ما هي شبكة الفضاء العميق التي أسهمت في نجاح جميع المهمات الفضائية خلال الأعوام الستين الأخيرة؟

ما هي شبكة الفضاء العميق التي أسهمت في نجاح جميع المهمات الفضائية خلال الأعوام الستين الأخيرة؟
هناك 3 منشآت في شبكة الفضاء العميق على الأرض. تقع إحداها في مدينة غولد ستون في ولاية كاليفورنيا، بينما تقع الثانية في مدينة مدريد الإسبانية والثالثة في مدينة كانبيرا الأسترالية. وكالة ناسا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يوجد في نواة جميع مهمّات وكالة ناسا العلمية المعقدة تقريباً مركز تحكّم غير مرئي، وهو نظام أساسي يشار له عادة إلى أنه “عيون” الوكالة، وهو يحمل اسم شبكة الفضاء العميق.

تعتبر هذه الشبكة أكبر نظام للاتصالات الرقمية وأكثرها حساسية في العالم، وهي تتألف من مجموعة دولية من الهوائيات الراديوية العملاقة، تتوزع هذه الشبكة على 3 منشآت أرضية حول العالم تفصل بين كل منها 120 درجة طول (أو مسافة تتراوح بين 8 و16 ألف كيلومتر). تقع إحدى المنشآت في بلدة غولدستون بالقرب من مدينة بارتسو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وتقع منشأة ثانية في مدينة مدريد الإسبانية، بينما تقع الثالثة في مدينة كانبيرا الأسترالية. تساعد هذه الشبكة الفعّالة وكالة ناسا في الحفاظ على تواصل دائم مع المركبات الفضائية التي سافرت بعيداً عن مدار الأرض.

اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب الفضائي يرصد نجماً في طور التشكّل

أدى نظام الاتصال هذا الذي يديره مختبر الدفع النفاث في مدينة باسادينا في ولاية كاليفورنيا دوراً حاسماً في اتصالات الفضاء العميق منذ أن بدأ عمله في عام 1963. في مراحلها الأولى، أدّت هذه الشبكة دوراً مهماً في تتبع مهمة أبولو 11 القمرية والتواصل معها، وأسهمت منذ ذلك الحين في نجاح العشرات من أهم المشاريع التي أجرتها وكالة ناسا. على سبيل المثال، ساعدت هذه الشبكة في تبادل البيانات بين فرق العمل ومهمات مثل دارت ولوسي ومسبار باركر الشمسي وتلسكوب جيمس ويب الفضائي. ومنذ عام 2021، تتبعت ودعمت شبكة الفضاء العميق 39 مهمة بشكل منتظم، وستعمل في 30 مهمة تابعة لوكالة ناسا في المستقبل.

وفقاً لكبير مهندسي شبكة الفضاء العميق، جيف بيرنر (Jeff Berner)، لا تزال الشبكة تتعقب مركبتي فويجر التابعتين لوكالة ناسا، وهما مركبتان تم إطلاقهما في عام 1977 وأصبحتا خارج المجموعة الشمسية الآن. يقول بيرنر: “مع ابتعاد المركبات الفضائية عن الأرض، تنخفض كمية الطاقة التي نتلقاها منها”، ويضيف: “لذلك، تضعف الإشارات التي ترسلها هذه المركبات تدريجياً مع ابتعادها”.

 

يتيح لك موقع شبكة الفضاء العميق التابعة لوكالة ناسا مشاهدة البث المباشر بين الهوائيات والمركبات الفضائية. وكالة ناسا/ معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا

لتأخذ فكرة أكثر شمولاً، يستغرق إرسال البيانات إلى القمر واستقبالها منه (وهي عملية تقابل قطع البيانات مسافة تبلغ نحو 769 ألف كيلومتر) بضع ثوانٍ فقط. ولكن يستغرق إرسال نفس الإشارة إلى المريخ واستقبالها (ما يقابل قطع الإشارات مسافة تبلغ 450 كيلومتراً) ما بين 10 و20 دقيقة. يقول بيرنر إنه بالنسبة لمركبة بعيدة عن البشر كل هذا البعد مثل فويجر، يمكن أن يستغرق وصول الضوء إليها وعودته إلى الأرض ما يصل إلى 29 ساعة، بالإضافة إلى ذلك، نظراً لأنه يمكن تتبع أي مهمة باستخدام أي من هوائيات شبكة الفضاء العميق القوية، فإن المرونة العالية لهذه الشبكة التوسطيّة المعقدة هي أحد الأسباب التي تجعلها “نظاماً متعدد المهام بحق”، حسب تعبير بيرنر.

اقرأ أيضاً: المركبة بيرسيفيرنس تكتشف أدلة على حدوث تفاعلات كيميائية قديمة على سطح المريخ

تحتوي كل منشأة من منشآت الشبكة على هوائي يبلغ عرضه 70 متراً، بالإضافة إلى عدد كبير من الهوائيات التي يبلغ عرضها نحو 34 متراً والتي تُستخدم أيضاً لإجراء الدراسات في مجال علوم الراديو مثل دراسة الكواكب والثقوب السوداء، بالإضافة إلى التواصل مع المركبات الفضائية في أثناء دوران الأرض. لكن يكشف إلقاء نظرة فاحصة على الآليات لهذا النظام عن مدى أهمية شبكة الفضاء العميق في جهود وكالة ناسا الأحدث التي تهدف للعودة إلى سطح القمر ضمن برنامج أرتميس.

