هل يحتاج الأطفال إلى عمليات بضع لب الأسنان فعلاً؟

هل يحتاج الأطفال إلى عمليات بضع لب الأسنان فعلاً؟
تحديد طريقة علاج المرضى الصغار في مجال طب الأسنان ليس سهلاً دائماً، كما أنه يصبح أصعب بسبب النقص النسبي في الأدلة العلمية والإرشادات السريرية غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما أخبر طبيب الأسنان كورين ريفيرا أن ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات تحتاج إلى عملية بضع لب سن صغيرة (معالجة نفق جذر السِّن اللبنية) في أثناء فحصها الروتيني، لم تفهم ريفيرا أن كلمة “صغيرة” تشير إلى أن العملية ستجري على سن صغيرة الحجم، وليس أنها عملية بسيطة. ظنّت ريفيرا أن هذه العملية مخففة خصيصاً للأطفال وستكون بسيطة، ولم تخضع ابنتها لأي تدخلات سنيّة بخلاف عمليات التنظيف، لذلك لم تدرك ما كان على وشك الحدوث.

تتذكر ريفيرا أن طبيب الأسنان بدأ بإجراء العملية مباشرة، وكانت مؤلمة لابنتها التي أُجبرت على تحمّل وضع الأدوات الكبيرة في فمها لمدة ساعة ونصف، كما أنها كانت مزعجة للغاية بالنسبة لريفيرا أيضاً، ووصفت هذه التجربة التي حدثت عام 2017 في عيادة بيدياترك دنتستري في مدينة ألباني (Pediatric Dentistry of Albany) في ولاية نيويورك الأميركية بقولها: “كل ما أردته في ذلك الوقت هو أن نفعل ما يضمن صحة أسنان ابنتي. ولكن للأسف، أدّى إجراء العملية إلى الكثير من المشكلات الأخرى”.

عمليات بضع لب لأسنان الأطفال لا داعي لها

قالت ريفيرا إن ابنتها أصيبت بعدوى بعد بضعة أشهر، وشرح لها طبيب أسنان جديد في عيادة مختلفة أن عملية بضع اللب التي أجريت لها هي عملية استئصال جزء من عصب سن لبنية صغيرة، وليست إجراءً “بسيطاً”.

تشك ريفيرا حتى الآن في أن ابنتها كانت بحاجة إلى الخضوع لهذه العملية في المقام الأول، واتضح أن المدّعين العامين الفيدراليين والحكوميين استجابوا لاحقاً لادعاءات تنص على أن الأطباء في عيادة طب الأسنان نفسها أجروا عمليات بضع اللب الأخرى التي لم تكن ضرورية من الناحية الطبية. في أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، توصّلت عيادة بيدياترك دنتستري و12 عيادة أخرى تابعة لها يديرها كلٌّ من طبيب أسنان الأطفال، باري جيكوبسون (Barry L. Jacobson)، وشركته التي تحمل اسم آتش كيو آر سي لخدمات الإدارة (HQRC Management Services)، إلى تسوية بمبلغ 750 ألف دولار مع وحدة مكافحة الاحتيال في برنامج المساعدة الطبية الأميركي، مديكيد (Medicaid) التابعة لمكتب المدعي العام لولاية نيويورك ومكتب المدعي العام للولايات المتحدة في مقاطعة نيو جيرسي.

اقرأ أيضاً: لمَ يحدث «الضغط على الأسنان» أثناء النوم وكيف يتم علاجه؟

بدأ التحقيق الحكومي والفيدرالي نتيجة دعوى قضائية فاضحة رفعها مدير سابق لخمس من العيادات التي يمتلكها جيكوبسون في شمال ولاية نيويورك في عام 2017، ادّعى هذا الموظف السابق أن العاملين في العيادات أجروا عمليات غير ضرورية، وخضعوا للضغط بهدف زيادة عدد المرضى والعمليات للوصول إلى حد من الإيرادات قدره 180 ألف دولار شهرياً.

