones
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 9 فبراير/ شباط من عام 2021، عاش الشعب الإماراتي فرحة يملؤها الفخر والأمل بوصول مسبار الأمل “Hope” إلى المريخ. بهذا الإنجاز التاريخي انضمت الإمارات إلى مجموعة النخبة، وهي الدول التي استطاعت الوصول إلى المريخ. قد يكون هذا الإنجاز الأول من نوعه في المنطقة العربية، إلا أنه ليس المحاولة العربية الأولى للوصول إلى الفضاء. إليكم أهم الجهود العربية في مجال الفضاء.

رواد الفضاء العرب: سفراؤنا إلى الفضاء

عام 1985 اختارت وكالة الفضاء ناسا الطيار والأمير السعودي سلطان بن سلمان عبدالعزيز آل سعود، للمشاركة كأخصائي حمولة في الفريق الدولي لرحلة المكوك الفضائي (STS-51G)، ليكون أول رائد فضاء عربي يعبر الغلاف الجوي لكوكبنا. بعد تدريب لعدة أشهر انطلق رائد الفضاء السعودي في 17 يونيو/ حزيران على متن مكوك الفضاء “ديسكفري” (Discovery)، وعلى مدى 7 أيام استطاع أن يمثل المنظمة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات) خلال إطلاقها للقمر (عربسات- ب1)، بالإضافة إلى مشاركته في عدة تجارب علمية مثل تجربة الغاز المؤين، إلى حين عودته من الفضاء في 24 يونيو/ حزيران.

ثاني رواد الفضاء العرب هو الطيار السوري محمد فارس، والذي وقع الاختيار عليه من بين المرشحين للمشاركة في برنامج رحلات الفضاء السوفييتي (Interkosmos)، وفي 22 يوليو/ تموز عام 1987 انطلق  فارس على متن المركبة الفضائية (سويوز TM-3) مع رائدي فضاء سوفيتيين آخرين، في أول زيارة لمحطة الفضاء “مير”. وعلى مدى 8 أيام، أجرى رائد الفضاء السوري أبحاثاً علمية مع زميليه في المجالات الطبية والعلمية والفضائية، ثم عاد مرة أخرى إلى الأرض في 30 يوليو/ تموز من عام 1987.

بعد عدة عقود، دخلت الإمارات العربية السباق العربي نحو الفضاء، لتكون أول الزوار العرب لمحطة الفضاء الدولية، وترسل ثالث رائد فضاء عربي إماراتي هزاع المنصوري. اختار برنامج الإمارات لرواد الفضاء المنصوري، ودرّبه بالتعاون مع وكالات الفضاء الكبرى، ليشارك في 25 سبتمبر/ أيلول من عام 2019 في بعثة الفضاء الروسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة الفضائية (سويوز). خلال الرحلة أجرى المنصوري 31 تجربة علمية، وعاد إلى الأرض بعد 8 أيام في 3 أكتوبر/ تشرين الأول.

اليوم، تملك 9 دول عربية على الأقل برامجها الخاصة للفضاء، وتختلف مهامها من إطلاق الأقمار الصناعية للدوران حول الأرض إلى التخطيط للهبوط على سطح القمر.

اقرأ أيضاً: ما هو تأثير العيش في الفضاء على عظام رواد الفضاء؟

برنامج الفضاء السعودي: السعودية تعود للفضاء

بعد إرسال أول رائد عربي إلى الفضاء، سعت السعودية لعقود من الزمن إلى تطوير قطاع الفضاء، وتوجيه الجهود للريادة في المنطقة بهذا المجال؛ إذ تحول المركز الوطني السعودي للعلوم والتكنولوجيا (SANCST)، إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عام 1985، بهدف تكثيف مساعيها لتوطين تكنولوجيا الأقمار الصناعية، من خلال المركز الوطني لتقنية الأقمار الصناعية في المدينة. وفي الفترة ما بين عامي 2000-2019 استطاعت المملكة إطلاق 19 قمراً صناعياً سعودياً إلى الفضاء، تم تصنيعها وتجميعها واختبارها وفقاً للمعايير الدولية في مدينة الملك عبدالعزيز، حيث يتوفر فريق متكامل من المهندسين المتخصصين. كما تم افتتاح الهيئة السعودية للفضاء في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018، ومركز التميز للفضاء والأرض بالتعاون مع معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، ومركز التميز لأبحاث الفضاء، وأنشئت محطات استقبال للصور والأقمار الصناعية.

