كيف ستؤثر الحرب النووية العالمية على كوكبنا: السيناريو الأسوأ

الحرب النووية
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ليلة 24 فبراير/شباط من عامنا الحالي، بدأت الحرب الروسية- الأوكرانية، وسط صخب إعلامي شديد لا بد أن يرافق هذه الأحداث.

حتى اللحظة، تصر أميركا على عدم التورط في الصراع، فأي تورط لها يعني استدعاء مخاوف من كارثة ستعم الكوكب بأكمله، إنها كارثة الحرب النووية، التي يكفي استدعاء كارثتي هيروشيما وناغازاكي لاستقراء النتائج المترتبة عليها.

فما هي آثارها ونتائجها على كوكبنا في حال حدوثها؟

ولادة العصر النووي: تاريخ الحرب النووية

بدأت قصة القنبلة النووية عام 1938 في أحد مختبرات برلين، وبعد اكتشاف مجموعة من العلماء لتفاعل الإنشطار النووي، والطاقة الهائلة التي تنتج عنه. وأن القنبلة النووية ليست سوى سلاح يستمد طاقته من تفاعلات الانشطار.

بعد ذلك الاكتشاف، بدأ السباق نحو تطوير السلاح النووي، وكانت الولايات المتحدة الأميركية في طليعة تلك الدول التي استقطبت العلماء النوويين من كافة دول العالم، فبدأت أبحاثها عام 1939 وشكّلت لجانٍ متخصصّةٍ بالطاقة النووية بالتنسيق مع الحكومة البريطانية.

بإذن من الرئيس الأميركي فرانكلين دي روزفلت، سعت الولايات المتحدة الأميركية لإنتاج تفاعل نووي متسلسل ضمن ما عُرف بمشروع مانهاتن لتطوير القنبلة النووية؛ لاستخدامها في الحرب العالمية الثانية. فكان أوّل تفجيرٍ تجريبيٍّ لقنبلةٍ نوويةٍ في مدينة نيو مكسيكو بإشراف العالم الفيزيائي (جي روبرت أوبنهايمر) في 16 يوليو/تموز عام 1945، وكان ذلك نذيراً بولادة عصر الحرب النووية.

لم تمضِ سوى ثلاثة أسابيع حتى ألقت الولايات المتحدة الأميركية القنبلة النووية، التي عُرفت باسم “الولد الصغير” والتي كانت لها قوة تدميرية تعادل تفجير 13 كيلو طن من مادة الـ “تي إن تي”، على مدينة هيروشيما اليابانية، وذلك بعد رفض اليابان إعلان استسلامها. تسببت تلك القنبلة النووية في مقتل ما يزيد على 80 ألف شخص على الفور، وموت آلافٍ آخرين متأثّرين بالإشعاع النووي. تلتها قنبلةٌ نوويةٌ أخرى، عُرفت بـ “الرجل السمين” على مدينة ناغازاكي اليابانية، وقتلت ما يقارب 40 ألف ياباني. سببت التداعيات المريعة للقوة الجديدة إعلان اليابان استسلامها، فكانت نهاية الحرب العالمية الثانية.

استدرك الاتحاد السوفييتي موقفه، وبدأ مشروعه النووي الخاص، وعلى مدى العقود التالية زوّد كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي ترسانتهما النووية بآلاف الرؤوس الحربية النووية. وكادت الحرب النووية أن تقع بعد أن نصب الاتحاد السوفيتي صواريخ نووية في كوبا، على بعد 145 كيلومتراً فقط من شواطئ الولايات المتحدة، ولحسن حظ البشرية، وافق الزعيم السوفييتي على إزالة الصواريخ مقابل تعهد الولايات المتحدة الأميركية بعدم غزو كوبا فتجنب العالم واحدة من أبشع الكوارث.

