كيف تساعد أطفالك على اتباع جدول نومٍ صحي؟

نوم الأطفال
حقوق الصورة: ليو ليفاس/ أنسبلاش.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إلى جانب الأكل والتنفس، يعتبر النوم من أهم وظائف جسم الإنسان بغض النظر عن عمره. لا يمكننا البقاء وقتاً طويلاً دون نوم (أطول حالة مسجلة لشخص بقي مستيقظا طواعية هي 11 يوماً)، ولكن حتى في الحياة اليومية نجد صعوبة في النوم لفترات طويلة من الزمن، وهذا ينطبق على نوم الأطفال أيضاً.

وفقاً لأحد التحليلات التي أجرتها مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها، فإن ما يصل إلى 57% من طلاب المدارس المتوسطة و 72% من طلاب المدارس الثانوية قد لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم. تقول كاثرين كير، مديرة مركز اضطرابات نوم الأطفال في مستشفى ستوني بروك للأطفال في هذا الصدد: «هذه أخبار سيئة بالنظر إلى أن النوم مرتبط بالمرونة العصبية والذاكرة والتعلم. علينا أن نساعد الأطفال للنوم بشكلٍ منتظم للحفاظ على صحتهم وإنتاجيتهم للسنوات القادمة».

ماذا يحدث عندما ننام؟

تتكون دورة النوم الليلية الجيدة من 90 إلى 120 دقيقة، وتتألف كل منها من أربع مراحل. يكرر معظم الناس دورة النوم الكاملة من 4 إلى 5 مرات ليلاً. المرحلتان الأوليتان خفيفتان نسبياً، وتنطويان على الدخول تدريجياً بشكل أعمق وأعمق في النوم. المرحلة الثالثة هي النوم العميق، وتنطوي على القليل من نشاط العين أو العضلات. وفقاً لمؤسسة النوم الوطنية، فإنها مرحلة الإصلاح والترميم، حيث يقوم جسمنا بترميم وإصلاح الأضرار التي لحقت به أثناء النهار ويعزز النمو والمناعة.

يدعو الخبراء المرحلة الرابعة من النوم بنوم «الريم» (REM)، أو نوم حركة العين السريعة. ووفقاً لمؤسسة النوم الوطنية، ينشط دماغنا في هذه المرحلة ليعالج المعلومات الجديدة ويقوم بتخزينها في الذاكرة طويلة المدى. إنها المرحلة التي نحلم فيها أيضاً. ويساعد نوم الريم الكافي أيضاً في الحفاظ على التركيز والمزاج، وكلاهما مهم للنجاح في المدرسة.

مخاطر عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم

في حين أن معظم البالغين تكفيهم سبع أو ثماني ساعات من النوم كل ليلة، إلا أن الأطفال يحتاجون إلى قسطٍ أكبر من النوم. حيث يُوصى بالنوم من 11 إلى 14 ساعة للأطفال الصغار، ومن 10 إلى 13 ساعة للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، ومن 9 إلى 12 ساعة للأطفال من سن 6 إلى 12 عاماً، ومن 8 إلى 10 ساعات للمراهقين.

ماذا يحدث إذا لم يحصل الأطفال على القسط الكافي من النوم إذاً؟ 

تقول «هولي شيف»، الأخصائية النفسية الإكلينيكية المرخصة في ولاية كونيتيكت: «يتعرض الأطفال الذين لا ينامون بشكل كافٍ لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وعدم انتظام ضربات القلب والسكري والسمنة والاكتئاب. ويعاني الأطفال المحرومون من النوم أيضاً من مشاكل سلوكية ومشاكل أكاديمية وسلوكيات خطرة وقلق ومشاكل متعلقة بالمزاج».

وتضيف «جينين جانو»، عالمة نفس سابقة في المدرسة ومؤلفة كتاب «أطفال غير مندمجين» (Disintegrating Student): «يمكن أن يستيقظ الطلاب وهم في حالة «قصور النوم» (sleep inertia) بسبب عدم النوم بشكلٍ كافٍ. وتتصف هذه الحالة بالشعور بالنعاس الشديد والضعف، حيث يرغب الشخص فيها بشدة بالعودة إلى الفراش مجدداً. ويمكن أن تستمر من بضع دقائق إلى بضع ساعات، مما يعني أن الطلاب قد يذهبون إلى المدرسة ويحاولون التعلم وهم في هذه الحالة».

إذا كان الأطفال يقودون سياراتهم إلى المدرسة، فقد يكون لهذا النعاس عواقب حقيقية تتجاوز تعليمهم. تقول «لينيل شنيبيرج»، مؤلفة كتاب «كن مدرب نوم طفلك» وزميلة في الأكاديمية الأمريكية لطب النوم: «تشبه القيادة عندما تشعر بالنعاس أو التعب القيادة في حالة السكر». في الواقع، يُظهر المسح الذي أجرته الإدارة الوطنية للسلامة المرورية أنه في عام 2017 وحده كان هناك 9000 حادث سيارة و 50000 إصابة و 800 حالة وفاة بسبب السائقين الذين كانوا يعانون من النعاس.

لكن قبل أن نتمكن من حل المشكلة، نحتاج إلى تشخيصها أولاً. تتضمن بعض الأسباب الأكثر شيوعاً لعدم حصول الأطفال على قسط كافٍ من النوم قضاء وقت طويل أمام الشاشات، بالإضافة إلى التغيرات الطبيعية في إيقاعات الساعة البيولوجية التي تتعارض مع أوقات الدراسة المبكرة، والاستهلاك المفرط للكافيين. وتضيف جانو: «تحرم ثقافة الإنجاز في المدرسة الأطفال من النوم من أجل إنجاز المزيد من العمل. مهما كانت الأسباب، فمن الواضح أن قلة النوم مشكلة حقيقية».

