كيف يستطيع الرضّع تمييز درجة تقارب الأشخاص من حولهم؟ الإجابة في اللعاب

تمييز الأطفال العلاقات التي تربط الأشخاص من حولهم
حقوق الصورة: دي تو نيوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حتى قبل أن يتمكنوا من التحدث، يدرك الأطفال الصغار حقيقة أنه لابد من أن هناك علاقة وثيقة بين شخصين إذا كانا على استعداد لفعل أي شيء يتضمن مبادلة اللعاب، فالتقبيل على الفم، ومشاركة الملعقة، ومشاركة مخروط الآيس كريم، كل هذه الأنشطة تحدث بشكلٍ عام فقط عندما يكون بين الناس علاقة حميمة من نوعٍ خاص، ويبدو أن هذه الحقيقة واضحةً حتى للأطفال الرضّع الذين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 10 أشهر فقط، وذلك فقاً لدراسة جديدة نُشرت في دورية “ساينس”.

إلى من ينظر الأطفال أولاً؟

توصلت آشلي توماس، الباحثة الرئيسية في الدراسة، وزملاؤها من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى هذا الاستنتاج بعد عرض مقاطع فيديو لدمى مصنوعة بعناية فائقة لتشبه الأطفال الرضّع والأطفال الصغار.

يُظهر أحد مقاطع الفيديو امرأة تدحرج الكرة ذهاباً وإياباً مع دمية زرقاء اللون. ثم تشارك امرأة أخرى برتقالة مع نفس الدمية بوضع شريحة برتقالية في فمها، ثم تترك الدمية تقضم الشريحة، ثم تعيدها إلى فمها.

تقول توماس: “كل من هذين التفاعلين ودودٌ تماماً ومحبّذ اجتماعياً”، لكن تناول قضمات من نفس الطعام يشير إلى علاقة أكثر حميمية من مجرد اللعب بالكرة.

ولاختبار ما إذا كان الأطفال قد ميّزوا حقاً بين النشاطين، يُظهر الفيديو المرأتين مع الدمية الزرقاء نفسها. وتبدأ الدمية في البكاء وتضع رأسها للأسفل وكأنها غير سعيدة. وعندما بكت الدمية، نظر الرضّع والأطفال الصغار أولاً، ولفترةٍ أطول، إلى المرأة التي شاركت الدمية برتقالة.

تقول توماس: “إنهم ينظرون في هذا الاتجاه لأنهم يتوقعون حدوث شيء ما في هذا الاتجاه. إنهم يتوقعون أن تكون تلك المرأة هي التي تستجيب لبكاء الدمية”.

وعندما تم عرض فيديو آخر جديد للمرأتين لكن مع دمية جديدة تماماً بدأت في البكاء، كان الرضع والأطفال الصغار ينظرون إلى المرأتين بشكل متساوٍ في كثير من الأحيان. هذا يشير إلى أنهم لم يروا أن لهذه المرأة التي تشاركت الطعام مع الدمية السابقة مكانة خاصة، بدلاً من ذلك، كانت علاقتها بالدمية هي ما يهم حقاً.

للتأكد من أن مشاركة الطعام لم تكن فقط هي التي تجعل الأطفال يستنتجون وجود صلة اجتماعية وثيقة، أنشأ الباحثون مقطع فيديو آخر مشابهاً. هذه المرة، بدلاً من مشاركة شريحة برتقال، تضع المرأة إصبعها في فمها ثم تضعه في فم دمية أرجوانية اللون، قبل إعادته إلى فمها. ثم تعاملت تلك المرأة أيضاً مع دمية خضراء، ولمست جبهتها ثم لمست جبهة الدمية. وبعد ذلك، أظهر الفيديو المرأة في مأزقٍ ما على ما يبدو، مع الدمى الأرجوانية والخضراء تنظر إليها.

كان الرضع والأطفال الصغار يحدقون في الدمية الأرجوانية التي كان لها تفاعل أكثر حميمية، وهو الإصبع في الفم، كما لو كانوا يتوقعون أنّ هذه الدمية ستكون أكثر تأثراً بحالة المرأة؛ ربما لأنه بدا للأطفال أن لديهما علاقة أوثق.

درس الباحثون أيضاً الأطفال الأكبر سناً، الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و7 سنوات، وأخبروهم عن طفلٍ آخر يشارك الأشياء مع من حوله، وتضمنت بعض المشاركات المفرزات اللعابية، على الرغم من أن العلماء لم يشيروا إلى البصاق،بل أخبروا الأطفال أشياء مثل، “هذا الطفل يأكل التفاح المهروس بملعقة، ويشارك طعامه مع أحد هذين الشخصين باستخدام ملعقته. مع من تعتقد أنه يشاركه؟” وكانت الخيارات دائماً محصورةً بين فرد من العائلة وصديق.