ما هي القنبلة النووية؟

اليورانيوم، هو أحد المعادن الطبيعية الموجودة في القشرة الأرضية بوفرة تفوق الذهب بنحو 1000 مرة، وبثلاثة أنواع من النظائر، إلا أن نوى نظير اليورانيوم-235 هي الوحيدة التي تخضع للانشطار عند قذفها بالنيوترونات، فكيف يحدث تفاعل الانشطار؟

يتسبب تسريع النيوترونات بتصادمها مع نواة ذرة اليورانيوم-235، وبانقسام النواة إلى جزئين متناصفين بعدد البروتونات والنيوترونات الأصلي. ينتج عن هذه العملية كميةً هائلةً من الطاقة الحرارية والإشعاعية، بالإضافة إلى اثنين أو أكثر من النيوترونات، والتي بدورها، وتحت شروطٍ معينةٍ، تصطدم بذرات يورانيوم أخرى فتشطرها وينتج المزيد من الطاقة والمزيد من النيوترونات، وهكذا. يسمى تفاعل الانشطار المتكرر بالتفاعل المتسلسل الذي يعد أساس القنبلة النووية.

لإعطائك فكرة عن الإمكانات التدميرية الهائلة للقنابل النووية، دعنا نتتبع ما يمكن أن يحدث عندما تنفجر إحداها خلال حرب نووية.

اقرأ أيضاً: ما هي كمية الطاقة التي يمكن توليدها دون أن نفقد السيطرة؟

الانفجار النووي: كرة النار ثم سحابة الفطر

في صورة أولية تتبادر إلى الذهن لدى سماع كلمة انفجار نووي، يستذكر معظمنا صورة السحابة النارية العملاقة التي تشبه فطر المشروم، والتي ربما قد شاهدتها في أحد الأفلام الوثائقية، فما هي؟

تُطلق الذرات بعد انشطارها إشعاعاً كهرومغناطيسيّاً يتكون بالأساس من الأشعة السينية في محيط بضعة أمتار حول الانفجار، ما يؤدي إلى تأين وتسخين جزيئات الهواء المحيط لدرجات حرارة عالية، تعادل درجة حرارة باطن الشمس وهي تزيد عن 15 مليون درجة مئوية، وتبخير كلّ ما يصادفه من مبانٍ وأشخاص.

تقلّ كثافة الهواء في موقع الانفجار بالنسبة لمحيطه فيصعد إلى الأعلى بشكل كرة نار، حيث يبلغ قطر الكرة النارية الناتجة فور انفجار بقوة 1 ميغا طن 150 متراً، وتزداد في النمو بسرعةٍ لتصل إلى قطر 2200 متراً خلال 10 ثوان، ما يضغط على الغلاف الجوي وينتج عنه مقدمة الموجة الضخمة بعد تفجير القنبلة النووية والتي تصل سرعتها إلى (3218.69 كيلومتراً/ ساعة).

بدورها، تُصدر كرة النار إشعاعاً كهرومغناطيسيّاً، ويتسبب الطيف المرئي منه بومضة ضوئية قوية لدرجة قد تسبب العمى، في حين ينتج عن طيف الأشعة تحت الحمراء تأثيراتٍ حراريةٍ وحروق. يكفي 35% من مجمل طاقة الانفجار النووي الحرارية والضوئية للتسبب في الحروق والإصابات الجسدية الجسيمة على مسافات كبيرة.

بعد نحو دقيقة من تفجير القنبلة النووية تنخفض درجة حرارة الكرة النارية وتتوقف عن الإشعاع الحراري، فتتكاثف المواد المتبخرة مشكلةّ سحابةً عملاقةً تحمل الجزئيات والجسيمات الصلبة للتربة وغيرها من الحطام الصغير المتناثر وقطرات من الماء، هي سحابة فطر المشروم العملاقة كما نعرفها.

اقرأ أيضاً: لا أحد يرغب بتكرار اختبار قنبلة هيدروجينية جديدة

الإشعاع النووي للقنبلة النووية

تتميز القنبلة النووية عن القنابل التقليدية بالإشعاع المؤين الصادر عنها (إشعاع ألفا وبيتا وجاما)، والذي قد يستمرّ لفتراتٍ طويلةٍ بعد التفجير. فخلال الدقيقة الأولى للانفجار يتشكل الإشعاع المؤيّن، كإشعاع نيوتروني وأشعة جاما، بحيث ينقل الهواء 5% من الطاقة الإشعاعية لمسافات كبيرة بعيداً عن الانفجار. تشكل هذه النيوترونات الوحش الكامن في القنبلة النووية، على شكل تداعيات إشعاعية ونشاطٍ مستحث:

