كيف يقضي الصابون على الجراثيم؟

كيف يقضي الصابون على الجراثيم؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ fizkes
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقول الأسطورة الرومانية القديمة إنه منذ زمن سحيق كان الرومان يقدمون قرابين للآلهة، وتمثلت طقوسهم في حرق الحيوانات باستخدام الخشب والنيران فوق جبل سابو، وبعد عملية الحرق اختلطت الدهون الحيوانية مع رماد الخشب، وسقطت الأمطار، فتكونت مادة الصابون التي تحركت رويداً رويداً حتى وجدت طريقها نحو مجرى مائي قريب، وما إن لاحظه السكان حتى أدركوا قدراته التنظيفية. حصلت المادة على اسم الصابون، نسبة إلى جبل سابو كما ورد في رواية الأسطورة. 

تطور الصابون على مرّ التاريخ 

عند النظر في سجلات التاريخ، نجد أنّ البشر قد اهتموا بالنظافة منذ آلاف السنين، وأدركوا فوائد الصابون، فعلاوة على دوره في إنعاش الجسم، فإنه يمتلك العديد من الخصائص العلاجية، وقد عثر علماء الآثار على مادة تشبه الصابون يعود تاريخها إلى 2800 قبل الميلاد في بابل، كما تُشير بردية إيبرس، وهي بردية طبية موثّقة لها أهمية كبيرة في التاريخ المصري يعود تاريخها إلى 1500 عام قبل الميلاد تقريباً، إلى أنّ المصريين القدماء كانوا يحرصون على النظافة الشخصية، ويستحمون بانتظام مستخدمين خليطاً من الزيوت النباتية والحيوانية والأملاح القلوية، هذا الخليط يكوّن مادة تشبه الصابون، واستخدموها أيضاً في علاج بعض الأمراض الجلدية. 

تطور إدراك البشر لقيمة النظافة حتى أصبحت صناعة الصابون فناً في العديد من البلدان، خاصة في بعض بلدان أوروبا، منها: إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، في أثناء القرن السابع الميلادي، وتميزت تلك البلدان تحديداً بتوفر الموارد الضرورية لتصنيع الصابون مثل: زيت أشجار الزيتون. وعندما سقطت روما في 476 للميلاد، تأثرت عادات النظافة الشخصية في أوروبا، وكان ذلك سبباً رئيسياً لانتشار الأمراض القاتلة في العصور الوسطى مثل الطاعون الذي تفشى أثناء القرن الرابع عشر الميلادي. من ناحية أخرى، حافظ السكان في بعض البلدان مثل أيسلندا على نظافتهم الشخصية في نفس الحقبة. 

انتشرت عملية تصنيع الصابون في بريطانيا أثناء القرن الثاني عشر الميلادي، وعندما بدأ البشر يشدون الرحال نحو أميركا، نشطت عملية تصنيع الصابون في عام 1600 للميلاد، ولكنه كان يُصنع في المنزل للاستخدامات الشخصية، وبدأت النظافة تجتاح أوروبا من جديد بعدما تراجعت خلال العصور الوسطى، حتى إنّ بعض البلدان فرضت الضرائب على الصابون، باعتباره منتجاً فاخراً أثناء القرن التاسع عشر، إلى أن أُلغيت تلك الضريبة بمرور الوقت. من ناحية أخرى، نشطت صناعة الصابون في أميركا بحلول عام 1850 ميلادياً. 

واجهت صناعة الصابون بعض المشكلات خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية في أثناء القرن العشرين، نتيجة النقص الذي شهده هذا القطاع في الزيوت والدهون الحيوانية والنباتية. لكن صناعة الصابون اليوم  أكثر استقراراً وانتشاراً حول العالم. 

ما هي الآلية التي يتبعها الصابون للقضاء على الجراثيم؟ 

عادةً ما ينصح الأطباء بفرك الصابون لمدة 20 ثانية على الأقل لضمان فعّالية غسل اليدين وحماية الجسم ضد الجراثيم والملوثات. وبقي السؤال المحير، كيف تستطيع رغوات الصابون تلك ذات الرائحة الجميلة قتل كائنات ومواد دقيقة لا تُرى بالعين المجردة؟ 

تعتمد آلية عمل الصابون على هيكله الجزيئي الذي تتكون جزيئته من: رأس محب للماء وذيل طويل كاره للماء، وهذا يعني أنّ الرأس يتجاذب مع الماء، بينما الذيل يهرب أو ينفر من الماء. هذا الذيل يتجاذب مع الأغشية الدهنية الموجودة في جميع أنواع البكتيريا وبعض أنواع الفيروسات، فيثقبها، ثم يحدث شيء من الاثنين: 

  • إما أن يقضي عليها الذيل عند ثقبها. 
  • وإما قد تكون هذه الجراثيم تمتلك جدراناً خلوية قوية، فيلتقطها الصابون وتسقط في مياه الغسيل. 

