التشريعات الدوائية من أجل سلامة الجميع

التشريعات الدوائية
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

وُجِدت الأدوية من أجل الحفاظ على صحة المواطنين ومعالجتهم من الأمراض التي قد تصيبهم، ولكون الصحة أهم من أي شيء آخر، يجب توفير الأدوية المناسبة ذات الجودة المضمونة وبكميات مناسبة وبأسعار معقولة، متناسبة مع احتياجات كل دولة والاحتياجات الصحية لمختلف السكان. ولضمان ذلك، تضع البلدان مجموعة من القوانين واللوائح تُسمى التشريعات الدوائية.

ما المقصود بالتشريعات الدوائية؟

التشريعات الدوائية، أو التشريعات الصيدلانية، هي مجموعة من الإجراءات القانونية والإدارية والتقنية التي تتخذها الحكومات لضمان سلامة الأدوية وفعاليتها وجودتها، فضلاً عن ملاءمة معلومات المنتج ودقتها. وتشمل المبادئ التوجيهية والتوصيات والإجراءات والسياسات وما إلى ذلك، التي لها قواعد وسلطات قانونية مختلفة.

يختلف المحتوى النهائي لخطة إدارة الأدوية الوطنية باختلاف البلدان، إذ يعتمد على العوامل الثقافية والتاريخية، وأيضاً القدرة المؤسساتية للدولة على تنظيم وإنفاذ ضمان الجودة، والقيم السياسية للحكومة، ومستوى الإنفاق على الأدوية، والتنمية الاقتصادية. 

يتضمن التشريع الوطني للأدوية عموماً أحكاماً تتعلق بالتصنيع والاستيراد والتوزيع والتسويق والوصفات الطبية واللغة وصرف المنتجات الصيدلانية وأحياناً أسعارها، فضلاً عن الترخيص والتفتيش والرقابة على العاملين والمرافق. عادة ما يتم إنشاء هيئة تنظيمية للرقابة الإدارية.

عند الحديث عن التشريعات الدوائية يجب التمييز بين مصطلحين مختلفين؛ (القوانين واللوائح): 

القوانين

يشير مصطلح “التشريع” تحديداً إلى إنشاء القوانين التي تتم كتابتها عادةً بعبارات عامة إلى حد ما لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية المحتملة. يتطلب إصدار قوانين جديدة عملية طويلة وتشمل الهيئة التشريعية للبلد.

اللوائح

تُصدر الحكومات اللوائح استناداً إلى القانون. وهي القواعد التي وضعتها وكالة تفسر القوانين لتسهيل تنفيذها العملي. يمكن تحريرها بسرعة أكبر وببساطة أكثر من القوانين. 

تُقدّم هذه القوانين وتُصدَر كبيان حكومي رسمي، وتعتبر سجلاً رسميّاً للتطلعات والأهداف والقرارات والالتزامات. يجب تطوير هذه القوانين من خلال عملية تشاور منتظمة مع جميع الأطراف المعنية. في هذه العملية يجب تحديد الأهداف والأولويات وتطوير الاستراتيجيات.

أهمية التشريعات الدوائية

لحماية الصحة العامة، تحتاج الحكومات إلى الموافقة على قوانين ولوائح شاملة، وإنشاء هيئات تنظيمية وطنية فعالة لضمان تنظيم تصنيع الأدوية والاتجار بها واستخدامها بشكل مناسب، وتمكين السكان من الوصول إلى معلومات دقيقة عن الأدوية. أيضاً، وضع التشريعات الدوائية يحسن المؤشرات الصحية للمواطنين التي تعكس التنمية الناجحة للبلد.

بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى قوانين ولوائح واقعية وفعالة لقطاع الأدوية لأن استخدام الأدوية غير الفعالة أو ذات الجودة الرديئة أو الضارة يمكن أن يؤدي إلى فشل علاجي وتفاقم المرض ومقاومة الأدوية وأحياناً الوفاة. كما يقوّض الثقة في النظم الصحية والمهنيين الصحيين ومصنعي الأدوية والموزعين. أيضاً تحتاج الحكومات لوضع التشريعات الدوائية من أجل السيطرة على الأدوية المقلّدة وتلك التي تدخل إلى البلد بطريقة غير نظامية.

ينبغي أن يكون نهج التنظيم الصيدلاني عقابياً، وفي نفس الوقت، يجب أن يترك آثاراً إيجابية على المنفذين الملتزمين لأن ذلك أكثر فعالية في تطبيق القوانين. أخيراً، لا تكون القوانين واللوائح فعالة إلا بالقدر الذي تلبي فيه احتياجات المجتمع.