رفض متحدث باسم شركة آتش كيو آر سي التعليق على بعض الادعاءات في الشكوى، لكنه أصر على أن التسوية لا تشير إلى أن جودة رعاية الأسنان التي قدّمها الأطباء التابعون للشركة كانت منخفضة، بل إلى أن السجلات اللازمة لدعم عدد محدود من الإجراءات المحددة غير متوفرة. صرّح المتحدث باسم الشركة بأن “شركة آتش كيو آر سي أنكرت هذه الادعاءات بشدة”، وأضاف قائلاً أنها “تعاونت بالكامل مع التحقيق الحكومي على مدى 5 سنوات بعد الشكوى، وقبلت بالتسوية في النهاية على أساس مشكلات متعلقة بالسجلات والفواتير وقعت في عدد قليل من عياداتها قبل عدة سنوات وتعامل معها المسؤولون وحلّوها منذ زمن طويل”.

وفقاً لاتفاق التسوية، اعترف جيكوبسون وشركته أنه “في بعض الحالات بين عامي 2011 و2018، أجرى بعض أطباء الأسنان المنتسبين إلى الشركة عمليات بضع اللب العلاجية التابعة لبرنامج مديكيد وسجلوها في الفواتير، وكانت السجلات الطبية المحفوظة في عيادات طب الأسنان التابعة للشركة لا تدعم هذه العمليات”.

لم يكشف مسؤولو ولاية نيويورك عن العدد الدقيق للإجراءات الخاضعة للتحقيق التي أُنجزت في عيادات آتش كيو آر سي، ولم تخضع تجربة ريفيرا وابنتها، على الأقل على حد علم ريفيرا، للفحص بصفتها جزءاً من الدعوى القضائية والتسوية اللاحقة. قد يعني هذا أنه على الرغم من تجربة ريفيرا وابنتها، فإن عملية بضع اللب هذه كانت ضرورية من الناحية الطبية.

اقرأ أيضاً: كيف يتم تشخيص وعلاج ألم الأسنان عند القطط؟

الهدف من طب أسنان الأطفال

وفقاً لطبيب أسنان الأطفال وأستاذ علوم صحة الفم في جامعة واشنطن، دونالد تشي (Donald Chi)، وهو أحد الخبراء الذين تحدث إليهم موقع أندارك (Undark)، على الرغم من احتمال أن يحصل بعض المرضى على العلاج أكثر من غيرهم، فإن الهدف الرئيسي لطب أسنان الأطفال هو تعزيز صحة الفم والتخفيف من الآلام والحفاظ على صحة أسنان الأطفال حتى ظهور الأسنان البالغة.

يقول بعض الخبراء إن هذا المزيج الغامض من الأبحاث العلمية المحدودة والمحفّزات المالية والدعاوى القضائية المقلقة يمكن أن تكون له تبعات كبيرة على هذه المهنة بأكملها.

مع ذلك، فإن تحديد طريقة علاج المرضى الصغار في مجال طب الأسنان ليس سهلاً دائماً، كما أنه يصبح أصعب بسبب النقص النسبي في الأدلة العلمية والإرشادات السريرية مقارنةً بمجالات الأبحاث الطبية الأخرى. يعتبر مجال الأبحاث في طب الأسنان أضيق بكثير من المجالات الأخرى، كما أنه يعاني من التحيّزات التمويلية عادة. وعلى الرغم من وجود أدلة رصينة تبيّن أن الإجراءات غير الجائرة البديلة للحشوات فعّالة للغاية عند الأطفال، فهي لم تنتشر على نطاق واسع. أكد العديد من خبراء طب الأسنان أيضاً لموقع أندارك أن الإجراءات المناسبة تختلف حسب الحالة؛ أي أن ما يناسب طفلاً ما قد لا يناسب الأطفال الآخرين.

