ماذا بعد تأجيل إطلاق مهمة أرتميس 1؟

ماذا بعد تأجيل إطلاق مهمة أرتميس 1؟
صاروخ نظام الإطلاق الفضائي التابع لوكالة ناسا مثبت على منصة إطلاق متحركة في 4 سبتمبر/ أيلول في مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا. ناسا/جويل كوسكي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد سنوات من الترقب، وُضعت أول رحلة متكاملة إلى القمر تقوم بها ناسا منذ عام 1972 على منصة الإطلاق في فلوريدا في أواخر أغسطس/ آب، لكن لم يتم إطلاقها بسبب مشكلة تسرب الوقود.

يُعتبر هذا التأخير الأحدث لإطلاق مهمة أرتميس 1، المهمة غير المأهولة التي من المقرر إطلاقها من الأرض والوصول إلى مدار القمر ومن ثم العودة إلى الأرض. أثارت الانتكاسات الأخيرة موجة من التكهنات بشأن الموعد الدقيق لإطلاق المهمة.

ولكن ما سبب هذه التأخيرات؟ وماذا يفعل مهندسو ناسا لإصلاحها؟ وهل ستؤثر على حلم ناسا القديم بالعودة إلى القمر مجدداً؟ (ربما يكون جواب السؤال الأخير: لا).

اقرأ أيضاً: كيف تتابع مباشرة بعثة أرتميس إلى القمر من التحضيرات الأولية وحتى الإطلاق؟

ما سبب تأجيل إطلاق مهمة أرتميس 1؟

لن تكون مهمة أرتميس 1 مجرد مهمة إلى سطح القمر وحسب، بل تنطوي هذه المهمة أيضاً على أول اختبار لنظير صاروخ “ساتورن 5” في القرن الحادي والعشرين: نظام الإطلاق الفضائي (SLS)، الصاروخ العملاق المصمم ليكون عماد برنامج أرتميس. سيكون التحليق إلى القمر والعودة إلى الأرض أمراً مثيراً بالطبع، ولكن اختبار الصاروخ الذي سيقوم بعمليات الإطلاق المستقبلية أكثر أهمية في الواقع.

يعتمد نظام الإطلاق الفضائي على الهيدروجين كوقود دافع، ويخزّنه على شكل سائل فائق التبريد عند حرارة أقل من 250 درجة مئوية تحت الصفر. عندما كان المهندسون يقومون بتبريد أنابيب نقل الوقود إلى درجة الحرارة هذه، قاموا برفع الضغط فيها عن طريق الخطأ. في وقت لاحق، عندما بدأ المهندسون في ملء خزانات وقود الصاروخ استعداداً للإطلاق، لاحظوا تسرباً في أحد خطوط الوقود عند نقطة دخولها إلى الصاروخ. من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت المشكلتان مرتبطتين أم لا.

يمكن أن يتسبب أي تسرب للوقود مهما كان بسيطاً في حدوث كارثة في أي وقت، لأنه يمكن أن يؤدي إلى إطلاق غاز الهيدروجين الذي يعتبر مادة شديدة الاشتعال، الأمر الذي من شأنه التسبب بكارثة كما حدث خلال تحطم منطاد هيندنبورغ عام 1937.

(لم تكن هذه المرة الأولى التي تحدث فيها مشكلات التزود بالوقود لنظام الإطلاق الفضائي. ففي أبريل/ نيسان، وعندما كان مهندسو ناسا يجرون بروفة إطلاق الصاروخ على منصة الإطلاق، واجهوا مشكلات متكررة مع تسرب الوقود في أثناء محاولتهم ملء خزانات الصاروخ).

اقرأ أيضاً: عودة البشر إلى القمر: بدء العد التنازلي لمهمة أرتميس 1

يحاول مهندسو ناسا الآن إصلاح التسرب عن طريق استبدال الأختام على طول أنابيب الوقود، وسيعيدون اختبار الإطلاق على المنصة خلال الأسابيع القليلة القادمة.

من المهم ملاحظة أن الإطلاق الذي تم تأجيله لا يُعتبر فاشلاً، بل هو قرار بإيقافه والمحاولة مرة أخرى لاحقاً بعد أن يعمل المهندسون على حل المشكلات الحالية. تقول محللة الطيران في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (مركز أبحاث مقره واشنطن)، ماكينا يونغ: «إنهم حريصون جداً على إلغاء الإطلاق أو تأخيره تجنباً لحدوث كارثة يمكن أن تضر بالمهمة حقاً».

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

لن يكون بوسع ناسا تجربة الإطلاق مجدداً على الفور بعد أن ينتهي المهندسون من اختباراتهم. لإطلاق مهمة أرتميس 1، يجب أن يكون القمر في موقع مناسب في مداره حول الأرض. لقد ضاعت الفرصة الأخيرة المناسبة، ولن تكون متاحة مجدداً حتى أواخر شهر سبتمبر/ أيلول، وتحديداً في 23 أو 27 منه.