ماذا تتضمن قوانين التشريعات الدوائية؟

يجب أن يكون لدى جميع البلدان من حول العالم تشريعات ولوائح فعالة وقابلة للتنفيذ، قد تتخذ هذه القوانين شكل قانون أدوية وطني واحد يتعامل مع جميع القضايا، أو سلسلة من القوانين التكميلية، يتم تقديمها حين تدعو الحاجة إليها.

يحدد قانون الأدوية بوضوح ما يجب على جميع الأطراف فعله، سواء كانوا من مصنّعي الأدوية أو الأطباء أو الصيادلة. وتوضح قوانين ولوائح تسجيل الأدوية، ما يتعين على الشركات المصنعة القيام به للحصول على ترخيص لبيع منتج صيدلاني معين. وهي تحدد كيف يجب تقييم كل من الشركة المصنعة والمنتَج لتحديد ما إذا كانت تلبي احتياجات المجتمع.

يُنشئ القانون الجيّد أيضاً هيئات إدارية لوضع القواعد موضع التنفيذ، مثل هيئة تنظيم الأدوية الوطنية ذات الاختصاصات الواسعة، أو أجهزة منفصلة للتعامل مع الجوانب المختلفة للتنظيم الصيدلاني مثل ممارسة الصيدلة وتفتيش المصانع والإعلان عن أدوية.

ولتطوير السياسات والقوانين الخاصة بالأدوية، يجب أن تمتلك الهيئات المعنية الإجابة عن عدة أسئلة أهمها:

  • ما هي أهم الأهداف التي يجب تحقيقها خلال 5 سنوات قادمة، وخلال 10 و15 سنة؟ 
  • ما هي الوسائل المتاحة لتطبيق القوانين وإنفاذها؟ 
  • ما هي الطريقة الأفضل لتطبيق القوانين؟  

اقرأ أيضاً: مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تتصدر مكافحة البعوض الناقل للأمراض

عولمة التشريعات الدوائية

شملت التجارة العالمية تجارة الأدوية، أدى ذلك إلى ضرورة وضع تشريعات دوائية عالمية، بالإضافة إلى التشريعات الوطنية. لذلك تلجأ دول العالم إلى عولمة القضايا الصيدلانية، وسن قوانين تحمي براءات الاختراع، وتضمن التسعير المناسب عالمياً.

أُقيمت عدة مبادرات تسعى إلى عولمة التشريعات الدوائية، منها:

اتفاقية تريبس

اتفاقية تريبس وهي اتفاقية تتناول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية في جميع أنحاء العالم، وإخضاعها للقواعد الدولية المشتركة. وفي مؤتمر الدوحة عام 2001، تبنى الأعضاء تأكيداً خاصاً، يعُرف باسم إعلان الدوحة، بشأن القضايا المتعلقة باتفاق تريبس والصحة العامة. ويؤكد الإعلان أن اتفاق تريبس يجب أن يتم تنفيذه بطرق تحمي الصحة العامة وتعزز الوصول إلى الأدوية.

المؤتمر الدولي لسلطات تنظيم الأدوية

نُظِّم المؤتمر الدولي لسلطات تنظيم الأدوية (ICDRA) من قِبل منظمة الصحة العالمية، من أجل توفير منتدى للمسؤولين من سلطات تنظيم الأدوية من جميع الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، للعمل على تعزيز التعاون وتبادل المعلومات وتوفير منصة لتطوير الإجماع الدولي بشأن التنظيم الصيدلاني. 

دستور الأدوية

دستور الأدوية عبارة عن وثائق تحدد المعلومات الفنية وإجراءات التصنيع والاختبار ومعايير المواد والمنتجات الصيدلانية الفعالة. بعض البلدان، مثل ألمانيا وأميركا، لديها أيضاً دستور أدوية خاص بالمنتجات العشبية. 

يمثّل دستور الأدوية جزءاً من القوانين الصيدلانية الوطنية للبلد؛ لذلك، فإن المعايير والإجراءات قابلة للتنفيذ قانوناً. لا تمتلك معظم البلدان دستور أدوية وطني، بسبب الموارد الهائلة المطلوبة لإنتاج هذه المستندات المعقدة والحفاظ عليها، لذلك وُجدت دساتير الأدوية الدولية، التي يمكن لهذه البلدان الاعتماد على واحد أو أكثر منها كمرجع لها، ودمجه في تشريعاتها الوطنية.

