في مملكة الرئيسيات: الانقراض يهدد حياة ساكنيها

الرئيسيات, مملكة الرئيسيات, عالم الحيوان, قرود, الانقراض, أنواع مهدةة بالانقراض
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً


تأسرنا الرئيسيات بدءاً من «الليموريات» إلى «الأورانجوتان»، ومن الأبخصيات (التارسير) إلى الغوريلا، وهي تشبهنا نحن معشر البشر في بعض الأحيان إلى حدٍ كبير. لذلك ليس مستغرباً أن تحظى مجموعة الرئيسيات التي تضم أكثر من 500 نوعاً قدراً كبيراً من الأبحاث وجهود الحفظ.

ولكن بالرغم من كل هذا الجهد، فإن أكثر من 60% من أنواع الرئيسيات مهددة بالانقراض بشكلٍ رئيسي بسبب الأنشطة البشرية، مثل تدمير الموائل والصيد، والتجارة غير المشروعة والتغير المناخي والأمراض.

هناك العديد من إجراءات الحفظ المختلفة التي من الممكن القيام بها لحماية الرئيسيات من خطر انقراضها. مثل تسيير دوريات مكافحة الصيد غير المشروع، وإعادة توطين الحيوانات، والترويج لقضايا حفظ الأنواع والبيئة، وإعادة إدخال الرئيسيات إلى موائلها. لكن دراستنا الجديدة تُظهر أنه ليس هناك سوى القليل من الإجراءات المعروفة حول ما قد يكون مفيداً بالفعل لحمايتها.

أنا أحد الأعضاء في فريقٍ مكونٍ من علماء الرئيسيات والحفاظ على البيئة من 21 دولة، حيث قمنا بفحص الأدلة المتعلقة بـ 162 إجراءً متبعاً حالياً في جهود الحفاظ على الرئيسيات لمعرفة مدى فعاليتها على أرض الواقع. وجدنا أنه لا توجد أبحاث حتى الآن لتقييم فعالية أكثر من نصف تلك الإجراءات، ونظراً للنقص الحاصل في الأدلة، يستحيل علينا بالفعل معرفة إن كانت هذه الإجراءات تعمل أم لا.

وحتى مع فحص نتائج الدراسات الموجودة حول جهود الحفظ، وجدنا أنه  لا يزال من الصعب استخلاص استنتاجات دقيقة حول ما إذا كان إجراء الحفظ المدروس ناجحاً بسبب بعض المشاكل في تصميم الدراسات. وقد كانت هذه هي الحال حتى في الدراسات التي تناولت بعض الإجراءات مراتٍ عدة.

في الحقيقة، هذه الفجوة المعرفية الهائلة تثير القلق كثيراً، لأنه بدون معلومات وأدلة كافية، لا يمكن للباحثين الاستفادة من التجربة ولا يمكنهم تحديد أولويات الجهود والتمويل لحماية سكان مملكة الرئيسيات على أفضل وجه. وبالإضافة إلى ذلك، فقد يتخذ المسؤولون عن الحفظ إجراءات غير فعالة، أو حتى ضارة بالحيوانات التي يسعون لحمايتها.

الأنواع المفقودة

تغطي الدراسات التي استعرضناها حوالي 14% فقط من أصل أكثر من 500 نوع من الرئيسيات، و12% من الأنواع المهددة بالانقراض فقط. وهي تركز بشكلٍ أساسي على القِرَدة العليا وبعض أنواع القردة الكبيرة.

الرئيسيات, مملكة الرئيسيات, عالم الحيوان, قرود, الانقراض, أنواع مهدةة بالانقراض
الرئيسيات ضرورية للغابات الاستوائية المطيرة، وتلقيح الأشجار، ونشر البذور

من المثير للقلق فعلاً استبعاد بعض العائلات بأكملها من الدراسات التي راجعناها. على سبيل المثال، لم نجد دراساتٍ حول أبخصيات جنوب شرق آسيا في قاعدة بياناتنا، أو عن قرود الليل في أميركا الوسطى والجنوبية. وتلك مشكلة كبيرة، لأننا لا نستطيع أن نفترض أن الإجراء الذي يعمل مع أحد أنواع الرئيسيات قد يعمل مع نوع آخر بسبب السلوك الفريد لكل نوع وبيئته.

وقد وجدنا أن هناك نقصاً كبيراً في أبحاث حفظ الرئيسيات في أميركا الجنوبية وآسيا بالنظر إلى أن هاتين المنطقتين تمثلان موطناً لعددٍ كبير من أنواع الرئيسيات المهددة بالانقراض.

