كيف يمكنك حماية أطفالك في موجات الحر الشديدة؟

كيف يمكنك حماية أطفالك في موجات الحر الشديدة؟
حقوق الصورة: صور جيتي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد أسبوع سادته درجات الحرارة التي حطمت الأرقام القياسية عبر مختلف مناطق الولايات المتحدة، يحذّر خبراء الصحة العامة من أن الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الناجمة عن الحرارة مقارنة بالبالغين، وخصوصاً إذا كانوا يمارسون الرياضات ويعيشون في منازل لا تحتوي على مكيفات الهواء أو إذا أمضوا وقتاً طويلاً في السيارات المركونة. 

ارتفع معدّل الحالات الصحية المتعلقة بالحرارة مع ارتفاع وسطي درجات الحرارة. ويقول الخبراء إن نحو نصف الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات هم من الأطفال. يعود ذلك لسببين. الأول هو أن أجسام الأطفال ليس ذات كفاءة عالية في تنظيم درجة الحرارة كما هو الحال لدى البالغين. والثاني هو أن الأطفال يعتمدون على البالغين ليحموهم من فرط الحرارة.

قد يواجه الآباء والمدربون الرياضيون ومقدّمو الرعاية الآخرون الذين تؤثّر عليهم نفس درجات الحرارة بشكل مختلف للغاية عن الأطفال صعوبة كبيرة في تقييم المواقف التي قد تكون خطيرة وكشف الأعراض المبكّرة للأمراض المتعلقة بالحرارة لدى الأطفال.

الأطفال ليسوا بالغين صغار

يقول آرون بيرنشتاين (Aaron Bernstein)، طبيب الأطفال في مستشفى مدينة بوسطن للأطفال: “الأطفال ليسوا بالغين صغار الحجم”.  

يتذكّر جان نول (Jan Null)، عالم الأرصاد الجوية المقيم في ولاية كاليفورنيا دهشته عندما تعرّف إلى آثار التعرّض للحرارة في السيارات. توفّي رضيعٌ تركه والداه في سيارتهم في أحد أيام شهر يوليو/تموز في مدينة سان هوزيه منذ أكثر من عقدين من الزمن بسبب ضربة شمس، وكانت درجة الحرارة عندها 30 درجة مئوية.

وقال نول إن أحد المراسلين سأله بعد تلك الحادثة قائلاً: “كم كانت تبلغ درجة حرارة السيارة في ذلك اليوم؟”

أجرى نول بحثاً بمساعدة اثنين من أطباء طوارئ من جامعة ستانفورد ووجد في النهاية جواباً مخيفاً لهذه السؤال. خلال ساعة واحدة، ارتفعت درجة الحرارة في السيارة لتتجاوز 48 درجة مئوية. بيّن البحث الذي أجراه الأطباء أن ترك الأطفال في السيارات قد يكون خطيراً حتى لو لم تتجاوز مدة تركهم 15 دقيقة وحتى لو كانت النوافذ مفتوحة والطقس ليس حاراً للغاية.

مع استمرار درجات الحرارة بتحطيم الأرقام القياسية، وهو ما يشكّل خطراً كبيراً حتى على البالغين الأصحاء، ارتفع عدد حالات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة، وهذا يشمل الأطفال أيضاً. الأطفال صغار السن الذين يتركونهم آباؤهم في السيارات المركونة هم الأكثر عرضة للخطر، وكذلك الأمر بالنسبة للمراهقين الذين يشاركون في النشاطات الرياضية خلال أحر أيام السنة.

يتم علاج أكثر من 9000 طالب رياضي في المرحلة الثانوية من الأمراض المتعلقة بالحرارة سنوياً.

لماذا تسبب درجات الحرارة المرتفعة إصابتنا بالأمراض؟

يصاب البشر بالأمراض المتعلقة بالحرارة عندما يعجز الجسم عن تبريد نفسه نتيجة للتعرض المفرط لدرجات الحرارة المرتفعة والرطوبة، والذي يمكن أن يزداد بسبب المجهود البدني. تتراوح الحالات بين المعتدلة مثل الطفح الجلدي الناجم عن الحرارة لدى الرضّع إلى تلك الأكثر خطورة التي تتمثل في ارتفاع درجة حرارة الجسم. يمكن أن تؤدي هذه الأخيرة إلى حوادث مهددة للحياة مثل ضربة الشمس، والتي تقع عندما تتجاوز درجة حرارة الجسم 40 درجة مئوية وقد تتسبب بفشل الأعضاء.

