دراسة: الأطفال الذين يعانون من الحساسية الغذائية أقل عرضة لالتقاط فيروس كورونا

دراسة: الأطفال الذين يعانون من الحساسية الغذائية أقل عرضة لالتقاط فيروس كورونا
لأسباب غير واضحة بعد، كان الأطفال المصابون بالحساسية الغذائية أقل عرضة للإصابة بكوفيد-19 وفقاً لدراسة جديدة. مونتيسيللو/أنسبلاش.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد عامين ونصف من بدء جائحة كوفيد-19، تتزايد الأدلة على أن الحساسية، والتي كان يشتبه في أنها تعرض المرضى لخطر الإصابة بمرض شديد بسبب كوفيد-19، تحمي من المرض بدلاً من ذلك. وفقاً لدراسة طويلة الأمد تمولها المعاهد الوطنية للصحة ونُشرت في وقت سابق من هذا الشهر، فإن الأطفال المصابين بالحساسية أقل عرضة للإصابة بكوفيد-19 لأسباب قد تكون لها علاقة بخصوصيات الفيروس.

يقول طبيب الأطفال والباحث في علم الجينوم في مستشفى الصحة الوطنية في دنفر الذي قاد البحث، ماكس سيبولد: «منذ أمد طويل، يُعتبر الأشخاص المصابون بالربو وأمراض الحساسية معرضين لنتائج وخيمة بسبب العدوى الفيروسية. لقد كنا خائفين جداً من أنها كانت مجموعة معرضة للخطر بشكلٍ خاص».

اضطرابات الحساسية واحتمال الإصابة بكوفيد 19

تُجمع أمراض الربو والتهاب الجلد التأتبي -الشكل الأكثر شيوعاً من الأكزيما– والحساسية الغذائية معاً في فئة واحدة على أنها “أمراض حساسية”، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تميل إلى التطور معاً. يقول سيبولد: «ليس بالضرورة أن كل من يعاني من التهاب الجلد التأتبي يعاني أيضاً من حساسية تجاه الطعام أو الربو، لكنها تظهر بشكلٍ متزامن في عدد كافٍ من الأفراد لدرجة أننا نعلم أنه من المحتمل أن هناك آلية محددة تكمن وراءها». ويشترك الأشخاص المصابون باضطرابات الحساسية في نوع معين من الالتهابات، يُسمى “التهاب النوع الثاني” (Type 2 inflammation).

يستخدم جهاز المناعة بشكلٍ رئيسي نوعاً آخر من الالتهاب، وهو النوع الأول (Type 1)، لمحاربة العدوى الفيروسية. ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الحساسية، يمكن أن تؤدي العدوى الفيروسية إلى تحفيز كلا نوعي الالتهاب. يقول سيبولد: «تكون المجاري الهوائية لدى هؤلاء في حالة التهابية تنطوي على كلا نوعي الالتهاب في نفس الوقت، ما قد يؤدي إلى أمراض أكثر خطورة».

اقرأ أيضاً: ما هي حساسية السمك وما مسبباتها وطرق علاجها؟

ابتداءً من ربيع عام 2020، قام فريق من الباحثين من معاهد أميركية متعددة بتجنيد الأطفال والمراهقين من 12 مدينة أميركية مختلفة ممن شاركوا بالفعل في دراسات الحساسية أو الربو، بالإضافة إلى مقدمي الرعاية الأساسيين لهم. كل أسبوعين بين مايو/أيار 2020 وفبراير/شباط 2021، كان يتم اختبار 5600 مشارك للتأكد من إصابتهم بكوفيد، مع اختبار إضافي لأي شخص يُصاب بالمرض.

على هذا النحو، لم يتتبع الباحثون حالات كوفيد الخطرة -والتي تظل نادرةً عند الأطفال- أو المصحوبة بأعراض وحسب، بل تتبعوا أيضاً الحالات التي لا تظهر عليها أعراض. باستخدام هذه البيانات، قام الفريق بحساب الخطر الإجمالي للعدوى إلى جانب خطر الإصابة بأمراض خطيرة. في الواقع، نادراً ما تقدر دراسات كوفيد معدل الإصابة الإجمالي نظراً لأن جمع البيانات عن العدوى بدون أعراض مكلف جداً. يقول سيبولد في هذا الصدد: «لقد كان تسجيل مجموعة كبيرة في الدراسة وأخذ عينات منها بانتظام على مدار فترة زمنية طويلة مهمة ضخمة».

خلال الدراسة، أصيب ربع جميع الأسر ونحو 14% من جميع المشاركين بكوفيد-19.

اقرأ أيضاً: كيف سيؤثر إعطاء الأطفال دون الخامسة للقاحات كوفيد-19 عليهم؟

يشير معدل الإصابة هذا إلى أن كوفيد-19 قد انتشر على نطاق أوسع مما كان يعتقد سابقاً. يقول سيبولد: «وجدنا أن 75% من الإصابات لدى الأطفال كانت بدون أعراض. إذا قارنا بياناتنا ببيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها لنفس الفترة الزمنية، نستنتج أن احتمال إصابة الأطفال بالعدوى كان أعلى بكثير. وقد كانت الحمولة الفيروسية لدى هؤلاء الأطفال عالية، حتى لو لم تظهر الأعراض عليهم، ما يشير إلى أنه كان بإمكانهم نشر المرض».

