بأسلوبٍ علمي: كيف تتحدث مع الأطفال عن الهوية الجنسية (الجندر)؟

الهوية الجنسية
حقوق الصورة: إن بي 3000/ ديبوزيت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ اللحظة التي يولد فيها الطفل، يتعرض للكثير من الرسائل المرتبطة بالجنس من كل حدب وصوب، فالفتيات يجب أن يرتدين اللون الوردي بينما يرتدي الأولاد اللون الأزرق؛ الفتيات لطيفات والأولاد أقوياء؛ والفتيات سيصبحن راقصات باليه بينما سيصبح الأولاد عمال بناءٍ في المستقبل. هذه الرسائل ليست صريحة حول الجنس، ولكنها موجودة.

يلتقط الأطفال هذه الرسائل ويحاولون فهم العالم من حولهم من خلالها، مما قد يؤدي بهم في النهاية إلى تطوير أفكار خاطئة أو ذاتية التحديد أو تمييزية. تكشف الدراسات أنه إذا لم يتحدث الكبار مع صغار السن عن الهوية الجنسية (الجندر) منذ اللحظة التي يصبحون فيها قادرين على الحديث معهم، فقد ترافقهم هذه الأفكار بقية حياتهم. ولكن هذه المحادثات تصبح أصعب في ظل تعلم الطفل القيم التقليدية حول مفهوم الجندر من البرامج التلفزيونية والكتب والمدارس. إليك كيفية إجراء محادثاتٍ مع الأطفال حول مفهوم الجندر بما يناسب أعمارهم .

نقطة انطلاق في الحديث مع الأطفال عن الهوية الجنسية 

قبل أن تبدأ الحديث عن الهوية الجنسية مع الأطفال، أنت بحاجة إلى إدراك مدى معرفتهم الأساسية حولها. تقول إيرين باهلك، أخصائية علم النفس التنموي في كلية ويتمان بواشنطن: «يفهم الأطفال الجندر بالفعل في وقتٍ مبكر نسبياً. بمجرد أن يكتشفوا المفاهيم المرتبطة به، فإنهم يحاولون معرفة ما الذي يعنيه أن تكون فتاة أو أن تكون ولداً. وهكذا يبدؤون بتشكيل القوالب النمطية الخاصة بهم حوله».

وفقاً لبعض الأبحاث في علم النفس، يبدأ الأطفال في التمييز بين الأشخاص بناءً على جنسهم المتصور في وقت مبكر من عمر ثلاثة إلى أربعة أشهر، وتبدأ المصطلحات المرتبطة بالجنس، مثل «سيدة» و«رجل»، في الظهور في حديثهم تقريباً في عمر 18 إلى 24 شهراً. ثم يبدؤون بتطوير القوالب النمطية الجنسانية الأساسية في سن الثالثة والرابعة، مع أفكارٍ مثل أن الرجال يلبسون أربطة العنق والنساء لا يرتدونها، وأن الأولاد أكثر عدوانية من الفتيات. يظهر التحيز والتمييز على أساس الجنس في نفس الوقت تقريباً.

يقول روس تومي، رئيس برنامج الدراسات الأسرية والتنمية البشرية في جامعة أريزونا: «يطور الأطفال إحساسهم بهويتهم الجنسية في سن 18 شهراً إلى 3 سنوات، ويظل هذا الإحساس بالهوية الجنسية ثابتاً في الغالب طوال فترة الطفولة لكل من الأطفال المتوافقين أو المتحولين جنسياً، كما أظهرت دراسة منشورة في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميريكية «PNAS» في عام 2019، والتي شملت حوالي 900 طفل».

يقول تومي: «يستطيع الأطفال أيضاً فهم الفرق بين الجندر والجنس، لذلك يجب على البالغين مساعدتهم على التمييز بينهما. يمكن شرح الجنس للطفل على أنه مرتبطٌ بالجسم، مثل ما إذا كان الطبيب أو القابلة قالت إنك فتى أو فتاة عندما وُلدت. وأن ذلك لا يتطابق دائماً مع الجندر، والذي يمكن وصفه بأنه ما يشعر به المرء بأنه عليه من الداخل». بالرغم من أن شرح الأمر قد يكون محرجاً، يوصي تومي بالشرح بوضوح للطفل بأنّ «القضيب لا يساوي الصبي» و «المهبل لا يساوي الفتاة»، مع الحرص على استخدام مصطلحات دقيقة لأجزاء الجسم.

الصورة النمطية عن الهوية الجنسية

تقول ريبيكا بيغلر، عالمة النفس التنموي والأستاذة الفخرية بجامعة تكساس في أوستن: «لدى الأطفال معتقداتٌ محدودة بالنسبة للصورة النمطية للهوية الجنسية، ولكن ذلك يعود إلى طريقة تربيتهم». وتوضح بيغلر بأن الأطفال قد طوروا قوالب نمطية لسببين رئيسيين.

