هل يمكنك تغيير نمط نومك لتصبح شخصاً صباحياً؟

تغيير نمط النوم
shutterstock.com/ Antonio Guillem
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إنه الخريف. ضوء ذهبي باهت يتسلل عبر النافذة، صباحٌ بارد، لقد ضغطت على زرّ الغفوة 15 مرة حتى الآن. في هذا الوقت من العام، مع عودة المدرسة وانتهاء أيام الصيف الطويلة، لن يعاني محبو الصباح من الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى المدرسة، أو حضور الاجتماعات الصباحية؛ ولكن هذا الوقت قد يكون صعباً خصوصاً على الأشخاص الذين يفضلون السهر لأوقات متأخرة من الليل، والذين يطلق عليهم «بوم الليل». فهل من الممكن تغيير نمط النوم لهؤلاء ليستيقظوا صباحاً؟

تشير بعض الأبحاث إلى أنه حتى أكثر الأشخاص تفضيلاً للبقاء مستيقظين طوال الليل يمكنهم بالفعل تغيير نمط النوم لديهم؛ ولكن لذلك ثمناً بالطبع. دورات نوم واستيقاظ الإنسان متأصلة بعمق في بيولوجيتنا وغالباً لا تتطابق تماماً مع دورة الأرض اليومية حول الشمس. ومع أخذ تأثير نمط حياتنا ومجتمعنا الحديث، يزداد شذوذ ميولنا البيولوجية الطبيعية أكثر؛ ولكن إذا كنت عازماً حقاً على التحوّل إلى شخصٍ صباحي، فهناك أدلةٌ تشير إلى أن ذلك ممكن حقاً.

عمل الساعة البيولوجية

تطبيقات الاستيقاظ
كم مرة عليك أن تحاول النوم؟

يجب أن ندرك في البداية أن في داخل كل شخصٍ منا ساعةٌ تدق، تُدعى الساعة البيولوجية. يقول «جدعون دنستر»؛ باحث النوم في المعاهد الوطنية للصحة العقلية: «هناك مجموعة من الخلايا العصبية المدفونة في أعماق الدماغ تنظم إيقاعاتنا البيولوجية اليومية؛ بما في ذلك تنظيم عاداتنا الغذائية وموعد ذهابنا للنوم وحتى موعد تناول الطعام، وندعوها (الساعة الرئيسية)؛ لكن الساعة الرئيسية لا تتطابق دائماً بشكل مثالي مع دورة اليوم العادي الذي يتكون من 24 ساعة». تقول «كاثي غولدشتاين»؛ أخصائية الأعصاب في النوم بجامعة ميتشيغان الصحية في هذا الصدد: «في الواقع؛ يستغرق الأمر من الناس 24.2 ساعة في المتوسط لإكمال هذه الدورة. وبالطبع؛ تختلف هذه الساعة من شخصٍ لآخر اختلافاً طفيفاً، وقد يستغرق إكمال دورة اليوم لدى بعض الأشخاص أقل من 24 ساعة».

تلعب العديد من العوامل دوراً في عمل هذا النظام؛ بما في ذلك العوامل البيئية. أهم هذه العوامل وأكثرها تأثيراً هو الضوء؛ حيث يؤدي إلى تأخير أو تقديم ساعة الناس الرئيسية. تقول غولدشتاين: «يثير ضوء الصباح ساعتنا المركزية في وقتٍ مبكر، لذلك أصبحنا نميل للاستيقاظ مبكراً. بينما يعيد ضوء المساء ساعتنا الداخلية إلى الوراء». وبهذه الطريقة لا ينام الأشخاص ذوو الساعات البطيئة إلى ما لا نهاية في وقت متأخر أكثر فأكثر، والعكس صحيح بالنسبة لمن يمتلكون ساعاتٍ داخلية سريعة. ووفقاً لدنستر، فهناك عدد من العوامل الأخرى التي تؤثر على ساعتنا الداخلية؛ مثل عاداتنا الغذائية وممارسة الرياضة والأدوية التي نتناولها.

