فرع جاف من نهر النيل يلقي الضوء على طريقة بناء الأهرام

فرع جاف من نهر النيل يلقي الضوء على طريقة بناء الأهرام
أهرامات الجيزة. جيريمي بيزنجر / أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يدرس علماء الجغرافيا عادة ماضي الأرض ليكتشفوا المشكلات التي قد يعاني منها كوكبنا الذي يزداد حرّاً في المستقبل. تُفصّل دراسة نُشرت في 29 أغسطس/ آب في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم الطريقة التي ساعدت فيها تضاريس مصر القديمة المصريين في بناء أهرام الجيزة، وهي من أكثر البنى البشرية شهرة في العالم. وجد مؤلفو الدراسة في ذراع جافة لنهر النيل تسمى فرع خوفو أن البشر احتاجوا هذا المجرى المائي لنقل الأدوات والمواد الأخرى مثل الأحجار وأحجار الجير إلى هضبة الجيزة لبناء الأهرام. وفقاً لـشيشا هادر (Sheisha Hader)، عالمة الجغرافيا الفيزيائية في جامعة إكس مارسيليا في فرنسا والمؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة، لم يكن نهر النيل أحد الموارد الضرورية للنقل فقط، بل للغذاء ولتوفير المياه للأراضي الزراعية وسكان مصر القديمة.

اقرأ أيضاً: منحوتات الإبل الحجرية في السعودية يعود تاريخها إلى ما قبل أهرامات الجيزة

تقول شيشا: “وفّر ارتفاع مستوى مياه نهر [النيل] الاستقرار للمجتمع المصري القديم”، وتضيف: “بالمقابل، كان الجفاف الذي نتج عن انخفاض مستويات مياه هذا النهر كارثياً، كما أنه تسبب بالاضطرابات الاجتماعية والحروب الأهلية أحياناً”.

الجفاف يساعد في تكوين فكرة عن الحياة القديمة

في مايو/ أيار 2019، درست هادر وفريقها حبوب الطلع التي جمّعوها بعد حفر الأراضي المجاورة لفرع خوفو. وكان اثنان من مواقع الدراسة في الموقع الذي يفترض أنه حوض فرع خوفو الذي جفّ. تم جمع نحو 109 عينات تعود للفترة ما بين عصر ما قبل السلالات وعصر السلالات المبكّر في المملكة القديمة لتحليلها، ثم تم تقسيمها إلى مجموعات مختلفة بناءً على 7 أنماط للغطاء النباتي. ساعدت أنماط الغطاء النباتي ومجموعات البيانات الأخرى التي تتعلق بالنشاط البركاني في مناطق قريبة (والذي يمكن أن يؤثر على تقلبات الطقس والإشعاع الشمسي ومستويات المياه في إفريقيا في ذلك الوقت) علماء الجغرافيا في تتبع مستويات المياه المتغيرة وتشكيل تصوّر للمناخ السائد خلال آخر 8000 سنة في مصر. يتضّمن هذا الجدول الزمني التواريخ التي يقدّر أنه تم فيها إكمال أهرام الجيزة الثلاثة، خوفو وخفرع ومنقرع، بين عامي 2686 و2160 قبل الميلاد.

الجفاف يساعد في تكوين فكرة عن الحياة القديمة
تمثيل فني لفرغ خوفو الذي لم يعد له وجود اليوم، والذي أتاح في الماضي نقل مواد البناء إلى مجمّع أهرام الجيزة. أليكس بورسما/مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم

تقول هادر إنها لم تتفاجأ بل شعرت بالذهول بسبب “مهندسي المملكة القديمة الأذكياء الذين استطاعوا تسخير بيئتهم وديناميكيات نهر النيل بشكل جيد لإنجاز مهمة مستحيلة”. تمكّن المصريون القدماء بمساعدة نهر النيل من تصميم ميناء على حافة الصحراء أدخل إليه فرع خوفو الصغير المياه دون خطر الفيضان. تضيف هادر: “قام المصريون بتجريف السهول الفيضية على الجهة الغربية من القناة وسمحوا للمياه بالتدفّق وللسفن بالإبحار لتوفير الإمدادات اللوجستية للبناة”.

