نظرة عن كثب على الترسانة النووية لروسيا وباقي دول العالم

نظرة عن كثب على الترسانة النووية لروسيا وباقي دول العالم
تجربة أميركية لصاروخ عابر للقارات لا يحمل رأساً نووياً جرت عام 2019. حقوق الصورة: القوى الجوية الأميركية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تأتي الحرب الروسية الأوكرانية في ظل وجود أكبر ترسانتين نوويتين في العالم. لا تزال هاتان الترسانتان واللتان بنيتا خلال الحرب الباردة، تشكلان تهديداً فعلياً، مع احتمال وقوع ضربة نووية بعد فترةٍ وجيزة نظرياً من إطلاق الصواريخ العابرة للقارات. عادت حقيقة الخطر الدائم للأسلحة النووية إلى الوعي العام يوم الأحد في 27 فبراير/شباط 2022، وذلك بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضع القوات النووية في البلاد في حالة تأهب قصوى.

وقالت رويترز إن الأمر الذي نفذته وزارة الدفاع الروسية اليوم التالي ينطوي على التحاق المزيد من الأفراد بالأقسام العسكرية المسؤولة عن شن ضربات نووية. تعد زيادة عدد الموظفين إحدى الطرق للإشارة إلى الاستعداد لإطلاق أسلحة نووية كضربة أولى، أو للتحضير لإطلاق تلك الأسلحة نفسها رداً على الضربة الأولى لدولة أخرى.

من الصعب معرفة الإجراءات الأخرى، إن وجدت، التي تم اتخاذها كجزء من الخطوة الروسية. ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى السرية التي تحيط عادةً بـ “مجمعات الأسلحة النووية”، المصطلح الذي يشير إلى كل ما يتعلق بالأسلحة النووية بدءاً من تصنيعها وصيانتها، إلى قرارات التمركز ووضع تلك الأسلحة وإعدادها والتحكم بها.

رداً على تحرك روسيا وانتقالها إلى حالة التأهب القصوى، قال بايدن في 28 فبراير/ شباط لأحد المراسلين إنه لا ينبغي على الأميركيين القلق بشأن اندلاع حرب نووية. 

على العكس من حركة سلاحٍ مثل الدبابات أو المدفعية، من الصعب في الواقع فهم كيفية عمل الأسلحة النووية وهياكل القيادة المرتبطة بها. ولكن حتى في حالة عدم نشرها، يمكن أن يكون لوجودها وجاهزيتها تأثير كبير على مسار الحرب بطرق كثيرة. إليك ما يجب معرفته.

ما هي الأسلحة النووية؟ 

يعتمد السلاح النووي، والذي ظهر لأول مرة في نيو مكسيكو في موقع اختبار ترينيتي في 16 يوليو/تموز عام 1945، على المتفجرات لضغط الوقود النووي الكثيف، والذي يتكون عادة من نظائر اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239، ما يؤدي إلى تفاعل الانشطار. باستخدام المتفجرات لضغط هذه النظائر معاً، يقوم الرأس الحربي بشطر نواة الذرة ما يؤدي إلى إطلاق تفاعل الانشطار المتسلسل، وبالتالي تقسيم المزيد والمزيد من الذرات وإطلاق كمية هائلة من الطاقة. كانت القنابل المستخدمة في اختبار ترينيتي، وكذلك القنابل التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، قنابل انشطارية، وتسمى أيضاً قنابل ذرية. تراوحت تقديرات أعداد الضحايا التي نجمت عن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي بين 110 و210 ألف ضحية.

الأسلحة النووية الحديثة مختلفة. تستخدم هذه الأسلحة كلا المرحلتين الأوليتين، مثل حجرة البلوتونيوم، لإنشاء تفاعل انشطاري، ومرحلة ثانوية لإنشاء تفاعل الاندماج. عندما يحتوي الرأس الحربي على كلا المكونين، يُعرف أيضاً باسم السلاح النووي الحراري أو الهيدروجيني، ويمكن أن ينتج عن هذا النوع من التفاعل كميات طاقة أكبر من تلك التي تنتجها القنابل الذرية.

