كيف يعلم النحل صغاره الرقص؟

كيف يعلم النحل صغاره الرقص؟
يمكن لنحلات العسل الأكبر سناً تعليم النحلات الأصغر "رقصة الاهتزاز" المعقدة. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُعد التعلم الاجتماعي وتناقل المعرفة من جيل إلى جيل سمةً مميزة للثقافة بين الكائنات الحية. وثّق العلماء التعلم الاجتماعي المبكر لدى العديد من الحيوانات، مثل فئران الخلد العاري الصغيرة والطيور المغردة وحوت العنبر والبشر، لكنهم لم يلاحظوا هذه الظاهرة لدى الحشرات إلا مؤخراً.

قدمت دراسة نشرت في 9 مارس/ آذار بمجلة “ساينس” (Science) دليلاً يثبت أن معارف الأجيال مهمة جداً لبقاء نحل العسل.

التعلم الاجتماعي مهم لبقاء أجيال نحل العسل

يقول المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الأحياء في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييغو، جيمس ناي، في بيان: “بدأنا ندرك أن الحيوانات، مثل البشر، تنقل المعلومات الأساسية لبقائها عبر المجتمعات والعائلات. وتوضح نتائج بحثنا الجديد أن التعلم الاجتماعي موجود أيضاً لدى الحشرات”.

اقرأ أيضاً: ما هي شحنة أسراب النحل وما تأثيرها على الغلاف الجوي؟

ألقى ناي وفريقه نظرة أعمق على سلوك النحل المعروف باسم “الرقصة الاهتزازية” (waggle dance).  يتمتع النحل بهيكل اجتماعي عالي التنظيم ويعتمد على الرقص الاهتزازي لوصف مواقع المصادر الغذائية المهمة عن طريق سلسلة من الحركات المعقدة. في أثناء الرقص الاهتزازي، تتحرك النحلة في أنماط دورانية تتخذ شكل الرقم 8، بينما تهز جسمها بسرعة في منتصف الرقصة. إنه أشبه بالرقص البهلواني، أو “البريك دانس”، الذي يُؤدى بسرعة فائقة، حيث تتحرك كل نحلة مسافة تعادل طول جسمها في أقل من ثانية واحدة.

فوائد الرقص الاهتزازي للنحل

تسمح الحركات الدقيقة في الرقص الاهتزازي للنحلة بنقل المعلومات البصرية في البيئة المحيطة بالخلية إلى زميلاتها، ونمط توصيل المعلومات الدقيق هذا مثير للإعجاب حقاً نظراً لضرورة تحرك النحلة بسرعة عبر السطح غير المنتظم لخلية العسل غالباً. اكتشف الفريق أن الرقص الاهتزازي يتحسّن من خلال التعلم ويمكن أن ينتقل من جيل إلى جيل بين أفراد الخلية.

يعرض مقطع الفيديو أول رقصة اهتزازية لإحدى نحلات العسل، حيث كانت تتابع رقصات النحلات الأخرى وتراقبها قبل أن تبدأ بها.  نتيجة لذلك، كانت رقصتها الأولى منظمة ودقيقة أكثر بدرجة ملحوظة. حقوق مقطع الفيديو: دونغ شيهاو/ جامعة كاليفورنيا سان دييغو

أجرى ناي وزملاؤه الباحثون من الأكاديمية الصينية للعلوم، شيهاو دونغ وتاو لين وكين تان، تجربة أنشؤوا فيها مستعمرات بها نحلات من نفس العمر لمعرفة كيف تنقل النحلات العاملات المتمرسات الرقصة الاهتزازية إلى النحلات الأصغر سناً والأقل خبرة.

تبدأ النحلات الرقص عادة عندما تصل إلى سن مناسبة وتتعلمه من النحلات ذات الخبرة أولاً، ولكنها لم تتعلمه من النحلات الأكبر سناً في هذه المستعمرات التجريبية.

اقرأ أيضاً: لماذا يشارك النحل في مباريات البيسبول؟

بالمقارنة، وفي مستعمرات التحكم التي كانت تحتوي نحلات من مختلف الأعمار، لم تعانِ النحلات أي مشكلة في التعلم في ظل وجود نحلات متمرسات في الرقص الاهتزازي، إذ احتفظت النحلات في الدراسة بالإشارات الاجتماعية التي تعلمتها في فترة حياتها التي تبلغ 38 يوماً تقريباً.

لهجات رقص فريدة

أبدت النحلات التي لم تتعلم الرقص الاهتزازي الصحيح في المرحلة الحاسمة المبكرة من حياتها تحسناً من خلال مراقبة النحلات الراقصات الأخريات والتدرب، لكنها لم تتمكن من نقل معلومات المسافة بشكل صحيح برقصاتها، ما أدى لظهور “لهجات” رقص فريدة احتفظت بها تلك النحلات بقية حياتها.

يقول ناي: “يعتقد العلماء أن لهجات النحل تتشكل من خلال بيئاتها المحلية، وإذا كان الأمر كذلك، فمن المنطقي أن تنقل المستعمرة لهجة تتوافق مع هذه البيئة جيداً إلى الأجيال التالية”. وبالتي تقدم هذه النتائج دليلاً على أن التعلم الاجتماعي يؤدي دوراً في تشكيل إشارات نحل العسل على غرار دور التواصل المبكر في العديد من أنواع الفقاريات التي تستفيد أيضاً من التعلم الاجتماعي.

تأثير التهديدات الخارجية على تشكيل لغة النحل

تتمثل الخطوات التالية لهذا البحث في فهم الدور الذي تؤديه البيئة في تشكيل لغة النحل بصورة أوضح. وبالإضافة إلى ذلك، يرغب الفريق في معرفة المزيد حول تأثير التهديدات الخارجية على النحل، مثل المبيدات الحشرية التي يمكن أن تعطل تعلم اللغة المبكر عندها.

يقول ناي في هذا الصدد: “من المعروف أن النحل مخلوقات ذكية جداً ولديها القدرة على إظهار سلوكيات مثيرة للإعجاب حقاً. كشف العديد من التقارير البحثية والدراسات أن مبيدات الآفات قد تضر بإدراك النحل وتعلمه، وبالتالي يمكن أن تؤثر في قدرته على تعلم أساليب التواصل، وحتى أن تغيّر طرق نقلها إلى الجيل التالي من النحل في المستعمرة”.