كيف ستجعل محطة تيانجونغ الفضائية من الصين قوة رائدة في سباق الفضاء؟

كيف ستجعل محطة تيانجونغ الفضائية من الصين قوة رائدة في سباق الفضاء؟
محطة الفضاء الصينية تيانجونج، والذي يعني اسمها قصر السماء. من المتوقع أن تكتمل المحطة الفضائية بحلول نهاية العام الجاري. الصورة: شيا يوان/ غيتي إيميدجيز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مثلت أبحاث الفضاء واستكشافه في ذروة الحرب الباردة مرحلة دراماتيكية في صراع القوة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعد الحقبة النووية. غذت التوترات في هذا المجال بدايات سباق الفضاء، ما أدى لظهور تكنولوجيات جديدة وتأسيس وكالات فضائية، وأرسى الأساس للتقدم المستقبلي في كل جانب تقني تقريباً في مجتمعنا. 

محطة تيانجونغ الفضائية

حافظت الولايات المتحدة وما يُعرف الآن بروسيا على مكانتهما كعملاقي صناعة الفضاء طوال عقود من الزمن وحتى الآن، لكن منافساً جديداً دخل بقوة على خط سباق الفضاء. في وقت لاحق من هذا العام، ستضع الصين اللمسات الأخيرة على محطة “تيانجونغ” الفضائية، والتي تُعتبر أول قاعدة فضائية صينية، ويعني اسمها “قصر السماء”. أطلقت إدارة الفضاء الوطنية الصينية المرحلة الأولى من المحطة متعددة الوحدات منذ أكثر من عقد، وسينتهي بناء المحطة الآن بإضافة مقصورة المختبر “مينجتيان”، والتي تمثل الوحدة الثالثة والأخيرة اللازمة لإكمال هيكل المحطة المدمج الذي سيتخذ شكل حرف (T). تقول الوكالة الفضائية إن محطة تيانجونغ ستكون “أكثر جهود الصين طموحاً في الفضاء“.

اقرأ أيضاً: الهيئة السعودية للفضاء تبحث مستقبل الشراكة مع إدارة الفضاء الصينية

على عكس محطة الفضاء الدولية (ISS) التي تأتي ثمرةً لتعاون العديد من الدول ووكالاتها الفضائية، ستكون محطة تيانجونغ المحطة الفضائية المستقلة الوحيدة عند بدء مهمتها، الخطوة التي من شأنها أن تزيد من التوترات الجيوسياسية غالباً. في الواقع، غالباً ما تعكس القدرة على بناء ودعم مثل هذه المنشأة في المدار القوة والتأثير العالميين الكليين لدولة ما. مع ذلك، حفلت مسيرة مؤسسات الفضاء الصينية الناجحة- على الرغم من أنها ليست بهذه القوة- بالعديد من الإنجازات المدهشة في العقود التي سبقت إنجاز محطة تيانجونغ. ففي أواخر القرن العشرين، كانت الصين خامس دولة في العالم تطلق بنجاح قمراً صناعياً إلى الفضاء. تعكس مشاريع الصين الأخيرة وعزمها على تطوير قدراتها الفضائية إدراكها كيف أن علوم الفضاء أصبحت مرتبطة إلى حد كبير بالتطور في مختلف المناحي في البلاد، بما في ذلك الأمن القومي والتقدم الاقتصادي ومبادرات العلوم والتعليم العامة. 

تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا والمتخصصة في سياسة العلوم والتكنولوجيا، ألانا كروليكوفسكي: «كان نشاط الصين الفضائي واضحاً، ولكنه لم يكن متسقاً دائماً». وتضيف: «لكن قادة الصين كانوا يتطلعون إلى أنشطة الفضاء منذ زمن طويل».