الوقاية هي الخيار الأفضل. يؤكّد الخبراء أن شرب كميات كبيرة من الماء وتجنّب الخروج إلى الأماكن المفتوحة خلال فترة منتصف اليوم الحارّة وساعات ما بعد الظهر، بالإضافة إلى توخّي الحذر عند البدء في ممارسة تمارين رياضية جديدة هي الطرق الأكثر فعالية في تجنّب الإصابة بالأمراض المتعلقة بالحرارة.

تبيّن الأبحاث أن أجسام الأطفال تستغرق وقتاً أطول في زيادة معدل إفراز العرق والتأقلم مع البيئات الدافئة مقارنة بالبالغين. كما أن الأطفال صغار السن أكثر عرضة للإصابة بالجفاف لأن معظم وزن جسمهم من الماء.

تواجه أجسام الرضّع والأطفال صغار السن أيضاً صعوبة في تنظيم درجة حرارتها. ويعود ذلك جزئياً إلى أن هؤلاء لا يدركون في أغلب الحالات متى يجب عليهم شرب الماء أو خلع الملابس لتبريد أجسامهم. بيّنت دراسة أجريت في عام 1995 أن درجات حرارة أجسام الأطفال الصغار الذين أمضوا 30 دقيقة في غرفة تبلغ درجة الحرارة فيها 35 درجة مئوية ارتفعت بشكل كبير وبسرعة أكبر من أمهاتهم، على الرغم من أن أجسامهم تتعرق بمعدّل أكبر من معدّل تعرق البالغين قياساً بحجمهم.

ينصح أطباء الأطفال مقدمي الرعاية بأن يراقبوا كمية الماء التي يستهلكها الأطفال، ويحثّوهم على شرب الماء قبل أن يطلب الأطفال ذلك. يشير الشعور بالعطش إلى أن الجسم دخل في حالة من الجفاف.

يجب على مقدمي الرعاية أيضاً أن يجبروا الأطفال على ارتداء ملابس خفيفة الوزن وذات ألوان فاتحة، وألا يسمحوا لهم بقضاء الكثير من الوقت في الأماكن المفتوحة خلال الساعات الأحرّ من اليوم. كما يجب عليهم أن يجدوا سبلاً لتبريد الأطفال مثل قضاء الوقت في مكان مُكيّف مثل مكتبة، أو الاستحمام بالماء البارد أو السباحة.

توصي الجمعية الوطنية للمدرّبين الرياضيين للوقاية من المخاطر التي يتعرّض لها الطلاب الرياضيون أن يتأقلم طلاب المرحلة الثانوية مع الحرارة من خلال زيادة مستوى النشاط البدني الذي يقومون به تدريجياً على مدى أسبوعين عندما استئناف ممارسة الرياضة في موسم جديد. ويضمن ذلك الزيادة التدريجية لاستخدام معدات الوقاية.

تقول كاثي ديرينجر (Kathy Dieringer)، رئيسة الجمعية الوطنية للمدربين الرياضيين: “يجب زيادة شدة النشاطات الرياضية تدريجياً على مدى أسبوع إلى أسبوعين حتى يعتاد الجسم على الحرارة”.

علامات الخطر والحلول

يقول الخبراء إن احمرار الوجه والإعياء والتشنّجات العضلية والصداع والدوار والتقيؤ والتعرّق بشكل مفرط هي من أعراض الإجهاد الحراري، والذي يمكن أن يؤدي إلى ضربة الشمس إذا لم يتم علاجه. اتصل بالطبيب إذا ازدادت الأعراض سوءاً، أي إذا بدا الطفل مشوش الذهن ولم يستطع شرب الماء على سبيل المثال.

من الضروري اتخاذ إجراءات فورية لتبريد جسم الطفل الذي يعاني من الإجهاد الحراري أو ضربة الشمس. يجب أن تأخذ الطفل إلى مكان مظلل أو بارد وتجعله يشرب السوائل الباردة التي تحتوي على الملح مثل المشروبات الرياضية. كما يجب عليك أن تجعله يخلع أي ملابس ثقيلة الوزن أو مشبعة بالعرق.

