مخاطر المكيف: كيف يمكن للهواء البارد أن يؤدي إلى الاحتباس الحراري العالمي؟

مخاطر المكيف: كيف يمكن للهواء البارد أن يؤدي إلى الاحتباس الحراري العالمي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/pikepicture
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في بداية القرن الماضي، كانت شركة “ساكيت فيلهلمز” (Sackett-Wilhelms) للنشر والطباعة، الواقعة بمدينة بوفالو في نيويورك، تبحث عن حلٍ جذري للرطوبة التي تؤثر على عملية الإنتاج خاصة أثناء فصل الصيف، فقد كانت تتسبب الحرارة المرتفعة في تغيير حجم الورق، فما كان منها إلا اللجوء إلى شركة أخرى متخصصة تساعدها في حل المشكلة، وهي شركة “بوفالو فورج” (Buffalo Forge) التي كان يعمل فيها شاب يُدعى “ويليس هافيلاند كارير”، وهو المهندس البارع الذي وقع على عاتقه إيجاد حل لمشكلة ساكيت فيلهلمز. وفي 17 يوليو/تموز 1902، أعلن كارير أنه انتهى من اختراعه الجديد الذي سيُخلص الهواء من الرطوبة ويعزز الإنتاجية، كان هذا الابتكار هو جهاز التكييف.

بمرور الوقت أصبح التكييف مستخدماً في العديد من المجالات والمؤسسات، ليس فقط لطرد الرطوبة، وإنما للهروب من درجات الحرارة المرتفعة من خلال خفض حرارة المكان، وانتشر في جميع أنحاء العالم اليوم، فوفقاً لموقع (Statista)، في عام 2020 قُدر عدد وحدات تكييف الهواء حول العالم بنحو 1.9 مليار وحدة، وتقع معظمها في عدة بلدان، وهي: الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية.

ما علاقة مكيفات الهواء بأزمة التغير المناخي؟ 

مع تفاقم مشكلة التغير المناخي، لاحظ العلماء أنّ المكيفات تلعب دوراً ما في إطلاق غازات الاحتباس الحراري على الرغم من أنها مصممة لخفض درجات الحرارة في المكان، فقد أشارت مراجعة منشورة في دورية “آنيوال ريفيو أوف إنفيرومنت آند ريسورسس” (annual review of environment and resources) إلى أنّ المكيفات الكهربائية تتسبب في إطلاق ما يزيد عن 10% من غازات الاحتباس الحراري.

تدمير البيئة وتغير المناخ ثمن الاستمتاع بالهواء البارد 

تتسبب المكيفات في العديد من الأضرار البيئية لعدة أسباب، من ضمنها:

إطلاق مركبات الكلوروفلوروكربون والهيدروفلوروكربون 

تُستخدم مركبات الكلوروفلوروكربون والهيدروفلوروكربون في صناعة مكيفات الهواء كعوامل للتبريد، وتنتج عنها بعض الغازات الضارة بالبيئة كما تحبس الحرارة المرتفعة في الغلاف الجوي، ما يتسبب في زيادة درجة حرارة الأرض وبالتالي يفاقم من تغير المناخ، بالإضافة إلى بعض التأثيرات الأخرى والتي تشتمل على: ارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة هطول الأمطار وحدوث الفيضانات وانقراض بعض الأنواع وزيادة المخاطر الصحية. وقد بدأ العالم يحظر استخدام تلك المركبات، وبالفعل تم التخلص من مركبات الكلوروفلوروكربون، وهناك خطة للتخلص من مركبات الهيدروفلوروكربون بحلول 2024.

قنوات التكييف غير النظيفة 

عادةً ما تكون هناك قنوات للمكيف، وعلى الرغم من أنها ضرورية للتهوية والتبريد إلا أنها مكان جيد لتجمع البكتيريا والغبار وغيرهما من المواد الضارة بالبيئة، بالإضافة إلى الأضرار الصحية التي تسببها للإنسان.

استهلاك طاقة الوقود الأحفوري 

على الرغم من اتجاه جهود العالم نحو استخدام الطاقة القادمة من مصادر الطاقة المتجددة، ما زال الوقود الأحفوري مستخدماً في الصناعات كمصدر أساسي للطاقة، على الرغم من أنه أحد المصادر الرئيسية للغازات الدفيئة، لكنه يلعب دوراً مهماً في إمداد المكيفات بالطاقة لتعمل، حيث تعمل المكيفات بالطاقة الكهربائية ، وتعتمد الكثير من دول العالم على الوقود الأحفوري بمختلف مشتقاته لتوليد الطاقة الكهربائية المستخدمة في تشغيل المكيفات، ويصل استهلاكها إلى 3 وحتى 5 آلاف واط/الساعة، وكلما ارتفعت درجة الحرارة، زاد استخدام المكيفات، وبالتالي زادت كمية الطاقة المستهلكة، ما يلحق المزيد من الضرر بالبيئة.