دوافع استثمارية

يقول الخبراء إن ما يزيد المشكلة سوءاً هو وجود حافز اقتصادي بليغ التأثير للتركيز على التدخلات الجراحية، لا سيما في العيادات التي تقدّم الخدمات التابعة لبرنامج مديكيد أو برنامج التأمين الصحي للأطفال، إذ إن معدلات استرداد مبالغ التأمين في هذين البرنامجين منخفضة جداً في العديد من الولايات الأميركية. يدفع ذلك بعض العيادات إلى اللجوء إلى شركات الأسهم الخاصة، ما يُتيح للشركات الاستثمارية التأثير في العمليات الطبية، وقد يحفّز على إجراء العلاجات غير الضرورية (استثمرت إحدى شركات الأسهم الخاصة في إدارة شركة آتش كيو آر سي. ووفقاً لشكوى المدّعي، أتت النسبة الأكبر من إيرادات العيادات من خدمات برنامج مديكيد).

يقول بعض الخبراء إن هذا المزيج الغامض من الأبحاث العلمية المحدودة والمحفّزات المالية والدعاوى القضائية المقلقة يمكن أن تكون له تبعات كبيرة على هذه المهنة بأكملها. كما أنه يجعل المرضى مثل ريفيرا يتساءلون ويقلقون بشأن ما إذا كانت التدخلات السنيّة التي خضع لها أطفالهم مبنية على عملية صنع قرارات طبيّة حسنة النية أو آلية أخرى مختلفة تماماً.

لا شك في أن أسنان الأطفال ستزول في النهاية. ويعرف أي شخص حاول تنظيف أسنان طفل صغير غير راضٍ من قبل أن أسنان الأطفال لا تحصل على الرعاية المنزلية الملائمة دائماً. مع ذلك، لا تعني حقيقة أن أسنان الأطفال غير دائمة أن رعايتها ليست ضرورية؛ إذ إنها يمكن أن تتسبب في مشكلات سنية في مرحلة البلوغ إذا لم تخضع للرعاية المناسبة.

يتجاوز عمر طب أسنان الأطفال بصفته ممارسة مستقلة قرناً من الزمن بقليل. أنشأت طبيبة الأسنان، ميني إيفانجيلين جوردن (Minnie Evangeline Jordon)، أول عيادة سنيّة مخصصة للأطفال في عام 1909، بعد نحو 70 عاماً من افتتاح أول كلية لطب الأسنان في الولايات المتحدة. كتبت إيفانجيلين جوردن بعد بضع سنوات أن زملاءها الذكور كانوا سعداء لأنهم تخلّصوا من المرضى الأطفال، ما مكّنهم “من التركيز على العمل الحقيقي في طب الأسنان، وهو صنع الجسور والصفائح السنية”.

اليوم، على الرغم من أن أي طبيب أسنان لديه القدرة على معالجة الأطفال، يحتوي طب أسنان الأطفال على العديد من التخصصات الفرعية النامية. يوجد أكثر من 200 ألف طبيب أسنان في الولايات المتحدة، ويتخصص نحو 8 آلاف طبيب منهم في طب أسنان الأطفال، وهو تخصص مكتمل يتضمن التدريبات التخصصية، وله مؤسسة مهنية وطنية ومجلات علمية مثل مجلة طب أسنان الأطفال (Pediatric Dentistry Journal) ومجلة طب أسنان الأطفال السريري (Journal of Clinical Pediatric Dentistry)، ينشر فيها أطباء الأسنان أبحاثهم حول الممارسات المثلى في هذا المجال. عزز بعض هذه الأبحاث الادعاءات القائمة منذ زمن، وهي تنص على أن التنظيف المنتظم للأسنان بمعجون يحتوي على الفلورايد يساعد على الوقاية من التسوس والتقليل من عدد الزيارات المبكرة للعيادات السنية (قبل سن الرابعة) ومن مقدار العلاج المطلوب لاحقاً، كما أن العلاجات الأخرى التي تحتوي على الفلورايد مثل المواد الهلامية وطلاء الفلواريد وغسول الفم قد تكون مفيدة.

