ما هي شحنة أسراب النحل وما تأثيرها على الغلاف الجوي؟

ما هي شحنة أسراب النحل وما تأثيرها على الغلاف الجوي؟
يمكن أن يولّد النحل تأثيرات كبيرة لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة. ماريسا لوبيك، وكالة المسح الجيولوجي الأميركية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من المعروف أن رادارات الطقس تتحسس أسراب الجنادب واليعاسيب وربما الزيزان في أثناء طيرانها في السماء. على الرغم من أن هذه الأسراب الكبيرة من الحشرات لا تستطيع توليد الأمطار أو العواصف الرعدية، فإنها تمتلك شحنة كهربائية صغيرة للغاية يمكن أن تؤثر على الطاقة الكهربائية المخزنة في الغلاف الجوي في أثناء طيرانها. ولكن ما مقدار الشحنة التي تتولد عن طيران النحل بالضبط؟

تأثير طاقة أسراب النحل على الغلاف الجوي

الإجابة باختصار هي “الكثير”. قام فريق من العلماء من المملكة المتحدة بقياس شدّة الحقول الكهربائية المحيطة بأسراب نحل العسل ووجدوا أن هذه الحشرات يمكن أن تولّد قدراً من الشحنة الكهربائية في الغلاف الجوي يماثل ذلك الذي تولّده سحب العواصف الرعدية. نُشر البحث الذي ألّفه العلماء في مجلة آي ساينس (iScience) بتاريخ 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وهو يبيّن كيفية تأثير هذه الطاقة الكهربائية في أحداث الطقس، والطريقة التي يمكن أن تساعد فيها الحشرات على العثور على الطعام، وحتى الآلية التي يمكن أن تساعد فيها هذه الطاقة العناكب على التحليق في الهواء في أثناء هجرتها.

اقرأ أيضاً: ما هو تأثير ظهور أجنحة الحشرات على تطورها؟

قال عالم الأحياء في جامعة بريستول والمؤلف الرئيسي للبحث الجديد، إيلارد هنتينغ (Ellard Hunting)، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لموقع بوبيولار ساينس (Popular Science، العلوم للعموم): “درسنا في هذا البحث الطريقة التي تستخدم فيها الكائنات الحية المختلفة الحقول الكهربائية الساكنة الموجودة في كل مكان في البيئة”، وأضاف: “على سبيل المثال، تولّد الأزهار حقلاً كهربائياً يستطيع النحل تحسسه. يمكن أن تتغير شدّة هذا الحقل الكهربائي عندما يقترب النحل من الأزهار. ويمكن للنحلات الأخريات تحسس هذه التغيرات ومعرفة ما إذا اقترب النحل من هذه الأزهار من قبل. وأيضاً، تولّد الأشجار حقلاً كهربائياً متزايد الشدّة في الغلاف الجوي. وتستطيع العناكب الاستفادة من هذا الحقل للقفز والتحليق في الهواء، ما يتيح لها قطع مسافات كبيرة في أثناء هجرتها”.

وجد الفريق أن أسراب نحل العسل تغير شحنة الغلاف الجوي الكهربائية بمقدار 100-1000 فولت لكل متر، ما يزيد من قوّة الحقل الكهربائي التي تكون شدّتها أكبر على مستوى الأرض من شدّتها في الهواء. بعد ذلك، طوّر الفريق نموذجاً للتنبؤ بتأثير الأنواع الأخرى من الحشرات في الحقل الكهربائي. عند مقارنة الشحنات الكهربائية للعواصف الرعدية والظواهر الجوية الأخرى بأعلى شحنة يولّدها النحل، وجد الباحثون أن الأسراب الكثيفة من النحل تولّد شحنة كهربائية أعلى؛ إذ بلغت كثافة الشحنة التي يولّدها النحل 8 أضعاف تلك التي تولّدها سحب العواصف الرعدية و6 أضعاف تلك التي تولّدها العواصف الترابية المشحونة.

A swarm of honeybees can have the same electrical charge as a storm cloud
رسم تمثيلي للنحل والكهرباء تم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي. المصدر: إيلارد هنتينغ.

عوامل تأثير أسراب الحشرات على الغلاف الجوي

قال عالم الأحياء في جامعة بريستول والمؤلف المشارك للبحث الجديد، ليام أورايلي (Liam O’Reilly)، في بيان صحفي: “يعتمد تأثير أسراب الحشرات في شحنة الغلاف الجوي على كثافتها وحجمها”، وأضاف: “حسبنا أيضاً تأثير أسراب الجراد على شحنة الغلاف الجوي؛ إذ تطير هذه الحشرات في أسراب عملاقة تغطي مساحة تصل إلى 1200 كيلومتر مربع تقريباً وتحتوي على 80 مليون جرادة في مساحة لا تتجاوز 2.5 كيلومتر مربع، ومن المحتمل أن يكون تأثيرها أكبر بكثير من تأثير نحل العسل على الشحنة الكهربائية للغلاف الجوي”.

من المرجح أن النحل يكتسب هذه الشحنة الكهربائية من خلال الاحتكاك بالهواء في أثناء الطيران. وعلى الرغم من أن إضاءة مصباح إل إي دي (LED) واحد يتطلب نحو 50 مليار نحلة، قد تتسبب هذه الحشرات في زيادة شدّة الحقل الكهربائي للغلاف الجوي بمقدار ضعفين إلى 10 أضعاف، وهو مقدار يوصفه هنتينغ بأنه “مفاجئ للغاية”؛ إذ إنه قال لموقع بوبساي: “يجعل ذلك هذه الدراسة أول دراسة تبلغ عن أن أشكال الحياة يمكن أن تمثل مصدراً حيوياً للشحنات الكهربائية في الفراغ. وهي ظاهرة قد تكون بأهمية الظواهر الفيزيائية مثل السحب”.

اكتشف العلماء الحقول الكهربائية بعد فترة وجيزة من تجربة الطائرة الورقية الشهيرة التي أجراها بنجامين فرانكلين (Benjamin Franklin) في عام 1752، لكن لا يزال العلماء يحاولون كشف أسرار الكهرباء كظاهرة طبيعية.

قال هنتينغ: “اكتشفنا مؤخراً فقط أن علم الأحياء والحقول الكهربائية الساكنة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً وأن هناك العديد من الروابط غير المتوقعة التي يمكن أن تظهر على مقاييس مكانية مختلفة، بدءاً من الميكروبات التي تعيش في التربة والتفاعلات بين النباتات والكائنات المُلقّحة إلى أسراب الحشرات والدارة الكهربائية العالمية”، وأضاف: “يجعل ذلك هذه الظواهر مجالاً مثيراً للأبحاث التجريبية. لا تزال تبعات تأثير الحشرات على الحقل الكهربائي في الغلاف الجوي تخمينية. ولا شك في أن احتمالية تأثير هذه الظاهرة التي تحدثها الحشرات على الطقس تستحق الدراسة”.

وفقاً لهنتينغ، إن فهم الشحنة الكهربائية للغلاف الجوي يمكن أن يجيب عن أسئلة في مجالات لا تقتصر على الفيزياء، مثل تفسير وجود جزيئات الغبار على بعد آلاف الكيلومترات من الصحراء الكبرى.