اقرأ أيضاً: علم الفلك والأهرامات: من أين جاءت المعرفة الفلكية وقتها؟

يقول جوزيف مانينغ (Joseph Manning)، أستاذ الكلاسيكيات والتاريخ في جامعة ييل، إنه قبل نشر الدراسة الجديدة، لم تكن الطريقة التي وصلت فيها المياه إلى هضبة الجيزة مفهومة بشكل جيد. إذ يقول: “كنا نعلم أن المياه كانت قريبة من هضبة الجيزة، وأنها ساعدت البناة في نقل الأحجار من مقالع طرّة ([وهي المصدر الأساسي لأحجار الجير في مصر]) عبر النهر إلى الجيزة”، ويضيف: “اعتقدتُ أن المصريين قاموا ببناء القنوات التي وصلت المنطقتين، لكن يبدو أن القناة كانت نهريّة طبيعية”.

يقول مانينغ أيضاً إن إيجاد معالم نهر طبيعي يساعدنا في فهم الطريقة التي تفاعل بها البشر مع البيئة واستفادوا منها في إنجاز مشاريع معقدة إلى حد ما مثل بناء الأهرام. مع ذلك، يشير مانينغ إلى أن إحدى نقاط الضعف في الدراسة هي الطريقة التي حلل فيها الباحثون البيانات المتعلقة بالثورانات البركانية خلال تلك الفترة الزمنية. تبين نتائج الدراسة الجديدة أن هذه الثورانات أدّت دوراً كبيراً في اضطراب فرع خوفو من نهر النيل، والذي أدى في هذه الحالة إلى ازدياد معدل الفيضانات في نهر النيل خلال فصل الصيف. يقول مانينغ: “إن وقوع الثورانات البركانية لا يعطينا معلومات عن ظروف نهر النيل”. على سبيل المثال، من المعروف أن بعض الثورانات البركانية الكبيرة التي تقع في مناطق خطوط العرض المرتفعة مثل آيسلندا وألاسكا تؤثّر على الرياح الموسمية في شرق إفريقيا، ما يمكن أن يؤثّر على مستويات المياه في نهر النيل. لكن يقول مانينغ إنه لا تمتلك كل الثورانات البركانية هذه الآثار. ويشرح أن العوامل الأخرى مثل الوقت من العام والموقع وشدّة الثوران ستؤثّر على الرياح الموسمية في الشرق الأوسط أيضاً.

يفيد كريستوف مورانج (Christophe Morhange)، خبير علم شكل الأرض في جامعة إكس مارسيليا وكبير مؤلفي الدراسة الجديدة بأن هذه الدراسة لا تهدف فقط لاكتشاف طريقة بناء الأهرام. إذ يقول: “تهدف دراستنا أيضاً إلى فهم بصمات الإنسان على البيئة [و] أهمية علم آثار التضاريس”.

اقرأ أيضاً: تغير مفاجئ في لون مياه نهر النيل: ما السبب وراء هذه الظاهرة؟

توضّح هادر أن صعود وسقوط الإمبراطورية المصرية كانا مرتبطين بالتغيّرات التي طرأت على نهر النيل. إن دراسة مجتمع ازدهر من خلال الاستفادة من النظام البيئي المحلي يمكن أن تساعد علماء المناخ اليوم في اكتساب معلومات جديدة.

تقول هادر إنه من الضروري “فهم الطريقة التي أثر فيها كل من مسار التاريخ والبيئة على إمبراطورية مزدهرة مثل المملكة المصرية القديمة”، وتضيف: “[لكن] فهم التغيّر المناخي البيئي الذي تسبب بانهيار هذه الإمبراطورية ضروري للغاية إذا أردنا تجاوز التحدّيات البيئية الحالية والمستقبلية”.