اقرأ أيضاً: مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تساهم في رسم مستقبل التقنيات في السعودية

صياغة التشريعات الصيدلانية ومراجعتها

تبدأ صياغة أيّة قوانين جديدة، بمراجعة القوانين سارية المفعول، فقد تكون في حاجة إلى بعض التعديلات، أو قد تكون في حاجة إلى الاستبدال. وحتى في حال عدم وجود قانون عام خاص بالأدوية، لا بد من وجود أجزاء من تشريعات تخص هذا المجال يجب مراجعتها.

الخطوة الثانية هي أن يجتمع واضعو الصياغة والخبراء لتحديد نوع الصك التشريعي المطلوب. من المرجح أن يكون النموذج الأكثر وضوحاً هو قانون شامل يتعامل بشكل موجز مع جميع القضايا ذات الصلة، ويتناول كل قسم رئيسي مسألة معينة. يمكن بعد ذلك تنفيذ الأقسام واحداً تلو الآخر.

في البلدان التي لها تاريخ طويل في التنظيم، من المرجح أن تكون القوانين الخاصة بالصيادلة وتسجيل الأدوية وكذلك اللوائح الخاصة بالأسعار والتكاليف منفصلة، لأنها ظهرت في أوقات مختلفة. ومع ذلك، عند البدء من جديد، وخاصة إذا كانت القوانين المتعلقة بهذه الأمور قديمة أو غير كاملة، فقد يكون من الأسهل تجميع العناصر ذات الصلة في قانون واحد. 

أما في البلدان ذات الخبرة المحدودة، التي لا يمكنها تجميع مثل هذه المجموعة من القوانين، يمكن أن تنسخ القوانين من بلدان أخرى، لكن الأفضل لها الحصول على مساعدة من الوكالات الدولية لصياغة تشريعات دوائية جديدة تلبي احتياجات البلد الخاصة. توفر الاجتماعات الدولية، مثل المؤتمر الدولي لسلطات تنظيم الأدوية سابق الذكر، فرصاً لتعلم كيفية التعامل مع المشكلة وتحديد الزملاء الخبراء الذين يمكن استدعاؤهم للحصول على المشورة.

عموماً، ينبغي أن يعُهد بمهمة كتابة القانون أو مراجعته إلى مجموعة من الخبراء القانونيين والصحيين المطلعين على جميع القضايا ذات الصلة. ومن المهم أيضاً مناقشة المسودات المبكرة للقانون مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المهن الصحية، ومجموعات التجارة والصناعة، والإدارات الحكومية الأخرى المعنية، ومجموعات المستهلكين.

أخيراً، عند الموافقة على القانون، يتم تطوير اللوائح لتوجيه التنفيذ، مع إمكانية تعديلها بما يناسب تطورات الوضع المحلي. 

العناصر الأساسية للتشريعات الصيدلانية الوطنية

تتضمن التشريعات الصيدلانية الخاصة بكل بلد بنود محددة، ينبغي وجودها في كل قانون. عموماً يمكن أن تضم البنود التالية: 

  • أحكام عامة، وتضم العنوان والغرض من القانون والتعريفات.
  • مراقبة التوافر والتسويق، وفيه يتم تسجيل قائمة الأدوية الأساسية الوطنية، وجدولة الوصفات، ووضع العلامات العامة والتصنيع والاستبدال والمعلومات والإعلان وفرض الرسوم ومراقبة الأسعار، والمنتجات الخاصة مثل الأدوية العشبية وأدوية التجارب السريرية.
  • مراقبة آليات التوريد (استيراد وتصدير الأدوية)، وضوابط التصنيع الوطني وحوافزه ومثبطاته، ومراقبة التوزيع والتخزين والبيع.
  • إدارة مراقبة الأدوية وتشمل التنظيم والوظيفة والاستئنافات ضد قرارات هيئة مراقبة الأدوية وصلاحيات الإنفاذ وحظر أنشطة محددة والعقوبات على كل مخالفة على أساس حجمها ووقوعها، والإجراءات القانونية للمخالفات.
  • صلاحيات وضع القواعد والأنظمة وتحدد من لديه السلطة وفي ظل أي ظروف يمكن أن يطبقها.
  • الإلغاءات والأحكام الانتقالية أي إلغاء أقسام من القوانين القائمة تتعارض مع القانون، مع الفترة الانتقالية حتى التنفيذ.
  • الإعفاءات من أحكام القانون وتحدد من هم المعفيين من تنفيذ هذه القوانين.

اقرأ أيضاً: مؤتمر ليب LEAP 22 في السعودية: الحدث التقني العالمي الذي سيُعيد تشكيل أسلوب حياتنا

تحديد أدوار الأطراف المختلفة 

تحدد القوانين أدوار كل طرف معني بالأدوية، وتحدد مسؤولياته وحقوقه أيضاً بوضوح. والأطراف المعنيين هم الأطباء الممارسين والمساعدين، والممرضات والممرضين، والصيادلة وصولاً إلى المستوردين والمصنعين والموزعين.

