رحلة مميتة لبطيئات المشية مع الحلزون بحثاً عن ظروف أفضل

ذهبت حيث أخذها الحلزون: رحلة مميتة لبطيئات المشية بحثاً عن ظروف أفضل
يمكن أن تنتقل بطيئات المشية بشكل مدهش بالنظر لحجمها، ولكن للانتقال من موئل إلى موئل، ربما يتعين عليها الاستعانة بحيوان آخر. حقوق الصورة: ديبوزت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن أن يتحمل بطيء المشية الصغير والقوي العيش في أكثر البيئات قساوةً، مثل الأنهار والمحيطات الجليدية في القطب الجنوبي وفي الحمم البركانية والكثبان الرملية، وحتى في الفضاء. يُعرف هذا المخلوق أيضاً باسم “دب الماء” أو “خنزير الطحلب”، وتوجد هذه اللافقاريات التي يبلغ طولها ملليمتراً واحداً تقريباً في مختلف الموائل على سطح الأرض، وحتى أنها تعشش في الأماكن التي تنمو فيها الطحالب أو في تربة الحدائق الرطبة. نظراً لانتشارها الواسع على كوكب الأرض، حاول الباحثون منذ فترة طويلة فهم كيفية وصول هذا الحيوان إلى مثل هذه المواقع النائية. 

نحو رحلة مجهولة العواقب

في الأسبوع الماضي، وصف علماء الأحياء في جامعة آدم ميتسكيفيتش في بولندا أحد الطرق المحتملة، على الرغم من خطورتها، يمكن أن تتنقل من خلالها بطيئات المشي: التعلق بالسائل المخاطي اللزج الذي يفرزه الحلزون. في المختبر، نظر الفريق في العلاقة بين نوع من بطيئات المشية يُدعى “ميلنسيوم إنسبتوم” (Milnesium inceptum) وأنواع الحلزون الأرضي “سيبيا نيموراليس” (Cepaea nemoralis)، ووجدوا أن بطيئات المشية التي علقت بالمخاط الذي يفرزه جسم الحلزون كانت قادرةً على الانتقال لمسافاتٍ قصيرة. ومع ذلك، كانت هناك عواقب مميتة للتعلق بمخاط الحلزون اللزج؛ فعلى الرغم من أن بطيئات المشي استطاعت الانتقال لمسافة أبعد بمساعدة هذه الرخويات، إلا أن القليل منها عاش حتى نهاية الرحلة “اللزجة”. 

تقول مؤلفتا الدراسة، ميلينا روسكوفسكا وزوفيا كسيزكيفيتش، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «على الرغم من أن انتقال بطيء المشي بهذه الطريقة قد يحدث بمحض الصدفة وقد يدفع حياته ثمناً خلالها، قد يكون لمثل هذه النمط من الانتقال لمسافات قصيرة أثر كبير على التنوع الجيني لمجموعات الحيوانات المحلية». نُشرت النتائج التي توصل إليها الباحثون في 14 أبريل/نيسان في دورية «تقارير علمية». 

بالنظر إلى حجمه، يتمتع بطيء المشي بنطاق مذهل من الحركة، حيث يمكنه تنسيق حركة أرجله الثمانية الممتلئة بشكل فردي وتحريك رأسه في جميع الاتجاهات. يمكن رؤية بطيئات المشية في أوج نشاطها في الموائل الرطبة الملائمة لها، وهي تمشي لمسافة تعادل ضعفي طول جسمها في الثانية على غرار الحركة السريعة للحشرات. ومع ذلك، فإن قدرتها على الانتقال لمسافة بعيدة بهذه الوتيرة محدودة. 

