جينات حيوان الكوالا قد تكشف عن سبب بقائه اعتماداً على نظامه الغذائي السام

وحش غامض.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بجسمه الرمادية ذات الملمس الزغبي، ووجهه المحبب، يعتبر الكوالا واحداً من أكثر الحيوانات الضخمة رمزيةً في أوستراليا. وقد نُشرت دراسة جديدة في مجلة ناتشر جيتينيكس في يوليو 2018، توثق تسلسل جينوم الكوالا. إن البحث في جينات الكوالا يقدم للباحثين رؤية عميقة لكيفية بقائه اعتماداً  على نظامه الغذائي (السام) من ورق الكينا، وسوف يساعدهم في معرفة كيفية بقاء هذا المخلوق اللطيف المهدد بالانقراض. وتقدم نتائج الدراسة دليلاً على سبب كون وجود جينوم كامل للحيوانات المهددة بالانقراض قد يساعد في صياغة قرارات الحفاظ على الأنواع.

تقول ريبيكا جونسون، مؤسِّسة المركز الأوسترالي لعلم جينوم الحياة البرية، والمشاركة في تأليف الدراسة الجديدة، إن علم جينوم الكوالا كان له الأولوية لعدة أسباب: فهو واحد من أكثر الحيوانات الأسترالية تميزاً، وحياته اليومية مفهومة إلى حد ما، وهو مهدد بالانقراض بسبب التهديدات التي لم يتم فهمها أو التحكم بها بعد.

تقول عالمة الأحياء بجامعة كونيكتيكت ومؤلفة الدراسة راشيل أونيل لمجلة بوبيولار ساينس – العلوم للعموم: “الكوالا حيوان ثديي جرابي له رمزية”، وكتبت أنه نظراً لأنه مميز جداً، فإنه يمثل نموذجاً رائعاً لاستخدامه في تثقيف الناس حول مفاهيم مثل الحفاظ على الجينوم. وإن جهد تسلسل الجينوم له أيضاً تأثيره المباشر على حفظ الأنواع. ويمكن دعم التعامل مع التهديدين الرئيسيين للكوالا، وهما توزع أفراده والأمراض، من خلال فهم أعمق لجيناته.

وتقول جونسون إن تقديرات أعداد الكوالا الحالية تتراوح بين 100 ألف و 600 ألف. وتتباين الكوالا في جميع مناطق انتشارها من حيث الحجم واللون، مما أدى في الوقت ذاته إلى تصنيفها على أنها ثلاثة أنواع مختلفة. وترى جونسون أنه وعلى الرغم من هذه الاختلافات المظهرية، فإن تحليل جينات الكوالا في جميع مناطق انتشارها يظهر أنها نوع واحد على كل حال.

وتقول إنه وبسبب توزيعها على نطاق واسع، “فإن إدارتها من منظور حفظ الأنواع معقدة جداً”. إن الكوالا الموجودة في جنوب أوستراليا تملك نسبة عالية من التوالد الداخلي (وهو توالد حيوانين أبوين متشابهين ومُرتبطين وراثياً، كأخ وأخت، أو ابن وأم)، ولكن عددها كبير. وتختلف هذه الحالة اختلافًا كبيراً عن الوضع الذي تواجهه الكوالا الموجودة في الشمال، حيث -وبحسب جونسون- “تفقد دائماً مواطنها أو تعاني من شق الطرقات في مجتمعاتها. لكنها مختلفة جداً هناك من الناحية الوراثية”.

وتقول إن النظر إليها من منظور علم الجينوم توفر إمكانات جديدة لحفظ الأنواع. فعلى سبيل المثال، إذا كان التنوع الوراثي في الجنوب ينخفض بما يكفي ولا يمكن حله بطرق أخرى، فقد يكون من الممكن إدخال التنوع الجيني باستخدام الكوالا من الشمال. وقد استفاد كل من النمر في فلوريدا وشيطان تاسمانيا من هذه الأنواع من التدخلات.