تُطبّق هذه الإجراءات ضمن الجهود المستمرة لمقاومة البكتيريا التي تولّد الأحماض التي تتسبب بتآكل الأسنان، وهي تساعد على الوقاية من تسوس الأسنان وانتشار البكتيريا المسببة لتآكل الأسنان التي يمكن أن تبقى في فم الأطفال بعد وقت طويل من سقوط الأسنان، وذلك من خلال إزالة الطعام العالق الذي يغذّي البكتيريا وتقوية مينا الأسنان بالفلورايد.

اقرأ أيضاً: ما المشكلات التي ترافق استبدال الأسنان اللبنية بالدائمة عند الأطفال؟

النتائج المتعلقة بطب أسنان الأطفال ليست مؤكدة

لكن يقول بعض الخبراء إن التطبيق العملي لنتائج أبحاث طب أسنان الأطفال صعب. تبين دراسات المراجعة، التي تقيّم مجموعة من الأبحاث التي أجريت على موضوع معين، أن النتائج المتعلقة بطب أسنان الأطفال ليست مؤكدة. من إحدى النواحي، ووفقاً لطبيب الأسنان العام في مقاطعة سوفولك في المملكة المتحدة، شون سيلارز (Shaun Sellars)، هناك احتمال كبير أن تكون نسبة كبيرة من الأبحاث ذات الصلة المنشورة بالفعل متحيّزة، وذلك لأن الشركات الكبيرة في هذا القطاع هي التي تمولها، مثل تلك التي تصنّع المواد المستخدمة في طب الأسنان.

يقول سيلارز، الذي يعمل أيضاً كاتب عمود عن الأخلاقيات في المجلة البريطانية لطب الأسنان (British Dental Journal)، إن أطباء الأسنان “لا يجرون الكثير من الأبحاث القائمة على الممارسة أيضاً. تتجلى مشكلة تتعلق بالتمويل هنا، وذلك لأن أطباء الأسنان لا يستطيعون كسب المال دون العمل على علاج المرضى”.

مع ذلك، بدأ العلماء بإحراز تقدم سريع في مجال الأبحاث حول الممارسات والتكنولوجيات القائمة على الأدلة. يقول أستاذ طب الأسنان في جامعة آيوا، ديفيد جونسن (David Johnsen): “يصبح نصف المعلومات التي ندرّسها في كليات طب الأسنان قديماً خلال 5 سنوات”. يجعل ذلك مواكبة النتائج الجديدة صعباً بالنسبة لمقدمّي الرعاية السنية. وفقاً لسيلارز، يواجه العديد من أطباء الأسنان عوائق تمنعهم من اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة، مثل عدم توفّر ما يكفي من الوقت لمتابعة الدراسات الجديدة أو عدم القدرة على قراءة المقالات البحثية التي تتطلب الاشتراك المدفوع. يقول سيلارز إنه حتى لو قرأ أطباء الأسنان الأدبيات العلمية، “فنسبة الأبحاث التي لها صلة وثيقة بما نمارسه على أرض الواقع منخفضة”. يضيف سيلارز قائلاً إنه في أغلب الأحيان، “يبحث أطباء الأسنان عن الممارسات التي تناسبهم، أو التي يعتقدون أنها تناسبهم، ويواصلون تطبيقها”.

اقرأ أيضاً: لماذا عليك ألا تتبع حيل موقع تيك توك للعناية بالأسنان؟

الشك في الممارسات المستخدمة حالياً في طب أسنان الأطفال

أثارت أبحاث جديدة تساؤلات حول الإجراءات الشائعة التي تُطبّق لمكافحة تسوس الأسنان لدى الأطفال، وتبيّن الأدلة أن الحشوات ليست أفضل بالضرورة من البدائل غير الجائرة، مثل دواء فلورايد ثنائي أمين الفضة، وهو سائل غير مكلف يمكن أن يبطئ تآكل الأسنان، أو التيجان التي يمكن تثبيتها على الأسنان وتسمى أحياناً “تقنية هال” نسبة لمطورتها، طبيبة الأسنان نورنا هال، (Norna Hall). قالت أستاذة طب أسنان الأطفال في جامعة كارديف، نيكولا إينيس (Nicola Innes)، إن البديلين السابقَين لا يتطلبان حفر الأسنان أو بردها أو التخدير.

