كيف تأثرت هجرة الحيوانات بتدمير بيئاتها الأصلية؟

لماذا قد لا تشكل هجرة الحيوانات حلاً للأنظمة البيئية المجهدة؟
تهاجر عثة أوتوغرافا غاما (Autographa gamma) بين جنوب القارة الأوروبية وشمالها خلال فصل الربيع من كل عام. ديفيد تبلينغ (David Tipling)/يونيفرسال إميدجيز غروب/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يعتمد كل من تركيب المجتمعات البيئية وبنيتها على ما يحدث في محيطها المباشر فقط؛ إذ تعتبر البيئة المحيطة الأوسع عاملاً مهماً أيضاً. مكونات الطبيعة جميعها مرتبطة، ولهذا فالهجرة مهمة.

لم يهتم البشر بالحيوانات المهاجرة بدرجة كبيرة بالفعل؛ إذ دمّروا جزءاً كبيراً من المواطن الطبيعية حول العالم، ونسبة كبيرة مما تبقّى منها مجزّأة للغاية، وكأنها جزر صغيرة في بحر من الأراضي الزراعية غير الصالحة للعيش والمراعي أو المناطق المغطّاة بالإسمنت. الجماعات الحيوانية في هذه المواطن صغيرة وأكثر عرضة للظروف السيئة المتقلّبة.

أهمية التفاعلات مع البيئة في عالم الحيوان

ولحسن الحظ وجدنا أن الجماعات المجزأة تستطيع البقاء إذا مثّلت الحيوانات المهاجرة صلة وصل بينها، إذ تتمكن من تعزيز معدلات المواليد وموازنة معدلات الوفيات والوقاية من انقراض الجماعات الحيوانية وإعادة استيطان المواقع المختلفة عندما يؤدي الانقراض المحلي إلى فناء الجماعات. زاد تجزؤ المواطن الذي تسبب به البشر من أهمية هذه التفاعلات في مملكة الحيوان.

اقرأ أيضاً: أسرار جديدة عن الطيور المائية تكشفها هجرة ملحمية قام بها طائرا بط

يمكن للهجرة أن تخفض نسبة الضرر الناجم عن التجزؤ، ولكنها لا تحل المشكلة بأكملها؛ تكون الجماعات شبه المستقرة أكثر أماناً عند وجود جماعة “أساسية” كبيرة تؤدي دور مصدر وفير للمهاجرين، ولكن لسوء الحظ يؤدي تدمير المواطن إلى تقليل امتداد هذه الجماعات الأساسية وإنتاجيتها، ما يضر بالجماعات الأخرى الأصغر التي تعتمد عليها. تعتبر الأجزاء الباقية من المواطن غير مهمة من وجهة نظر التنوع الحيوي غالباً، ولكن تدميرها يمكن أن يعزز انفصال الجماعات الباقية، وبالتالي فهو يقلل من احتمالية الاستيطان. عندما تكون معدلات استيطان جماعة ما أقل من معدلات الانقراض، فستختفي الجماعة في النهاية. كما تحتوي المواطن المجزأة الأكثر عزلة على عدد أقل من الأنواع، من العث وغيره.

التنقل: سمة لا تتمتع بها جميع الحيوانات

بالإضافة إلى ذلك، لم تتكيف الحيوانات جميعها بدرجة جيدة مع نمط الحياة التجواليّ. على سبيل المثال، تفتقر إناث العث الصدئي (vaporer moths) إلى الأجنحة؛ إذ إنها عبارة عن كتل زغبية وظيفتها وضع البيوض فقط، وهي لا تمتلك سمات تجعلها قادرة على التنقّل بين المواطن المجزأة. وكذلك الأمر بالنسبة لعثة الشتاء (winter moth) والعثة المبقّعة (mottled umber) والعثة المبكّرة (early moth)، وهي أنواع وجدتها في مقاطعة ديفون الإنجليزية وليس في مدينة لندن، حيث لا تساعدها المناطق الطبيعية المجزأة من المواطن القابلة للعيش على البقاء.

حتى الأنواع التي تبدو متنقّلة لا تتحرك كثيراً، مثل العثة الحمراء الزاهية (cinnabar moth). من الواضح أن العديد من أنواع الطيور المتخفية التي تعيش في الطبقات السفلى من غابات الأمازون المطيرة لا يعبر المساحات المفتوحة، لدرجة أن الأنهار الرئيسية في هذا الحوض تصبح بمثابة حدود للتوزّعات الجغرافية لهذه الطيور.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك مراقبة حركة هجرة الطيور اعتماداً على بيانات الطقس؟

تأثير المواطن المجزأة على ازدهار الحيوانات

تعاني الأنواع التي تعيش حصرياً في مواطن معينة أو تقتات على نباتات معينة من الصعوبات أكثر من غيرها عندما يزداد تجزؤ المواطن. وتعتبر العثة الأوبثكية النادرة من هذه الأنواع، التي تتغذّى جماعاتها التي تعيش في بريطانيا على نبات شيح ابن سينا في بعض المستنقعات المالحة في الساحل الشرقي للبلاد. يؤدي النمو الواسع للمدن الساحلية إلى انخفاض عدد المستنقعات المالحة وتحولها إلى مواطن مجزأة أكثر مما كانت من قبل، علماً أنها المواطن الوحيدة لنبات شيح ابن سينا في بريطانيا. يؤدي تزايد المسافات بين المواطن الصالحة للعيش إلى انخفاض احتمالية أن يجد الأفراد المتنقلون هذه المواطن بهدف استيطانها أو إعادة استعمارها.