لا يتم اختيار هذه التواريخ بشكلٍ عشوائي. على الرغم من التركيز الكبير على مهمة أرتميس 1، لكن يجب أن يتم اختيار تاريخ الإطلاق بحيث لا يتعارض مع المهام الأخرى. في هذه الحالة، من المقرر أن يقوم نظام شبكة ناسا لمراقبة الفضاء العميق بتتبع مهمة “دارت” (DART)، وهو مسبار غير مأهول يهدف إلى تغيير مسار كويكب عن طريق الاصطدام به. سيتم اختبار مسبار دارت في 26 سبتمبر/ أيلول، أو قبل هذا التاريخ أو بعده بيوم واحد فقط. لذلك من المهم ألا تتعارض مهمة أرتميس مع تلك المهمة.

لا تزال عملية الإطلاق في سبتمبر/ أيلول غير مؤكدة. من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان على المهندسين إعادة أرتميس 1 إلى مبنى تجميع المركبات (VAB)، وهو مبنى ضخم بحجم ناطحة السحاب تُقوم ناسا فيه بتجميع الصواريخ التي تصنعها. يتعلّق الأمر بشيء يُسمى “نظام إنهاء الرحلة”، وهو نظام يعمل بالبطارية يقوم بتدمير الصاروخ ذاتياً إذا انحرف عن مساره ليتجنب الاصطدام بالأرض وإحداث الأضرار.

قامت قوة الفضاء الأميركية، التي تتمتع بسلطة اتخاذ القرار الفعلي المتعلق بإطلاق صواريخ ناسا أو إيقافها، بترخيص استخدام البطاريات لمدة 25 يوماً، حيث تنتهي قبل أن يكون من المتاح إطلاق المهمة مجدداً أواخر سبتمبر/ أيلول. عادة ما يكون على ناسا إعادة الصاروخ إلى مبنى التجميع واستبدال البطاريات. لكن ناسا تسعى للحصول على إذن خاص من القوة الفضائية لتبديل البطاريات على منصة الإطلاق بشكلٍ مباشر.

إذا اضطرت ناسا إلى إعادة أرتميس 1 إلى مبنى التجميع، فقد يصبح الإطلاق في أواخر سبتمبر صعباً. وعلى هذا النحو، لن يكون موعد الإطلاق التالي متاحاً إلا في وقت لاحق من شهر أكتوبر/ تشرين الأول. إذا حدث ذلك، يجب تجنب الإطلاق حول 25 أكتوبر/ تشرين الأول حيث سيحدث كسوف كلي للشمس يمكن أن يؤثر على أنظمة الاتصالات التي تستخدمها ناسا.

اقرأ أيضاً: كيف سيبدو الأمر إن كنت تقود مركبة على القمر؟

ماذا يحمل المستقبل؟

وفقاً لجميع المؤشرات، فإن المشكلة لا تتعلق بما إذا كان سيتم إطلاق أرتميس 1، بل بموعد إطلاقه. ومع ذلك، بالنسبة للمراقبين على الأرض، والذين انتظر بعضهم عقوداً لرؤية مهمة أرتميس تتحقق أخيراً، قد تبدو التأخيرات وكأنها تجميع قطعة من الأثاث ليكتشفوا أن بعض أجزائها الأخيرة مفقودة.

لكن هذه هي طبيعة أي مشروع فضائي معقّد. تقول يونج: «لم يكن من المتوقع مطلقاً أن يسير كل شيء على أفضل وجه. قد تكون هذه التأخيرات أحياناً جزءاً من طبيعة العمل الذي تقوم به».

اقرأ أيضاً: إسقاط دمى بشرية في أحواض السباحة يساعد الباحثين على فهم إصابات الغطس

من المفيد في هذه الحالة أن تستفيد مهمات أرتميس القادمة من المشكلات الحالية. من المقرر أن يتم إطلاق مهمة أرتميس 2، والتي ستحمل على متنها 3 أميركيين وكندي إلى مدار القمر والعودة مجدداً في عام 2024. بينما لن يتم إطلاق مهمة أرتميس 3، والتي ستحمل رواد الفضاء إلى سطح القمر لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، قبل عام 2025 على أقرب تقدير.

على الرغم من أن فترات التوقف الطويلة بين المهمات قد تكون مزعجة بالنسبة لأهل الأرض الذين لا يطيقون الانتظار، فإن هذا الوقت يمنح ناسا الفرصة لتجنب حدوث الأخطاء وبالتالي التأخيرات في المهمات المستقبلية.

تقول يونغ: «لن تؤثر التأخيرات التي طرأت على مهمة أرتميس 1 على المواعيد المقدرة للمهمات المستقبلية ما لم يتم تأخير المهمة أكثر إلى الشتاء أو حتى إلى العام المقبل».