بالنسبة للمراهقين، الطريقة الأكثر فعالية في تبريد الجسم هي الغمر في حمام جليدي. بينما يمكن لف الأطفال الأصغر سناً بمناشف باردة ومبللة أو رشّهم بالماء الفاتر ووضعهم مقابل المروحة.

على الرغم من أنه تم توثيق حالات وفاة للأطفال في السيارات المركونة، فإن هذه الحوادث المأساوية لا تزال تقع. وفقاً للإحصائيات الفيدرالية، توفي 23 طفلاً بسبب ضربة الشمس في السيارات خلال عام 2021. ويقول نول الذي يقوم بجمع بياناته الخاصة إن عدد الأطفال الذي توفّوا في عام 2022 هو 13 طفلاً.

يضيف نول قائلاً إن مقدّمي الرعاية لا يجب أن يتركوا الأطفال وحدهم في السيارات المركونة أبداً. اتخّذ بعض الإجراءات لمنع الأطفال من الدخول إلى السيارة وحبس أنفسهم. وتتضمن بعض هذه الإجراءات قفل السيارة عندما تكون في المنزل.

يقول نول إن أكثر من نصف حوادث ضربة الشمس التي تصيب الأطفال في السيارات تقع لأن مقدمي الرعاية يتركون الأطفال في السيارات عن طريق الخطأ. على الرغم من أن الأدوات التكنولوجية التي تستخدم في السيارات والتي تذكّر البالغين بتفقّد المقاعد الخلفية أصبحت أكثر شيوعاً، فإنها متوفرة في عدد قليل من السيارات فقط. لذلك، يجب على الآباء ابتكار أساليبهم الخاصة مثل ترك الدمى المحشية في المقاعد الأمامية.

وفقاً لنول، الأخبار السارة هي أن التغييرات السلوكية البسيطة يمكن أن تساعدك في وقاية أطفالك. إذ يقول: “يمكنك تجنّب هذه الحوادث دائماً”.

خطر غير متناسب

يعتبر الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الدخل المنخفض أكثر عرضة لخطر ارتفاع درجات الحرارة، إذ إن القدرة على استخدام مكيّفات الهواء، والتي تتطلّب القدرة على دفع فواتير الكهرباء، تعتبر من عوامل الخطر الصحية الكبيرة.

بيّنت دراسة تتعلق بدرجات الحرارة في المناطق الحضرية نُشرت في 2021 أن الأحياء التي يعيش فيها الأشخاص منخفضو الدخول ومجتمعات الملونين تعاني من درجات حرارة أعلى بكثير من تلك التي يشهدها السكان البيض الأكثر ثراءً. يمكن أن تكون درجات الحرارة في المناطق الأكثر فقراً أعلى بمقدار 3.8 درجة مئوية خلال الصيف.

قال مؤلفو هذه الدراسة إن النتائج التي وجدوها في الولايات المتحدة تبين أن “إرث رفض الرهون العقارية يلوح في الأفق”، في إشارة إلى سياسات الإسكان الفيدرالية التي يرفض وفقها المسؤولون تأمين الرهون العقارية في أحياء الملونين  أو بالقرب منها.

استنتج الباحثون أن “المساحات المظللة بالأشجار في هذه المناطق أقل، وأنها تحتوي على عدد أكبر من الشوارع وكثافة بنيانيّة أكبر. ما يعني أنه بالإضافة إلى النتائج العنصرية الأخرى لسياسات رفض الرهون العقارية، فهي تعكس بشكل مباشر عدم تكافؤ له أسسه القانونية ومتعلق باستخدام الأراضي وخيارات التصميم الحضري المعمول بها والتي تزيد من تعرّض المناطق الحضرية للحرارة حالياً”.

في شهر يوليو/تموز 2022، شارك بيرنشتاين، والذي يدير مركز جامعة هارفارد للمناخ والصحة والبيئة العالمية في تأليف حاشية في مجلة الجمعية الطبية الأميركية جادل فيها أن تعزيز المساواة في مجال الصحة هو أحد الإجراءات الضرورية لمحاربة التغيّر المناخي.

