تاريخ موجز ومرعب للأسلحة النووية التكتيكية

تاريخ موجز ومرعب للأسلحة النووية التكتيكية
طائرة حربية من طراز «إف-15» مزوّدة بمجموعة «بي 61» التجريبية المشتركة تقوم برحلة طيرات تجريبية في ولاية نيفادا في أغسطس/آب 2021. قنبلة بي 61 هي سلاح نووي تكتيكي. حقوق الصورة: قيادة القتال الجوي/جوناثان كاركوف
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جددت الحرب الروسية على أوكرانيا الاهتمام بالأسلحة النووية التكتيكية، إذ أعلن البيت الأبيض في 24 مارس/آذار 2022 عن تكليفه فريق من الخبراء باطلاع حلف شمال الأطلسي على خطط الطوارئ التي يجب تطبيقها في حال استخدام هذه الأسلحة خلال الحرب. 

نأى حلف شمال الأطلسي بنفسه رسمياً عن الحرب الروسية الأوكرانية كونه تحالف دفاعي، على الرغم من أن بعض الدول الأعضاء في الحلف قد أرسلت إمدادات عسكرية إلى أوكرانيا، من لوكسمبورغ الصغيرة إلى الولايات المتحدة. 

وفقاً لتقرير نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز» في 23 مارس/آذار 2022، تضمّنت خطط الطوارئ سابقة الذكر الخيارات المتاحة التي يجب اتباعها في حال استخدام روسيا لقنبلة نووية تكتيكية «صغيرة». تُعرف هذه الأسلحة قصيرة المدى، والتي تكون قوّتها التدميرية أقل من الأسلحة النووية التقليدية عادة، بالأسلحة النووية التكتيكية. تم تطوير الأسلحة النووية التكتيكية في المراحل الأولى من الحرب الباردة، ولا تزال موجودة حالياً كجزء من الترسانات النووية الأوسع للولايات المتحدة الأميركية وروسيا.    

اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر الحرب النووية العالمية على كوكبنا: السيناريو الأسوأ

قال «ديمتري بيسكوف»، المتحدّث الرسمي باسم الكرملين في 28 مارس/آذار 2022، لشبكة «بي بي إس»: «لا يفكّر أحد باستخدام الأسلحة النووية حالياً». 

لكن تُوفّر الحرب الروسية الأوكرانية فرصة جيدة للتعرّف على الأسلحة النووية التكتيكية والفرق بينها وبين الأنواع الأخرى للرؤوس الحربية التي تنتمي لفئة الصواريخ البالستية العابرة للقارات. استثمر كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية منذ بداية الحرب الباردة في أربعينيات القرن العشرين وحتى ثمانينيات نفس القرن قدراً هائلاً من الوقت والطاقة والموارد في وضع استراتيجيات متعلقة بالأسلحة النووية بسبب احتمالية استخدامها في حرب قادمة للسيطرة على أوروبا. دفع ذلك الولايات المتحدة أولاً، ثم الاتحاد السوفييتي، إلى تطوير أسلحة نووية وإدخالها في ساحة المعركة.  

لم تقم أية دولة بتفجير سلاح نووي في الحرب منذ أن ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتان في أغسطس/آب من عام 1945، ما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 210 آلاف شخص. لم تكن هناك أية قوانين تحظر استخدام هذه القوة التدميرية، والتي تم حملها في حجرتي طائرتين قاذفتين فقط، حتى أصدر الرئيس الأميركي الأسبق «هاري ترومان» قراراً بمنع الجيش الأميركي من استخدامها

بلغت قوة القنبلة الذرية «الفتى الصغير» التي أُلقيت على مدينة هيروشيما 15 كيلوطن، ما يقابل 15 ألف طن من الديناميت. بينما بلغت قوة القنبلة «الرجل البدين» التي أُلقيت على مدينة ناغازاكي 21 كيلوطن (قوة القنبلة الذرية هي كمية الطاقة التي يتم إطلاقها عند تفجير هذه القنبلة). جاءت هذه الهجمات في أعقاب تجربة «ترينيتي» النووية التي أجرتها الولايات المتحدة الأميركية، وتبعتها مئات التجارب النووية الأخرى التي أجريت في ولاية «نيفادا» الأميركية وفي جزر المحيط الهادئ، والتي انتشر بسبب أغلبها «التهاطل النووي» (الإشعاع الخطر الناتج عن الانفجارات النووية، ويسمى بهذا الاسم لأنه يتهاطل من الغلاف الجوي وينتشر أثناء التفجير) في المناطق التي كانت في اتجاه هبوب الرياح خلال وقت الانفجارات.  

