عمليات التنقيب في إحدى مدن المايا القديمة تكشف للعلماء أصول الأسماك المرجانية

عمليات التنقيب في إحدى مدن المايا القديمة تكشف للعلماء أصول الأسماك المرجانية
ظهر الفلوتموث منذ نحو 65 مليون سنة، في ظل اصطدام الكويكب الذي قتل الديناصورات غير الطيرية. مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل 69 مليون سنة، اصطدم كويكب يبلغ عرضه نحو 10 كيلومترات بما يعرف الآن بشبه جزيرة يوكاتان في المكسيك. أضرم الاصطدام النار في مساحات شاسعة من الكوكب. كما غطى الدخان والغبار الأرض. ومع احتراق العالم، انخفضت درجات الحرارة في المحيط، ونفقت المخلوقات التي كانت تحكم المحيط سابقاً، بما في ذلك الأمونيت والبليزوصورات والموزاصورات، إضافة إلى 80% من الحيوانات الأخرى على هذا الكوكب.

وازدهرت حياة جديدة في ظل هذا الفراغ الذي سببه الاصطدام.

في غضون 3 ملايين سنة، ازدهرت أنواع جديدة من الأسماك في الحيد البحري المؤلف من الطحالب الشبيهة بالشعاب المرجانية والمحار الدرني الكبير على بعد 500 كيلومتر فقط من فوهة اصطدام الكويكب. وذات يوم، نفقت إحدى هذه الأسماك ذات الأنف الطويل والجسم الرشيق والنحيل. وغرقت في قاع البحر الرملي حيث تم انضغاط أثر هيكلها العظمي في الحجارة الكلسية، إلى جانب الحيوانات الأخرى.

وفي القرن السابع، انحسر المحيط، وبدأ البناؤون الذين يبنون المعابد في مدينة بالينكي في استخراج الصخور المطبوعة بالمستحاثات من قاع البحر الجاف. ثم جاءت المخلوقات المتحجرة لتخبر معتقدات المايا عن عالم سابق دمرته الحرائق والفيضانات. وتم إحضار لوح واحد مطبوع بمستحاثات الأسماك إلى القصر، حيث تم طلاؤه وتزيينه بالجص. استخدم سكان بالينكي مستحاثات أخرى، بما في ذلك أسنان قرش الميغالودون وأشواك الراي اللاسعة، كأدوات قطع أو لدفنها مع الموتى.

لكن الهيكل العظمي للأسماك ذات الأنف الطويل ظل مدفوناً في المحاجر.

كشف أصل الأسماك ذات الخطم الطويل

وعندما انهارت مدينة بالينكي، مثل العديد من مدن المايا، في القرن العاشر، أصبحت المعابد والمستحاثات مهجورة ومغطاة بالأشجار. وظلت في طيّ النسيان حتى بدأ المستعمرون الإسبان بدراسة الموقع في القرن التاسع عشر. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قام الباحثون بفحص الطبعات في الحجر الكلسي عن كثب.

لم يكن لهذه الأنواع من مستحاثات الأسماك التي تم العثور عليها في مدينة بالينكي مثيل من قبل. يقول عالم الأحياء البحرية ديفيد بيلوود من جامعة جيمس كوك في أستراليا، والذي تم جلبه للمساعدة في التعرف على الأسماك المتحجرة: “كان الأمر أشبه بسيناريو فيلم، فقد وجدناها على أغطية القبور”.

لكن الاكتشاف المذهل جاء بعد أن تتبع علماء المستحاثات الحجر الكلسي وصولاً إلى المحجر الذي تم استخراجه منه في الأصل.

حيث تم العثور على الأسماك ذات الخطم الطويل مدفونة في الصخور منذ آلاف السنين، ما قلب فهمنا لتطور الأسماك رأساً على عقب.

حدد الباحثون هذه الأسماك على أنها من نوع فلوتماوث، وهو نوع تعيش سلالته على الشعاب المرجانية الحديثة. وشملت العشرات من المستحاثات الأخرى المأخوذة من المحجر سلالتين أخرتين من أسماك الشعاب المرجانية، وهي أسماك الدامسيل والهامور.

أظهر بيلوود وزملاؤه في دراسة جديدة أن هذه المستحاثات تمثل أقدم الأمثلة المعروفة لأسماك الشعاب المرجانية الموجودة في أي مكان على وجه الأرض. في الوقت الحالي تعتبر أسماك الهامور والفلوتماوث والدامسيل من أسماك من الشعاب المرجانية. لكن هذه الأسماك ظهرت في الواقع في عالم ما قبل الشعاب المرجانية الحديثة، والتي لم تكن لتظهر لمدة 29 مليون سنة أخرى.

قبل هذا الاكتشاف، كان أقدم دليل على وجود أسماك مرجانية منذ نحو 50 مليون سنة، من خلال مستحاثات مأخوذة مما يُعرف الآن بمرسب مونتي بولكا في شمال إيطاليا. واستناداً إلى التنوع المتمثل في تلك المستحاثات الإيطالية، اشتبه بعض العلماء في احتمال ظهور أسماك الشعاب المرجانية في وقت سابق، وهو أقرب إلى الوقت الذي حدث فيه اصطدام الكويكب. لكن لم يتم العثور على مستحاثات من تلك الفترة على الإطلاق. تساعد العيّنات المأخوذة من محجر بالينكي، والتي يعود تاريخها إلى ما بين 65 و63 مليون سنة ماضية، في سد هذه الفجوة.

على الرغم من أن أسماك الهامور والفلوتماوث والدامسيل هي السلالات الوحيدة المتمثلة في مستحاثات بالينكي، فإن بيلوود يعتقد أن معظم أسماك الشعاب المرجانية الأخرى قد نشأت على الأرجح في نفس الوقت تقريباً. تشير الدراسة أيضاً إلى أن أسماك الشعاب المرجانية ظهرت في غرب المحيط الأطلسي، وليس في محيط تيثيس القديم، الذي يقع بالقرب من إيطاليا الحالية، كما كان يعتقد العلماء.

يقول عالم الأحياء التطورية بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، ديفيد وينرايت، والذي لم يشارك في البحث: “هذه الرواسب الأحفورية مهمة جداً لفهم تاريخ أسماك الشعاب المرجانية”. ويشير وينرايت إلى أن هذه الدراسة من الممكن ألا تكون هي الكلمة الفصل بشأن أصول أسماك الشعاب المرجانية. ويضيف: “من المحتمل أن نجد في النهاية مستحاثات أخرى أقدم، وربما حتى قبل اصطدام الكويكب”.

أما بيلوود، فهو متحمس من جانبه لما قد لا يزال مخفياً في محاجر بالينكي. ومن الممكن أن تؤدي التنقيبات المستقبلية إلى اكتشاف المزيد من المستحاثات التي تكشف عن تاريخ النظم البيئية للشعاب المرجانية. يقول بيلوود: “من الناحية النظرية، من الممكن وجود كل أنواع المستحاثات هناك”. “كما يمكن أن يكون مجرد موقع ساحر صغير”.