لماذا يحدث هذا؟

من السهل عملياً فهم سبب عدم تركيز دعاة الحفاظ على البيئة على تقييم إجراءات الحفظ التي يقومون بها، إذا أخذنا بعين الاعتبار الميزانيات أو الوقت المحدودين المتوفر لهم، بالإضافة إلى الأولويات المتنافسة والإصرار على تطبيق العديد من سيناريوهات الحفظ.

قد تبدو الإجابة بسيطة إلى حدٍ ما عن سؤال: هل تؤدي إجراءات الحفظ المتبعة إلى الحفاظ على أعداد الرئيسيات وزيادتها على المدى الطويل؟، ولكن الإجابة ستبدو صعبة عند الحديث عن العديد من الرئيسيات، لأن بعض أنواعها يعيش في غاباتٍ استوائية كثيفة، ويصعب إيجادها والوصول إليها، وبالتالي يصعب جداً إحصائها. إذا لم يتمكن الباحثون من تكوين فكرة جيدة عن أعداد الرئيسيات الموجودة، فلن يتمكنوا من معرفة ما إذا كانت أعدادها تتناقص أم مستقرة أم تتزايد. وبدون معاينة الحيوانات نفسها، لا يمكننا تقييم رفاهيتها مطلقاً.

الرئيسيات, مملكة الرئيسيات, عالم الحيوان, قرود, الانقراض, أنواع مهدةة بالانقراض
بدون اتخاذ إجراء مناسب، سيزداد عدد الرئيسيات المهددة بالانقراض، وسيختفي المزيد من الأنواع إلى الأبد

يحتاج دعاة الحفاظ على البيئة أيضاً إلى مراقبة الرئيسيات لفترة طويلة لتقييم تأثير أي إجراءٍ يُتخذ لحمايتها، لأن فترة حياتها طويلة وتتكاثر ببطء شديد. على سبيل المثال، قد يكون من السهل الخلط بين الأفراد ذوي الأعمار الكبيرة القلائل المتبقين، وبين الأفراد المثابرين منهم في الدراسات قصيرة الأجل. من المهم أيضاً التأكد من أن أي تغييرات ملحوظة يجب أن تكون مرتبطةً بجهود الحفظ المحددة المتخذة، والأمر ليس مجرد صدفة.

بعيداً عن هذه التحديات، فإن نشر الدراسات يواجه عدة صعوبات أيضاً، والأسوأ من ذلك أن الدوريات العلمية المرموقة تفضّل نشر الأبحاث التي تتناول إجراءات الحفظ الناجحة أكثر من ميلها لنشر الأبحاث التي تتناول إجراءات الحفظ غير الناجحة. مما قد يعني أن الدراسات المنشورة قد تعطي صورة متحيزة عن الوضع الحقيقي.

تحسين الأدلة

بعد أن اتضح حجم المشكلة، يجب تحديد الثغرات لضمان تركيز البحث أكثر على الأنواع المهددة والمناطق التي لم تنل قسطاً كافياً من الدراسة، ويجب تقييم إجراءات الحفظ التي لا تستند إلى أدلةٍ كافية من خلال إجراء المزيد من الدراسات عليها.

يجب على المنظمات الممولة تخصيص الموارد لتقييم إجراءات الحفظ، ويمكن للخبراء، مثل مجموعة «المتخصصين بالرئيسيات»، المساهمة في تطوير إرشاداتٍ حول كيفية اختبار تلك الإجراءات بدقة.

كما يمكن للأكاديميين التعاون مع أنصار الحفاظ على البيئة في تصميم الدراسات المناسبة. حيث توفر قواعد بيانات الأدلة -كتلك التي قمنا بتقييمها- ملخصاتٍ سهلة الفهم حول إجراءات الحفظ ومدى فعاليتها. ويمكن إضافة أبحاثٍ جديدةٍ إليها بحيث تعالج جزئياً مشكلة النشر.

يحتاج دعاة الحفاظ على البيئة أيضاً إلى توخي الحذر لأنه من الواضح أنه في كثير من الحالات ليس من المعلوم بعد ما إذا كان الإجراء فعالاً أم لا. وهذا الأمر مهم جداً في الوقت الحالي بالنظر إلى ما تواجهه الرئيسيات وموائلها من تهديداتٍ جسيمة، حيث تبرز الحاجة إلى اتخاذ تدابير حمايةٍ فعالة وعاجلة لحمايتها. لكن الأهم من كل ذلك، تبني نهج قائمٍ على الأدلة للحفاظ على الرئيسيات، وبذلك يمكننا ضمان استمرارها بجانبنا في المستقبل.