اقرأ أيضاً: خطر الذخائر غير المنفجرة: شبح مخيف يهدد أوكرانيا بعد الحرب

اختبر الاتحاد السوفييتي الأسلحة النووية لأول مرة في عام 1949، ثم طوّر إلى جانب الولايات المتحدة القنابل الهيدروجينية (أو الأسلحة النووية الحرارية) التي تَستخدم تفاعلات الاندماج النووي لتوليد قوة تفجيرية أكبر بكثير من تلك الناتجة عن التفاعلات الانشطارية التي تستخدم في الرؤوس الحربية الذرية. فجرت الولايات المتحدة أول جهاز نووي حراري كجزء من عملية «آيفي» التي أجريت عام 1952 في جزر «إنويتيك» المرجانية في جمهورية جزر مارشال، وبلغت قوة القنبلة 10.4 مليون طن من الديناميت.  

صُممت الأسلحة النووية الحرارية للحروب الشاملة، وهي قادرة على تدمير مدن بأكملها على نطاق يفوق بكثير الدمار الذي لحق بمدينتي هيروشيما وناغازاكي. أصبحت هذه الأسلحة، والتي تحملها القاذفات بعيدة المدى والصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تُطلق من الغواصات والصوامع تحت الأرضية ومركبات الإطلاق المتنقلة، الأسلحة النووية الاستراتيجية. وضعت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق «دوايت أيزنهاور» في عام 1960 استراتيجيتها للهجمات النووية الساحقة (والتي ظلّت سرية حتى عام 2004) على مدن في الاتحاد السوفييتي والدول المتحالفة معه في حالة نشوب حرب، وذلك بناءً على قوة الأسلحة النووية الأميركية وعددها.

تاريخ موجز ومرعب للأسلحة النووية التكتيكية
تُعرف قطعة المدفعية «إم 65» أيضاً باسم «أتوميك آني». وتظهر في هذه الصورة التي التقطت عام 2017 عندما كان من المقرر أن يتم عرضها في مرفق دعم تدريب الذخائر في مدينة فورت لي، ولاية فيرجينيا. حقوق الصورة: الجيش الأميركي/تيرانس بيل.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تكتشف الولايات المتحدة الأميركية أسرار أسلحة الحرب الإلكترونية الروسية

الأسلحة النووية التكتيكية

في نفس الوقت الذي كانت تقوم فيه الولايات المتحدة بتطوير هذه الرؤوس الحربية القوية المخصصة للهجمات النووية بعيدة المدى، كانت تعمل أيضاً على تطوير أسلحة أصغر ذات مدى أقصر يمكن أن تلعب دور «المدفعية الفائقة» إذا هاجمت الجيوش السوفييتية أوروبا. كان سلاح «أتوميك آني» أحد أكثر هذه الأسلحة التكتيكية شهرة، وهو عبارة عن قطعة مدفعية كبيرة تم نشرها في أوروبا في خمسينيات القرن الماضي. يمكن لهذا المدفع إطلاق رأس حربي نووي تبلغ قوتّه 15 كيلوطن من على مسافة تزيد عن 28.9 كيلومتراً. للمقارنة، فإن قاذفة «إينولا غاي بي-29»، والتي أسقطت القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما، يمكن أن تقطع مسافة 4667 كيلومتراً لتضرب هدفاً قبل أن تضطر إلى العودة لمركز انطلاقها.   

تم أيضاً تطوير رأس «ديفي كروكيت» الحربي الذي كانت تقابل قوته 20 طناً من الديناميت فقط. كان للمدفع عديم الارتداد الذي يطلق هذا الرأس الحربي مدى أقصر حتى من مدى رأس أتوميك آني، إذ أنه كان يبلغ 4 كيلومترات فقط. أما الجهاز النووي التكتيكي ذو المدى الأقصر فقد كان «العتاد الحربي الخاص للتدمير الذري»، والذي كان من ناحية وظيفية عبارة عن قنبلة محمولة على الظهر مصممة ليتم وضعها في مكان محدد وتفجيرها، ضمن ما كان يُفترض أنها مهمة انتحارية.  