عبّر سيلارز عن أسفه لافتقار هذا المجال إلى المصادر الكافية، مثل الإرشادات السريرية التي من شأنها أن تساعد أطباء الأسنان على التعامل مع المواقف المعقدة التي يواجهونها يومياً بطريقة مبنية على الأدلة العلمية.

اتخاذ القرارات في مجال طب الأسنان ليس عملية سهلة دائماً، فهناك عدد كبير من النُهُج لعلاج تسوس الأسنان لدى الأطفال وهي من الحالات الأكثر شيوعاً في عيادات طب الأسنان، ومنها عملية بضع اللب التي تلقتها ابنة ريفيرا. يقول جونسن: “إذا طلبت من 10 أطباء أسنان ماهرين تحديد الخطة العلاجية الأفضل لعلاج مريض ما، فقد تحصل على 6 أو 10 أو حتى 11 رأياً مختلفاً”.

قال تشي لموقع أندارك إنه عندما يدخل طفل مصاب بتسوس الأسنان إلى العيادة تكون عملية تحديد طريقة علاجه معقدة، إذ يجب على طبيب الأسنان أن يأخذ العديد من العوامل في الاعتبار: ما عمق التسوس؟ وما مقدار نموه منذ آخر زيارة للمريض؟ هل يبدو أن الطفل يواظب على تنظيف الأسنان بانتظام؟ هل يعاني الطفل من عامل خطورة متعلق بتآكل الأسنان؟ هل يمكن أن تسقط السن من تلقاء نفسها قريباً؟

إذا لم يكن التسوس عميقاً للغاية، وإذا كان من المحتمل أن تسقط السن قريباً، قد يختار طبيب الأسنان عدم اتخاذ أي إجراء ومراجعة المريض بعد 6 أشهر. قد يحاول الطبيب إبطاء التآكل من خلال طلي الأسنان بفلورايد ثنائي أمين الفضة لوقف التسوس أو إبطائه (والجانب السلبي لهذا الخيار هو أن هذه المادة تلطّخ الأسنان باللون الأسود)،

وإذا اعتقد الطبيب أن التسوس يحتاج إلى المزيد من التدخل، فقد يختار استخدام الحشوات. تقول إينيس: “تكمن مشكلة الحشوات في أنها ليست فعّالة لدى الأطفال”، وذلك لأن أسنان الأطفال صغيرة ورطبة، ولأن الأطفال يتحركون باستمرار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون كل من حقن المواد المخدرة وحفر الأسنان مزعجاً بالنسبة للأطفال. وجدت الأبحاث التي أجرتها إينيس وغيرها أدلة رصينة تُبيّن أن الحشوات ليست أكثر كفاءة من البدائل غير الجائرة، مثل فلورايد ثنائي أمين الفضة والتيجان السنيّة.

اقرأ أيضاً: متى يبدأ الطفل في استخدام الفرشاة ومعجون الأسنان؟

متى يجب إجراء بضع لب السن؟

عندما يصبح التسوس عميقاً للغاية لدرجة أنه يصل إلى لب السن، فالخيارات المتاحة هي قلع السن أو إجراء عملية بضع اللب. وتقول إينيس إن الإجراءين لهما جوانب سلبية. يمكن أن يتسبب تشكّل الفجوات بعد قلع الأسنان بالتفاف الأسنان أو هجرتها (أي تغير موقعها)، ما قد يسبب الحاجة إلى تقويم الأسنان لاحقاً. يتطلب إتمام عملية بضع اللب جلوس الطفل فترة طويلة، أولاً خلال العملية ومجدداً عند برد السن لتثبيت التاج عليه. يمكن أن تؤدي عمليات بضع اللب إلى الإصابة بالعدوى، كما قالت ريفيرا إنه حدث لابنتها في ولاية نيويورك. على سبيل المثال، أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها في أواخر عام 2022 تقريراً صحياً إرشادياً بسبب الانتشار المتكرر للعدوى التي تتسبب بها بكتيريا المتفطّرات اللاسليّة بين أطفال خضعوا لعمليات بضع اللب في عيادات طب أسنان الأطفال احتوت المياه المستخدمة فيها لمعالجة الأسنان فيها على مستويات عالية من البكتيريا.

