تعرف إلى اللغز الوراثي الذي يتسبب في اكتساب الطيور الطنانة ألوانها الزاهية

تعرف إلى اللغز الوراثي الذي يتسبب في اكتساب الطيور الطنانة ألوانها الزاهية
طائر طنان ذو بطن أبيض يطير. يعتقد العلماء أن ريش الأعناق الملون لهذه الطيور يساعدها في إيجاد الشركاء الجنسيين. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر الطيور الطنانة الصغيرة والسريعة حساسة للغاية للألوان مقارنة بالطيور الأخرى؛ إذ إنها تستطيع رؤية تدرجات لونية لا يمكن للبشر تخيّلها حتى. لريش هذه الطيور العديد من الألوان أيضاً، ويعتقد العلماء أن هذه الظاهرة تساعد ذكور الطيور الطنانة على العثور على الشريكات في أثناء التودد للإناث. تستخدم الإناث أحياناً ريشها الخاطف للبصر لتبدو كالذكور حتى تتجنّب إزعاجات الطيور الأخرى.

اختلاف ألوان الطيور الطنانة

يمكن أن تكون الطيور الطنانة أرجوانية اللون مثل الطيور الطنانة الشيطانية كالوثوراكس لوسيفر (Calothorax lucifer)، أو ذات لون فيروزي ساطع مثل طيور ريفولي الطنانة (Eugenes fulgens) أو الطائر الطنان الزاهي أو وردية اللون مثل الطيور الطنانة الوردية العنق هيليودوكسا غولاريس (Heliodoxa gularis). يحاول علماء الأحياء اكتشاف الدور الذي تؤديه هذه الألوان والآليات التي تتسبب في ظهورها في ريش الطيور الطنانة.

يقول عالم الأحياء التطوري من متحف فيلد في مدينة شيكاغو الأميركية، تشاد إلياسون (Chad Eliason)، لموقع بوبساي: “أبحثُ في عالم الطيور عن الألوان المثيرة وأحاول أن أفهم الظواهر الفيزيائية التي تتسبب في ظهورها. وأستطيع باستخدام هذه المعلومات أن أفهم لماذا تتطور بعض هذه السمات بسرعة أكبر من غيرها، ولماذا يمكن أن توجد بعض الأنواع التي تتمتع بألوان أكثر تنوعاً في بعض المناطق من العالم”.

عندما وجد فريق من العلماء أحد الطيور الطنانة الذي يُفترض أنه ينتمي إلى الطيور الطنانة الوردية العنق ولكنه يمتلك عنقاً ذهبية، ظنّ العلماء أن هذا الطير ينتمي إلى نوع جديد. لكن كشف تحليل الحمض النووي لهذا الطير عن نتيجة مختلفة؛ إذ تَبيّن أنه يمثّل هجيناً لم يظهر من قبل من نوعين من الطيور الطنانة الوردية العنق.

اقرأ أيضاً: شاهد صور بعض أجمل الطيور في العالم أثناء طيرانها

طيور هجينة

وصف فريق العلماء هذا الطائر الفريد، الذي وجدوه في أثناء إجراء الأبحاث الميدانية في منتزه كورديليرا أزول الوطني المعزول في وسط البيرو، في دراسة نُشرت بتاريخ 28 فبراير/ شباط 2023 في مجلة رويال سوسايتي أوبن ساينس (Royal Society Open Science).

قال أمين قسم الطيور في متحف فيلد في مدينة شيكاغو، جون بيتس (John Bates)، في بيان صحفي: “نظرت إلى هذا الطير وقلت لنفسي إنه لا يشبه أي نوع آخر من الطيور، وظننت فوراً أنه ينتمي إلى نوع جديد”.

جمع الفريق المزيد من البيانات من مختبر الحمض النووي التابع لمتحف فيلد بهدف إثبات اكتشاف نوعٍ جديد، ولكنهم وجدوا أن الحمض النوي للطائر الجديد يتطابق مع الحمض النووي لأحد أنواع الطيور الطنانة الوردية العنق التي تعيش في المنطقة، الذي يحمل اسم هيليودوكسا برانيكي (Heliodoxa branickii)، في بعض النواحي. مع ذلك، لا تظهر اختلافات كبيرة في المادة الوراثية بين الطيور من النوع الواحد في أغلب الحالات.

سلسلة جينوم الطائر الطنان

أجرى الباحثون عمليات سلسلة الحمض النووي على الحمض النووي الذي يعود للطائر الجديد، ونظروا تحديداً فيما يدعى بالحمض النووي المتقدّر، وهو مواد وراثية تنتقل إلى الأبناء من أمهاتهم فقط. وفّرت عملية السلسلة هذه نتيجة أكثر وضوحاً تبين أن المادة الوراثية للطير الجديد تتطابق مع المادة الوراثية للنوع هيليودوكسا برانيكي.