ينسّق هذا المركز مع العيادات الطبيعة التي تعمل في الميدان لمساعدة مرضى هذه العيادات الذين يعتبرون في أغلبهم من ذوي الدخول المنخفضة في التعامل مع الآثار الصحية لتغيّر المناخ. يقول بيرنشتاين إن العيادات المدعومة فيدرالياً توفّر الرعاية الصحية لنحو 30 مليون أميركي، بما في ذلك العديد من الأطفال.

قاد بيرنشتاين أيضاً مؤخراً دراسة على مستوى البلاد وجدت أنه منذ شهر مايو/أيار إلى شهر سبتمبر/أيلول من عام 2021، ارتبط ارتفاع درجات الحرارة في ازدياد عدد مرات دخول الأطفال إلى غرف الطوارئ في مستشفيات الأطفال. تبيّن أن العديد من حالات الدخول إلى غرف الطوارئ ترتبط بشكل مباشر بارتفاع الحرارة، مع أن الدراسة أشارت أيضاً إلى أن درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى مفاقمة الحالات الصحية السابقة مثل الاضطرابات العصبية.

يقول بيرنشتاين: “يعتبر الأطفال أكثر عرضة لآثار التغيّر المناخي نتيجة للطريقة التي تؤثّر فيها هذه التغيّرات المناخية القاسية على العالم الذي يكبرون فيه”.

وفقاً للخبراء، فإن مساعدة الناس على فهم المخاطر الصحية للارتفاع الشديد في درجات الحرارة وكيفية وقاية أنفسهم وعائلاتهم هي من بين أكبر التحدّيات التي يواجهها نظام الرعاية الصحية العامة.

يعتمد نظام الإنذار الحراري الخاص بوكالة خدمات الطقس الوطنية الأميركية بشكل أساسي على مؤشر الحرارة، وهو مقياس للحر الذي نشعر به عند احتساب الرطوبة النسبية مع درجة حرارة الهواء.

لكن تقول كاثي بوغمان مكليود (Kathy Baughman McLeod)، مديرة مركز المرونة التابع لمؤسسة أدريين أرشت-روكفلر إن هذه الإنذارات لا تتعلق بتأثير الطقس على الصحة. بحلول الوقت الذي ترتفع فيه درجات الحرارة لمستوى يكفي لإصدار إنذار من قبل هذه الوكالة، قد يعاني العديد من الأشخاص الأكثر عرضة للخطر مثل الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن من الإجهاد الحراري أو ضربات الشمس.

طوّر المركز الذي تديره بوغمان مكليود نظام إنذار حراري جديد يتم اختباره حالياً في مدينة إشبيلية في إسبانيا، والتي تعتبر واحدة من أحرّ المدن في أوروبا تاريخياً.

يجمع النظام الجديد المقاييس مثل درجة حرارة الهواء والرطوبة مع بيانات الصحة العامة لتصنيف أنواع موجات الحر ومنحها أسماء (عندما تكون خطيرة) لجعل الناس يفهمون بسهولة أكبر أن موجات الحر هذه هي خطر بيئي يتطلب اتخاذ إجراءات وقائية.

تُحدَّد فئة موجة الحر بناءً على مقياس يحمل اسم الوفيات الزائدة يستخدمه الخبراء لمقارنة عدد الأشخاص الذين توفوا في يوم سادت فيه درجات الحرارة المتوقّعة بعدد الوفيات في يوم كانت فيه درجات الحرارة وسطيّة. قد يساعد ذلك مسؤولي الرعاية الصحية في معرفة مدى الشدة المتوقّعة لموجات الحر وفي إصدار إرشادات مستنيرة للعوام مبنية على عوامل الخطر مثل العمر والتاريخ الطبي.

تؤكّد بوغمان مكليود أن نظام الإنذار الصحي سيتيح للمسؤولين أيضاً إصدار إرشادات تستهدف مقدمي الرعاية للأطفال وكبار السن في المدارس وروضات الأطفال ومراكز الرعاية بكبار السن.

وفقاً لبوغمان مكليود، إن منح الناس طرقاً لفهم الحرارة هو أمر بالغ الضرورة.

إذ تقول: “الحرارة ليست عامل خطر دراميتيكياً. إذ إنها لن تتسبب بانهيار سقف منزلك”، وتضيف: “بل هي صامتة وغير مرئية”.