أثرت أمراض الحساسية على مخاطر الإصابة بكوفيد، ولكن ليس بالطريقة التي كان يتوقعها الباحثون. كان الأشخاص الذين يعانون من الحساسية تجاه الطعام أقل عرضة للإصابة بكوفيد بنسبة 50%، وكان انتقال العدوى في المنزل أقل بكثير عندما تكون لدى شخص ما حساسية. لم يؤثر التهاب الجلد التأتبي على المخاطر. وكذلك الربو، لم يؤثر على المخاطر ما لم يكن ناتجاً عن تفاعلات الحساسية على وجه التحديد.

عند سؤاله عن سبب حدوث ذلك، أجاب سيبولد: «أول شيء سأقوله هو: لا نعلم».

لكن لدى الفريق تفسيراً محتملاً. يمكن للبروتينات التي تسبب الالتهاب من النوع الثاني أن تغيّر طريقة عمل الخلايا، خاصة في الجلد والجهاز التنفسي والأغشية الأخرى. حيث يقول سيبولد إن الالتهاب من النوع الثاني يمكنه تعديل التعبير عن آلاف الجينات، ويضيف: «أنها آلية قوية للغاية. إذا كان من الممكن التأثير على الكثير من الأشياء، قد تتغير بعض الخصائص الحيوية التي تؤثر على شيء آخر، مثل خطر التقاط فيروس كورونا».

نتائج الدراسة

على وجه الخصوص، أظهر العمل السابق الذي قام به سيبولد والمؤلفون المشاركون أن الأشخاص الذين عانوا من مستويات عالية من الالتهاب من النوع الثاني كانت لديهم أيضاً كمية أقل من مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2) في خلايا مجرى التنفس. لقد تبين أن مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 هي المستقبلات الدقيقة التي يرتبط بها فيروس كورونا عندما يصيب الخلايا. يشير ذلك إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الحساسية أقل عرضة للفيروس على المستوى الخلوي.

يقول سيبولد: «لا يعني ذلك عدم وجود خطورة. فمرضى الربو، على سبيل المثال، غير محميين».

اقرأ أيضاً: إليك ما نعرفه حول ارتداد كوفيد-19 حتى الآن

قد تكمن الإجابة عن هذا السؤال في دراسة أخرى من عام 2019، والتي وجدت أن لدى الأطفال الذين يعانون من الحساسية الغذائية علامات التهاب من النوع الثاني أقوى من أولئك الذين يعانون من اضطرابات الجلد التحسسية. يقول سيبولد: «أعتقد أن لدى الأفراد الذين يعانون من حساسية الطعام مستويات شديدة من التهاب النمط الثاني، وبالتالي لديهم أيضاً تأثير أكبر على مستقبلاتهم». ولكنه يقول محذراً: «هذا كله تخمين».

يلخص سيبولد الفرضية على النحو التالي: يقلل الالتهاب من مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 عند الأشخاص المصابين بالحساسية، وهذا بدوره يقلل من مخاطر الإصابة، لكن لم يتم إثبات ذلك.  يقول سيبولد: «لدينا الانتقال من أ إلى ب، ولدينا من ب إلى سي، لكن هذا يختلف عن الانتقال من أ إلى ب إلى سي».

في الوقت الحالي، يدرس الفريق خلايا المشاركين عن طريق دراسة تسلسل الحمض النووي الريبي. قد يُظهر ذلك ما إذا كان لدى المشاركين المعروف بأنهم معرضون لخطر منخفض للإصابة بفيروس كورونا مستوى عالٍ من الالتهاب وانخفاض مستوى الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 كما تنبأت دراسات أخرى.

تتوافق النتائج مع دراسات أخرى عن الحساسية وفيروس كورونا. وجدت دراسة نُشرت في مارس/آذار أنه عندما تعرضت خلايا الرئة لعلامة رئيسية أخرى للالتهاب من النوع الثاني، فإنها تتخلص من فيروس كورونا بشكل أسرع. وبحسب دراسة رصدية في المملكة المتحدة نُشرت نتائجها في أواخر عام 2021، كان الأشخاص المصابون بأمراض الحساسية أقل عرضة للإصابة بالعدوى بنسبة 25%.

يقول محرر مجلة “الحساسية” ومدير المعهد السويسري لأبحاث الحساسية والربو، سيزمي أكديس، في رسالة بريد إلكتروني: «على الرغم من أن نتائج الأبحاث مثيرة للجدل، لكني أعتقد أن الحساسية تقي من تطور كوفيد الشديد».

اقرأ أيضاً: أنا مصاب بالربو: كيف أتصرف خلال أزمة كورونا؟

ومع ذلك، لا يرغب سيبولد باستخلاص أي استنتاجات أوسع حول العلاقة بين العدوى والحساسية. يقول سيبولد: «لست متأكداً من وجود أي علاقة قوية نظرياً بين هذا الفيروس بالتحديد ومسار أمراض الحساسية. من المحتمل أن لا علاقة بينهما. إنها الطريقة التي تسير بها الأمور أحياناً».