إيصال مركبة أرتميس 1 إلى القمر وإعادتها

الأسبوع الماضي، اقتربت مركبة أوريون التابعة لوكالة ناسا من القمر، وهي تقع خلف هذا التابع حالياً وتلتقط صوراً جديدة مدهشة وعالية الدقة لسطحه المغطّى بالفوهات. ولكن إذا كانت هذه المركبة بمثابة جاسوس للأرض، فستمثّل شبكة الفضاء العميق مركز التحكم بالمهمة، وهي الصوت الذي يرشد كل بطل.

وفقاً لمختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، تقوم شبكة الفضاء العميق حالياً باستقبال تدفق كبير ومستمر من البيانات من مركبة أوريون، وهي عملية ستستمر خلال رحلة المركبة ومناوراتها ورحلة عودتها المنتظرة. تتضمن هذه العملية إرسال التعليمات واستعادة البيانات بسرعة، على الرغم من أن الشبكة تتعقّب العديد من المهام الأخرى. اعتمدت مهمة أرتميس في الأصل على شبكة الفضاء القريب التابعة لوكالة ناسا. وهي نظام اتصالات توسطي آخر يديره مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا الذي يقع في مدينة غرينبيلت في ولاية ماريلند، والذي يستطيع الاتصال بالمهمات الحكومية والتجارية التي تجرى في المدارات القريبة من الأرض.

لكن نظراً لأن الهوائيات الموجودة في هذه الشبكة لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الطاقة لدعم معدلات عالية لتبادل البيانات (أو النقل السريع للبيانات إلى المحطات الأرضية عندما يتجاوز البعد بين إحدى المركبات والأرض ارتفاعات المدارات الأرضية المنخفضة)، أصبحت شبكة الفضاء العميق ملائمة أكثر للعمل مع المهمة. يقول بيرنر إنه دون وجود شبكة الفضاء العميق، “لم نكن لنتمكن من تبادل المعلومات بالمعدلات المطلوبة في المهمات القمرية”. يعني ذلك أن كل تلك الصور واللقطات التي أرسلتها المركبة بالفعل ستكون أقل دقة ومملة أكثر في غياب شبكة الفضاء العميق.

قبل عودة مركبة أورايون مباشرة إلى الأرض، ستتولى شبكة الفضاء القريب مهام شبكة الفضاء العميق مجدداً. يمثّل هذا التسليم بداية حقبة جديدة في استكشاف الفضاء، وجنباً إلى جنب مع إطلاق برنامج الاتصالات والملاحة الفضائية، ستضع أنظمة الاتصالات الأساس لإطلاق مهمات أرتميس المأهولة إلى القمر.

شبكة فضائية للمستقبل

لمواكبة جدول مهام وكالة ناسا الممتلئ، ستحتاج شبكة الفضاء العميق التي يبلغ عمرها نحو 60 عاماً إلى بعض التحديثات. يقول بيرنر، والذي كان حاضراً عندما تم تحويل أنظمة شبكة الفضاء العميق التناظرية إلى أنظمة رقمية في أوائل تسعينيات القرن الماضي: “تحتوي منشآت هذه الشبكة على معدات عملت لمدة 30 أو 40 عاماً، وتعتبر صيانة هذه المعدات صعبة للغاية”. مع ذلك “سيتطلب تحديث شبكة الفضاء العميق الكثير من الوقت والمال”، حسب تعبير بيرنر.

اقرأ أيضاً: 10 مهمات قمرية تاريخية مهّدت الطريق أمام مهمات أرتميس

يقول بيرنر إن هناك عدداً من التحسينات التي ستخضع لها الشبكة في السنوات القليلة المقبلة لضمان أن تتمكن من دعم المهام الجديدة، وخصوصاً مهمة غيت واي التابعة لوكالة ناسا، وهي بمثابة نقطة استيطانية تدور حول القمر وتوفر الدعم للمهمات القمرية المأهولة طويلة الأمد ومهمات استكشاف الفضاء العميق، نظراً لأن العديد من هذه الأنظمة المستقبلية ستنقل البيانات بمعدلات أعلى وبترددات أعلى من المهمات السابقة، يتم حالياً تحديث الهوائيات في كل منشأة من منشآت شبكة الفضاء العميق لتتمكن من دعم معدلات أعلى بكثير لنقل البيانات إلى المركبات الفضائية ومنها.

ولكن بينما تسعى البشرية إلى زيارة القمر مجدداً (على أمل أن تكون المهمات دائمة هذه المرة)، يشير بيرنر إلى أن نجاح إحدى مهمات المركبات الفضائية يعتمد على نظام التتبع الأرضي الذي يدعمها، وهو عامل غالباً ما يتم تجاهله وتهميشه عند الاحتفال بالاكتشافات الجديدة. في النهاية، وراء كل مركبة فضائية وصلت لأقاصي المجموعة الشمسية مجموعة من الهوائيات التي تمكنّها من المضي قدماً.

يقول بيرنر: “عندما ترى الصور المتعلقة بالاكتشافات العلمية الجديدية في الصحف، تذكّر أنه [لو] لم تكن لدينا هذه الشبكة على الأرض، فلم نكن لنتمكن من رؤية هذه الصور”.