قُدرت القوة المتفجرة لـ “الولد الصغير”، القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما، بقوة تعادل انفجار نحو 15 كيلو طن من مادة تي إن تي، أو ما يعادل 15 ألف طن من مادة تي إن تي. وتُعد القنبلة النووية «بي 83» أقوى سلاح نووي حراري موجود حالياً في مخزون الولايات المتحدة، وتبلغ قوتها التدميرية 1.2 ميجا طن من مادة تي إن تي، أي أنها أقوى بـ 80 مرة من قنبلة «الولد الصغير».

بالإضافة إلى القنابل وصواريخ كروز التي تحملها الطائرات، يمكن إطلاق الرؤوس الحربية النووية بواسطة صواريخ باليستية عابرة للقارات أو بواسطة صواريخ باليستية تطلق من الغواصات. ويمكن لبعض الصواريخ حمل عدة رؤوس حربية في نفس الوقت.

اقرأ أيضاً: نجاح تفاعل الاندماج النووي في مفاعل جيت الأوروبي: خطوة صغيرة أم قفزة كبيرة؟

ما هو عدد الأسلحة النووية الموجودة؟

يقدر اتحاد العلماء الأميركيين أن هناك ما مجموعه 12,700 رأس اًنوويّاً اعتباراً من بداية عام 2022.  تتوزع هذه الأسلحة بين 9 دول؛ الولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين، وإسرائيل، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية. كانت جنوب إفريقيا تمتلك أسلحة نووية سابقاً، لكنها فككتها في عام 1989 تحسباً لتغيير الحكومة.

ورثت روسيا الترسانة النووية للاتحاد السوفيتي السابق، والذي  كان قبل حله عام 1991 يخزن أيضاً أسلحة نووية في بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان. أعيدت جميع هذه الرؤوس الحربية إلى روسيا في التسعينيات. كانت روسيا قادرة على الاحتفاظ بهذه الرؤوس الحربية والسماح باستخدامها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الروس كان يسيطرون على الأقسام النووية في تلك الدول. بالإضافة إلى ذلك، تم الإبقاء على الضوابط الفعلية التي حالت دون الاستخدام غير المصرح به للأسلحة النووية في موسكو

تمتلك روسيا أكبر ترسانةٍ من الأسلحة النووية، والتي تقدرها منظمة اتحاد العلماء الأميركيين بـ 5977 رأساً حربياً، بينما تمتلك الولايات المتحدة ثاني أكبر ترسانة بـ 5428 رأساً حربياً. تمتلك الصين 350 رأساً حربياً وتحتل المرتبة الثالثة، بينما تمتلك كل من فرنسا والمملكة المتحدة، شركاء الولايات المتحدة في حلف الناتو، 290 و225 رأساً حربياً على التوالي. 

العديد من تلك الرؤوس الحربية محفوظة في مستودعات للصيانة أو لتفكيكها المحتمل في المستقبل. تمتلك كل من روسيا والولايات المتحدة جزءاً أصغر من إجمالي ترساناتهما النووية متمركزةً في مواقع مثل القواعد الجوية، وهو عدد يُقدر بنحو 1600 و1650 رأساً حربياً على التوالي. وهذا هو المستوى الأساسي للجاهزية النووية بين البلدين.

اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الحرب النووية العالمية على كوكبنا: السيناريو الأسوأ

ماذا يعني التأهب النووي؟

لدى كل دولة تمتلك أسلحة نووية عملية قيادة وتحكم خاصة بها يستخدمها القادة لتقرير ما إذا كان يجب إطلاق الأسلحة النووية ومتى وأين. يمكن أن يُبلغ عن إطلاق الأسلحة النووية بعدة طرق، مثل مستشعرات الإنذار المبكر التي تشمل الأقمار الصناعية التي يمكنها اكتشاف وميض عمليات الإطلاق، والرادارات التي يمكنها اكتشاف الصواريخ المنطلقة. ونظراً لأن الصواريخ التي تحمل الأسلحة النووية تنطلق بسرعة كبيرة، يجب اتخاذ العديد من القرارات حول كيفية الرد بسرعة. 