الأول، يؤكد البالغون باستمرار على الهوية الجنسية بقول أشياءٍ مثل «صباح الخير أيها الأولاد والبنات»، ومن فضلكم «فليصطف الأولاد على حدى والبنات على حدى». يتعلّم الأطفال من هذه الأشياء أن الهوية الجنسية هي شيءٌ يجب الانتباه إليه، وهكذا يبدؤون ببناء قوالب نمطية وتعميمها على نطاقٍ أكبر.

وبمجرد أن يطور الطفل صورة نمطية، من الصعب كسرها. تقول بيغلر: «غالباً ما يكون تغيير مواقف الأطفال وصورهم النمطية عن الهوية الجنسية أكثر صعوبةً مقارنةً بالبالغين. هناك شيءٌ واحد يمكنك القيام به لمعالجة هذا الأمر، وهو تعريض الطفل للمصادر التي تصوّر أشخاصاً يخالفون المعايير الطبيعية لهويتهم الجنسية. على سبيل المثال، اقرأ لهم كتاباً مصوراً عن طفلٍ غير ثنائي الجنس، مثل كتاب «From the Stars in the Sky to the Fish in the Sea»، أو دعهم يشاهدون فلماً يُظهر الفتيات قساةً خشنات المظهر، مثل فلم الرسوم المتحركة «مولان».

لكن عرض أمثلة لأشخاص يخالفون الصور النمطية على الأطفال لا يكفي بحد ذاته. في أطروحة درجة الشرف التي قدمتها بيغلر كطالبة جامعية، قرأت كتباً تحتوي على صور غير تقليدية لنوع الجنس للأطفال، بما في ذلك كتاب عن امرأة إطفائية تنقذ جرواً من منزل يحترق. ولكن عندما سألت الأطفال عما حدث في الكتاب، قال الأطفال إن رجل الإطفاء أطفأ الحريق ثم أنقذ الجرو. تقول بيغلر: «لقد حوّل الأطفال المرأة إلى رجل لأنهم اعتقدوا أن الرجال فقط هم من يمكن أن يكونوا رجال إطفاء. في الواقع، لا يكفي أن تظهر لهم فتاةً تفعل شيئاً مغايراً للقوالب النمطية التي يتصورونها عن الفتاة مثلاً، عليك التعبير والشرح بقوة ووضوح أكبر لتغيير قوالبهم النمطية».

ولا يكفي ذكر هذه النقاط مرة واحدة فقط، لأن الأطفال سينسونها. تقول كريستيا براون، أخصائية علم النفس التنموي بجامعة كنتاكي: «أعتقد أن المحادثات يجب أن تكون يومية وصريحة». وتوصي بالإشارة إلى الصور النمطية للهوية الجنسية عند سماعها لمساعدة الأطفال على تعلّم التعرف إليها.

التمييز على أساس الجنس

يلاحظ الأطفال أن الرجال والنساء يُعامَلون بشكل مختلف، لكنهم غالباً لا يعرفون السبب، لذلك يبنون تفسيراتهم الخاصة. وخير مثالٍ على ذلك، لماذا لم يكن هناك رئيسات للولايات المتحدة بعد؟ في الواقع، يعلم معظم الأطفال أن معظم رؤساء الولايات المتحدة كانوا من الرجال، ولكن عندما يُسألون عن السبب، تتباين أجوبتهم بشكل كبير. في استطلاعٍ لرأي الأطفال الأميركيين أجرته بيغلر وباهلك وبراون بعد الانتخابات الرئاسية عام 2016، والتي فاز فيها ترامب ضد هيلاري كلينتون، قال 25% من المستطلعين أن سبب فوز ترامب على هيلاري يعود إلى التمييز بين الجنسين، بينما يعتقد البعض الآخر أن الفتيات لا يمكن أن يصبحن قادة، أو لا يمتلكن الذكاء الكافي ليكنّ كذلك، أو لا يرغبن في الأساس في أن يصبحن رئيسات. وحتى أن البعض يعتقد أنه من غير القانوني أن تصبح المرأة رئيسة للبلاد.

تقول باهلك: «نظراً لأن الناس لا يتحدثون مع الأطفال حول هذا الموضوع، أعتقد أنهم لا يمتلكون الأدوات التي تمكنهم من فهم سبب وجود هذه التناقضات».

وتقول براون: «عندما نعلّم الأطفال عن التمييز القائم على الجنس، لا نتعمّق كثيراً في الشرح. فالشباب في سن المدرسة الابتدائية لن يفهموا التحيز الجنسي البنيوي والنظام الأبوي «Patriarchy». بدلاً من ذلك، تحدث معهم عن المساواة والعدل. اشرح لهم أن معاملة الناس تختلف حسب نوعهم الاجتماعي، حتى لو كان ذلك خطأ». وتضيف براون: «سيفهم الطفل فكرة المعاملة غير العادلة تماماً نظراً لأنه ربما قد تعرّض إلى موقفٍ مشابه عندما أخذ شقيقه الأكبر قطعة الحلوى الأكبر مثلاً».