استخدام المعادن والبلاستيك

في السابق، كان الناس يستخدمون المعادن لتصنيع المكيفات، وبمرور الوقت، لاحظوا أنّ استخدام المعادن مكلف وثقيل، ووجدوا بديلاً وهو البلاستيك، لكن البلاستيك من المواد التي يكافح العالم الآن للتخلص منها، فتحلل البلاستيك بيولوجياً ليس سهلاً، ويُضر البيئة كثيراً، ما يجعل المواد المستخدمة في صناعة المكيفات غير صديقة للبيئة.

ما الحل إذاً؟ ربما في بدائل المكيف 

بغض النظر عن تكلفتها العالية، حان الوقت لإيجاد بدائل جديدة أكثر فعّالية للمكيفات، وبالفعل هناك العديد من البدائل المستدامة التي يمكن استخدامها:

آلية التبريد التبخيري 

تأتي فكرة التبريد التبخيري من الطبيعة، فهناك عملية التبخر التي تحصل بصورة مستمرة على أسطح مياه البحار والمحيطات، حيث يتحول الماء من الحالة السائلة إلى الغازية ويرتفع في الهواء مكوناً بخار الماء وساحباً الحرارة معه، فتنخفض درجة حرارة المياه المحيطة. نفس الفكرة في آلية التبريد التبخيري التي تعتمد على التبريد عبر تمرير الهواء الدافئ خلال وسائد مشبعة بالمياه، فيتبخر الماء ويبرد الهواء بمقدار يتراوح بين 15 إلى 40 درجة فهرنهايت، ويدخل الهواء البارد إلى المنزل، بينما يتم طرد الدافئ للخارج. ويُعد نظام التبريد هذا مفيداً خاصة في المناطق الجافة، ويستهلك ربع طاقة أنظمة التكييف المعتادة.

المراوح المنزلية 

المراوح شائعة الاستخدام في البيوت، وتتوفر بعض الأنواع التي تُثبت في السقف وتحرك الهواء فتنخفض درجة الحرارة نتيجة تحريكها للهواء. ويُعد استخدام المراوح أكثر استدامة وأقل تكلفة، فقد يكلف نظام المروحة بين 1 إلى 5 سنتات/الساعة، بينما يكلف نظام التكييف ما يزيد عن 17 سنتاً/الساعة.

التبريد بالإشعاع

وهو نظام يعمل بنقل الحرارة بالإشعاع عبر امتصاص الحرارة الموجودة في الغرفة من خلال أنظمة مثبتة في العلية أو الأرضية، ومن ضمن مكونات النظام ألواح ألمنيوم توزع الماء المبرد حتى يستطيع امتصاص الحرارة، ويستخدم التبريد بالإشعاع طاقة أقل بنسبة 30 % مقارنة بالمبردات الأخرى، ويُفضل استخدامه في المناطق الجافة.

استخدام مواد عازلة للحرارة عند البناء 

تعاني بعض دول الوطن العربي من الحرارة الشديدة أثناء فصل الصيف، خاصة في شبه الجزيرة العربية ودول الخليج العربي، ما يجعل سكان هذه البلاد في حاجة دائمة للمكيف لتجنب الحرارة المرتفعة أو البرد الشديد، لكن يمكن الاستعاضة عن المكيفات عبر بناء منازل من مواد عازلة للحرارة، ما يخفف حدة درجات الحرارة، وبالتالي تجنب استخدام المكيف وتقليل مخاطره على البيئة والمناخ.

ربما لو كارير حياً لأخبرنا بعبقريته عن طرائق أخرى نستطيع من خلالها مواجهة الحرارة المرتفعة وفي نفس الوقت لا تضر البيئة، ومن المحتمل أنه كان ليندم إذا عرف أنّ اختراعه يهدد حياة البشر بصورة غير مباشرة عبر مساهمته في التغير المناخي والإضرار بالبيئة، على الرغم من أنه ابتكره بهدف تعزيز الصناعة، وليس لكي يدخل المنازل ويستهلكه البشر بكثرة.