سيستبدل الجيش الأميركي في نهاية المطاف هذه الرؤوس الحربية النووية برؤوس حربية محمولة على صواريخ قصيرة المدى مصممة للاستخدام في ساحة المعركة. نُشرت الأسلحة النووية التكتيكية في أوروبا بالتعاون مع الجيش الأميركي لتوضيح استعداد الدول الأوروبية لاستخدام الأسلحة النووية الأميركية للدفاع عن أوروبا.  

كان حلف شمال الأطلسي، والذي كان حديث العهد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مدعوماً بقوة الجيش الأميركي، ولكن كانت معظم القوات الأميركية حينذاك على الجهة المقابلة من المحيط بالنسبة للدول الأوروبية. كان حلف وارسو الذي يقوده الاتحاد السوفييتي يحد البلدان التي كانت إدارتا الحلفين تعتقدان أن أية حرب في أوروبا ستقع فيها، وخاصة ألمانيا الغربية. كان الاتحاد السوفييتي يمتلك العدد الكافي من الجنود والدبابات وأسلحة المدفعية على الأرض لينتصر بأية حرب تقليدية. ولذلك، تم تطوير الأسلحة النووية الأميركية لاستخدامها كوسيلة لزيادة حظوظ الانتصار في الحروب المتوقعة في أوروبا، ولكن كان يجب إقناع الحلفاء الأوروبيين أن الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بخوض حرب نووية للدفاع عن أوروبا.    

اقرأ أيضاً: ما هي المخاطر النووية المحتملة لسيطرة روسيا على محطة تشيرنوبل؟

كتب «توم نيكولز»، الأستاذ في الكلية الحربية البحرية الأميركية، أن نشر الأسلحة النووية التكتيكية قصيرة المدى لاعتراض طريق أي تقدم سوفييتي «كان بمثابة تحذير للاتحاد السوفييتي من أنه إذا تم غزو أوروبا، سيضطر حلف شمال الأطلسي لاستخدام الأسلحة النووية بسبب نجاحات الجيش الأحمر».

لو حدث مثل هذا الغزو في أي يوم من الأيام، سينسحب القادة الميدانيون الذين مُنحوا الإذن باستخدام الأسلحة النووية لتجنّب الهزيمة بعد إطلاق هذه الأسلحة مباشرة. (تضمّنت خطط الحرب السوفييتية مهاجمة مواقع الأسلحة النووية التكتيكية بالتحديد). عندها، ستنتهي الحرب إما خلال ساعات بتبادل الصواريخ البالستية العابرة للقارات، أو بهدنة يتم الاتفاق عليها لتجنّب الكارثة.   

سلّم التصعيد 

يصف المفكّرون في مسائل الدفاع الخطوات بين السلام ودمار البشرية الناجم عن استخدام الأسلحة النووية الحرارية بـ «سلّم التصعيد»، إذ تتخّذ إدارتا البلدين اللذين يخوضا الحرب إجراءات تدفع البلد الآخر إما للتصعيد من خلال رفع مستوى المخاطر والتوتر، أو تخفيف التصعيد من خلال التراجع عن الصراع. الأسلحة النووية التكتيكية هي العارضة التي تفصل بين الحروب التقليدية والحروب النووية في سلم التصعيد. 

طور القادة في الاتحاد السوفييتي أسلحتهم وعقيدتهم النووية كرد فعل على التخطيط الحربي النووي للولايات المتحدة، وإدراكهم أن الولايات المتحدة تنشر الأسلحة النووية في أوروبا. افترض كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أنه بمجرد استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، سيتبع ذلك على الأرجح حرب بالأسلحة النووية الحرارية بدلاً من خفض التصعيد. 

يقول نيكولز: «كما نعلم الآن، عانت القيادة السوفييتية العليا لحل هذه المعضلة، إذ أن الاستيلاء على أوروبا مدمّرة يُفرغ الغزو من محتواه»، ويضيف: «وضع السوفييت خططهم الخاصة لأول استخدام للأسلحة النووية التكتيكية، والاستخدام واسع النطاق للأسلحة التكتيكية، وللرد النووي (عقيدة عسكرية واستراتيجية نووية تلتزم فيها الدول بالرد بقوة أكبر بكثير في حالة تعرّضها لهجوم). أدّت كل الخيارات المتاحة إلى نفس الطريق المسدود المتمثّل بالتصعيد والرد الاستراتيجي ثم الكارثة».  