 

كيف تساعد أطفالك على النوم بشكل أفضل؟

إذا كان أطفالك يواجهون صعوبة في النوم والاستمرار به، أو إذا كانوا بحاجة إلى تعديل جدولهم الليلي، فهناك عدة طرق يمكنك من خلالها مساعدتهم.

ابدأ بالاستيقاظ

تقول شنيبيرج من الأكاديمية الأمريكية لطب النوم: «ركّز في البداية على وقت الاستيقاظ، فهو أساس النوم. كلما استيقظ أطفالك مبكراً، كلما شعروا بالتعب والرغبة بالذهاب إلى السرير في وقتٍ مبكر ليلاً». في الواقع، نمتلك قدراً أكبر من التحكم في موعد استيقاظ الأطفال، إذ بإمكاننا فتح الستائر وهز أطفالنا كي يستيقظوا صباحاً، ولكن لا يمكننا إيقاف أدمغتهم وجعلهم ينامون وقتما نشاء مساءً. وتضيف شنيبيرج: «اضبط أوقات استيقاظ أطفالك تدريجياً عن طريق ضبط المنبه قبل 15 دقيقة حتى تتكيف أجسادهم مع الجدول الزمني».

من المهم أيضاً معرفة أنه من الأفضل إيقاظ الأشخاص، وخاصة الأطفال، مع ما تسميه شنيبيرج «محددات الوقت»، مثل ضوء الشمس والتمارين الرياضية وتناول الطعام. أخرج الصغار من السرير ودعهم يركضون في الخارج تحت أشعة الشمس لبضع دقائق قبل الإفطار، حيث يمكن أن يساعد ذلك أجسامهم على التكيف مع وقت الاستيقاظ الجديد.

طوّر روتيناً ثابتاً لوقت النوم

بمجرد أن يتعود أطفالك على الاستيقاظ مبكراً، ابدأ العمل على النصف الآخر من جدول النوم. يقول شيف، عالم النفس الإكلينيكي: «يدرب اتباع روتين محدد عند حلول موعد النوم الجسم والدماغ على البدء في الاسترخاء في نفس الوقت كل ليلة. يمكن أن يشمل هذا الروتين أي شيء من الاستحمام وتنظيف الأسنان إلى قراءة كتاب أو تلاوة الصلوات في الليل. المهم أن تكون الأنشطة هادئة ومتسقة، لأن ترسيخ روتينٍ جديد قد يستغرق عدة أسابيع».

تجنّب الشاشات

يقول جميع الخبراء الذين تحدثنا إليهم أن الشاشات هي أحد أهم أسباب بقاء الأطفال مستيقظين في الليل. وتوصي جانو، وهي طبيبة نفسية سابقة لأطفال المدرسة، بتجنّب مشاهدة الشاشات قبل 30 إلى 60 دقيقة من وقت النوم، لأن الضوء الأزرق المنبعث منها يربك الدماغ ويمنع إنتاج الميلاتونين. وعلاوةً على ذلك، تؤثر الأنشطة على الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والتلفزيون على النوم، إذ يمكن لألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي والعمل والمسؤوليات الأخرى أن ترفع مستويات التوتر وتجعل النوم صعباً أكثر.

اقرا أيضاً: وقت الشاشة ومدة النوم تتنبأ بزيادة الوزن عند الأطفال

لا تحاول تعويض نقص النوم في عطلة نهاية الأسبوع

قد يحاول بعض من يعاني من نقص النوم خلال الأسبوع تعويضه من خلال البقاء في السرير يوم الجمعة أو صباح السبت. لكن من الأفضل ألا تدع طفلك يؤجل وقت استيقاظه المعتاد لمدة ساعة، وفقاً لشيف. حيث تشير الدراسات إلى أن النوم في عطلة نهاية الأسبوع لا يعوض نقص النوم خلال الأسبوع، وحتى قد يعطل ذلك إيقاع الجسم الطبيعي ويجعل من الصعب الالتزام بالجدول الزمني للنوم فيما بعد.

قم بنمذجة عادات النوم التي ترغب بأن يتبعها أطفالك

كما هو الحال مع العديد من الأشياء في تربية الأطفال، فإن نمذجة السلوك الجيد من أفضل الطرق لغرس الممارسات الصحية لدى الأطفال، لذلك تقول كير إن الآباء يجب أن يكونوا قدوة لبقية أفراد الأسرة في النوم. عندما يتبع الكبار عادات نومٍ صحية ويتجنبون قلة النوم، فمن المرجح أن يحذو أطفالهم حذوهم. 

لتكن أهدافك واقعية

أحد الأسباب الرئيسية لقلة النوم، خاصة بين المراهقين، هو الكم الهائل من المسؤوليات اليومية التي يتحملونها. فمن المدرسة إلى الواجبات المنزلية والأصدقاء والنشاطات الرياضية وأنشطة ما بعد المدرسة وحتى العمل، ليس من المستغرب أن يُبلغ العديد من طلاب المدارس الثانوية عن عدم حصولهم على قسطٍ كافٍ من النوم. يجب مساعدة أطفالنا على وضع أهداف منطقية حول ما يجب القيام به خلال اليوم، واختيار وتحديد أولويات الأنشطة التي لا تتطلب التضحية بشيء مهم لحيويتنا مثل النوم.

توصي شنيبيرج بالتحدث بصراحة وصدق مع الأطفال حول الأهمية البيولوجية والاجتماعية والتعليمية للنوم ومخاطر قلته. اشرح لهم أنهم إذا حصلوا على قسطٍ كافٍ من النوم، فإن لديهم فرصة أفضل لتحقيق أهدافهم. وقد يكون هذا هو الحافز الوحيد الذي يحتاجون إليه.