تتزامن ساعات كل شخص بشكلٍ مختلف قليلاً مع الإشارات البيئية. على سبيل المثال؛ قد تختلف حساسية الساعة الداخلية (البيولوجية) لتأثيرات الضوء من شخصٍ لآخر. يحدد هذان العاملان معاً -سرعة ساعتك الرئيسية وحساسيتها للإشارات البيئية – ما إذا كنت شخصاً صباحياً أو ليلياً؛ والذي يُعبّر عنه أيضاً بـ «النوع الزمني» أو «الكرونوتايب» الخاص بك.

لم يكن من الصعب دائماً الاستيقاظ مبكراً. يقول دنستر: «حتى 200 عام مضت -أي أيام الثورة الصناعية- كانت ساعاتنا البيولوجية وساعاتنا البيئية أكثر تزامناً. أما الآن، فتضيء الكهرباء منازلنا في الليل، ونشاهد شاشاتنا الساطعة أيضاً؛ مما يربك ساعتنا الرئيسية؛ والتي تفهم هذه الأضواء على أنها أضواء النهار». ولكن ذلك لا يعني أن الأشخاص الليليين لم يكونوا موجودين قبل القرن التاسع عشر، فمن المحتمل أن عددهم كان أقل، وكانوا ينامون في وقتٍ أبكر من الأشخاص الليليين الحاليين.

في الواقع؛ ما زلنا نلاحظ هذا التأثير حتى اليوم عندما نقارن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية مع أولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية. على سبيل المثال؛ قام فريق من العلماء البرازيليين والألمان بدراسة سبع قرى في البرازيل، تختلف فيما بينها بنسبة الوصول إلى الكهرباء. وكشفت نتائجهم؛ والتي نُشرت في دورية «ساينتفيك ريبورت» عام 2018، أن متوسط وقت الذهاب إلى النوم في القرى التي وصلتها الكهرباء وأضاءت منازلها منذ عامين أو أقل كان أبكر بساعةٍ واحدة مقارنةً بالقرى التي وصلتها الكهرباء منذ 15 عاماً وأكثر. يقول دنستر: «لقد زادت الكهرباء من تباين ساعاتنا الداخلية. كلما زاد تحضّر المكان الذي نعيش فيه وزاد استخدام الكهرباء فيه للإنارة، زاد تباين ساعاتنا الداخلية».

هل يمكنك أن تصبح شخصاً صباحياً؟

النوم في رمضان
Shutterstock.com/Gorodenkoff

هل هناك أي أمل للأشخاص الليليين في تغيير نمط النوم الزمني لديهم – خاصةً وأن معظم أعمالنا وأنشطة حياتنا اليومية تتركّز في الصباح الباكر؟ نعم، هذا ممكن كما تقول «إيف فان كوتر»؛ باحثة النوم في كلية الطب بجامعة شيكاغو: «يمكن تغيير نمطنا الزمني من خلال تغيير ظروف البيئة التي نعيش بها». في دراسةٍ أجراها علماءٌ من بريطانيا وشملت 22 شخصاً ليلياً في عمر سنّ المراهقة وأواخر العشرينات، كان وقت منتصف الليل بالنسبة لهؤلاء المشاركين حوالي الساعة السابعة صباحاً عندما لم يكن لديهم أعمالٌ أو مدرسة في اليوم التالي. (لذلك إذا كان عليهم أن يناموا 8 ساعات، فإن موعد نومهم يجب أن يبدأ في الثالثة صباحاً).