وعززت المملكة جهودها في قطاع الفضاء من خلال التعاون مع الهيئات العلمية الدولية. على سبيل المثال، تم إجراء تجارب علمية بالتعاون مع وكالة ناسا الأميركية وجامعة ستانفورد على متن قمرها الصناعي “سعودي سات 4″، كما كانت شريكاً لوكالة الفضاء الصينية في مهمتها لاستكشاف الجانب البعيد للقمر “تشانجي 4 ” (Chang’e 4) عام 2018.

وفي 14 يوليو/ تموز من عامنا الحالي، وقّعت السعودية على اتفاقية أرتميس (Artemis)، وهي البرنامج الذي تقوده وكالة ناسا بالتعاون مع الدول المشاركة في البرنامج، والذي يهدف إلى إعادة البشر إلى القمر، واستكشاف الفضاء الآمن والمستدام خلال عقد من الزمن. وبذلك تكون السعودية المنافس الأقوى لجارتها الإمارات العربية المتحدة.

اقرأ أيضاً: كيف تنتقل الحرارة في الفضاء إذا كان فارغاً؟

جهود الإمارات في مجال الفضاء: على طريق الكواكب وما وراءها

بالنسبة لدولة كالإمارات العربية المتحدة، لم يتجاوز عمرها الـ 50 عاماً، فإن خطواتها نحو الفضاء تعد قفزات عملاقة، واستطاعت أن تثبت وجودها كشريك متمكّن في أبحاث استكشاف الفضاء. على مدى العقد الماضي حققت الإمارات إنجازات غير مسبوقة في قطاع الفضاء، وبنت شراكات متعددة مع برامج الفضاء الدولية؛ مثل التوقيع على اتفاقية أرتميس مع وكالة الفضاء ناسا للعودة إلى القمر. بدأت الإمارات بمساعيها منذ عام 2006 استعداداً للوصول إلى المريخ. ومنها:

خلف سات: أول قمر صناعي بأيادٍ إماراتية

في أكتوبر من عام 2018، أطلقت دولة الإمارات أول قمر صناعي تم بناؤه واختباره بأيدي مهندسين وعلماء إماراتيين في البلاد خلال 5 أعوام، وأطلق عليه خلف سات. ولتصميمه شيّد مركز محمد بن راشد للفضاء ما يعرف بـ “الغرفة النظيفة” لبناء القمر وتطويره. وانطلق خلف سات من مركز تانيغاشيما للفضاء الياباني، على جزيرة في الجزء الجنوبي من اليابان، وعلى متن صاروخ ( H-IIA). حصد 5 براءات اختراع، وزوِّد بكاميرات رقمية متطورة تتفوق على بعض أقمار المراقبة المستخدمة في مجال الاستشعار عن بُعد، بما يمكّنها من متابعة التغيرات البيئية التي تحدث على سطح كوكبنا.

بالإضافة إلى خلف سات، أطلقت الإمارات عدة أقمار صناعية سابقاً، وتضم:

  • دبي سات 1 والذي تم إطلاقه عام 2009.
  • دبي سات 2، أُطلق إلى الفضاء عام 2013.
  • الياه 1، أُطلق عام 2011.
  • الياه 2، تم إطلاقه عام 2012.
  • نايف 1، تم إطلاقه عام 2017.
  • الياه 3 أطلق عام 2018.

اقرأ أيضاً: هاكاثون الإمارات: وكالة الإمارات للفضاء تطلق تحدي القمر الصناعي

أول رائد عربي إماراتي يزور وكالة الفضاء الدولية

عام 2017، فتحت وكالة الفضاء الإماراتية باب التسجيل للراغبين بدخول التاريخ كأول رائد فضاء إماراتي، ومن بين 4000 متقدم من الإناث والذكور، وممن تتراوح أعمارهم ما بين 17-67 عاماً، وقع الاختيار على هزاع المنصوري ليكون أحد المشاركين في  البعثة الروسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة الفضائية (سويوز)، وأول رائد فضاء عربي يزور محطة الفضاء الدولية، بعد مجموعة مكثفة من الاختبارات البدنية والعقلية والمعرفية.