لمنح الأطفال في سن الابتدائية الأدوات اللازمة لمواجهة التحيز الجنسي، يجب عليك في البداية مساعدتهم على تحديد متى يكون شخص ما متحيزاً جنسياً (على سبيل المثال، لماذا يختار الأولاد في حصص التربية البدنية أولاداً مثلهم لتشكيل فريق كرة السلة؟). بعد ذلك، علمهم كيفية مواجهة الأشخاص المتحيزين، علمهم عباراتٍ يمكن استخدامها في الحياة الواقعية في مثل هذه المواقف. لقد علّمت بيغلر الأطفال أن يقولوا للمتحيزين جنسياً عباراتٍ مثل «توقف عن ذلك، جميعنا متساوون» و«لا فرق بين الفتاة والولد». يمكن أن تجد المزيد من الأمثلة المفيدة من هنا.

تقول بيغلر: «إذا قمت بإيصال هذه الرسائل لهم مراراً وتكراراً، فسيقوم معظم الأطفال بتفكيك قوالبهم النمطية وإعادة النظر في أحكامهم المسبقة وتحيزهم. لكنها معركة شاقة، عليك أن تفعل ذلك مراراً وتكراراً».

حقوق المتحولين جنسياً

الأطفال، مثل بقية أفراد المجتمع، أصبحوا أكثر وعياً بالأشخاص المتحولين جنسياً، لكنهم قد لا يفهمون معنى أن تكون متحولاً جنسياً. كما هو الحال مع جميع القضايا الجنسانية الأخرى، يتطلب تعليمهم هذا الأمر إجراء العديد من المحادثات. عندما يقوم الطفل بافتراض متمحور حول الجنس، شكك في تفكيره. يقول تومي: «على سبيل المثال، إذا سأل الطفل عما إذا كان الشخص ولداً أو فتاة، لا تحاول الحديث معه عن جنس من يسأل عنه. بدلاً من ذلك، اسأل الطفل عن سبب أهمية معرفة ذلك، واشرح له أن الطريقة الوحيدة للتحقق مما إذا كان الشخص صبياً أو فتاة أو غير ثنائي هي من خلال سؤاله».

ووفقاً لتومي، يمكنك أيضاً الاستعانة بالأخبار كمدخلٍ للتحدث عن قضايا المساواة بين المتحولين جنسياً، مثل حظر ممارسة الرياضة عنهم. ولكن من المهم جعل الموضوع وثيق الصلة بالطفل وإلا فلن تصله الرسالة. على سبيل المثال، يمكنك التحدث معه حول مدى الظلم الواقع عليهم إذا لم يُسمح لهم بممارسة رياضتهم المفضلة، أو حاول ربط الحظر بشخص متحول جنسياً موجودٍ في حياتهم، وتجنب الحديث عن المواقف السياسية حول هذا الموضوع.

ولكن قبل إجراء هذه المحادثات، يجب عليك معالجة تحيزاتك الخاصة وتثقيف نفسك حتى تفهم حقوق المتحولين بشكل كافٍ لمشاركة المعلومات الدقيقة مع الطفل. يمكنك البحث عن الموارد ومعرفة المزيد على موقع «جندر سبكترم».

الهوية الجنسية للطفل والتعبير عنها

يتطور الإحساس بالهوية الجنسية عند الأطفال في سن مبكرة، وذلك كصبي أو فتاةٍ أو كثنائي الجنس أو غير ثنائي الجنس. وبغض النظر عن جنس الطفل المحدد، يجب على البالغين دعم تعبيرهم الفريد عن نوع جنسهم، فهو ضروري لصحتهم كما تقول تومي. في الواقع، عادةً ما ترتفع نسبة الإصابة بالأمراض العقلية بين الأطفال المتحولين جنسياً، ولكن بعد تحولهم اجتماعياً (أي بعد تقريرهم استخدام الأسماء والضمائر التي تناسبهم أكثر واختيار اللباس الذي يفضلونه)، يتساوى معدل الاكتئاب بينهم مع مثيله بين الأطفال المتوافقين جنسياً، ولكن نسبة القلق لديهم قد تكون أعلى قليلاً وفقاً لدراسةٍ أُجريت عام 2016 وشملت 73 طفلاً من متحولي الجنس تراوحت أعمارهم بين 3 و 12 عاماً.

قد يميل بعض الأطفال من متوافقي الجنس إلى تقديم أنفسهم على أنهم غير متوافقي الجنس (لا يتوافقون مع معايير النوع الاجتماعي المتوقع منهم)، ومن الضروري دعم هؤلاء أيضاً. تقول تومي: «الأطفال مستكشفون بالفطرة. يجب السماح لهم بالقيام بذلك دون إصدار أحكامٍ مسبقة عليهم، لأن ذلك يسمح لهم بوضع الأساس لفهم الهوية الجنسية بطريقتهم».

في النهاية، التحدث إلى الطفل عن الهوية الجنسية يعني طرح أسئلة عليه حول كيفية رؤيته للعالم، وتقديم الحب والدعم له بغض النظر عن كيفية تعبيره عن هويته. إذا كنت تفعل ذلك، احرص على القيام به بشكل صحيح.