عندما حلل فريق الباحثين الحمض النووي لنوى خلايا الطائر، الذي يحتوي على مواد وراثية من الأبوين، وجد العلماء أنه يتشابه مع المادة الوراثية لكل من النوعين هيليودوكسا برانيكي وهيليودوكسا غولاريس، ويعتبر هذا الأخير ابن عم النوع هيليودوكسا برانيكي من الناحية الوراثية.

مع ذلك، لم يكن الطائر الجديد نصف برانيكي ونصف غولاريس. يُفترض أن أحد أسلاف هذا الطائر كان هجيناً من النوعين، وأن الأجيال التي تلته تزاوجت مع الطيور من النوع هيليودوكسا برانيكي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك مراقبة حركة هجرة الطيور اعتماداً على بيانات الطقس؟

ألوان الريش المُقزَّح

كان على العلماء أن يبحثوا في الطرق المعقدة التي تتسبب في ظهور ألوان الريش المقزَّح لتفسير ولادة طائر هجين ذي عنق ذهبية لأبوين من الطيور الوردية العنق. (المواد المقزَّحة، أو قزحية الألوان، هي التي يتغير لونها نتيجة لتغيير زاوية النظر إليها).

يكتسب ريش الطيور ألوانه الأساسية نتيجة لوجود الأصباغ مثل الكاروتينات (ذات الألوان الحمراء والصفراء) والميلانين (ذي اللون الأسود). ولكن الألوان البنيوية (الألوان التي تظهر نتيجة لاختلاف أشكال السطوح المجهرية) تنتج عن بنية خلايا الريش وطريقة انعكاس الضوء عنها. نتيجة بنية الخلايا ووجود الأصباغ، يتشكّل الريش الذي يتمتع بخاصية التقزّح اللوني.

This hybrid hummingbird’s colorful feathers are a genetic puzzle
صورة للطائر الهجين ذي العنق الذهبية (في الوسط) مع النوعين اللذين نتج عن تهجينهما (والديه)، هيليودوكسا برانيكي (على اليمين) وهيليودوكسا غولاريس (على اليسار)، في مجموعة متحف فيلد. المصدر: كيت غولمبيفسكي، متحف فيلد.

يقول إلياسون الذي شارك في تأليف الدراسة الجديدة: “علمنا منذ البداية أن [الطيور الطنانة] تمتلك البنية الميلانينيّة، أو البنية المقزّحة، الأكثر تعقيداً بين الطيور”.

استخدم الباحثون مجهراً إلكترونياً لفحص المستوى دون الخلوي لبنية ريش عنق الطائر الجديد، كما استخدموا تقنية التحليل الطيفي لكشف الطريقة التي ينعكس فيها الضوء عن الريش مولداً الألوان المختلفة. لاحظ الباحثون وجود اختلافات دقيقة في منشأ ألوان أب الطائر الطنان وأمه، ما قد يفسر سبب اكتساب النسل الهجين هذا اللون المختلف للغاية.

عملية تهجين مثمرة

قال إلياسون في بيان صحفي: “هناك أكثر من سبب يؤدي إلى ظهور اللون الأرجواني المقزَّح”، وأضاف: “من المحتمل أن يمتلك كل من الأبوين ألواناً تركّبت بعملية مختلفة عن الآخر. وهو ما قد يفسر، برأيي، ظهور اللون الغريب عند مزج المواد الوراثية للأبوين وتشكيل لون الريش”.

في بعض الأحيان، تمثّل الهجائن إما حالات إفرادية، أو حيوانات غير قادرة على التكاثر مثل البغال (الهجائن من الأحصنة والحمير). ولكن في حالات أخرى، يتسبب التهجين في تشكّل نوع جديد. على الرغم من أنه ليس من الواضح بالنسبة للعلماء مدى شيوع هذه الهجائن بين جماعات الطيور الطنانة، يعتقد مؤلفو الدراسة الجديدة أنها قد تسهم في زيادة تنوّع الألوان البنيوية التي توجد في شجرة عائلة هذه الطيور.

اقرأ أيضاً: شاهد هذه الخريطة التفاعلية التي تنقل تفاصيل مذهلة لهجرة الطيور

بناءً على سرعة تطور الألوان في جماعات الطيور الطنانة، حسبَ العلماء أن المدة اللازمة لتطور هذا التحول من اللون الوردي إلى الذهبي في نوع واحد من الطيور تتراوح بين 6 و10 ملايين سنة.

وفقاً لإلياسون، تعتبر هذه المدة قصيرة للغاية على المقياس الزمني التطوري. ستساعد دراسة هذه الطيور بتعمق أكثر العلماء على استنتاج عدد الأجيال التي يجب أن تمر حتى تظهر هذه التغيرات الغريبة، كما ستساعدهم في تطبيق أدوات البحث الوراثية الجديدة وطرق سلسلة الجينوم على الدراسات القديمة حول الطيور الطنانة.