ولكن أهداف الفريق تجاوزت التحليل الجيني البسيط نسبياً المطلوب لتقييم التنوع الجيني بين أفراد الكوالا. تقول جونسون: “نظراً لأنها حيوانات متخصصة جداً، ولديها مثل هذه التكيفات المتخصصة، فقد كنا نعتقد أنها ستقدم بعض الأفكار المثيرة حقاً حول الخصائص التي تميز هذا الحيوان”.

على مدار 24 ساعة، يقضي الكوالا 14.5 ساعة نوم، ويستريح 4-8 ساعات أثناء الاستيقاظ ، ويقضي 4 – 7 ساعات في الأكل ، وأربع دقائق فقط في الحركة.
حقوق الصورة: ريبيكا جونسون

إن هذه المخلوقات ذوات الأربع الرمادية ذات الملمس الزغبي، والتي لا علاقة لها بالدببة بالرغم من اسمها المشترك، هي مخلوقات فريدة بين الجرابيات. وأقرب أقربائها الموجودين اليوم هو حيوان الومبت، ولكن الكوالا والومبت تباعدا جينياً قبل ملايين السنين. في ذلك الوقت، تسلق الكوالا الأشجار، وتعلم كيف يأكل شيئاً لا يأكله أي مخلوق آخر، وهو أوراق شجر الكينا.

وكتب عالم الوراثة جيمس أندرو وودي، والذي لم يشارك في الدراسة، في رسالة إلى مجلة بوبيولار ساينس – العلوم للعموم: “من خلال الطعم والرائحة، يملك الكوالا أيضاً القدرة الواضحة لتقييم الأوراق على أساس المرارة والمحتوى المائي. ويفترض أنها تستخدم هذه القوى التمييزية للاختيار وفقاً لذلك”.
وعلى الرغم من أن أوراق الكينا وأشباهها تعتبر سامة لمعظم الحيوانات، فقد تطورت الكوالا لتعيش بشكل أساسي على أوراقها – وفقاً لموقع وكالة البيئة الأوسترالية- حيث يأكل الكوالا ما يعادل رأساً صغيراً من الخس كل يوم. وتحتوي أمعاء الكوالا على ميكروبات معينة تساعد في هذه العملية، لكن الدراسة أظهرت أن لديه أيضاً جينات مرتبطة بإنتاج أنزيمات إزالة السموم التي تساعد في الهضم أكثر من معظم الحيوانات. ويحصل الكوالا على الكثير من الماء من الأوراق التي يأكلها، فبالنظر إلى الجينوم، حدد الباحثون كيفية اختياره للأوراق الأكثر نداوة باستخدام مستقبلات الشم والذوق. وستساعدهم كل هذه المعلومات في فهم طريقة تمكنهم من مساعدة الكوالا على البقاء.

إلى جانب فقدان المواطن، وخطر البشر، والكلاب، والمآزق الوراثية المحتملة، تواجه الكوالا تهديدين آخرين ربما يكونان الأكثر خطورة، وهما الكلاميديا التي وصلت إلى أفرادها من الأغنام المستأنسة، وفيروس الكوالا الراجع. وقد يساعد فهم الجينات التي تشكل أساس استجابتها للعلاج الباحثين في تطوير طريقة فعالة لمحاربة هذه الأمراض.

وجاء في الدراسة: “يعتمد بقاء الأنواع على المدى الطويل على فهم آثار المرض وإدارة التنوع الوراثي، فضلاً عن قدرة الكوالا على تأمين مصدر للرطوبة واختيار أشجار المناسبة لغذائها”.

وقال وودي إن نتائج الدراسة ارتكزت على حقيقة أننا “مثل معظم الفقاريات، نحتاج إلى أعداد كبيرة من الكوالا للحفاظ على التنوع الوراثي، وهي تحتاج إلى التواصل فيما بينها عبر ممرات مواطنها لتشجيع تدفق الجينات الطبيعية”.