كيف يمكن أن تساعد الأشنات في التنبؤ بارتفاع مستوى سطح البحر؟

كيف يمكن أن تساعد الأشنات في التنبؤ بارتفاع مستوى سطح البحر؟
بعض أنواع الأشنة حساسة جداً للملح. نظراً لقدرة بعض أنواع الأشنات على العيش لعقود، يمكن أن تكون مؤشراً موثوقاً للدلالة على الفيضانات أو تسرب المياه المالحة في موقع ما. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يواجه العديد من المناطق الساحلية المنخفضة خطورة كبيرة، إذ يرتفع مستوى سطح البحر بوتيرة غير مسبوقة، الأمر الذي من شأنه أن يغيّر خرائط العالم بشكل جذري. على الرغم من أننا ندرك هذه الحقيقة على نطاق واسع، لكن تحديد المناطق التي ستغمرها المياه والتي لن تتأثر مهمة شاقة جداً. قد لا يتوقع أحد على الإطلاق أن الأشنات، وهي أحد أصغر أشكال الحياة وأكثرها غموضاً، قد تشكّل حليفاً غير متوقع للمساعدة في هذا التحدي.

تعدد أنواع الأشنات

هناك أكثر من 18 ألف نوع موصوف من الأشنات على مستوى العالم، يشكّل كل منها مجتمعاً يتألف من نوع واحد أو أكثر من الفطريات والطحالب أو البكتيريا الزرقاء. وقد مكّن هذا المزيج الخاص الأشنات من البقاء في ظروف متنوعة وقاسية في كثير من الأحيان، من الحرارة الاستوائية الشديدة وحتى البرد القارس في القطب الجنوبي.

طوّر كل نوع من الأشنات آليات لتحمل مستويات مختلفة من درجة الحرارة والضوء وجودة الهواء والظروف البيئية الأخرى من أجل الازدهار في بيئته الخاصة. ونظراً لحساسيتها العالية، يستخدم العلماء الأشنات لتقييم الاضطرابات البيئية، مثل تأثير قطع الأشجار أو التلوث بالنيتروجين. تُظهر الأشنات أيضاً درجات متفاوتة من القدرة على تحمّل الملح، ويعتقد عالم النبات في جامعة ولاية بويز بولاية آيداهو، روجر روزنتريتر، أن هذه الخاصية تجعلها مفيدة جداً في فهم ارتفاع مستوى سطح البحر.

اقرأ أيضاً: الأشنات وجدت طريقها إلى الحياة بعد انقراض الديناصورات

أهمية الأشنات في تحديد التعرض للملح

يقول روزنتريتر، الذي درس الأشنات والأنواع ذات الصلة لأكثر من 4 عقود: “تُعد الأشنات مؤشراً موثوقاً على تاريخ الموقع. وتحديداً، يمكن أن تكون أنواع الأشنات التي تنمو في المواقع الساحلية مؤشراً فعّالاً على انخفاض مستوى تسرب المياه المالحة ورذاذها داخل الموقع نتيجة للفيضانات والعواصف النادرة. نظراً لاستمرار ارتفاع مستويات سطح البحر، فمن المرجح أن يواجه أي موقع تعرض لمياه مالحة متقطعة في الماضي المزيد من الفيضانات وآثار العواصف بصورة متكررة في المستقبل.

في الآونة الأخيرة، عمل روزنتريتر مع زوجته عالمة النباتات في جامعة ولاية بويز، آن ديبولت، على دراسة مجتمعات الأشنة في متنزهَين حكوميَين يقعان بالقرب من منطقة ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا. يقع المتنزه الأول على جزيرة حاجزة معرضة لرذاذ المياه المالحة والفيضانات العاصفة بصورة دائمة، بينما يقع المتنزه الثاني داخل اليابسة على بعد 500 متر من الشاطئ.

اكتشف العلماء مجموعتين مختلفتين بشكل مدهش من الأشنات في كل موقع، ومن خلال مقارنة الأشنات في كلا الموقعين، أنشؤوا قائمة بأنواع الأشنات التي يمكن أن تكون بمثابة مؤشرات مفيدة للوجود الطويل الأمد أو التاريخي للمياه المالحة.

كيف يمكن أن تساعد الأشنات في التنبؤ بارتفاع مستوى سطح البحر؟
الصورة يساراً: الحزاز المسحوق حساس جداً للملح، لكنه لا يعتبر مؤشراً جيداً على تعرّض الموقع للآثار الأولية لارتفاع مستويات سطح البحر فيما سبق. الصورة: فيتالي تشارني. الصورة على اليمين: جلد الهلام الأزرق المتموج حساس أيضاً للملح، لكن نموه البطيء يجعله مؤشراً أفضل من الحزاز المسحوق. الصورة: ديفيد بيرد.

