ما سر حماس علماء ناسا لرؤية صاروخ يصطدم بالقمر؟

ما سر حماس علماء ناسا لرؤية صاروخ يصطدم بالقمر؟
من المتوقع أن يصطدم الصاروخ بفوهة «هيرتزبرانغ» الكبيرة، والتي تظهر في وسط هذه الصورة، على الجانب الآخر من القمر. حقوق الصورة: وكالة ناسا/معاهد القمر. والكواكب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 4 مارس/آذار 2022، ضرب صاروخ وحيد مُستخدم سطح القمر بسرعة تقارب 9600 كيلومتراً في الساعة. بمجرد اختفاء غبار التصادم، تحركت مركبة «ريكونيسينس» القمرية المدارية التابعة لوكالة ناسا إلى موقع مناسب لتلقي نظرة قريبة على الفوهة المشتعلة، أملاً بأن تلقي بعض الضوء على قوانين الفيزياء الغامضة للتصادمات الكوكبية

بصفتي عالم كواكب أدرس القمر، أرى هذا الحدث هو فرصة مثيرة. كان القمر شاهداً راسخاً على تاريخ النظام الشمسي، إذ سجّل سطحه المليء بالفوهات عدداً لا يُحصى من الاصطدامات على مدار الـ 4 مليارات سنة الماضية. مع ذلك، نادراً ما يرصد العلماء أحداث تصادم الأجسام المختلفة، وهي عادة كويكبات أو مذنبات، بالقمر، والتي تشكّل هذه الفوهات. بدون معرفة تفاصيل ما تسبب في تشكّل فوهة ما، لا يستطيع العلماء تعلم الكثير من دراستها.   

سيوفر حدث تصادم الصاروخ تجربة غير متوقّعة يمكن أن تكشف الكثير عن تأثير أحداث الاصطدامات الطبيعية على أسطح الكواكب. إن الفهم الأعمق لفيزياء التصادم سيساعد الباحثين كثيراً على تفسير شكل تضاريس القمر القاحلة، وأيضاً تأثيرات التصادمات على الأرض والكواكب الأخرى. 

عندما يتحطّم صاروخ على القمر

كان هناك بعض الجدل حول هوية الصاروخ الذي يوجد حالياً في مسار تصادم مع القمر. يعرف علماء الفلك أن هذا الجسم عبارة عن صاروخ معزز استخدم في إطلاق قمر صناعي. يبلغ طول الصاروخ نحو 12 متراً، ويزن نحو 4500 كيلوغراماً. تشير الأدلة إلى أنه من المحتمل أن يكون صاروخ تابع لشركة «سبيس إكس» أُطلق في عام 2015، أو صاروخ صيني أُطلق في عام 2014، لكن كلا الطرفين نفى ملكيته للصاروخ.   

كان من المتوقع أن يصطدم الصاروخ بالسهل القاحل الشاسع داخل فوهة هيرتزبرانغ الكبيرة، على الجانب البعيد من القمر بالنسبة للأرض.

بعد لحظة ملامسة الصاروخ سطح القمر، ستنتقل موجة اهتزاز بسرعة عدة كيلومترات في الثانية. في غضون أجزاء من الثانية، ستنفجر مؤخرة هيكل الصاروخ، وستنتشر قطع معدنية في جميع الاتجاهات. 

سوف تنتقل موجة صدمة مزدوجة إلى أسفل إلى الطبقة العليا من سطح القمر، والتي تسمى الثرى. سيؤدي الضغط الناجم عن التصادم إلى تسخين الغبار والصخور، وتوليد وميض أبيض ساخن يمكن رؤيته من الفضاء إذا كان هناك مركبة فضائية في المنطقة في ذلك الوقت. ستتوسع سحابة من الصخور والمعادن المتبخرة من نقطة الاصطدام كغبار وجسيمات رملية مقذوفة للأعلى. خلال بضعة دقائق، ستسقط المواد المقذوفة على السطح حول الحفرة التي ستصبح مملوءة بالدخان. عملياً، لن يتبقّى شيء من الصاروخ المنكوب.    

ما سر حماس علماء ناسا لرؤية صاروخ يصطدم بالقمر؟
لن تكون فوهة الاصطدام مرئية من الأرض، لذلك سيعتمد العلماء على الصور من مركبة ريكونيسينس المدارية القمرية. وكالة ناسا.

إذا كنت من محبي علوم الفضاء، فربما ستشعر وكأنك سمعت هذا الوصف من قبل، إذ أجرت وكالة ناسا تجربة مماثلة في عام 2009 عندما صدمت عن قصد قمر «رصد واستشعار الفوهات القمرية» الاصطناعي بفوهة مظللة بشكل دائم بالقرب من القطب الجنوبي للقمر. كنتُ جزءاً من مهمة هذا القمر الاصطناعي، وقد حققت نجاحاً ساحقاً. من خلال دراسة التركيب الكيميائي لعمود الغبار الناجم عن الاصطدام، تمكّن العلماء من العثور على آثار لوجود بضع مئات من الكيلوغرامات من الجليد المائي الذي تحرر من سطح القمر بسبب الاصطدام. كان هذا دليلاً مهماً يدعم الفكرة القائلة بأن المذنبات حملت الماء والمركبات العضوية إلى القمر لمليارات السنين عن طريق اصطدامها بسطحه.   