  • ينتج عن تفاعل الانشطار مواد مشعة ذات فترات نصف عمر متفاوتة، فبينما يستمرّ بعضها لأجزاء من الثانية، قد يطول نصف العمر لمواد أخرى كي تضمحل حتى الشهور والسنوات.
  • ينتج عن تفاعل الانشطار الكثير من المواد غير المشعة مثل اليورانيوم والبلوتونيوم، والتي ستشهد انشطاراً نووياً بطيئاً مع الزمن. 
  • تهاجم النيوترونات ذرات المواد في البيئة المحيطة، من تربةٍ وهواءٍ وماءٍ، كما تهاجم ذرات اليورانيوم خلال تفاعل الانشطار النووي، وتنشطها محوّلةً إيّاها إلى مواد نشطة شعاعيّاً.

اقرأ أيضاً: اليد التي شاركت بها الفيزياء الفلكية في صناعة القنبلة النووية

آثار الإشعاع النووي للانفجار

تتفاوت شدة تأثيرات الإشعاع النووي للقنبلة النووية بين الإشعاع الأولي المؤين المنبعث خلال الدقائق الأولى للتفجير، والإشعاع المتبقي ذو التأثير طويل الأمد الذي يدوم لفترات طويلة، وتتمثل بـ :

تأثيرات فورية خلال أول 24 ساعة بعد تفجير القنبلة النووية

تتسبب كرة النار بارتفاعٍ هائلٍ في درجات الحرارة، ينتج عنه تبخر كمياتٍ كبيرةٍ من المياه والمواد. ولدى انخفاض درجة الحرارة ستتكاثف الجزيئات التي يقلّ قطرها عن 0.1 ميكرومتراً إلى عدة مليمترات مع نواتج الانشطار والملوّثات المشعّة الأخرى، أو تصبح نشطة بفعل النيوترونات، وتستقرّ في الأرض كتساقطٍ محليّ في موقع التفجير، مسببة تلوثاً إشعاعيّاً مركّزاً، وقد يكون قاتلاً نتيجة التعرض لكمية كبيرة الإشعاع. لذلك، فمن ينجو من حرارة وموجة التفجير، لن يستطيع النجاة من شدة النشاط الإشعاعي.

الإشعاع النووي طويل المدى المتبقي

بعد حدوث الانفجار النووي، تنتقل سحابة الغيوم المكوّنة من نواتج الانشطار المتكاثفة والمواد النووية غير المشعة وبقايا التفجير إلى طبقة الستراتوسفير، ثم يأتي دور الرياح حاملة معها هذه الغيوم لمسافات بعيدة. تستقر المواد المشعة في الغبار والرماد بفعل التساقط على الأرض بعد أسابيع أو شهور وحتى سنوات، وتحمل خطراً بيولوجيّاً طويل الأمد على العالم؛ فقد تصل ذرات المواد المشعة، ذات نصف العمر الطويل مثل سنترونتيوم-90، إلى جسم الإنسان نتيجة تناول الأطعمة التي تحتوي على هذه المواد المشعة.

اقرأ أيضاً: ثلثي طفرات السرطان تنتج عن الأخطاء العشوائية في الحمض النووي

تأثير النشاط الإشعاعي طويل المدى للانفجار النووي على جسم الإنسان

تتوقف شدة التأثير الإشعاعي للمواد النشطة بشكل رئيسي على حجم جرعة الإشعاع التي يتلقاها جسم الإنسان، وعادة ما يتم قياسها بوحدة الراد، أو مكافئ رونتجن بالنسبة لجسم الإنسان (ريم)، وفقاً لما يلي:

  • بالتعرض لجرعة تقدر بين 200-300 ريم، ستكون النتائج قاتلة لنسبة 10-35% من الأفراد المصابين بعد 30 يوماً من التعرض لإشعاع القنبلة النووية.
  • أما في حال التعرض لجرعة أقل من 20 ريم، فترتفع فرص البقاء على قيد الحياة، ولكنها لا تلغي احتمال حدوث أضرار صبغية طويلة المدى.