تقول مولي جين كيرك، عالمة الأحياء الجزيئية في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، والتي تدرس أساليب تكيف بطيئات المشي مع البيئات القاسية، في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني: «بطيئات المشية مخلوقات رائعة حقاً. لقد تمكنت من التكيف مع قدرتها المحدودة على التنقل رغم ضآلة حجمها، ما يشير بقوة إلى أنها، وعلى غرار أقاربها من مفصليات الأرجل الأخرى، كانت بحاجة إلى بعض المساعدة للوصول إلى موائلها الجديدة». 

نحو رحلة مجهولة العواقب
أنواع بطيئات المشية ميلنيسيوم إنسيبتوم المستخدمة في التجارب؛ تُظهر الصورة يساراً بطيء المشية وهو في حالة سبات. حقوق الصورة: ميلينا روسكوفسكا وزوفيا كسيزكيفيتش

اقترحت الأبحاث السابقة أن هذه اللافقاريات يمكنها الانتقال لمسافات طويلة من خلال هبات الرياح أو السير مع التيارات المائية. وأظهرت دراسات أخرى علامات على أن بطيئات المشية ربما كانت قادرةً على الانتقال بواسطة ريش الطيور أو داخل الجهاز الهضمي للقواقع. أرادت روسكوفسكا، التي تدرس بطيئات المشي، وكسيزكيفيتش، التي تدرس الحلزونات، استكشاف التداخل بين هذين الكائنين، لأن كلاهما يمكن أن يعيش في الموائل نفسها. نظراً لأن القواقع مغطاةٌ بطبقة رطبة لزجة، تعتقد روسكوفسكا وكسيزكيفيتش أن هناك احتمالاً لاستفادة بطيء المشية من هذه الميزة للتعلق بالقواقع والانتقال بواسطتها. 

تجربة مخبرية

في بيئة مخبرية خاضعة للرقابة، نظر الفريق في قدرة حلزون “سيبيا نيمورايس” على نقل بطيئات المشية النشطة وتلك التي تكون في حالة تكوّر حول نفسها-شكل من السبات تعيش فيه في صورة مجمدة بهدف البقاء. عندما تدخل في هذه الحالة، تفقد بطيئات المشية معظم الماء وتحافظ على معدل الأيض لديها عند مستوى ثابت تقريباً. حيث يمكنها البقاء لمدة 30 عاماً في هذه الحالة الجافة، وحتى التكاثر بمجرد عودتها إلى الحياة عندما تتم عملية “إعادة ترطيبها” بالماء. 

وضعت روسكوفسكا وكسيزكيفيتش قطرات الماء المليئة ببطيئات المشية والطحالب داخل وعاءٍ وراقبتا ما إذا كان بمقدورها تسلق الجدران بمفردها. بعد ذلك، وضعتا حلزوناً يتحرك عبر الركائز في المحلول لمعرفة ما إذا كانت بطيئات المشية المجهرية ستتعلق بمفرزاته المخاطية لتجاوز الحاجز. بقيت بطيئات المشية التي لم تتشارك مع الحلزون في نفس المساحة في الصندوق، حتى عندما كانت في حالة نشطة. بينما نجحت تلك التي تعلقت بمفرزات الحلزون المخاطية في الانتقال عبر الحاجز. يشير ذلك إلى أن بطيئات المشية يمكن أن تتعلّق بالقواقع بانتظام.

تجربة مخبرية
الصورة على اليسار: حلزون “سيبيا نيمورايس” في بيئته الطبيعية. الصورة على اليمين: يظهر بطيء المشية “ميلنسيوم إنسبتوم” على سطح الطحالب أثناء مراقبتها في الجسم الحي لوسادة الطحالب المعاد ترطيبها (يبدو كدائرة حمراء ناعمة). تم تجميع الأشكال في “إنكسكيب 1.0.2”.

ومع ذلك، دخلت بطيئات المشية في حالة السبات مع جفاف المخاط على ظهر الحلزون الذي تعلقت به. في تجربة ثانية، حاولت روسكوفسكا وكسيزكيفيتش إعادة ترطيب بطيئات المشية التي جفت أثناء انتقالها، ووجدتا أنه يمكن إعادة إحياء 34% فقط منها بعد جفافها. بالمقابل، نجا 98% من بطيئات المشية التي لم تتعلق بالحلزون المتحرك.   

