كيف ساهمت أنقاض الكواكب المحطمة في نشوء الماس الفضائي؟

يتلألأ الماس الفضائي من أنقاض كوكب قزم محطم
صورة مقربة لتركيب ماس لونسداليت المطوي المعقد، وهو ما قد يزيد من صلابته. آندي تومكينز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اليوم، يعتبر نظامنا الشمسي مستقراً إلى حد ما. هناك 8 كواكب (عذراً، بلوتو) تحافظ على مدارها حول الشمس، مع خطر ضئيل من أن تحطمها الكويكبات. لكن الأمر لم يكن دائماً على هذا النحو.

منذ نحو 4.5 مليار سنة، وفي مرحلة تكوّن النظام الشمسي، اصطدمت أجزاء كبيرة من الصخور بشكل متكرر بكواكب قزمة بطيئة النمو. غالباً ما كانت النتائج كارثية لكلا الأجرام السماوية، ما أدى إلى تحويلها إلى حطام لا يزال يضرب الأرض حتى يومنا هذا. لكن في بعض الأحيان، أدت تلك الاصطدامات العنيفة إلى تشكل شيء جديد ولامع، ربما يكون ماساً أيضاً.

اصطدام عنيف بين الأجرام السماوية

وفقاً لبحث جديد نُشر في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، فمن المرجح أن يكون قد حدث ذلك عندما اصطدم كويكب بكوكب قزم وحطمه إلى قطع صغيرة في بدايات النظام الشمسي. يقول المؤلفون إن الاصطدام كان عنيفاً لدرجة أنه تسبب بسلسلة من الأحداث التي حوّلت معدن الغرافيت من غلاف الكوكب القزم إلى الماس الموجود الآن في النيازك.

اقرأ أيضاً: في خطوة جديدة لحرف مسار الكويكبات التي تشكل تهديداً للأرض: نجاح اصطدام المركبة دارت بكويكب

يقول الباحثون إن عملية الانفجار التي تشكلت من خلالها هذه الأحجار الكريمة الفضائية، قد تكون مصدر إلهام لتشكيل الماس المصنوع مخبرياً والذي يكون أكثر صلابة من الماس الذي ينقب عنه الناس.

يقول عالم الأبحاث في مركز دراسات النيازك في جامعة ولاية أريزونا، لورانس غارفي، والذي لم يشارك في البحث الجديد: “نقول دائماً إن الماس هو أقسى المواد. إنه أمر طبيعي، فنحن لم نكن قادرين على صنع شيء أكثر صلابة منه في المختبر. ومع ذلك، كانت هناك مؤشرات من الأبحاث على مرّ السنين بأن هناك أشكالاً من الماس تبدو في الواقع أقسى من الماس أحادي البلورة. وهذا سيكون مفيداً للغاية. “هذه فرضية قد تضيف فهماً جديداً لكيفية تكوين هذه المواد”. ويضيف أن مثل هذا الاحتمال مُغرٍ لجميع أنواع الاستخدامات الصناعية والاستهلاكية.  

كيف ينشأ الماس؟

يظهر الماس على كوكب الأرض عندما تتعرض رواسب الكربون لضغط مرتفع ودرجات حرارة عالية، وغالباً يكون ذلك نتيجة العمليات الجيولوجية التي تسبب اهتزازات في أعماق القشرة الأرضية. لكن هذا التفسير لم يكن منطقياً أبداً بالنسبة لنيزك اليوريليت الغني بالكربون والمليء بشكل غامض بالماس الفضائي. يوضح غارفي أن ممارسة ضغط كافٍ على الكربون تتطلب قدراً لا بأس به من الكتلة، أكثر بكثير من الكوكب القزم الذي ربما أتت منه هذه الصخور القديمة. في المقابل، أشار بعض علماء النيازك إلى أن الصدمة الناتجة عن الارتطام هي التي أدت إلى هذا التحول

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: اصطدامات النيازك ربما جعلت المريخ غير صالح للحياة

يقول باحث الفيزياء في معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا وأحد المؤلفين في البحث الجديد، آلان سالك، إن الاصطدام وحده لا يفسّر تماماً وجود البلورات في اليوريليت. كما يقول: على سبيل المثال، ماس النيازك أكبر بكثير من أي ماس تم تشكيله في التجارب المخبرية التي تحاكي الظروف المقترحة. 