روتين تغيير نمط النوم

التزم المشاركون بروتين صارم لمدة 3 أسابيع متتالية ينطوي على الاستيقاظ قبل 3 ساعاتٍ من الوقت المُعتاد وتعريض أنفسهم لأشعة الشمس حال خروجهم من السرير. بالإضافة إلى ذلك؛ توقفوا عن تناول الطعام بعد السابعة مساءً مع تخفيف الإضاءة وتجنّب التعرض لضوء الشاشات قبل موعد النوم والذي أصبح أبكر بثلاث ساعاتٍ عن المُعتاد. وقد تجنبوا شرب القهوة أو أخذ قيلولة بعد الساعة الثالثة بعد الظهر، والأهم من ذلك؛ الالتزام بهذا الروتين طوال الأسبوع. بحلول نهاية الدراسة؛ والتي نُشرت نتائجها في دورية «سليب ميديسن» عام 2019، أصبح المشاركون ينامون أبكر بساعتين في المتوسط مقارنةً بوقت النوم قبل الدراسة، وقد أبلغوا عن انخفاض مستويات التوتر والاكتئاب لديهم.

تقترح فان كوتر أن بإمكان الأشخاص الليليين أن يصبحوا أشخاصاً صباحيين، أو على الأقل التخفيف من طبيعة نشاطهم الليلي، من خلال اتباع بروتوكول مشابه. وتؤكد كوتر في هذا الصدد على أهمية ضوء الصباح الباكر؛ حيث قد ينطوي ذلك على نزهةٍ قصيرة في الصباح أو مجرد الجلوس في غرفة مشمسة. تقول: « إنها طريقة فعالة لتسهيل التحول إلى شخص صباحي. الخطوة الأكثر صعوبةً ولكنها ليست أقل أهميةً، إطفاء الأنوار أو تخفيفها في المساء والاستغناء عن الشاشات». في الواقع؛ تصدر معظم الأجهزة ضوءاً أزرق ذو طولٍ موجي يشبه ضوء الشمس. بالإضافة إلى ذلك، فإن كل ما تشاهده على الشاشة ربما يبقيك يقظاً أيضاً. وتضيف كوتر: «إذا كان الذهاب إلى السرير مبكراً يجعلك تتقلّب في السرير لفترةٍ طويلة، فيمكنك تناول الميلاتونين ليساعدك على التعود على جدول نومك الجديد. سيستغرق التحول إلى شخصٍ صباحي بعض الوقت بالطبع».

لكن دنستر يشير إلى أن هذا البروتوكول الصارم غير مستدام بالنسبة للعديد من الأشخاص، وخاصةً العائلات: «بمجرد إزالة هذه القيود، فسيعود الناس مباشرة إلى نمطهم الزمني الطبيعي». بمعنىً آخر؛ لا يمكنك أخذ يوم استراحة من هذا النظام، ولا حتى في عطلة نهاية الأسبوع. إنه نظامٌ صعب بالفعل على البالغين، وتطبيقه أكثر صعوبةً على أطفالهم في سن المدرسة.

يجادل دنستر بأن جداولنا هي التي تحتاج إلى التغيير لتلائم أنماطنا الزمنية، وليس العكس؛ حيث يدعو -مع زملائه- إلى تأخير موعد بدء الدراسة بالنسبة للأطفال. تشير دراسات أخرى إلى أن تغييرات مماثلةً؛ مثل تغيير ساعات العمل لتتلاءم مع إيقاع النوم والاستيقاظ الطبيعي، يمكن أن تفيد البالغين أيضاً. فوفقاً لدراسةٍ نُشرت نتائجها في دورية «كارنت بيولوجي» عام 2015، عندما تمت جدولة مناوبات العمّال بما يتوافق ونمطهم الزمني، كانوا ينامون بشكلٍ أفضل ويستمتعون بوقت فراغهم أكثر.

لذلك نعم، يمكنك تغيير نمطك الزمني وتصبح شخصاً صباحياً؛ لكن الأمر يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد. يقول دنستر: «من الصعب القيام بذلك لأنك تحارب طبيعتك البيولوجية». هل أنت مستعدٌ للتخلي عن الأمسيات الجميلة مع الأصدقاء والعائلة، خصوصاً في عطلات نهاية الأسبوع، من أجل الحصول على نومٍ وصحةٍ عقلية أفضل؟ ربما لا.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً