سلوك مذهل تظهره ببغاوات الكوكاتو يدل على ذكائها الشديد

سلوك مذهل تظهره ببغاوات الكوكاتو يدل على ذكائها الشديد
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Eisfrei
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن ببغاوات الكوكاتو الماكرة لا تقل عنه دهاء. وجدت دراسة جديدة نُشرت مؤخراً في مجلة كَرنت بيولوجي، أن ببغاء غوفين (Goffin) -طائر موطنه الأصلي في إندونيسيا وينتمي إلى فصيلة الكوكاتو التي تتبع رتبة الببغاوات- يستطيع حمل عدة أدوات واستخدامها على النحو الملائم لدرجة صعوبة المشكلة التي يواجهها.

يقول عالم الأحياء التطورية في جامعة الطب البيطري في فيينا بالنمسا والمؤلف الرئيسي للدراسة البحثية، أنطونيو أوسونا ماسكارو: “إن ببغاء كوكاتو غوفين قابل للتكيف بدرجة كبيرة”، ويضيف: “تستطيع هذه الطيور تعلم كيفية استخدام الأدوات بنفسها وجمع أدواتها الخاصة بل وحمل الأدوات اللازمة تحديداً من مكان لآخر”. تثبت نتائج الدراسة مجدداً أن ببغاء كوكاتو غوفين أحد أذكى المخلوقات على كوكب الأرض.

ببغاوات كوكاتو غوفين وقدرتها على استخدام الأدوات

لقد حظيت ببغاوات كوكاتو غوفين باهتمام علماء الأحياء الحيوانية لبعض الوقت، حيث أظهرت أنها تستطيع تأخير إشباعها ومقاومة إغراء الوجبات الصغيرة إذا علمت أنها ستحصل على وجبة أكبر إذا ما انتظرت وقتاً أطول. وسواء كانت في الأسر أو في البرية، تظهر قدرات مماثلة على حل المشكلات وتقييم المواقف بوسائل مختلفة. على سبيل المثال، يمكن لهذه الطيور تقدير وزن الجسم بمجرد النظر إليه، واكتشف علماء الأحياء الحيوانية مؤخراً أن هذه الطيور يمكن أن تتعلم إنشاء مجموعات أدوات معقدة ومتعددة الأغراض.

اقرأ أيضاً: تعرف على ببغاء الحب الذي يستخدم ساقيه ورأسه لتسلق الأشجار

على الرغم من قدرة ببغاء كوكاتو غوفين على استخدام الأدوات مثل العصي والمعاول وغيرها من الأدوات التي يمكنه ابتكارها بنفسه، فهي ليست الحيوانات الوحيدة القادرة على القيام بذلك. إذ تستخدم الأفيال وثعالب البحر والغوريلات أدواتٍ لأغراض متعددة مثل الحصول على الطعام أو بناء ملجأ لها. وتُظهر الشمبانزي، أقرب الكائنات الحية إلى البشر، سلوكيات معقدة أكثر.

يوضح ماسكارو أن الشمبانزي تستخدم أداتين مختلفتين لصيد النمل الأبيض، الأولى سميكة وقصيرة لفتح ثقب في أعشاش النمل الأبيض والثانية مرنة لجمع الحشرات، وهذه القرود تكيّف أدواتها تبعاً للمواقف التي تواجهها. ففي بعض الأحيان لا تستخدم سوى مسبارٍ لالتقاط النمل الأبيض لأن العش مثقوب مسبّقاً.

لمعرفة ما إذا كان ببغاء غوفين قادراً على استخدام الأدوات لعدة أغراض، ابتكر مؤلفو الدراسة 3 سيناريوهات مشابهة للطريقة التي يستخدم بها الشمبانزي استراتيجيات متعددة لصيد النمل الأبيض.

أوسانا ماسكارو وآخرون. (2023).

1. هل يستطيع ببغاء غوفين تعلم استخدام أدوات جديدة؟

في التجربة الأولى، قيّم الباحثون في المختبر قدرة 10 طيور كوكاتو غوفين على ابتكار مجموعة أدواتها. تم منحها عصا حادة مدببة لتستخدمها أولاً في تمزيق غشاء ورقي شفاف يخفي ثمار الكاجو وراءه، ثم عصا طويلة ومرنة يمكنها استخدامها بحركة اهتزازية للوصول إلى الجوز الذي تم وضعه خلف الحاجز الممزق. يقول مؤلفو الدراسة إن ببغاء غوفين لم يستخدم أداة مصممة لثقب الأشياء سابقاً، لذلك احتاج إلى بعض الوقت للتعرف إلى الأداة وتحديد كيفية استخدامها.

مُنح الطائر 10 دقائق لمعرفة الحل، إذا فشل، يمكنه المحاولة مجدداً في اليوم التالي. اعتبر الباحثون التجربة ناجحة إذا تمكن الطائر من الوصول إلى الكاجو في 3 أيام متتالية.

استطاعت 6 طيور كوكاتو غوفين من أصل 10 الوصول إلى الكاجو في 3 محاولات متتالية، وقد وجد الباحثون أن بعضها كان أسرع من الطيور الأخرى في الوصول إليها. يقول ماسكارو: “ربما كان الببغاء فيغارو أشهر ببغاء كوكاتو في العالم لأنه استطاع أن يثبت لنا في الأبحاث السابقة أن طيور الكوكاتو تستطيع صنع أدواتها الخاصة وتعديلها واستخدامها. كنت أتوقع أن يواجه بعض الصعوبة، لكني فوجئت بشدة عندما استطاع حل المشكلة في 31 ثانية فقط”. حلت فيني، الأنثى الأسرع في المجموعة، في المركز الثاني بعد أن أنهت المهمة في 34 ثانية.

