ما الأهمية البيئية للتنوع الجيني للأنواع؟

ما الأهمية البيئية للتنوع الجيني للأنواع؟
يضم سمك رمح الرمل، وهو من أسماك الطُعم الصغيرة، مجموعتين يفصل بينهما الجرف الإسكتلندي قبالة شرق كندا. يمكن أن يؤثر هذا التنوع الجيني على بقاء هذه الأسماك في البيئات المتغيرة في المستقبل. صور "آتش يو إم"/يونيفرسال إيميدجيز غروب/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن للمعالم الأرضية، مثل الأنهار والسلاسل الجبلية، أن تكون بمثابة حواجز تسهم في تقسيم الأنواع إلى مجموعات متمايزة من الناحية الجينية. بينما في الامتداد الشاسع للمحيط، حيث لا يبدو أن هناك حواجز تمنع الأسماك والمخلوقات البحرية الأخرى من الانتقال حيث تريد، توقّع العلماء منذ زمن طويل أن اختلاط الأنواع البحرية أسهل في الواقع. لكن الأبحاث الحالية تشير إلى أن هناك عوامل أخرى يمكن أن تفصل بين المجموعات بخلاف الحواجز الجغرافية، وأن التنوع الجيني للأنواع البحرية أعلى مما كان يتوقعه العلماء غالباً.

التمايز الجيني موجود في كل مكان

يقول عالم البحار في جامعة كونيتيكت، هانز باومان، إن الاعتقاد الذي كان سائداً في الوسط العلمي لزمن طويل هو أن الأنواع البحرية لا تشكل مجموعات منفصلة. ويضيف: “لكن هذا المفهوم تداعى خلال العقدين الأخيرين، وأصبح من الواضح أن التمايز الجيني موجود في كل مكان”.

اقرأ أيضاً: شاهد أسرع سمكة في العالم في أثناء عملية الصيد

أصبحت حماية هذا التنوع الجيني محور اهتمام دعاة الحفاظ على البيئة. ففي الاجتماع الأخير لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (CBD)، تبنّى أعضاء الوكالة إطار عمل جديداً يحدد أهدافاً شاملة لجهود الحفظ، بما فيها الحفاظ على التنوع الجيني في الأنواع لحماية قدرتها على التكيف مع الظروف المتغيرة.

يقول سيباستيان نيكولز، وهو من برنامج الحفاظ على المحيطات التابع لمؤسسة بيو تشاريتبل ترست (Pew Charitable Trusts) غير الربحية، الذي يعمل بشكل وثيق مع الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لمساعدتها في الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بقضايا الحفاظ على البيئة البحرية: “إن التنوع الجيني مهم جداً لضمان مرونة الأنواع”، ويوضح أن التنوع الجيني الضئيل جداً قد يعرّض الأنواع لمسببات الأمراض الفردية أو الضغوطات البيئية.

أهمية التنوع الجيني

يأتي أحد الأمثلة الحية على أهمية التنوع الجيني من الاكتشاف الأخير لبومان وزملائه حول سمك رمح الرمل الشمالي (Northern sand lance) -وهو من أسماك الطُعم المهمة- الذي يشير إلى أن هذا النوع هو في الواقع مجموعتان منفصلتان.

قام العلماء بسلسلة جينومات مئات أسماك رمح الرمل الشمالي التي تعيش من غرينلاند إلى نيوجيرسي، واكتشفوا أن هذه الأسماك تنقسم إلى مجموعتين؛ تعيش الأولى شمال الجرف الإسكتلندي قبالة الساحل الشرقي لكندا، بينما تعيش الأخرى أبعد إلى جنوب هذا الجرف.

يقول بومان إن هناك شيئاً يثير الفضول حول الجرف الإسكتلندي. ففي حين لا يوجد حاجز مادي واضح يمنع الأسماك من عبور الجرف والتزاوج مع أقرانها على الجانب الآخر، يبدو أن نسلها لا يستطيع البقاء لو تزاوجت بالفعل. يعتقد باومان أن التغير في درجة حرارة الماء المتركز حول الجرف هو السبب، إذ إن المياه جنوبه دافئة جداً بالنسبة للأسماك الشمالية المتكيفة مع البرودة، والعكس صحيح بالنسبة للأسماك في الجنوب أيضاً، ويلاحظ العلماء أيضاً أن الجرف يفصل أيضاً بين مجموعات من الأنواع الأخرى، مثل الكركند والإسكالوب وسمك القد. يقول باومان: “يؤكد ذلك أن الجرف الإسكتلندي يمثل إلى حد ما حاجزاً جينياً واسع الانتشار بالنسبة لأنواع أخرى أيضاً”.

اقرأ أيضاً: توثيق سلوك غريب يتبعه بعض أنواع الأسماك للتخلص من الطفيليات

أهمية التفاصيل الجينية لسمك الرمح الشمالي

التفاصيل الجينية لهذه السمكة الصغيرة ذات أهمية كبيرة تتجاوز إثارة الفضول. يُعد سمك رمح الرمل حجر الزاوية في النظم البيئية للمحيطات، حيث تُعتبر أسماك الطُعم النحيلة هذه مصدر غذاء أساسي للعديد من الأنواع، بما فيها 72 نوعاً من الأسماك والطيور والثدييات.

يمكن أن يساعد وجود مجموعة من أسماك الرمل المتكيفة مع المياه الدافئة، من الناحية النظرية، في تحمّل ضغوط التغير المناخي لأنها من المرجح أن تزدهر وتنتشر شمالاً إذا ما ارتفعت درجة حرارة المحيط. لكن باومان يقول إن ذلك لا ينفي أهمية الحفاظ على نظرائها في الشمال، نظراً لأن التكيفات الفريدة الأخرى يمكن أن تصبح مهمة في المستقبل. ويضيف: “حتى لو كنا لا نعلم أي مجموعة جينية هي الأهم، يجب الحفاظ عليها جميعاً”.

اقرأ أيضاً: اكتشاف أعداد هائلة لأعشاش أسماك جليدية غريبة في القطب الجنوبي

ويقول نيكولز إن المشكلة تكمن في أن العلماء لا يعرفون سوى القليل عن التنوع الجيني لمعظم الأنواع البحرية، لا سيما الأنواع التي تعيش في أعماق البحار، فغالباً ما توجد النظم البيئية البحرية في مناطق نائية يصعب الوصول إليها، ما يجعل فهم ماهية التنوع الموجود صعباً بالفعل. ويضيف نيكولز: “لا نعرف حقاً التنوع البيولوجي هناك؛ فنحن نكتشف أنواعاً جديدة باستمرار، لذلك من الصعب جداً جمع معلومات حوله”.

ووفقاً لنيكولز، فإن إنشاء شبكات قوية من المناطق البحرية المحمية هو أفضل الأدوات المتاحة للحفاظ على التنوع الجيني المعروف وغير المعروف. لقد اتفق الأعضاء في اجتماع اتفاقية التنوع البيولوجي على هدف حماية 30% من المناطق الساحلية والبحرية بحلول عام 2030، ويقول نيكولز: “إذا وفرنا الحماية لمساحة كافية من المحيطات، يمكن لمجموعات الحيوانات تجديد نفسها والانتشار إلى مواقع مجاورة، وبالتالي الحفاظ على التنوع الجيني داخل حدودها وخارجها”.