على سبيل المثال، من يحق له وصف الأدوية، ففي الدول التي لديها عدد كبير من الأطباء المختصين، يكونون هم من يصفون الأدوية، أما الدول النامية التي يندر فيها الأطباء، يمكن منح السلطة القانونية للممرضين أو غيرهم من الممارسين الصحيين لوصف الأدوية الأساسية. 

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يحدد التشريع المؤهلات المطلوبة لمن يتعاملون مع الأدوية، أو يجب أن يذكر من لديه السلطة لوضع هذه المعايير من خلال تمرير اللوائح المناسبة.

الترخيص والتفتيش وضبط الجودة 

ليثق المجتمع بالأطراف ذات الصلة، يجب أن يكون هناك وحدات رقابة وتفتيش، تقيّم مدى سريان القوانين ونفاذها. لذلك تضمن التشريعات والقوانين التفتيش بين الأشخاص الذين يستوردون الأدوية ويوزعونها ويبيعونها ومعرفة ما إذا كانوا مؤهلين ومعتَمدين بشكل مناسب. 

حتى الأدوية، يوجد مفتشين يلاحقون جودتها في الصيدليات، ويراقبون حالتها (رطبة أو متسخة أو متحللة). وبالتأكيد، لا يمكنهم الحكم على الرؤية فقط، بل يأخذون عينات للاختبار في مختبرات ضبط الجودة التي يحددها قانون الأدوية، إذ يكون لدى هذا المعمل القدرة والمعدات اللازمة للقيام بهذه المهمة. 

العقوبات 

لأن أي خطأ في مجال الأدوية وتطبيق تشريعاتها يُعرّض صحة السكان للخطر، أو حتى الوفاة، يجب فرض العقوبات المناسبة على كل من يخالف القوانين. لذلك يجب أن يستخدم المسؤولون عن الأدوية سلطتهم لفرض العقوبات المناسبة عند الضرورة. 

قد تكون العقوبات جزائية (غرامات أو سجن أو كليهما)، أو تصحيحية فقط (حظر الدواء وإغلاق المستودع). في بعض الأحيان، ينتهك أحد الأطراف القانون بشكل خطير لدرجة أن العقوبة المناسبة هي سحب ترخيص التصنيع أو الاستيراد أو التوزيع. وفي أحيان أخرى، قد يتم فرض جميع العقوبات.

اقرأ أيضاً: تعرف على الغرف النقية التي لا تسمح بوجود ذرة غبار داخلها

معايير ترخيص إنتاج الأدوية وتسويقها

قبل طرح أي دواء في السوق، يجب أن يكون مسجلاً لدى الهيئات المعنية، وموافقاً للتشريعات الدوائية الخاصة بالدولة، ومتمتعاً بالمعايير التالية: 

الفعالية

يجب أن يكون الدواء فعالاً ضد المرض الذي يُستخدم من أجل علاجه. على الرغم من عدم وجود دواء فعال بنسبة 100% عند جميع المرضى، لكن ينبغي أن يلبي مطالبه العلاجية في معظم الحالات.

الأمان

يجب ألا يشكل الدواء مخاطر غير متوقعة تفوق فوائده. ومهما أظهرت الدراسات السريرية للدواء أنه آمن، قد يعاني البعض من آثار جانبية طفيفة.

الجودة

يجب أن يكون الدواء مصنوعاً جيداً، بما يتوافق مع دستور الأدوية، ووثائق الجودة التي تثبت سلامته وفعاليته.

معلومات الاستخدام السريري

وهي المعلومات التي تشير إلى الطريقة الصحيحة لاستخدام الدواء، بما في ذلك المؤشرات والجرعات والاحتياطات والآثار الضارة. يجب ذكر هذه المعلومات في علبة الدواء، بلغة مفهومة للمختص الصحي أو المريض.

تقييم فاعلية التشريعات الدوائية

أخيراً، وبعد الموافقة على التشريعات الدوائية، ووضعها محل التنفيذ، يجب تقييم فعاليتها، لكن هذا ليس بالأمر السهل دائماً. أهم ما في الأمر هو تقييم مدى انسجام التشريعات مع السياسة الوطنية والوضع الحالي في قطاع الأدوية. تعتمد عملية التقييم على أنواع مؤشرات الأداء والمعايير المستخدمة وعلى توفر البيانات الكافية.