بالنسبة للعناصر التي يمكن تقسيمها ومشاركتها بسهولة، مثل قطع البسكويت أو الألعاب، اعتقد الأطفال في التجربة أن الشخص من المحتمل أن يشاركها مع صديق تماماً كما يشاركها مع أحد أفراد الأسرة. ولكن عندما تعلق الأمر بأشياءٍ تتضمن تشارك اللعاب، مثل مشاركة مخروط الآيس كريم أو استخدام الملعقة نفسها، فإن الأطفال يعتقدون أن الطفل من المرجح أن يتشارك ذلك مع فردٍ من العائلة دوناً عن الصديق.

اللعاب كرابط اجتماعي

وجد باحثون آخرون غير مشاركين في الدراسة هذه النتائج مثيرةً للاهتمام، إذ كتبت الأستاذة كريستين فوسيت من جامعة أوبسالا في السويد في بيانٍ صحفي تم نشره مع هذه الدراسة الجديدة أن “هذه النتائج لا توضح فقط ما يفهمه الأطفال الصغار عن البنى الاجتماعية من حولهم، بل تثير أيضاً المزيد من الأسئلة حول كيفية إدراك الأطفال هذه الحقائق ومدى تطابقها عالمياً”.

تشير فوسيت إلى أن فكرة تبادل اللعاب مع شخص غريب يمكن أن تخلق مشاعر الاشمئزاز، ربما كطريقة لحماية الناس من التلوث أو المرض، لكن الناس سيفعلون ذلك بسعادة مع المقربين منهم، حتى بعض الحيوانات الأليفة.

وقد يكون هناك ضغطٌ ذو أصلٍ تطوري لقمع الاشمئزاز من المواد الجسدية للمساعدة في رعاية الأطفال، ويمكن أن تؤدي تجربة الأطفال لهذا النوع من الرعاية بعد ذلك إلى توقع مُكتسب بأن مثل هذا السلوك مرتبط بالتقارب.

لكن آلان فيسك، عالم الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس الأميركية، يعتقد أن الأطفال لديهم فهم فطري لأنواع معينة من العلاقات الاجتماعية. حيث كتب أن البشر يولدون مهيئين للتعرف على الأشكال الأربعة الأساسية للعلاقات: العلاقات الأسرية والصداقات والمعارف والعلاقات الرومانسية، كما وصف هذه الدراسة بأنها “مهمة للغاية”.

في العلاقات التي تتميز بـ “المشاركة المجتمعية”، ويقصد بها مشاركة الأشياء مع من حولنا، كما يقول، فإن مشاركة اللعاب “هي طريقة للترابط الجسدي، أو جعل الأجساد متشابهةً في بعض النواحي. وهذا هو العامل الحاسم، فعندما يشعر الناس أنهم متماثلون جوهرياً وبطريقةٍ مجسدة، فهذا يمنحهم الشعور نفسه اجتماعياً”.

يقول فيسك: “مشاركة اللعاب هي نوع من أنواع ربط الأشخاص جسدياً من خلال مواد جسدية”. ولكن هناك طرق أخرى، مثل ممارسة الجنس، أو الرضاعة الطبيعية، أو حتى مزج الدم في بعض الثقافات ليصبحوا “إخوةً بالدم”.

ولكن يشير فيسك إلى أنه يمكن إنشاء هذا النوع من العلاقة الوثيقة بين الأشخاص بطرق أخرى لا تتضمن سوائل الجسد، مثل التحاضن والمعانقة، أو الحركات الإيقاعية الجسدية المتزامنة مثل الرقص.

اقرأ أيضاً: تعليم الأطفال المسؤولية الاجتماعية قد يقلل حوادث التنمر في المدرسة

مرحلة توطيد العلاقات تبدأ مبكرة جداً

يبدو أن الأطفال يعرفون كل هذا فقط بالفطرة. ومن المرجح أن تُظهر الدراسات المستقبلية أن الأطفال لا يكتفون بمراقبة هذه الأنشطة لفهم الروابط الاجتماعية لمن حولهم، ولكن أيضاً يبدؤون بممارسة هذه السلوكيات بأنفسهم من أجل توطيد علاقاتهم مع الآخرين.

وبالفعل، نستطيع ملاحظة أن الأطفال يعرفون كيف يعانقون ويتحاضنون، ويعرفون كيف يطعمونك، وهم يحبون القيام بهذه الأشياء. كما أنهم لا يطعمون أي شخص، بل يطعمون الأشخاص الذين يحبونهم. ولا يحتضنون أي شخص، بل فقط الأشخاص الذين يحبونهم.”