 زيارة الكوكب الأحمر: قصة “الأمل”

عبر اتصال هاتفي من رئيس الوزراء الإماراتي، محمد بن راشد آل مكتوم عام 2013، مع عمران شرف أحد مهندسي الأقمار الصناعية حينها ومدير البعثة الحالي، تساءل عن إمكانية الذهاب إلى المريخ بحلول عام 2021، لخلق وظائف علمية وإلهام الشباب الإماراتي.

وبعد 7 أعوام، وفي الذكرى الـ 50 لتأسيس دولة الإمارات أطلقت الإمارات مسبار الأمل “Hope”  في رحلة غير مأهولة باتجاه الكوكب الأحمر ومحفوفة بالمخاطر، تكللت بالنجاح بدخولها مدار المريخ في 9 فبراير/ شباط عام 2021. من المتوقع للمهمة أن تستمر عاماً مريخياً كاملاً أي 687 يوماً أرضياً، وهي المدة اللازمة للحصول على ما يكفي من المعلومات عن الطقس والمناخ لكامل الكوكب، على سبيل المثال يسعى الفريق لدراسة السحب المائية، وظاهرة الشفق القطبي للكوكب، حيث ترسل البعثة بياناتها كل ثلاثة شهور. وبذلك أصبحت الإمارات أول دولة عربية تصل إلى الكوكب الأحمر، وخامس كيان يصل إليه بعد وكالات ناسا والاتحاد السوفييتي والفضاء الأوروبية والهند.

وفي الاثنين الماضي الموافق لـ 25 يوليو/ تموز، أعلن ولي عهد إمارة دبي حمدان بن محمد راشد آل مكتوم، في تغريدة له على تويتر، عن اختيار رائد الفضاء سلطان النيادي لينطلق في مهمة إلى محطة الفضاء الدولي،: “بدعم قادتنا وهمة شبابنا، لا حدود لسقف طموحاتنا، فخور برائد الفضاء سلطان النيادي، الذي سيخوض مهمة تستمر لـ 6 أشهر في محطة الفضاء الدولية تنطلق في النصف الأول من 2023، لتكون الإمارات الأولى عربياً والـ 11 عالمياً في خوض مهمة طويلة الأمد في الفضاء”.

كما أعرب رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، عن فخره بنيادي عبر تغريدة على تويتر بقوله: “نبارك لسلطان النيادي اختياره أول رائد فضاء عربي يمضي 6 أشهر في محطة الفضاء الدولية ضمن مهمة الوكالة الأمريكية ناسا التي تنطلق ربيع 2023، مهمة تضع الإمارات الدولة الــ 11 عالمياً التي ترسل روادها في مهمة طويلة الأمد للفضاء، خطوة نوعية طموحة تجسد قدرات أبنائنا وإمكانياتهم”.

اقرأ أيضاً: جهة الوصول: المريخ

مشروع الإمارات لاستكشاف القمر

تعمل الإمارات حالياً على بناء وتصميم مستكشف لسطح القمر، إماراتي الصنع للهبوط عليه عام 2024. أُطلق على المشروع لقب راشد نسبةً للشيخ المرحوم راشد بن سعيد آل مكتوم، الحاكم السابق لإمارة دبي وعرّاب نهضتها. يهدف المشروع للحصول على بيانات أكثر دقة عن القمر، من حيث تربته، والخصائص الحرارية لطبقاته السطحية، وغلافه الكهروضوئي وغيرها، وذلك بالوصول إلى مواقع جديدة لم تخضع مسبقاً للدراسة، والتقاط الصور لها وإرسالها إلى مركز محمد بن راشد للفضاء.  

