هل تستحق الغربان هذه السمعة السيئة؟

غراب, حيوان, طيور
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما اُضطر الشاعر الأميركي «إدجار آلان بو» لاختيار شيءٍ ما يقود رجلاً ما للجنون، ويخرج ما لديه من عواطف مكبوتة كان الخيار سهلاً؛ الغراب. كتب حينها رائعته الشعرية التي أسماها باسم الغراب. «الغرابيات- Corvids»؛ عائلةٌ من الطيور تضم طائر الغراب الأسود الشائع، وأنواعاً أخرى مختلفة، حيث تشتهر بأنها مؤذية للإنسان والحيوان على حدٍ سواء. فهي تسرق الطعام، وتتجمع على حاويات القمامة، وتضايق الكلاب وتخيفهم، بل وتشدّ ذيول الطيور الجارحة وتضايقها أثناء طيرانها، وتسرق البيض من أعشاش الطيور الأخرى، ولها الكثير من السلوكيات الأخرى التي تدفع الناس للتساؤل: «لماذا هذه الطيور مؤذية إلى هذا الحد؟».

تصف «كيلي سويفت»، الباحثة المختصة بطيور الغرابيات التي أجرت أبحاثاً كثيرةً عنها، والمُحاضرة في جامعة واشنطن، سلوكيات الغربان الملتوية باختصار قائلةً: «الغربان طيورٌ ذكية».

تُشتهر الغرابيات بأنها طيورٌ ذكية. حيث يمكنها استخدام مختلف الحيل والوسائل لتحصل على الطعام، حتى أنها تستغل الطيور الماكرة الأخرى. كما أنها تستخدم ذكائها للتخطيط مُسبقاً لاصطياد طعامها كما تفعل القرود والأطفال الصغار. وفي الحقيقة، أظهرت الغربان قدرةً على التعرّف على الوجوه وتحديد الأشخاص الذين آذوها مرةً ما، والقيام بمضايقتهم كانتقام منها. ونتيجة لتصرفات الغربان هذه، تُوصف بأنها نوعاً ما… مكروهة.

تحدثت «سويفت» إلينا حول بعض السلوكيات الملتوية التي نسمع عنها غالباً، وتشرح سبب وجودها لدى الغربان.

1. المضايقة

ربما تكون سلوكيات المضايقة الذي تُشتهر به الغربان من أبرز سلوكياتها الملتوية. فبينما تبقى البومة أو الصقر على الشجرة لا يضايق أي منهما أحداً ما، تأتي مجموعةٌ من الغربان وتحطّ على نفس الشجرة، وتبدأ بالنعيب والصراخ وتضايقهم وتطير بالقرب منهما حتى يطيرا بعيداً، كما يظهر في مقطع الفيديو هنا.

ربما نقسو على الغربان بوصفها بالمضايقة بالنظر إلى أنّ العديد من الطيور الأخرى تقوم بسلوكياتٍ مشابهة. تضيف سويفت: «إنها طيور مُعرّضةٌ للافتراس، وهكذا تستجيب عند شعورها بوجود من يهددها، لكننا نلاحظ هذا الأمر أكثر لدى الغربان بسبب كبر حجمها وصخبها الشديد. فحتى الطيور الصغيرة مثل القرقف والدُوري والنمنة، حين تستشعر التهديد حولها تدافع عن نفسها بطريقةٍ مشابهة. وبالرغم من أننا نلاحظ السلوكيات المزعجة هذه لدى الغربان على مدار السنة، إلا أنها تظهر بوضوحٍ أكثر خلال فصلي الربيع والصيف، أي خلال موسم التزاوج».

ولكّن ماذا عن مضايقة الغربان لطيورٍ لا تُعتبر مفترسةً لها بطبيعة الحال، مثل عقاب النسّاري المتكيّف لصيد الأسماك؟ تقول سويفت في هذا الصدد: «ربّما تستجيب الغربان بهذه الطريقة للأنواع التي تصنّفها مفترسةً عموماً، حتى لو لم تكن تريد أن تؤذيها، فهي طريقة آمنة أكثر من الأسف. وقد يكون مضايقتها لهدف اجتماعي بحت، فهي ربما ترغب إظهار نفسها للآخرين الذين ينوون مهاجمتها، أو إيذاءها بأنها قادرةٌ على رد الأذى».