التقط فيغارو أدواته بسرعة وطار بها. توماس سوتشانيك

2. هل تستطيع ببغاوات كوكاتو غوفين ملاءمة أدواتها مع الموقف؟

انتقلت الطيور الخمسة التي نجحت في المهمة الأولى إلى التجربة الثانية التي قيّمت قدرة الطيور على استخدام مجموعة الأدوات بطرق مختلفة. تعمّد الباحثون تبديل موضوعات التجربة عشوائياً بين صندوقين مع نهجين مختلفين من الإجراءات. يحتوي الصندوق الأول على غشاء يجب على الطائر استخدام أداتين لتمزيقه والوصول إلى الكاجو، بينما كان الصندوق الثاني يحتوي على غشاء به ثقوب مصطنعة بحيث لن يحتاج الطائر إلا لاستخدام عصا طويلة مرنة للوصول إلى الكاجو.

اقرأ أيضاً: شاهد صور بعض أجمل الطيور في العالم أثناء طيرانها

تتبع الفريق الأداة التي اختارها الطائر أولاً وما إذا كان قد استخدمها بشكل صحيح، ووجد أن الطيور أظهرت تحسناً تدريجياً في تعلمها اختيار الأداة الصحيحة جلسة بعد أخرى. يقول ماسكارو إن أحد أسباب أداء الطيور العالي يرجع إلى قدرتها على تبديل سلوكها عند التعامل مع أدوات مختلفة. عندما اُضطرت الببغاوات إلى الاختيار بين أداتين، لاحظ مؤلفو الدراسة نمطاً سلوكياً يمكنها من خلاله التقاط أداة واحدة ومن ثم وضعها جانباً، ثم التقاط الأداة الثانية قبل وضعها جانباً أيضاً. تمت ملاحظة هذا النمط من السلوك أيضاً في التجربة الأولى، لكنه تحسن بشكل ملحوظ في التجربة الثانية.

كانت ببغاوات الكوكاتو التي أظهرت تبديل سلوكها أكثر عرضة للتحسن في اختيار الأداة الصحيحة للمهمة في الصندوق الذي كانت به. يطرح فريق ماسكارو عدة فرضيات مختلفة لتفسير هذه الملاحظة. ربما ساعدها الانتقال بين خيارين مختلفين في عملية التفكير للتوصل إلى القرار الأفضل، أو ربما كان لحمل الأدوات أيضاً دورٌ في مساعدتها في التعرف على خصائصها الوظيفية وما إذا كانت ستساعدها في تجاوز المهمة التي تواجهها.

أوسانا ماسكارو وآخرون. (2023).

3. هل يستطيع ببغاء الكوكاتو معرفة أنه يحتاج إلى مجموعة أدوات كاملة؟

قيّمت التجربة الثالثة مدى مرونة الطيور في نقل مجموعة الأدوات. تنطوي المهمة على منصة تحمل صندوقين عشوائيين يحتويان على الكاجو (أحدهما عليه غشاء والآخر من دونه). في المرحلة الأولى، كان على الببغاء إما تسلق طاولة الأدوات وإما الطيران إليها في خط أفقي قبل الطيران عمودياً إلى الصندوق. نظر مؤلفو الدراسة لمعرفة إن كانت الطيور ستأخذ في الاعتبار هذه الظروف الجديدة وتقرر حمل الأدوات معاً كمجموعة في مناقيرها أو مخالبها، لأن حمل الأداتين معاً سيكون خياراً أكثر كفاءة لتوفير الطاقة بدلاً من الذهاب والعودة مجدداً لنقل كل منها على حدة.

تقول الأستاذة المساعدة في العلوم البيولوجية بجامعة سينسيناتي والتي لم تشارك في البحث، إليزابيث هوبسون: “علاوة على ذلك، سيسهّل حمل كلتا الأداتين في نفس الوقت على الببغاء حل مشكلات أكثر تعقيداً”. وتشرح أن امتلاك عدة أدوات في نفس الوقت يشبه امتلاك المرء مجموعة مفاتيح في جيبه.

اقرأ أيضاً: طريقة قفز الببغاوات الصغيرة تفيد في تعليم الروبوتات الطيران

تمكنت 4 ببغاوات كوكاتو من أصل 5 من نقل الأدوات إلى المنصة ونجحت 3 منها في فعل ذلك باستمرار (وفيغارو أحدها)، ولم يحمل الطائر الخامس كلتا الأداتين معاً، ويعتقد ماسكارو أن ذلك لأنه الأقوى في المجموعة ولم يجد صعوبة في الطيران ذهاباً وإياباً لنقلهما واحدة تلو الأخرى.

يقول ماسكارو إن مجموعة الأدوات لها قيمة وهي مجتمعة تتجاوز قيمة كل أداة بمفردها بالنسبة للطائر، ويضيف: “يمكننا الافتراض الآن أن الكوكاتو يتمتع بتمثيل عقلي للاحتياجات الذي تمثلها مجموعة الأدوات بالنسبة له”.

تعتقد هوبسون أن التجارب تقدم عموماً تفاصيل أكثر وضوحاً عن البراعة المعرفية لببغاوات الكوكاتو غوفين، وتقول: “تسلط هذه الدراسة الضوء على نقطتين بارزتين؛ فهي توفر صورة تفصيلية عن قدرات الكوكاتو من ناحية استخدام الأدوات، كما أنها تمثل إضافة إلى مجموعة الأدلة الموثقة التي تثبت أن هذه الطيور تستخدم أدوات في البرية”.