باستخدام مرصد تشاندرا الفضائي: الكشف عن فراغات خلّفتها ثقوب سوداء فائقة الكتلة

فراغات خلف ثقوب سوداء فائقة الكتلة
حقوق الصورة: ناسا/ سي إكس سي/ جامعة بولونيا/ إف.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أظهرت دراسة جديدة وجود بقع سوداء كبيرة لها شكل نبتة البرسيم رباعية الأوراق وسط عنقود من المجرات. هذه أول مرة يرصد فيها العلماء مجموعتين من هذه البقع الداكنة، والتي تتشكل نتيجة للثقوب السوداء.

تتشكّل البقع السوداء عندما تولّد الإشعاعات المنبعثة من الثقوب السوداء الفائقة الكتلة أشكالاً تشبه “الفصوص”. تظهر هذه البنى في الطيف الراديوي، ولكنها تأخذ شكل فراغات سوداء في طيف الأشعة السينية. وجد الباحثون لأول مرة مجموعة من 4 فصوص في نفس المكان.

ليست المرة الأولى التي تُرصد فيها مثل هذه الأشكال

ليس جديداً رصد عدة فصوص من الفراغات الداكنة في نفس المكان، لكنها عادةً ما تكون مختلفة الأحجام ولا تشبه البرسيم كثيراً. يقول “فرانشيسكو أوبرتوسي”، طالب في مرحلة دكتوراه في الفيزياء الفلكية في جامعة بولونيا في إيطاليا، والذي يستخدم الأشعة السينية لدراسة العناقيد المجرية: “الأمر الذي يميز المجموعة الجديدة هي أن الفصوص تبعد نفس المسافة عن المركز”. قاد أوبرتوسي الدراسة الجديدة، والتي نُشرت في دورية “دراسات مجلة الفيزياء الفلكية” (The Astrophysical Journal Letters).

يبدو أن جميع الفصوص لها نفس الحجم وأنها تقع على نفس البعد حول محور. يثبت هذا أن زوج الفصوص تشكّل في نفس الوقت تقريباً.

يبعد العنقود المجري الذي يحتوي على هذه الفصوص، والذي اسمه “آر بي إس 797” (RBS 797)، نحو 3.9 مليار سنة ضوئية عن الأرض، وقد تمت دراسته بشكل معمق من قبل. يعرف الباحثون منذ زمن أن الفراغات الداكنة موجودة في هذا العنقود. اعتمد أوبرتوسي وزملاؤه في عملهم على دراسة أجريت في عام 2013 وجدت أن الفراغات الداكنة تتقاطع مع الفصوص، وهي بقع بدت داكنة باستخدام “مرصد تشاندرا للأشعة السينية” التابع لوكالة ناسا. وفقاً لأوبرتوسي، تدعم هذه الأرصاد فكرة أن الثقوب السوداء الموجودة في هذا العنقود استهلكت كل المادة الموجودة في المنطقة.

اقرأ أيضاً: واحد .. اثنان .. ثلاثة كواشف للأمواج الثقالية؟

قصة واحدة وطريقتين مختلفتين لروايتها

السؤال الأساسي الذي حاول أوبرتوسي وزملاؤه الإجابة عنه هو: هل يمكنهم إيجاد فراغات في طيف الأشعة السينية تشبه أشكال الفصوص؟ يقول أوبرتوسي: “يبدو الأمر وكأننا لدينا قصة واحدة، وطريقتين مختلفتين لروايتها”، إذ يجب أن تتطابق أرصاد الأمواج الراديوية وأرصاد الأشعة السينية.

تُصدر الثقوب السوداء الفائقة الكتلة عادة الجسيمات من قممها وقواعدها على شكل تدفقات عالية السرعة تسمى “النفاثات النسبية”. تتسع مقاطع النفاثات بعد أن يصل الإشعاع إلى مسافة معينة من مصدر إصداره، وحسب تعبير أوبرتوسي، “تدفع الغاز المحيط الذي نراه في طيف الأشعة السينية بعيداً” وترسم مساراً في المادة المحيطة و”تولّد الأشكال الشبيهة بالفقاعات التي نراها في طيف الأشعة السينية”.

وفقاً لـ “مايكل ماكدونالد“، عالم الفيزياء الفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي يدرس تطور الثقوب السوداء الفائقة الكتلة والأشياء المحيطة بها، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، يمكن مقارنة فراغات الأشعة السينية بالفقاعات التي تتشكل تحت الماء، إذ يقول: “يمكنك رؤية الفقاعات في الماء … أو يمكنك رؤيتها إذا كان بإمكانك ملاحظة الهواء بطريقة ما”. إن رؤية الفجوات في الماء مثل ملاحظة الفراغات في طيف الأشعة السينية، أما قياس الغازات في الفقاعات فيشبه الكشف عن الموجات الراديوية.

اقرأ أيضاً: هل يموت الثقب الأسود؟

رصد باستخدام تلسكوب تشاندار الفضائي

مُنح مُشرف أوبرتوسي في 2019 إمكانية رصد العنقود المجري نفسه باستخدام تلسكوب تشاندار الفضائي، وعندما حصل الباحثون على النتائج، تمكّنوا من رؤية الفراغات في طيف الأشعة السينية التي التقطها التلسكوب، والتي تقابل الفصوص نفسها.

والأكثر من ذلك، حاول الباحثون قياس الفرق في العمر بين مجموعتي الفصوص ووجدوا أنه أقل من 10 ملايين سنة، ووفقاً لأوبرتوسي، هذا الفرق ليس كبيراً على المقاييس المجرية.

يدعم الفرق العمري الصغير تفسيرين محتملين تم طرحهما أيضاً من قبل مؤلفي دراسة 2013 عندما وجدوا المجموعة الإضافية من الفصوص في الطيف الراديوي. التفسير الأول هو أن ثقبين أسودين فائقي الكتلة يدوران بالقرب من بعضهما بعضاً أصبحا نشطين في نفس الوقت وتسببا في تشكل هذه الفصوص. والتفسير الثاني هو أن ثقباً أسوداً واحداً قد انحرف عن محوره، ربما عندما اندمج مع ثقب أسود آخر، ثم استدار وقذف نفثاته في اتجاه جديد. يقول أوبرتوسي إن هذه الفصوص الإضافية لم تُرَ في أي مسوحات سابقة بالأشعة السينية، والتي لم ترصد المنطقة لفترة كافية من الزمن على الأرجح.

يقول ماكدونالد إن كلا الفكرتين صحيحتان من الناحية النظرية، لكنه يشعر أن فكرة الثقب الأسود المزدوج “أكثر جاذبية” لأنها قد تمثل طريقة أخرى لدراسة اندماجات الثقوب السوداء بالإضافة إلى الأمواج الثقالية.

يقول مكدونالد إن النتائج الجديدة تبدو مثيرة للاهتمام، ولكن يمكن تأكيدها بالحصول على صور أوضح بمرتين أو 3 مرات. يضيف أيضاً أن الأرصاد الجديدة “هي أفضل ما يمكننا فعله دون استخدام تلسكوب أشعة سينية جديد أقوى”.

سيستمر الباحثون في رصد العنقود المجري آر بي إس 797، ويأمل أوبرتوسي أن يحسم الجدل بين التفسيرين في مشروعه القادم.