من أعراض التسمم الإشعاعي الغثيان والقيء والنزيف التلقائي والإسهال والحروق الجلدية الشديدة وتساقط الشعر. يعدّ القيء مؤشراً للتعرض لجرعة لا تقل عن 200 (ريم). في حين ينخفض عدد خلايا الدم البيضاء بشكلٍ مؤقتٍ لدى التعرض لجرعة أقل من 100 (ريم)، ما يبقي الجسم ضعيفاً وعرضة للعدوى والأمراض.

أما بالنسبة لأعضاء الجسم الداخلية فتختلف شدة تأثرها باختلاف العضو. فعلى سبيل المثال، يتعرّض الدماغ للتلف عند تعرضه لجرعة 5000 (ريم)، وهي في الوقت ذاته جرعة قاتلة، فإذا لم يتلق الفرد ما يكفي لقتله من الإشعاع النووي، فسيعاني لاحقاً من مشاكل صحيةٍ خطيرة على المدى الطويل، كالسرطان.

غالباً ما يؤثر الإشعاع النووي على الحمض النووي للخلايا الحية مسبباً حدوث الطفرات فيها عبر تكسير الروابط الجزيئية للحمض النووي وتغيير تسلسل الجينات، فلا يتبقى أمام الخلية إلا محاولة إصلاح التسلسل الجيني أو الموت أو الحفاظ على الطفرة.

وحتى تتسبب الطفرة بحدوث السرطان، لا بد من تراكم سلسلة من الطفرات في خلية معينة ونسلها، لذا، قد تمرّ سنوات بعد التعرّض قبل أن يظهر السرطان بسبب الإشعاع. في هيروشيما لم تبدأ نسب الإصابة بالسرطان بالزيادة إلا بعد 10 سنوات. علاوة على ذلك، ظهرت في الجيل التالي أعراض كزيادة حجم الرأس والإعاقات العقلية.

اقرأ أيضاً: قتلت الخلايا السرطانية: تجربة واعدة لفيزياء الكم في علاج السرطان

تأثير النشاط الإشعاعي طويل المدى للانفجار النووي على المناخ والطقس

الشتاء النووي، هو المصطلح الذي صاغه العالم “ريتشارد توركو” من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، في ثمانينيات القرن الماضي لوصف العواقب المحتملة للحرب النووية الشاملة، بعد إجراء نمذجة مناخية لوصف تأثيرات الإنفجارات النووية على المناخ.

تفترض النماذج انطلاق مئات الأطنان من دخان أكاسيد النيتروجين والسخام الناتج عن الانفجارات النووية، إلى طبقات الجو العليا وصولاً إلى طبقة الستراتوسفير، لتنجرف مع الرياح لمسافاتٍ بعيدةٍ جداً، ما يتسبب في تسخينها إلى 30 درجة مئوية، وحجبها للإشعاع الشمسي باستثناء جزءٍ بسيطٍ منه. فتنخفض درجات حرارة الأرض بمعدل 1.25 درجة مئوية؛ وبالتالي لن يتمكن العالم من زراعة المحاصيل لأكثر من خمس سنوات.

علاوة على ذلك، ستدمر طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية في طبقات الجو العليا، بنسبة 40% فوق المناطق المأهولة وحتى 70 % فوق القطبين، ما يشير إلى ضرر واسع النطاق على صحة الإنسان والزراعة والنظم البيئية الأرضية والمائية بما يتجاوز تأثيرات درجات الحرارة المنخفضة.

كما افترضت النمذجة انخفاض معدلات هطول الأمطار العالمي بنحو 10% خلال الأربعة أعوام التالية، وحدوث خلل في أنماط الرياح الموسمية، وحالات جفاف موضعيةٍ شديدةٍ، وبالتالي المجاعة لمليارات الأشخاص حول العالم.

يعود الفضل في تعقل أصحاب القرار لهذه الدراسات التي وصفت الشتاء النووي، ودفعهم إلى التوقيع على معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية في العقود الماضية. ولكن يبدو اليوم أن العالم قد نسي تحذيرات الماضي حول التغييرات الكوكبية، وأنّ: “الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبداً” كما وصف الرئيسان الأميركي رونالد ريغان والروسي ميخائيل غورباتشوف.