كيف ساعد المئات من طلاب الجامعات على حل لغز قديم حول الشمس؟

كيف ساعد المئات من طلاب الجامعات على حل لغز قديم حول الشمس؟
التُقطت هذه الصورة لحقلات هالة الشمس بالأمواج الضوئية فوق البنفسجية باستخدام مجموعة التصوير الجوي في مرصد ديناميات الطاقة الشمسية التابع لوكالة ناسا. وكالة ناسا/ مرصد ديناميات الشمس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اقترب فريق مكون من أكثر من ألف عضو من علماء الفلك والطلاب الجامعيين مؤخراً من حل أحد أكثر الألغاز عناداً في علم الفلك، وهو لغز درجة حرارة الطبقة الخارجية للشمس، المعروفة باسم هالة الشمس، الهائلة الارتفاع. تبلغ درجة حرارة سطح الشمس نحو 5 آلاف درجة مئوية، ولكن فوقه بنحو 1600 كيلومتراً، تقع هالة الشمس التي تزداد درجة حرارتها على درجة حرارة السطح بمئات الأضعاف. يشبه التحرّك من سطح الشمس باتجاه هالتها المشي عبر الغرفة للهروب من مدفأة حارة للغاية والشعور بالدفء كلما ابتعدت عن المصدر بدلاً من البرودة، على عكس ما قد تتوقّعه تماماً.

الطلاب الجامعيون يساعدون في التوجه لحل لغز حرارة الهالة الشمسية

استخدم الفريق البحثي المئات من أرصاد التوهجات الشمسية، وهي عبارة عن تدفقات ضخمة من البلازما الساخنة المنبعثة من سطح الشمس، لاكتشاف ما يتسبب بارتفاع درجة حرارة هالة الشمس، ونُشرت النتائج بتاريخ 9 مايو/ أيار 2023 في مجلة الفيزياء الفلكية (The Astrophysical Journal). لكن ما يلفت الانتباه في النتائج الجديدة هو كيفية توصُّل الباحثين إليها؛ إذ إنهم فعلوا ذلك بمساعدة مئات الطلاب الجامعيين الذين يدرسون الفيزياء في جامعة كولورادو، الذين عملوا لمدة إجمالية تصل إلى 56 ألف ساعة على مدى عدة سنوات.

يصف عالم الأبحاث والمهندس في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، جيمس بول ميسون (James Paul Mason)، الدراسة بأنها “سيناريو يربح فيه الجميع”، ويقول: “استفدنا من القدرات الذهنية لعدد هائل من الطلاب واستخدمناها في محاولة لحل معضلة علمية حقيقية، وتمكّن الطلاب في الوقت نفسه من التدرّب على العملية العلمية بشكل مباشر”.

اقرأ أيضاً: العلماء يكتشفون أدلة جديدة تساعد في التنبؤ بحدوث التوهجات الشمسية

56 ألف ساعة من الرصد لحل لغز التسخين الإكليلي

بدأ مشروع الصف الدراسي هذا عام 2020، عندما كانت أستاذة الفيزياء في جامعة كولورادو، هيذر لونداوسكي (Heather Lewandowski)، تدرّس مادة الفيزياء التجريبية ثم اضطرت إلى نقل دروسها إلى الإنترنت بسبب جائحة كوفيد-19؛ كان هذا تحدياً كبيراً، خاصة بالنسبة لمادة علمية عمليّة. لحسن الحظ، خطرت على بال ميسون فكرة لمشروع يتعلق بالتوهجات الشمسية يحتاج إنجازه إلى الكثير من المشاركين، واعتقدت لونداوسكي، التي تبحث عادة في موضوع مختلف تماماً في ميكانيكا الكم، أن هذه الفكرة تمثّل فرصة ثمينة لطلابها.

تقول لونداوسكي: “مسألة أن هالة الشمس أكثر سخونة من ‘سطحها’ من الأسئلة الرئيسية المتعلقة بفيزياء الشمس”. هناك تفسيران رئيسيان لهذه الظاهرة المحيرة المعروفة باسم مسألة التسخين الإكليلي؛ تقترح إحدى الفرضيات أن الموجات في الحقل المغناطيسي الضخم للشمس تدفع الحرارة إلى الهالة، بينما تنص الفرضية الأخرى على أن التوهجات الشمسية الصغيرة غير المرئية التي تحمل اسم التوهجات النانويّة (nanoflares) هي التي تسخّن الهالة، مثل استخدام ألف عود ثقاب بدلاً من مشعل نفّاخ واحد للتسخين.

التوهجات النانوية

التوهجات النانوية أصغر من أن تستشعرها التلسكوبات التي نستخدمها، ولكن يستطيع العلماء تقدير مدى انتشار هذه الدفقات الإشعاعية الصغيرة من خلال دراسة أحجام التوهجات الأخرى الأكبر حجماً. وعلى الرغم من أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تتحسن كل يوم، تعجز البرامج المؤتمتة جميعها حتى الآن عن إجراء التحليل الذي احتاج إليه كل من ميسون ولونداوسكي؛ استخدمت مجموعات طلاب لونداوسكي بيانات تعود لتوهجات شمسية مختلفة، وتعمّقوا في التفاصيل الدقيقة لقياس مقدار الطاقة التي يفرّغها كل توهّج في هالة الشمس. تشير النتائج التي توصل إليها الطلاب إلى أن التوهجات النانوية قد لا تكون شديدة بما يكفي لتسخين الهالة إلى درجات الحرارة الهائلة التي نقيسها اليوم.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تدمر التوهجات الشمسية والطقس الفضائي الحضارة البشرية؟

مع ذلك، فإن النتائج العلمية الجديدة ليست الخبر الوحيد المثير للاهتمام؛ إذ أصبح كل من ميسون ولونداوسكي رائدين في تطبيق طريقة جديدة لإشراك الطلاب في الأبحاث العلمية الحقيقية، ومنحاهم طريقة للتعلّم عن العلم وإجراء الأبحاث بأنفسهم أيضاً. يعتبر هذا النوع من الجهد البحثي الطلابيّ الواسع النطاق أكثر شيوعاً في أبحاث علم الأحياء والكيمياء، ولم يُطبَّق إلا نادراً في مجال الفيزياء من قبل. تقول لونداوسكي: “شارك الطلاب في نواحي البحث جميعها، من مراجعة الأدبيات العلمية وإجراء اللقاءات مع الباحثين الأساسيين إلى خوض مرحلة المقترح البحثي وتحليل البيانات ومراجعة التحليل بين الأقران، تعد مشاركة العديد من الطلاب وعملهم في مجموعات تذكيراً بأن العلم في جوهره مسعى تعاوني”.

يقول ميسون: “أتمنى أن نُلهم بعض الأساتذة لتجربة هذه الطريقة مع طلابهم، وأنا متحمّس للاطلاع على النتائج التي يمكنهم التوصل إليها”.