اقرأ أيضاً: القمر الصناعي الصيني يُشعل ثورة الاتصال الكمي الآمن

يعود جزء كبير من تصميم الصين على استثمار الوقت والموارد في مجال الفضاء إلى رؤية الصين الدولية وعزلتها عن العديد من برامج الفضاء التعاونية الأولى. في الثمانينيات والتسعينيات على وجه الخصوص، واجهت الصين العديد من التحديات المحلية والاقتصادية (مثل السياسات المالية والثقافية المتقلبة التي أعاقت النمو والتجارة العالمية)، لكن الصين أدركت سريعاً أن قطاع الفضاء سيصبح مجالاً مهماً جداً في السنوات القادمة كما تقول كروليكوفسكي. هذا التفاني والاعتماد على الذات في استكشاف الفضاء هو أحد الأسباب التي سلطت الضوء في كثير من الأحيان على نجاحات الصين (وأحياناً إخفاقاتها).

في السنوات الأخيرة، ونتيجة لجهودها المحمومة لزيادة نطاق أنشطتها الفضائية، أنشأت الصين شبكة ملاحة عبر الأقمار الصناعية (يمكنها منافسة نظام “جي بي إس” المدعوم من الولايات المتحدة)، وأرسلت مسباراً غير مأهول إلى المريخ وأول مركبة لاكتشاف الجانب البعيد من القمر؛ “تشانغ-إي 4” . يمكن أن تمهد الاكتشافات التي حققها المسبار شبه المستقل يوتو-2، والذي كان برفقة مركبة تشانغ-إل 4، الطريق للرحلات الروبوتية المستقبلية إلى القطب الجنوبي للقمر. 

اقرأ أيضاً: للاستغناء عن «جي بي إس»: الصين تطلق قمرها الأخير في نظام بيدو

في الوقت نفسه، بدأت صناعة الفضاء التجارية في البلاد بالازدهار، حيث بدأت العديد من الشركات الخاصة في إطلاق مركبات جديدة مثل مركبات الشحن الفضائية والأقمار الصناعية الأخرى. يمكن أن تكون المحطة الفضائية المستقلة كلياً بمثابة منصة انطلاق للجهود المستقبلية في مجال الفضاء تنقل الأبحاث العلمية إلى آفاق جديدة، بما في ذلك المضي قدماً في تحقيق هدف الصين القديم المتمثل بهبوط رواد الفضاء الصينيين يوماً ما على سطح القمر. في حين أن محطة تيانجونغ ستكون قاعدةً ومنطلقاً للعديد من المشاريع التي تخطط الصين لتنفيذها، لكنها ستكون أصغر بكثير وسعة طاقمها أقل مقارنة بمحطة الفضاء الدولية. على الرغم من هذه القيود، تحتوي المحطة الفضائية على مساحة كافية لإجراء التجارب العلمية المهمة.

بالإضافة إلى الوحدة الثانية للمحطة، وينتيان، ستتيح وحدة مينجتيان المضافة حديثاً، والتي تتكون من مختبر مضغوط بطول 18 متراً تقريباً، للباحثين إجراء تجارب الجاذبية الصغرى بالإضافة إلى إجراء الأبحاث الاستكشافية الفيزيائية والفضائية. كما ستسمح محطة تيانجونغ للصين باستكشاف شراكات مفيدة مع البلدان الأخرى. بعد بدء عملها، ستدعم المحطة أكثر من ألف تجربة خلال وجودها في الفضاء طلب إجراء العديد منها باحثون من جميع أنحاء العالم. 

جيل جديد من التلسكوبات

يهتم عالم الفيزياء الفلكية في مركز هارفارد-سميثسونيان للفيزياء الفلكية في كامبريدج بماساتشوستس ومؤرخ علم الفضاء، جوناثان ماكدويل، بشكل خاص بمعرفة إلى أي مدى ستدعم المحطة تلسكوب “شانشان” (Xuntian)، والمعروف باسم مرصد الفضاء الصيني (CSST). يُعتقد أن تلسكوب شانشان سيكون نظير تلسكوب هابل الفضائي، ولكن نظراً لأن مجال رؤيته سيكون أكبر من مجال رؤية تلسكوب هابل- والذي أمضى 32 عاماً في الفضاء حتى الآن- بـ 300 مرة، فإنه في الواقع يشبه إلى حد بعيد تلسكوب نانسي رومان الفضائي الذي تخطط ناسا لإطلاقه عام 2027 كما يقول ماكدويل.  