عندما يهاجم الصابون مسببات الأمراض، تتجه الرؤوس المحبة للماء للخارج، بينما تلتصق الذيول بالغشاء الدهني، وتتجه نحو الداخل، فتتشكل كرة صغيرة من جزيئات الصابون حول الجراثيم، يُطلق عليها اسم المذيلة (micelle).

تلتقط تلك المذيلات الجراثيم، فالسطح الخارجي للمذيلة محبٌ للماء، فينجذب للماء أثناء الغسيل، وبالتالي تُزال المذيلة عن اليد بما تحويه من جراثيم وتسقط في الحوض عند الشطف بالماء. 

ما مدى تأثير الصابون؟ 

في عام 2010، أجرت مجموعة بحثية من مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة دراسة لمعرفة مدى فعّالية الصابون في القضاء على الجراثيم. شارك في الدراسة 20 متطوعاً، طُلب منهم تلويث أيديهم بالبكتيريا المسببة للإسهال 480 مرة، بعد ذلك قسموهم على 3 مجموعات: 

  • الأولى: طُلب منهم غسل أيديهم بالصابون. 
  • الثانية: غسلوا أيديهم بالماء فقط. 
  • الثالثة: لم يغسلوا أيديهم على الإطلاق. 

وخلصت الدراسة إلى أنّ المجموعة التي غسل أفرادها يديها بالماء والصابون، كانت نسبة البكتيريا على أيديهم نحو 8% فقط، بينما وصلت النسبة إلى 23% لدى المجموعة التي غسل أفرادها أيديهم بالماء فقط، وفي حالة المجموعة التي لم يغسل أفرادها أيديهم، كانت النسبة 44%. ونُشرت الدراسة في دورية إنترناشونال جورنال أوف إنفيرونمنتال ريسيرش آند بابليك هيلث (Internationl Journal of Environmental Research and Public Health) في يناير/كانون الثاني 2011. 

هل الصابون المضاد للبكتيريا أكثر فعّالية في القضاء على الجراثيم؟ 

يمكن اختصار الإجابة في لا، والسبب هو أنّ البكتيريا تطور مقاومة المضادات الحيوية بمرور الوقت، ما يؤثر سلباً على فعّالية الصابون. كما أنّ الماء الذي يحمل البكتيريا بعد الغسيل قد يتداخل مع مجاري المياه المحلية التي قد تصل إلى الإنسان أو يتعامل معها بشكل ما. أضف إلى ذلك أنّ الصابون المضاد للبكتيريا لا يفرق بين الأنواع المفيدة والضارة، ويقضي على جميع أنواع البكتيريا. 

لماذا عليك الاهتمام بغسل يديك؟ 

اليد هي أداة الإنسان التي يعتمد عليها في قضاء كل أموره الحياتية، وهي أكثر عضو يتلامس مع الأعضاء الأخرى، ما يجعل الحفاظ على نظافتها ضرورياً، لأن احتمالية حملها للأمراض الأخرى إلى باقي أنحاء الجسم كبيرة. وهناك العديد من الأسباب الأخرى، من ضمنها: 

  • حماية الأطباء من الأمراض: يتعرض الأشخاص العاملون في القطاع الطبي لأخطار عديدة، لذلك عليهم إيلاء أهمية كبيرة لغسل اليدين جيداً. 
  • الوقاية من الأمراض المزعجة: تنتشر الجراثيم الضارة في الهواء الجوي وفوق الأسطح وفي كل مكان تقريباً، حتى وإن كان المرء يحافظ على نظافة المكان المحيط به، عليه الاهتمام بغسل يديه باستمرار، تجنباً لأي مرض محتمل.
  • تجنب الإصابة بالتهابات العين: عادةً ما تدخل البكتيريا المسببة لالتهابات العين عبر اليدين، لذا يُنصح بعدم لمس العينين بعشوائية قبل غسيل اليدين.
  • الحماية من التهابات الجهاز التنفسي: تشتمل الأعراض المصاحبة لالتهاب الجهاز التنفسي: السعال أو العطس أو سيلان الأنف أو احتقان الأنف، وتظهر تلك الأعراض نتيجة انتقال الجراثيم من اليدين إلى الأنف أو الفم.

عرف الإنسان الصابون منذ زمن بعيد، استخدمته بعض الشعوب، وشعوب أخرى استعاضت عنه بأشياء أخرى. واليوم، هناك شركات ومصانع قائمة على صناعة الصابون، وتتسابق كبريات الشركات لكسب عملاء مخلصين لعلامتها التجارية التي تقضي أغلبها على 99.9% من الجراثيم. على الرغم من ذلك، لم يعرف أحد القضاء على نسبة الـ 0.1% المتبقية من الجراثيم.