قد يحتاج كثير من الأطفال إلى التخدير من أجل إجراءات سنية مكثفة، مثل عمليات بضع اللب المتكررة أو وضع الحشوات، ولكن إينيس تقول إن قلع السن مزعج حتى مع التخدير ومن دون ألم.

التخدير مكلف أيضاً، وقد يكون له مخاطر جدية على الأطفال، مثل الإصابات الخطيرة والوفاة في حالات نادرة للغاية، وتقول إينيس إن الأطفال قد يعانون بعده من بعض اضطرابات التعلق ويمرون بحالات الذعر الليلي (أو هلع النوم)، كما يمكن أن يعانوا من التبول اللاإرادي وما إلى ذلك”، وهذه هي التبعات الأكثر شيوعاً على المدى القصير، وإنه “يوجد عدد قليل من الأدلة يبين أن التخدير يضر على الأرجح بالأجهزة العصبية للأطفال على المدى الطويل”.

اقرأ أيضاً: ما أسباب تأخر ظهور الأسنان عند الأطفال؟

أهمية الإجراءات الوقائية في طب أسنان الأطفال

أكد العديد من الخبراء لموقع أندارك أن أغلبية العلاجات السنية يجب أن تكون وقائية. قالت الأستاذة في كلية طب الأسنان في جامعة ميشيغان، مارغريتا فونتانا (Margherita Fontana): “أُفضّل قضاء وقتي في تقديم النصح للناس ومساعدتهم على الحفاظ على صحة أسنانهم بدلاً من إجراء عمليات بضع اللب، فهي تجربة مزعجة بالنسبة للمرضى ولي. من المزعج أن تجري هذه العملية لشخص تعرف أنه يعاني من الألم”.

تقول فونتانا أيضاً إنه لسوء الحظ، لا يوجد ما يكفي من البيانات التي تبين المرضى الأكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض الأسنان وأفضل الطرق للوقاية من هذه الأمراض. تضيف فونتانا قائلة: “نحن نحتاج إلى أدوات أكفأ للتنبّؤ بخطر الأمراض وتحديد سبل الوقاية منها، سواءً للأطفال أو البالغين، وفي الكثير من الأحيان نعمل استجابة للضرر بدلاً من الوقاية منه”.

وفقاً لفونتانا وغيرها من الخبراء، إحدى العوائق التي تقف في طريق منح الأولوية للوقاية هي نظام الحوافز الذي لا يكافئ الأساليب التي تركز على الوقاية كثيراً، بل يكافئ التدخلات بقدر أكبر.

تركز الأبحاث التي تجريها فونتانا على التنبؤ بالمخاطر الصحية السنية وتطبيق التدخلات البسيطة مثل استخدام فلورايد ثنائي أمين الفضة، التي تتطلب عموماً زيارات روتينية للعيادات السنية لمراقبة تطور التسوس.

تقول إينيس: “تكمن مشكلة الحشوات في أنها ليست فعّالة لدى الأطفال”، وذلك لأن أسنان الأطفال صغيرة ورطبة، ولأن الأطفال يتحركون باستمرار.

يشعر المرضى الأطفال الذين أعالجهم بالراحة عادة. وأنا أطبّق ممارسات وأختبر طرقاً أعتقد أنها ستكون سهلة وسريعة للغاية، كما أنها ستكون متوفرة أيضاً. ولكني أعلم أن التطبيق العملي لهذه الطرق في العيادات سيكون صعباً بسبب غياب طريقة فعّالة ليسترد المرضى تكاليف هذه الإجراءات من برامج التأمين”.