يقول ماكدويل: «يكتشف هذا الجيل الجديد من التلسكوبات مساحة أكبر بكثير من السماء في نفس الوقت، وربما بتفاصيل أقل إلى حد ما من تلسكوب هابل أو تلسكوب جيمس ويب. إنها ترسم خرائط لمساحات واسعة من الفضاء بدلاً من استكشاف أشياء محددة مسبقاً بشيء من التفصيل والدقة».

اقرأ أيضاً: هل ستكون «نقطة نيمو» في المحيط الهادئ مقبرة مثالية لمحطة الفضاء الدولية؟

سوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يصبح أي من التلسكوبين جاهزاً لاستكشاف أعماق الفضاء، ولكن من الواضح أن العديد من المشاريع الفضائية الصينية تتبع نمطاً متعمداً يكرر ما تم إنجازه سابقاً ويستفيد من الدروس السابقة للمتنافسين لتطوير وتحسين التصاميم الخاصة بها. على سبيل المثال، تبدو محطة تيانجونغ من الخارج نسخة متطابقة تقريباً من محطة مير الفضائية الروسية، والتي بقيت في المدار 15 عاماً تقريباً قبل أن تتفكك وتسقط فوق جنوب المحيط الهادئ في عام 2001. من الاختلافات الواضحة في تصميم المحطة الصينية إضافة ذراع روبوتية يبلغ طولها 6 أمتار تقريباً ستكون قادرة على تحريك وحدات مختلفة بالإضافة إلى توفير الدعم للأنشطة الفضائية الأخرى. مع امتلاء الغلاف الجوي للأرض بالحطام الفضائي الناتج عن نشاط الإنسان في الفضاء، فإن المشكلات التي واجهتها الصين في الماضي مع حطام الصواريخ غير المتحكم بها تفرض عليها أيضاً إيجاد حلول أفضل لها إذا كانت ستدعم استكشاف الفضاء المستدام. على الرغم من عدم وجود خطط معلنة حول كيفية تعامل الصين مع هذه القضايا في المستقبل، إلا أنها لا تزال الدولة الأولى والوحيدة التي تختبر تقنيات تجريبية لاحتواء الحطام الفضائي.

يُحظر على وكالة ناسا في الوقت الحالي التعاون مع الصين أو الدخول في مشاريع تتبع لها، بما في ذلك توفير التمويل أو الدخول في شراكات تشغيلية أخرى معها. ومن غير المرجح أيضاً أن يكون هناك أي تعاون مستقبلي بين محطة الفضاء الدولية ومحطة تيانجونغ بالنظر إلى أن أي جهد علمي سيكون بقيادة الولايات المتحدة جزئياً على الأقل. يقول ماكدويل إنه بالنظر إلى ميل الولايات المتحدة لتولي زمام عملياتها الدولية، فقد تتردد الصين في الانضمام إلى شراكة تتمتع فيها الولايات المتحدة بنفوذ كبير.

وتقول كروليكوفسكي في هذا السياق: «مع ذلك، يمكن أن تجذب محطة تيانجونغ العديد من الشركاء الدوليين ممن ليس لديهم مثل هذه البرامج الفضائية الشاملة. في الحقيقة، لا تقتصر الرغبة على المشاركة بدور صغير أو داعم على الدول النامية وحسب، بل يمكن أن تكون هناك مجالات تعاون مغرية مع الصين حتى بالنسبة للدول الأوروبية الكبرى».

اقرأ أيضاً: الصين في المريخ: العربة الصينية الجوالة تحطّ على الكوكب الأحمر

على الرغم من أن الصين ربما تكون قد تأخرت في تبني قواعد الممارسات الفضائية المسؤولة، إلا أن غالبية المجتمع السياسي والعلمي متفائل بأن الصين، ومع تنامي دورها في الفضاء، ستبدأ باللحاق بالركب. 

يقول ماكدويل في هذا الصدد: «مع مرور الوقت وبعد أن ينضج دورها كقوة فضائية، ستدرك الصين مدى أهمية أن يكون دورها في الفضاء فاعلاً وبنّاءً».