تقول روسكوفسكا وكسيزكيفيتش في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني: «كنا نعلم أن المكون الرئيسي لمخاط الحلزون هو الماء. ومع ذلك، وبعد جفاف المخاط، “تجمدت” بطيئات المشية في أوضاع غريبة للغاية مع عدم دخولها في حالة السبات بالكامل.  لم نكن نظن أنها ستكون قادرة على العودة إلى الحياة بعد إعادة ترطيبها. لم ينجُ بعضها، لكن بعضها الآخر استجاب لإعادة الترطيب وعاد إلى مرحلة الحياة النشطة».

فوجئت كيرك، التي لم تشارك في الدراسة، بارتفاع معدل الوفيات، خاصة عند النظر إلى قدرة بطيئات المشية المدروسة جيداً على البقاء في ظروف قاسية. تقول كيرك: «من غير الواضح كيف تم تقييم معدل الموت في بطيئات المشية ومقارنته بحالة الجمود. غالباً ما تُظهر بطيئات المشية وضعيةً محددة عند موتها». لكنها أشارت إلى أن الدراسة لم تصف هذا الأمر بتفصيل كافٍ. 

يرغب كل من كيرك ومؤلفي الدراسة في معرفة المزيد عن تكوين مخاط الحلزون اللزج والمركبات التي يمكن أن تجعله مؤذياً لبطيئات المشية القوية. اقترحت روسكوفسكا وكسيزكيفيتش أن نظام النقل هذا أكثر كفاءة لنقل بيوض بطيئات المشية، ربما لأن هياكل التعلق بها شبيهة بالقرص أو المسامير. 

كما تذكر المؤلفتان أن الدراسة أُجريت في بيئة مخبرية، ولم تكونا على دراية بأن سلوك هذه المخلوقات قد تم توثيقه في بيئتها الحقيقية. وهذا يجعل من الصعب استنتاج ما إذا كانت بطيئات المشية تلتصق عمداً بجسم الحلزون بهدف التنقل، أو أنها تعلق بمادتها المخاطية اللزجة بمحض الصدفة. يقول المؤلفون إنه من المرجح أكثر أن تحدث هذه الرحلة الخطرة بالصدفة إذا ما تقاطع مسار بطيئات المشية بمسار القواقع أثناء نشاطهما. 

تقول كيرك: «سيكون من المهم رؤية هذا النمط من الانتقال خارج المختبر في موطنها الأصلي للتأكد من أن هذه النتيجة تحدث هناك أيضاً». وتضيف بأن النتائج تبقى نهجاً مبتكراً لفهم كيف يمكن أن توفر ظاهرة انتشار بطيئات المشية الواسع رؤى حول تطورها وقدرتها على البقاء من عدمه في البيئات القاسية. 

تقول كيرك موضحةً: «على سبيل المثال، ستساعدني هذه النتائج على إدراك أن قدرة التحمل العالية ليست شرطاً كافياً للبقاء، وأن الكائن الحي قد يختار البحث عن موطن أكثر ملاءمة على الرغم من ذلك». تتم دراسة مهارات البقاء لدى اللافقاريات لتساعد البشر يوماً ما على أن يصبحوا أكثر مقاومة للأمراض والإشعاع

تقول روسكوفسكا وكسيزكيفيتش: «الأهم من ذلك، تُعتبر هذه الرؤية الجديدة حول انتقال بطيئات المشية مهمةً لأننا ما زلنا لا نعرف إلا القليل عن هذه المجموعة من الحيوانات. لقد كشفت دراستنا عن علاقة مثيرة للغاية ساعدتنا على إدراك أن هناك الكثير من التفاعلات في العالم الطبيعي التي لا نعرفها وتحدث بجوارنا مباشرةً».