اقرأ أيضاً: ما ترتيب ظهور الأسنان لدى الرضيع؟

غياب الحافز المالي للإجراءات الوقائية

من المحتمل أن تعوق التعقيدات المالية الاستخدام الواسع النطاق للطرق والأدوات الجديدة التي تُطوّر في مجال طب الأسنان، حتى لو كانت مدعومة بالأبحاث العلمية الرصينة. تسترد تكاليف العلاجات والتدابير الوقائية غير الجائرة، مثل طلاء الفلورايد وفلورايد ثنائي أمين الفضة، بمعدّل أقل بكثير من الإجراءات الجائرة في الكثير من الولايات الأميركية، ما يجعل احتمالات اعتمادها في العيادات أقل. كما أن أطباء الأسنان لا يتقاضون المال لقاء تخصيص الوقت لإرشاد المريض حول الخيارات العلاجية المحتملة، تقول فونتانا: “لن يحصل أطباء الأسنان على التعويضات إلا إذا أجروا عملية ما في الفم”.

يمكن أن يكون استرداد المبالغ صعباً بصورة خاصة بالنسبة لأطباء الأسنان المشتركين ببرنامج مديكيد أو برنامج التأمين الصحي للأطفال، اللذين يغطيان أكثر من 41 مليون طفل ويتمتعان بمعدلات استرداد أقل بكثير من معدلات شركات التأمين الخاصة أو المرضى الذين يسددون التكاليف مباشرة. تشير البيانات إلى أن معدلات استرداد المبالغ في برنامج مديكيد لا تواكب تزايد النفقات العامة الناجم عن التضخم، ويمكن أن تكون تبعات هذه المشكلات وخيمة بصورة خاصة في العيادات التي تتعرض إداراتها للضغوط من المالكين أو المستثمرين بهدف كسب المال.

تقول فونتانا: “نحن نواجه نظاماً الدافع الأهم فيه هو إجراء العمليات؛ إذ إن أطباء الأسنان لا يتقاضون المال مقابل وقاية الأشخاص من الأمراض. لا أعتقد أن هذه المشكلات ستُحل دون تغيير النظام”. من الصعب تصور أن يجني أطباء أسنان الأطفال إيرادات أكبر مما يجنيه أطباء الأسنان العامين إذا اعتمدوا على الإجراءات الوقائية مثل عمليات التنظيف واستخدام الفلورايد ذات معدلات استراداد المبالغ المنخفضة، ولكن تشي يقول إن إحدى الممارسات الجوهرية في طب أسنان الأطفال هي “توفير رعاية بجودة عالية وبأكبر سرعة ممكنة، والسبب الأساسي لذلك هو أن مدة انتباه الأطفال قصيرة”، يعني هذا أيضاً أنه بإمكان أطباء أسنان الأطفال معالجة عدد أكبر من المرضى يومياً مقارنة بأطباء الأسنان العامين، ما قد يؤدي إلى زيادة إيراداتهم.

يواجه أطباء الأسنان الذين اشتركوا ببرنامج مديكيد أو برنامج التأمين الصحي للأطفال مشكلات أخرى متعلقة بالفوترة وإدارة العيادات. يقول المحامي المقيم في ولاية تكساس الأميركية الذي يتمتع بخبرة في الدعاوى القضائية المتعلقة بطب الأسنان، جيسون راي (Jason Ray)، إن برنامج مديكيد هو برنامج حكومي فيدرالي مشترك، ولكن شروطه تختلف من ولاية إلى أخرى. بالإضافة إلى معدلات استرداد المبالغ المنخفضة، تتطلب بعض برامج مديكيد من أطباء الأسنان إنجاز كمية أكبر من المعاملات الورقية مقارنة بمجالس طب الأسنان الحكومية عموماً، مثل الحصول على موافقة لكل زيارة وكل إجراء، ما قد يزيد من التكاليف الإدارية. كما يمكن أن تستهلك عمليات التدقيق التي تجرى بموجب برنامج مديكيد الكثير من الوقت.