إضافة إلى ذلك، فقد وجد العلماء تناقضات في تركيب اليوريليت. لا يعطي بعضها أي مؤشر على وجود الماس. بينما يحتوي البعض الآخر على بلورات كربونية تبدو مختلفة بشكل ملحوظ عن أحجار خاتم الخطوبة: تحتوي التركيبات على طيات أكثر، مع ذرات تبدو سداسية الشكل وليست مكعبة. ويُعتقد أن هذه الجوانب الإضافية تجعل المادة أكثر صلابة.

ولكن كما كتب عالم الجيولوجيا في جامعة موناش، أندرو تومكينز، والذي قاد الدراسة الأخيرة، في رسالة بريد إلكتروني إلى مجلة العلوم للعموم: “بالطبع يعلم الجميع أن الماس قاسٍ جداً، لذا من المستحيل طيه”. 

بعد دراسة الخواص الذرية للكربون في اليوريليت، وضع تومكينز وسالك وزملاؤهما سيناريو يقول إنه يمكن أن يفسّر جميع تغييرات الأحجار الكريمة. تقول هذه القصة إنه عندما اصطدم كويكب بكوكب قزم في مستهل نشاط النظام الشمسي، انطلق إلى أعماق الجرم الرئيسي الذي نشأ منه نيزك اليوريليت وأدى إلى سلسلة من الأحداث. 

آندي تومكينز (على اليسار) وآلان سالك يحملان عينة من اليوريليت. المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن

احتوى الكوكب القزم على الغرافيت المطوي في الكوكب القزم. يشرح تومكينز أنه بمجرد اصطدام الكويكب، أدى الاصطدام العنيف إلى تحرير الضغط عن الغلاف، مثلما يحدث عندما تقوم بلف غطاء زجاجة الصودا. تسبب تحرير الضغط السريع في ذوبان القليل من الغلاف وإطلاق السوائل والغازات، والتي تفاعلت بعد ذلك مع المعادن. أدت هذه العملية إلى تحول الغرافيت المطوي في الكوكب إلى بلورات سداسية. وبعد انخفاض الضغط ودرجة الحرارة، تشكل الماس المكعب العادي أيضاً. 

اختلاف الماس الفضائي

لا يزال الشكل السداسي للبلورات موضوعاً مثيراً للجدل. يرى بعض العلماء أن هذا الشكل يجعلها نوعاً مختلفاً من الماس ويعرف باسم لونسداليت. تم التعرف على الجوهرة لأول مرة في فوهة كريتر ديابلو الصدمية في ولاية أريزونا في عام 1967، ومنذ ذلك الحين تم العثور عليها في مواقع اصطدام أخرى حول العالم. اقترح آخرون أن المادة تشبه لقطة فوتوغرافية لتركيبة الماس العشوائية. قدم غارفي وزملاؤه تفسيرات بديلة، مثل نمو الماس المشابه للجرافين. لكن سالك وتومكينز يقولان إن بحثهما الجديد يثبت بشكل قاطع أن الأحجار الكريمة الموجودة في نيزك اليوريليت هي في الواقع ماس سداسي، وبالتالي، يجب تصنيفها على أنها لونسداليت.

اقرأ أيضاً: مجال التنقيب عن معادن الكويكيبات أصبح حقيقة واقعة

بغض النظر عن تعريفها، يتفق العلماء أن هذه المادة يمكن أن تكون لها خصائص قيّمة. قامت إحدى المحاولات لإعادة تشكيل ماس اللونسداليت بدراسة المادة بشكل غير مباشر لتكون أقوى بنسبة 58% من نظيرتها المكعبة.  إذا كان من الممكن تشكيل المادة صناعياً في المختبر، يقول غارفي إن “الاحتمالات لا حصر لها”، واصفاً الاستخدامات المحتملة للطلاءات الواقية على هواتف الآيفون أو عدسات الكاميرا بأنها مثال على تلك الاستخدامات. يقترح سالك توفير مناشير وأدوات قطع أخرى ذات شفرات قوية جداً بحيث لا تصبح باهتة. 

ومع ذلك، فإن البلورات التي وجدها سالك وتومكينز لا تزيد على 2% من حجم شعرة الإنسان. لذلك لا تتوقع أن تعاين ماس اليوريليت النادر في أي وقت قريب. يضيف سالك أن “الأمل هو محاكاة هذه العملية [من الفضاء] وتشكيل ما هو أكبر منها”.