في بعض الأحيان، يتم اتخاذ القرارات في مرحلة الكشف عن العملية. في عام 1983، رأى الضابط السوفيتي ستانيسلاف بيتروف تحذيراً مبكراً عن إطلاق سلاحٍ نووي بواسطة الأقمار الصناعية، لكنه وجد أن عدد عمليات الإطلاق التي تم الكشف عنها كان قليلاً جداً بحيث لا يشير فعلياً إلى هجوم مفاجئ، واختار عدم رفع مستوى التحذير. تم الكشف لاحقاً أن ما فسره كمبيوتر القمر الصناعي على أنه إطلاق سلاح نووي كان في الواقع عبارةً عن انعكاسٍ لضوء الشمس من على سحابة.

يُطلق على قرار إطلاق الأسلحة رداً على الضربة المكتشفة اسم “الإطلاق عند التحذير”، بينما يُطلق على قرار إطلاق الأسلحة النووية بعد إصابة الصواريخ اسم “الإطلاق عند التأثير”. يزعم بافيل بودفيج، الباحث في الحد من التسلح، بأن الاتحاد السوفيتي كان يتبنى رسمياً سياسة “الإطلاق عند التأثير”، والتي شكلت الطريقة التي بنت بها البلاد قيادتها النووية وسيطرتها. كان من شأن عملية الإطلاق التي يتم الكشف عنها مبكراً عن طريق الإنذار المبكر أن تمنح القيادة السوفيتية الوقت لزيادة جاهزية قواتها النووية، وإصدار أوامر لاتخاذ إجراءات انتقامية محتملة، إذا كانت التحذيرات دقيقة.

لقد مرت أكثر من 30 عاماً على تفكك الاتحاد السوفيتي، لكن روسيا ورثت المشروع النووي للاتحاد السوفيتي، وربما لم تقم الدولة بتحديث موقفها منذ ذلك الحين. لذلك فإن أحد التفسيرات المحتملة للتحول إلى الجاهزية العالية هو التوصيل المادي للدوائر التي تسمح لأمر الإطلاق بالمرور.

اقرأ أيضاً: ما هي المخاطر النووية المحتملة لسيطرة روسيا على محطة تشيرنوبل؟

ما علاقة الناتو بكل هذا؟

الأسلحة النووية هي تقنية مدمرة. لقد زادت الزيارات هذا الأسبوع لموقع «نيوك ماب» (Nukemap)، وهي أداة شائعة على الإنترنت لمحاكاة نصف قطر الانفجار والتأثيرات الأخرى للانفجارات النووية المحتملة. بسبب الوقت القصير بين الإطلاق النووي والتأثير، يحاول القادة السياسيون في كثير من الأحيان وضع توقعات حول ما سيشكل وما لن يشكل تهديداً يستحق الانتقام النووي.

على الرغم من قيام الولايات المتحدة ودول أخرى في الناتو بتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمساعدات الأخرى في معركتها ضد الجيش الروسي، كانت إدارة بايدن واضحة في أن الولايات المتحدة لن تقاتل القوات الروسية بشكل مباشر ما لم تتعرض إحدى دول الناتو للهجوم.

في 11 فبراير/شباط 2022، قبل بدء الحرب وبينما كانت روسيا لا تزال تحشد القوات للحرب، حذر بايدن الأميركيين في أوكرانيا لمغادرة البلاد. ولدى سؤاله عما إذا كان هناك سيناريو محتمل لإرسال قوات أمريكية لإنقاذ الأميركيين في أوكرانيا، قال بايدن: «لا يوجد مثل هذا الاحتمال. إذا بدأ الأميريكيون والروس بإطلاق النار على بعضهم بعضاً، سيؤدي ذلك إلى نشوب حربٍ عالمية دون شك».