لا تكفي الحساسية للملح لكي تكون الأشنة مؤشراً فعّالاً على تعرّض الموقع للتأثيرات الأولية لارتفاع مستوى سطح البحر فيما سبق، إذ يجب أيضاً مراعاة عوامل أخرى، مثل تاريخ حياة الأشنة.

الأشنات كسجلات للمواقع ومؤشرات لارتفاع سطح البحر

يمكن أن تموت بعض أنواع الأشنات، مثل الحزاز المسحوق (الصورة اليسرى)، إذا ما تعرضت للكثير من المياه المالحة التي تسببها العواصف أو الفيضانات، ولكنها قادرة على التعافي بسرعة بعد انحسار مياه البحر بسبب دورة تكاثرها السريعة. بينما يمكن للأنواع الأكبر حجماً التي تتميز بنمو وتكاثر أبطأ وتحمل أقل للملوحة، مثل جلد الهلام الأزرق المتموج (الصورة اليمنى)، توفير معلومات أكثر عن تاريخ تأثر الموقع بالمياه المالحة، حيث لا يمكن لهذه الأشنات التي لا تتحمل الملح البقاء والنمو في الموقع إذا ما تعرض لأحداث المياه المالحة مثل رذاذ العواصف أو الفيضانات في أي وقت من حياتها. نظراً لأن بعض أنواع الأشنات يمكن أن يعيش لعقود أو أكثر، يمكن أن يوفر سجلاً شاملاً لموقع معين على مدى فترة زمنية طويلة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن الاستفادة من نجوم البحر في استصلاح غابات عشب البحر؟

كشفت دراسة روزنتريتر وديبولت لمجتمعات الأشنات في متنزهَي فلوريدا أنه من بين 48 نوعاً مختلفاً تم تحديدها، يمكن اعتبار 11 منها مؤشرات موثوقة لوجود المياه المالحة. من بين هذه الأنواع الـ 11، تفضّل 7 أنواع النمو في مناطق ذات تأثر منخفض جداً بالمياه المالحة، بينما تتحمل الأنواع الـ 4 الباقية الملح، ما يعني أن الموقع الذي تنمو فيه يتمتع بتاريخ من التعرض المعتدل للملوحة إلى جانب ازدياد احتمالات تأثره بارتفاع مستوى سطح البحر.

بشكل عام، اكتشف روزنتريتر وديبولت أن الأنواع التي تشير بدقة أكبر إلى درجة أمان الموقع النسبية من ارتفاع مستوى سطح البحر وغمر المياه المالحة هي الأشنات الأكبر حجماً والمورقة أكثر والتي غالباً ما تكون ألوانها خضراء أو زرقاء فاتحة. ومع ذلك، قد يكون من الصعب تحديد هذه الأنواع، لأن بعض الأنواع التي تعدّ مؤشرات واعدة تتشابه بدرجة كبيرة مع الأنواع الأقل فائدة. يقول روزنتريتر: “يجب أن تتمتع بخبرة متوسطة في النباتات لتحديد هذه الأنواع،

ومن الجيد أن وجود هذه الأنواع لا يقتصر على فلوريدا، بل يمكن العثور عليها في جميع أنحاء مناطق السهول الساحلية الجنوبية الشرقية”. على سبيل المثال، تُظهر التقارير على موقع “آي ناتشراليست” (iNaturalist)، الذي يُشرك المجتمع في جمع ملاحظات التنوع البيولوجي، أن جلد الهلام الأزرق المتموج ينتشر على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة وربما أبعد من ذلك.

يرى الخبير في الحفاظ على الدفاعات الطبيعية ضد ارتفاع مستوى سطح البحر في جامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا كروز، بورخا ريغيرو، الذي لم يشارك في البحث، أوجه تشابه في تكيّف كل من المجتمعات الساحلية والأشنات مع التغيّرات البيئية. ويقول: “من المنطقي العثور على هذه الأنواع “المؤشرات” في المناطق التي يتجاوز فيها تواتر أحداث الرذاذ أو الفيضانات الحد الذي لا تستطيع بعض الأنواع العيش بعده. ويمكن أن ينطبق الشيء نفسه أيضاً على البشر والبنية التحتية الساحلية، فثمة نقطة تحول تصل إليها أحياء معينة بعد تعرضها للفيضانات باستمرار لدرجة تمنعها من العيش بأمان بعد ذلك”.

اقرأ أيضاً: هذه الطيور محاصرة بين مفترسيها والمستويات المرتفعة لسطح البحر

توفر العلوم الحديثة مجموعة متنوعة من الأدوات لدراسة ارتفاع مستوى سطح البحر، مثل بيانات الأقمار الصناعية وعينات التربة والمياه الجوفية، ويمكن أن تشكّل الأشنات طريقة أخرى لتحديد الآثار المترتبة على ارتفاع مستويات سطح البحر في نطاقات محلية أصغر، وتحديد المناطق التي ستتأثر به، وبالقدر نفسه من الأهمية تحديد المناطق غير المعرضة للخطر أيضاً.