تناول اللحوم يسبب التلوّث عن طريق فضلات البشر في الصرف الصحي

الصرف الصحي
حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التعامل مع مياه الصرف الصحي البشرية هي قضية دولية. فبينما يحاول البشر المتزايدون حل مشكلة معالجة الفضلات البشرية والتخلص منها بشكل صحيح، تتلوّث المجاري المائية بكمية كبيرة من مياه الصرف الصحي حول العالم. 

يفتقر أكثر من ملياري شخص حول العالم لوجود أنظمة الصرف الصحي، مما يعني أن ملايين الأطنان من الفضلات البشرية تلوّث البيئة كل عام دون أن تتم معالجتها. وتُرمى معظم مياه الصرف الصحي المعالجة في البلدان الأكثر ثراءً مثل الولايات المتحدة في الأنهار والمحيطات مباشرة. تنتج الفضلات البشرية أيضاً الكثير من النيتروجين في المجاري المائية، مما يتسبب في ظهور «مناطق ميّتة» (أي غير صالحة للحياة) كانت تأوي أشكال الحياة البرية في مستجمعات المياه.

كيف تزيد مياه الصرف الصحي من نسب النيتروجين في مستجمعات المياه؟

 بهدف الوصول إلى فهم أعمق لهذه المشكلة، قام «كاسكيد توهولسكي»، وهو باحث في مرحلة الدراسات العليا يعمل الآن في كلية كولومبيا للمناخ، وزملاؤه من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا بوضع مخطط للطرق التي تزيد فيها مياه الصرف الصحي البشرية نسب النيتروجين ومسببات الأمراض في مستجمعات المياه. وفقاً لتوهولسكي، استخدم الفريق مجموعات من البيانات لتحديد ما إذا كانت الجماعات البشرية التي تنتج مياه الصرف هذه حضرية أم ريفية، ولمعرفة كمية البروتين التي استهلكها كل شخص من هذه الجماعات، وكمية النيتروجين التي تم إنتاجها، ومقدار الفضلات التي دخلت نظام الصرف الصحي وكيف تم ذلك. 

كلما ازدادت كمية اللحوم التي يتناولها الشخص، ازدادت كمية النيتروجين الموجود في فضلاته (أي برازه وبوله)، مما يعني أن كمية النيتروجين التي تصل إلى المجاري المائية القريبة من هذا الشخص ستزيد. يحدث هذا لأن النيتروجين يأتي من الحموض الأمينية التي تشكّل البروتين. يؤدي تفكيك هذه البروتينات أثناء الهضم إلى تشكيل النيتروجين الذي ينتهي به المطاف في مياه الصرف الصحي.

قال توهولسكي في بيان صحفي: «قدّرنا أن 25 مستجمعاً مائياً يوصل نحو 46% من مدخلات النيتروجين العالمية التي تأتي من مياه الصرف الصحي إلى المحيطات»، وأضاف: «كمية النيتروجين التي تأتي من مياه الصرف الصحي تساوي تقريباً نصف تلك التي تأتي من مياه الصرف الزراعي على مستوى العالم، وهذه نسبة هائلة». 

حلل الباحثون أكثر من 130.000 مستجمع مائي موجود في موقع ساحلي في جميع أنحاء العالم. قام الباحثون أيضاً بوضع نموذج يبين مسار النيتروجين إلى المحيط للحصول على فكرة تقريبية عن المواقع التي يتراكم فيها في النظم البيئية الساحلية، وهو أمر يضر بالحياة البحرية. قال توهولسكي لمجلة «بوبيولار ساينس» إن زيادة نسب النيتروجين في الدول التي تنمو بسرعة، مثل بعض البلدان في آسيا، قد تُعزى إلى زيادة استهلاك البروتين الحيواني مع ازدياد ثروة هذه البلدان. تبيّن «التوقعات الزراعية» للعقد التالي، والتي تصدرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة الأغذية والزراعة، أنه من المتوقّع ازدياد استهلاك اللحوم كل عام بنسبة 0.8% في هذه البلدان، مقارنة بازدياد بنسبة 0.24% في الدول المتقدمة.

كيف يؤثر ارتفاع نسب النيتروجين في مستجمعات المياه على أشكال الحياة البحرية؟

وجد الباحثون أن مستجمعات المياه الأكثر إثارة للقلق تقع في كوريا والهند والصين، إذ يساهم نهر «تشانغ جيانغ» في الصين بنسبة 11% من الإجمالي العالمي للنيتروجين الموجود في مياه الصرف الصحي. توجد مواقع تعرضت فيها الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية لمياه الصرف الصحي والنيتروجين بشكل مفرط في بلدان مختلفة، ومنها الصين وهايتي وغانا ونيجيريا. تتأثر الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية بشكل خاص بزيادة نسب النيتروجين لأن النيتروجين يتسبب بظاهرة تدعى فرط المغذيات في المياه. وفقاً لتوهولسكي، يؤدي فرط المغذّيات إلى تشكّل مناطق ميتة، مما يفسح المجال لتكاثر الطحالب الضارة، ويتسبب بتشكل المناطق الساحلية الميتة، وتدهور مصايد الأسماك، وهو أمر يمكن أن يضر للغاية بالبشر والحيوانات البحرية على حد سواء.

تلعب كل من الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية دوراً ضرورياً للغاية في مجموعة متنوعة من النظم البيئية، خاصة أنها تمثّل غذاءً أو مأوىً للأنواع المهددة بالانقراض مثل بعض أنواع السلاحف وفرس البحر وخراف البحر. يتسبب موت الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية أيضاً بانخفاض نسب الأوكسجين في المياه لدرجة تصبح فيها عبارة عن بيئة غير صحية بالنسبة للأسماك، مما يضر بمصايد الأسماك.

قال «بين هالبيرن»، أستاذ العلوم البحرية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا ومؤّلف مشارك للورقة البحثية الجديدة، في بيان صحفي: «يمكن أن يدخل النظام البيئي بأكمله في حالة شديدة التدهور عندما تكون مستويات المغذيات عالية جداً»، وأضاف: «يمكن أن تتحول الشعاب المرجانية إلى حقول من الطحالب التي تنمو وتقتل المرجانيات الموجودة تحتها».

يأمل توهولسكي أن يشجع بحثه على إجراء المزيد من الأبحاث على الطريقة التي تساهم بها الفضلات البشرية في زيادة نسب النيتروجين في مستجمعات المياه. حالياً، غالباً ما تركز معظم الأبحاث حول هذه المشكلة على مياه الصرف الزراعي بدلاً من مياه الصرف الصحي.

لذلك، بينما تعتبر النشاطات الزراعية مسؤولة عن معظم المشكلات التي تتسبب بها مياه الصرف، يمكننا القيام بالكثير لتحقيق فوائد بيئية وصحية عندما يتعلق الأمر بفضلاتنا. يقترح توهولسكي أن تناول كميات أقل من المنتجات الحيوانية يمكن أن يساعد، لكنه يعتقد أنه يجب التعامل مع هذا الحل بطريقة يمكن أن تلبي احتياجات مجموعات مختلفة من الناس.

يقول توهولسكي: «الطعام ثقافة، إنه مهم حقاً، ولست شخصاً أحاول فرض معتقداتي على أي شخص آخر»، ويضيف: «بالقيام بعدد كاف من الأبحاث، يمكننا تصميم أنظمة غذائية مناسبة ثقافياً تضمن الاستهلاك الملائم للبروتين.»