اقرأ أيضاً: ماذا لو انتقلت ساحة الحرب إلى الفضاء؟

لم تمنع حقيقة أن نهاية الحرب التي تُستخدم فيها الأسلحة النووية التكتيكية هي الكارثة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة من تطوير الأسلحة النووية. شملت الأسلحة النووية التكتيكية السوفييتية القنابل المحمولة في الحقائب والألغام النووية والقذائف المدفعية النووية والصواريخ النووية والصواريخ قصيرة المدى التي يتم إطلاقها من الطائرات والقنابل التي يمكن إلقاؤها من الجو. وكما فعلت الولايات المتحدة، نشر الاتحاد السوفييتي الأسلحة النووية غير الاستراتيجية في قواعد عسكرية لبلدان حليفة.  

لا يزال العديد من هذه الأسلحة موجوداً حتى يومنا هذا، إذ نشرت الولايات المتحدة 100 قنبلة نووية من نوع «بي 61» في قواعد أوروبية. يمكن حمل هذه القنبلة، والتي تخضع للتحديث حالياً، بواسطة مجموعة متنوعة من الطائرات المقاتلة وكذلك بواسطة طائرات «بي-2» القاذفة. تعتبر قنابل بي 61 الأضعف بين الأسلحة النووية في الترسانة الأميركية حالياً، إذ أنه بعد التعديل الثاني عشر الذي تم إجراؤه عليها، أصبح بالإمكان تغيير قوّتها ضمن مجال يتراوح بين 300 طن إلى 50 كيلوطن، ما يجعلها (عندما تكون في أقصى حدود قوّتها) أقوى بـ 3.3 مرة من «الفتى الصغير»، القنبلة التي تم إلقاؤها على مدينة هيروشيما.     

كان على روسيا، والتي ورثت الأسلحة النووية للاتحاد السوفييتي، تعديل خططها في ضوء التغييرات في الظروف الجيوسياسية. في حين أن الجيش التقليدي للاتحاد السوفييتي والدول التي كانت في اتفاقية وارسو كان قوياً بما فيه الكفاية لدرجة أن المخططين السوفييتين توقّعوا الانتصار في أي حرب تقليدية في أوروبا، فإن العديد من الجمهوريات السوفييتية السابقة أصبحت أعضاء في حلف شمال الأطلسي اليوم. كان الاتحاد السوفييتي يستطيع الاعتماد على القوات المستمدة من أوكرانيا لأي حرب في أوروبا. بينما في فبراير/شباط 2022، بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، وجوبهت بمقاومة عنيفة.   

غير كل من نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي توازن القوة التقليدية بين روسيا وأوروبا. واصلت كل من الولايات المتحدة وروسيا تقليل مخزوناتها من الأسلحة النووية، لكن لا تزال العديد من الأسلحة موجودة. تمتلك روسيا ما يقرب من 1600 من الرؤوس الحربية التي يمكن حملها بواسطة صواريخ أو طائرات تستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة، بينما تمتلك الولايات المتحدة 1650 رأساً حربياً قادراً على الوصول إلى روسيا، و100 قنبلة نووية تكتيكية في أوروبا.  

بالإضافة إلى ذلك، تمتلك روسيا ترسانة تقدّر بـ 1912 سلاحاً نوويّاً غير استراتيجي. افترض بعض الخبراء في الولايات المتحدة أنه يمكن استخدام مثل هذه الأسلحة في ساحة المعركة كجزء من محاولة لإجبار إجراء مفاوضات على إنهاء الحرب في أوكرانيا، إلا أنه لا يوجد في العقيدة العسكرية الروسية الحديثة ما يشير إلى أن هذا قد يحصل. 

اقرأ أيضاً: اليد التي شاركت بها الفيزياء الفلكية في صناعة القنبلة النووية

بدلاً من ذلك، تظل الأسلحة النووية التكتيكية في ترسانات الولايات المتحدة وروسيا كإرث لزمن كان يتم في التخطيط التفصيلي لجميع مراحل الحرب التي لا ينبغي خوضها أبداً.

يمكنك قراءة بقية أجزاء السلسلة بالضغط على الرابط هنا