2. شدّ ذيول الحيوانات الأخرى

للغرابيات عموماً موهبةٌ خاصة في سرقة طعام الحيوانات الأخرى، وذلك من خلال مضايقتها فقط لإبعادها عن طعامها وتركه لها. وهي بطبيعتها تقتات على أي شيء، لذلك تكيّفت بذكاءٍ لسرقة أي نوعٍ من الطعام من الآخرين. على سبيل المثال، قد يهاجم سربٌ من الغربان قطيعاً من الذئاب التي تستمع بتناول فريستها التي اصطادتها حديثاً، حتّى لو لم تشارك هي باصطيادها، وبدلاً من الانتظار حتى تشبع الذئاب وتترك لها بعض بقايا الفريسة، تتسلل خلف الذئاب وتشدها ذيولها، مما يؤدي لإخافة الذئاب ومطاردتها لتبتعد بالتالي عن فريستها، وتتركها سهلة المنال أمام الغربان الأخرى، فتستغل الغربان الفرصة وتبدأ بتناولها. قد يكون هذا النوع من التطفّل مشكلةً حقيقيةً للذئاب، تقول سويف: «معدّل السرقة عالٍ جداً، الأمر الذي قد يؤدي بالفعل لتناقص عدد قطعان الذئاب».

كما تستخدم الغرابيات حيلةَ شدّ ذيول حيواناتٍ أخرى، مثل الكلاب الأليفة. فغالباً ما تستهدف الحيوانات الأليفة التي تتغذّى في الخارج، مثل كلاب الزلّاجات التي رأتهم سويفت ذات مرّةٍ في ألاسكا، إلا أن بعض الغربان تشد ذيل الكلاب لمجرّد مضايقتها، وإشغالها عن عملها فقط. في الواقع، راقبت سويفت الكثير من المخلوقات الأخرى التي تخيفها الغربان، مثل القطط والنسور وحتّى الببغاوات، وقد أطلقت هاشتاغ «#PullAllTheTails» على تويتر كي يتسنّى عرض جميع أنواع سلوكيات الغربان المزعجة في مكانٍ واحد.

3. غزو أعشاش الطيور

تقول سويفت إنّ نصف غذاء الغربان التي تعيش في المدن يأتي من القمامة البشرية، سواءً كانت مدافن القمامة المتراكمة على أطراف المدينة، أو حاويات القمامة أمام منزلك. لكن صدّق أو لا تصدّق، 40% من غذاء الغربان يأتي من تغذيتها على الحشرات. في الحقيقة لا يُشكّل البيض سوى جزء صغير جداً من غذاء الغربان. تذكر سويفت أنها سمعت أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص مهتمون فعلاً بحماية أعشاش الطيور الأخرى قرب منازلهم من هذه الغربان الجائعة.

تقول سويفت: «ليس من العدل إلصاق هذه السمعة الفاسدة بالغربان، فالكثير من الحيوانات تأكل البيض، كلها؛ من الغزلان وحتّى الأرانب. لكن بسبب حجم الغربان الكبير، ولأنها تعيش بيننا، فإننا ذلك غالباً ما يجعلنا نلاحظها دون غيرها من الحيوانات الأخرى التي تأكل البيض بالقرب من الأعشاش؛ مثل الأفاعي أو السناجب».

ينبغي أن نعلم أن الغربان تستخدم أدمغتها الكبيرة وذكائها غير العادي؛ للتغلّب على الكائنات الأخرى بكافّة الوسائل من أجل البقاء. كم من الوقت عليها أن تحمل تلك السمعة السيئة بين الطيور؟ يردّد الغراب في شعر آلان بو: «ليس بعد الآن».