تقدمة شركة آيلاند برس للنشر
تقدمة شركة آيلاند برس للنشر

يمكن للحيوانات المهاجرة أيضاً أن تساعد الأنواع الأخرى على الاستجابة للتغيرات في الظروف المختلفة، وذلك للاستفادة من الفرص الجديدة عند توفرها أو الهروب من المواطن التي تتعرض للدمار. هذه المقدرات مهمة بصورة خاصة نظراً للأزمة المناخية الحالية، عندما تتغير الظروف البيئية بدرجة تتجاوز قدرة التحمّل الفيزيولوجية للأفراد، تواجه الأنواع 3 خيارات فقط، التكيّف أو الانتقال أو الانقراض، تجعل السرعة الحالية للتغيرات البيئية التكيّف صعباً، وخصوصاً بالنسبة للأنواع التي تتطور ببطء، ما يجعل الانتقال أفضل خيار للبقاء.

كيف نساعد الأنواع على التنقل ونتلافى تأثير الاستيطان المُعان السلبي؟

لسوء الحظ، يخفض كل من تدمير المواطن وتجزئتها من قدرة الأنواع على تتبع التغيرات في المناخ بشكل كبير، فمن السهل على الجماعات التنقل عبر مساحات غير منقطعة من المواطن، لكن لا تنس تأثير الموقع والانعزال على درجة غنى المواطن بالأنواع؛ إذ يصعب وصول المهاجرين إلى الرقع الصغيرة المتباعدة من المواطن.

زاد البشر حاجة الأنواع إلى التنقل وصعوبته عليها في الوقت نفسه، ولكننا قادرون على مساعدة الأنواع، أليس كذلك؟ إذا اضطرت الأنواع إلى التنقّل، يمكننا التدخل وفعل ما يجب فعله؛ تحمل الممارسات البشرية التي تساعد الأنواع على التنقل اسم الاستيطان المُعان، وهو نقل الأفراد إلى مناطق تتجاوز حدود توزّعهم الأصلي بهدف الحفاظ على الأنواع التي كانت ستنقرض بسبب عجزها عن الوصول إلى مناطق جديدة في ضوء التغيرات البيئية. نقلَ البشر الأنواع لأسباب مختلفة على مدى آلاف السنين، فما الذي يمنعهم من فعل ذلك بهدف الحفاظ على الأنواع؟

في الواقع، ما يمنعنا عن ذلك هو نتائج نقل الأنواع التي نقلناها بالفعل، مثل التأثيرات السلبية لعثة سيداليما بيرسبكتاليس (Cydalima perspectalis)، ولا يعتبر الضرر الناجم عن نقل هذا النوع هو الأسوأ؛ إذ كان لأنواع دخيلة أخرى تأثيرات أكثر سلبية بكثير. ذكرت القطط والجرذان من قبل، ولكن لنأخذ حلزون الذئب الوردي (rosy wolfsnail) في الاعتبار. نُقل هذا النوع إلى عدة جزر في المحيط الهادئ للتحكّم في أعداد جماعات نوع دخيل آخر يحمل اسم حلزون الأرض الإفريقي العملاق (giant African land snail)، ولكنه بدأ بدلاً من ذلك بالتغذّي على جميع جماعات الحلزون الأخرى في العالم التي تشمل أكثر من 130 نوعاً آخر. يمكن أن تقضي الأمراض الدخيلة على الجماعات المضيفة الضعيفة، مثل التي تتسبب بها العوامل الممرضة الفطرية باتراكوكايتريوم دندروباتيديس (Batrachochytrium dendrobatidis) وباتراكوكايتريوم سالاماندريفورانس (Batrachochytrium salamandrivorans) التي أدت وحدها لانقراض نحو 100 نوعٍ من البرمائيات في جميع أنحاء العالم وانخفاض أعداد مئات الأنواع الأخرى.

اقرأ أيضاً: حكاية علمية: نظريات غريبة فسّر بها البشر هجرة الطيور

تستطيع النباتات الدخيلة تعديل الأنظمة البيئية بما يصب في مصلحتها، وإعاقة نمو الأنواع النباتية المحلية. حالة الطيور المحلية أسوأ في المواطن التي تسيطر عليها النباتات الدخيلة، لأن فرائسها من الحشرات لا تستطيع التغذّي على تلك النباتات في الكثير من الحالات. ارتبط وجود الأنواع الدخيلة عموماً بانقراض عدد من الأنواع في العالم في آخر 500 سنة أكبر من عدد الأنواع التي انقرضت نتيجة لأي تدخّل بشري آخر، ويشمل ذلك تدمير المواطن، وما تزال هذه الأنواع من الأسباب الرئيسية لانخفاض أعداد جماعات الكائنات الحية حول العالم.

ما يجعل الأمر أكثر إثارة للسخرية هو أن البشر يضرّون بالأنواع من خلال تعزيز حاجتها إلى تغيير مواطنها ويزيدون صعوبة تغيير المواطن في آن معاً، وحين يغيرون مواطن هذه الأنواع يتسببون بالضرر لبعض الأنواع الأخرى. يتزايد الضغط تجاه ممارسة الاستيطان المُعان، لكننا حذرون بشكل مبرر بشأن نقل الأنواع إلى مواطن لم تعش فيها تاريخياً.