مع ذلك، ونظراً لأن الفوهة الناجمة عن اصطدام هذا القمر الاصطناعي تحجبها الظلال بشكل دائم، فقد كافحت أنا وزملائي لمدة عقد لتحديد عمق هذه الطبقة المدفونة الغنية بالجليد.

اقرأ أيضاً: هل تشبه المركبات القمرية مستقبلاً الأطباق الطائرة؟

الرصد باستخدام مركبة ريكونيسينس

ستتيح التجربة العرضية للاصطدام فرصة لعلماء الكواكب لرصد فوهة مشابهة جداً لتلك التي نجمت عن اصطدام القمر الاصطناعي في ضوء النهار. سيكون الأمر أشبه برؤية هذه الفوهة بدقة لأول مرة. 

نظراً لأن الاصطدام سيحدث على الجانب المظلم من القمر، لن تتمكن التلسكوبات الأرضية من رصده. لكن بعد نحو أسبوعين من الاصطدام، ستبدأ مركبة ريكونيسينس التابعة لوكالة ناسا في رصد لمحات من الفوهة لأنها ستمر فوق منطقة الاصطدام. بمجرد أن تصبح الظروف مناسبة، ستبدأ كاميرا هذه المركبة في التقاط صور لموقع الاصطدام بدقة تبلغ نحو متر واحد لكل بكسل. قد تقوم مركبات قمرية من وكالات الفضاء الأخرى أيضاً بتوجيه كاميراتها إلى الحفرة.   

نأمل أن يكشف شكل الحفرة والغبار والصخور المنبعثة عن زاوية الصاروخ مع سطح القمر في لحظة الاصطدام. كلما كانت الزاوية أقرب للزاوية القائمة، سيكون شكل توزّع الحطام دائرياً أكثر، في حين أن عدم تناظر الحطام قد يشير إلى أن الصاروخ كان يوازي سطح القمر أكثر. تشير النماذج إلى أن الحفرة يمكن أن يتراوح قطرها بين 9 و 30 متراً، بينما يمكن أن يتراوح عمقها بين 1.8 و 3 أمتار.  

ستكون كمية الحرارة المتولدة من الاصطدام معلومة قيّمة أيضاً. إذا جرت الأرصاد بسرعة كافية، فهناك احتمال أن تكون أداة الأشعة تحت الحمراء لمركبة ريكونيسينس قادرة على تحسس المواد الساخنة المتوهجة داخل الحفرة. يمكن استخدام هذه المعلومة لحساب الكمية الإجمالية للحرارة الناتجة عن الاصطدام. إذا لم تتمكن المركبة من رصد الموقع بالسرعة الكافية، يمكن استخدام صور عالية الدقة لتقدير كمية المواد المنصهرة في الفوهة وحقل الحطام.   

من خلال مقارنة الصور الملتقطة من قبل كاميرا ومستشعر الحرارة الخاصين بالمركبة قبل الاصطدام وبعده، سيبحث العلماء عن أي تغييرات طفيفة أخرى على السطح. يمكن أن تمتد بعض هذه التأثيرات لمئات أضعاف نصف قطر الحفرة

اقرأ أيضاً: لماذا لا يمكننا بناء محطة فضائية على القمر؟

ما أهمية دراسة هذا الحدث؟

تعتبر أحداث التصادم وتشكّل الحُفر ظاهرة منتشرة في النظام الشمسي. تتحطم الفوهات وتكسر الطبقات السطحية للكواكب، وتشكّل تدريجياً الطبقة العليا الحُبيبية الشائعة في معظم العوالم الخالية من الهواء. مع ذلك، فإن قوانين الفيزياء العامة لهذه الظواهر غير مفهومة جيداً، على الرغم من شيوعها.  

يمكن أن يساعد رصد اصطدام الصاروخ والحفرة الناتجة علماء الكواكب على تفسير البيانات من تجربة اصطدام القمر الاصطناعي التي حدثت في عام 2009 بشكل أفضل، وإنشاء محاكيات حاسوبية أفضل للتصادمات الفضائية. ومع عدد كبير من البعثات المخطط لها لزيارة القمر في السنوات القادمة، هناك رغبة كبيرة في استكشاف خصائص سطح القمر، وخاصة كمية الجليد المدفون وعمقه. 

بغض النظر عن هوية هذا الصاروخ الضال، يوفر حدث الاصطدام النادر هذا رؤى جديدة قد تكون حاسمة لنجاح المهمات المستقبلية إلى القمر وما هو أبعد منه.