اقرأ أيضاً: ما أهمية نجاح أول زراعة نباتات في تربة القمر للبعثات الفضائية المستقبلية؟

بعد المريخ: مهمة إماراتية لاستكشاف الزهرة وحزام الكويكبات

فتح نجاح مسبار الأمل الأفق واسعاً أمام الإماراتيين، للوصول إلى أهداف جديدة وأبعد، حيث أعلنت وكالة الفضاء الإماراتية رغبتها في استكشاف جار الأرض، كوكب الزهرة، ومن ثم حزام الكويكبات الرئيسي للنظام الشمسي، في رحلة من المتوقع انطلاقها عام 2028. خلال الرحلة، ستقطع المركبة الفضائية مساراً يصل طوله إلى 3.6 مليار كيلومتر، وهو ما يعادل 7 أضعاف طول رحلة مسبار الأمل إلى المريخ. وتتضمن الرحلة تحليقاً حول الزهرة، ثم مروراً بجانب الأرض للحصول على مساعدة من الجاذبية في الوصول إلى حزام من الكويكبات الرئيسي بين المريخ والمشتري، والهبوط على آخرها.

اقرأ أيضاً: ناسا ترحب برائدي فضاء إماراتيَين وتؤهلهما للذهاب إلى القمر

أول رائدة فضاء عربية

منذ إطلاق الإمارات برنامجها لتدريب رواد الفضاء عام 2017، فتحت المجال أمام جميع الراغبين والراغبات ممن يجد في نفسه الكفاءة للتقدم لبرنامجها للتدريب وإعداد رواد الفضاء. واستقبل البرنامج آلاف الطلبات، وكانت الإناث يمثلن نسبة تفوق الثلث. وبعد أشهر من وصول مسبار الأمل إلى المريخ اختارت الإمارات أول فتاة مرشحة لتكون رائدة فضاء عربية للتدرب في مركز مختص تابع لوكالة ناسا في مدينة هيوستن الأميركية، وهي نورا المطرشي، فتاة في الـ 28 من عمرها، وتحمل شهادة في الهندسة الميكانيكية.

اقرأ أيضاً: القصة الملهمة لرائدة الفضاء العربية الأولى والوحيدة نورا المطروشي

جهود عربية أخرى في قطاع الفضاء

قد تكون المنافسة على ريادة قطاع الفضاء في المنطقة العربية قوية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أنهما ليستا الوحيدتين في سباق الفضاء. تسعى اليوم نحو 8 دول عربية لبدء وتطوير برامجها الفضائية، في هدف أولي هو إطلاق الأقمار الصناعية، ثم الهبوط على سطح القمر، ومنها:

  • مصر: أطلقت مصر 9 أقمار صناعية إلى الفضاء، كان آخرها القمر الصناعي نايل سات 301، ورابع قمر لشركة نايل سات. بالتعاون مع شركة (سبيس إكس) انطلق القمر الصناعي في يونيو/ حزيران من عامنا الحالي على متن صاروخ فالكون 9، بحيث تديره شركة نايل سات المصرية لتوفير خدمات الإنترنت العريض على كامل الأراضي المصرية. علاوة على ذلك، تم تأسيس وكالة الفضاء الوطنية عام 2016.
  • البحرين: أسست وكالتها الوطنية للفضاء عام 2014 وتهدف إلى إرسال قمر صناعي إلى محطة الفضاء الدولية.
  • قطر: أطلقت أول قمر صناعي لها عام 2013، ونشرت بعض اكتشافاتها خلال برنامج قطر لمسح الكواكب الخارجية، بالاعتماد على تلسكوبات في الولايات المتحدة وإسبانيا والصين، في محاولة منها لإيجاد كواكب خارج مجموعتنا الشمسية.

بهذه الإنجازات والجهود العربية في قطاع الفضاء، انتقل العرب من مرحلة المتابعة والترقب لآخر التطورات التكنولوجية والإنجازات في مجال الفضاء إلى المشاركة بها فعلياً. فقد يكون الوصول إلى المريخ إنجازاً مهماً للبشرية، ولكن القدرة على تحقيق هكذا إنجاز بأيادٍ وعقول عربية هي الإنجاز الأكبر بالنسبة لنا كعرب.