في الحالة المثالية، يفترض أن يعالج أطباء الأسنان مجموعة متنوعة من المرضى الذين يدفع بعضهم التكاليف عن طريق شركات التأمين الخاصة وبعضهم الآخر من أمواله الخاصة مباشرة، بالإضافة إلى المرضى المشتركين ببرنامج مديكيد. ولكن أطباء الأسنان لا يحققون توازناً جيداً بين هؤلاء المرضى. تبيّن الأبحاث أن أطباء الأسنان الذين يعالجون عدداً أكبر من المرضى المشتركين ببرنامج مديكيد يعملون في المناطق التي تتألف أغلبية سكانها من غير البيض أو المناطق الريفية أو المناطق التي يعاني فيها السكان من الفقر الشديد، ويشير راي إلى أن إحدى الطرق ليجني أطباء الأسنان المال تتمثل في فحص العديد من المرضى وإجراء العديد من العمليات، وذلك بسبب انخفاض معدلات استرداد المبالغ في برنامج مديكيد.

اقرأ أيضاً: هل يمكن علاج الأسنان المتآكلة عند الأطفال؟

إيرادات أطباء الأسنان

ويقول راي إنه لا شك في أن هذا قد يحفّز الأطباء على إجراء العمليات التي قد لا تكون ضرورية. أشار تحليل لبرنامج مديكيد في ولاية كاليفورنيا أجري في عام 2012 إلى أن نحو 8% من أطباء الأسنان الذين خضعوا إلى المراجعة ممن قدموا خدمات برنامج مديكيد للأطفال استوفوا معايير معينة تتعلق بالفوترة المشكوك فيها (أي التي قد تتضمن الاحتيال أو الأخطاء). إذ يجري طبيب الأسنان العام وسطياً عملية بضع اللب على 5% من المرضى الأطفال، وبلغت عتبة الفوترة المشكوك فيها في العينة التي خضعت للمراجعة 18%، وتجاوزها نحو 2% من أطباء الأسنان المشتركين في برنامج مديكيد.

وجد تحليل أجري على أطباء الأسنان في عام 2022 أن نحو 33% منهم يعالجون مريضاً واحداً على الأقل ضمن برنامج مديكيد، وقد تغري هؤلاء أيضاً عروض شركات الأسهم الخاصة، التي يمكن أن تتضمن أجوراً كبيرة على الرغم من أنها قد تشجع العيادات أيضاً على منح الأولوية للأرباح بدلاً من الرعاية المبنية على الأدلة (لا تدفع الشركات الغرامات في حالات الاحتيال عادة). بيّن تقرير أعدّته لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي في عام 2013 أن “العيادات التي تديرها الشركات تميل إلى التركيز على الأطفال من العائلات ذات الدخل المنخفض المؤهلين للحصول على خدمات برنامج مديكيد، ومع ذلك ذُكر أن الخبراء في هذه العيادات طبقوا علاجات غير ضرورية”.

قد لا تتمكن ريفيرا أو عائلتها من اكتشاف ما إذا كانت العملية التي خضعت لها ابنتها واحدة من هذه الإجراءات غير الضرورية، لكنها قالت لموقع أندارك إن هذه التجربة أشعرتها بالاضطراب، وصحيح أنها هي وابنتها التي بلغت من العمر 13 عاماً الآن تتعاملان مع عيادة سنيّة ترضيهما وتقدّم خدمات برنامج مديكيد أيضاً، إلا أنها كرهت بشدّة الذهاب إلى العيادات السنية منذ أن تلقّت ابنتها عملية بضع اللب منذ سنوات. تقول ريفيرا: “تتذكّر ابنتي ذلك اليوم بوضوح شديد”.