لماذا عليك الحذر من سلالة أوميكرون حتى لو تلقّيت اللقاح؟

سلالة أوميكرون
حقوق الصورة: براسيش شيواكوتي/ أنسبلاش.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، تسببت سلالة “أوميكرون” شديدة العدوى من فيروس كورونا بارتفاع جديد في حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 في جميع أنحاء الولايات المتحدة. مع ذلك، تبيّن الأدلة أن هذه السلالة أقل خطورة من سابقاتها، خاصة بين الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح. على الرغم من أن سلالة أوميكرون توصف غالباً بأنها بأنه معتدلة الخطورة، إلا أنها لا تزال تمثل خطراً حقيقياً، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين تعرضهم أعمارهم أو حالاتهم الطبية لخطر أكبر للإصابة بحالة مرضيّة شديدة من كوفيد-19.

سلالة أوميكرون أخف وطأة من سابقاتها

وجدت دراسة جديدة نُشرت في موقع “ميد آركايف” في 11 يناير/كانون الثاني 2022 (لم تخضع بعد لمراجعة الأقران)، وأجريت على ما يقرب من 70 ألف مواطن من سكان جنوب ولاية كاليفورنيا أن الأشخاص الذين أصيبوا بسلالة أوميكرون كانوا أقل عرضة للدخول إلى المستشفى، وقضوا وقتاً أقل في المستشفى، وكانوا أقل عرضة للدخول إلى وحدة العناية المركزة أو الموت مقارنة بالمصابين بسلالة “دلتا”. حتى بين الأشخاص الذين لم يتلقّوا اللقاح، كان المصابون بعدوى أوميكرون أقل عرضة للدخول إلى المستشفى من أولئك الذين أصيبوا بسلالة دلتا.

على الرغم من أن الدراسة لم تخضع لمراجعة الأقران بعد، إلا أن نتائجها تتوافق مع البيانات الواردة من البلدان الأخرى، مثل تقرير نُشر في 14 يناير/كانون الثاني 2022 صادر عن المعهد الوطني للأمراض المعدية في جنوب إفريقيا. وجد الباحثون أن الإصابة بالعدوى من قبل، وتلقّي اللقاح هما العاملان الرئيسيان اللذان يخففان شدّة الإصابة بسلالة أوميكرون، ولكن حتى الأشخاص غير الملقحين كانوا أقل عرضة للإصابة بحالات مرضيّة شديدة بسبب سلالة أوميكرون مقارنة بالسلالات السابقة. في الوقت نفسه، تشير التجارب التي أُجريت على الحيوانات ومزارع الخلايا إلى أن السلالة الجديدة قد تكون أقل خطورة لأنها تصيب المسالك الهوائية العليا بشكل أساسي بدلاً من الرئتين.

تقدم كل هذه الدراسات أخباراً سارة. لكن وفقاً للخبراء، هذا لا يعني أن الأفراد الأصحاء الذين تلقّوا اللقاح لا يجب عليهم أن يقلقوا من سلالة أوميكرون.

اقرأ أيضاً: وفق المزيد من الأدلة: اللقاحات تحمي من متغير أوميكرون

الأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية معرضون لخطر كبير

يقول “سام تورباتي”، الرئيس المشارك والمدير الطبي لطب الطوارئ في مركز “سيدارز-سيناي” الطبي في لوس أنجلس: “يجب علينا توخي الحذر وعدم استباق الأمور”. يفيد تورباتي أيضاً بأن مسؤولي الصحة وعوام الناس يجب أن “يدركوا أن هذا المرض لا يزال يمثل مشكلة رئيسية، وأنه سيستمر بالتأثير بشكل كبير على الأفراد المعرضين لخطر كبير”.

“عندما تكون المستشفيات مكتظة، وغرف الطوارئ ووحدات العناية المركّزة ممتلئة، يجب عليك أن تحذر حتى ولو كنت تعتقد أن إصابتك يمكن أن تكون خفيفة” برايان ستاين، مركز جامعة رَش الطبي في شيكاغو

منذ بداية الجائحة، أظهرت سجلات المستشفيات أن مخاطر الإصابة بمرض كوفيد-19 تختلف بين منطقة وأخرى. السرطان والسكري وأمراض الرئة المزمنة ومشاكل القلب هي بعض الحالات الطبية التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بحالة مرضية شديدة. أولئك الذين يعانون من نقص المناعة والنساء الحوامل معرضون أيضاً لخطر أكبر. بالإضافة إلى ذلك، يؤثّر المرض بشكل مختلف على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، والكثيرين من مجموعات الأقليات العرقية والإثنية.

لا تعتبر العديد من الحالات التي تعرض الأشخاص لخطر أكبر للإصابة بكوفيد-19 نادرة. على سبيل المثال، يعاني أكثر من 34 مليون أميركي من مرض السكري، و يعاني 16 مليوناً من مرض الانسداد الرئوي المزمن، كما يعاني نحو 18.2 مليون بالغ في سن 20 عاماً أو أكثر من مرض الشريان التاجي.

يقول تورباتي: “ربما لن تتسبب سلالة [أوميكرون] بنفس عدد الوفيات الذي تسببت به السلالات  السابقة بين الأفراد الأصحاء صغيري السن”، ويضيف: “لكنها لا تزال خطيرة عندما يتعلق الأمر بالمرضى الذين يعانون من عوامل خطر للإصابة بحالة مرضيّة شديدة، أي الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية سابقة، وخاصة المرضى الأكبر سناً، والأشخاص الذين لم يتلقّوا اللقاح”.

لم يتلقّ نحو 13% من البالغين في الولايات المتحدة لقاحات كوفيد-19. يقول “بريان ستاين”، طبيب أمراض الرئة والرعاية الحرجة، وكبير مسؤولي الجودة في المركز الطبي في جامعة رَش في شيكاغو: “استناداً إلى عدد الأشخاص الذين لم يتلقّوا اللقاح، أو كبار السن المصابين بأمراض مصاحبة خطيرة، فالظروف ليس مطمئنة”، ويضيف: “قد تكون عواقب سلالة أوميكرون أقل شدّة، ولكن لا يزال من الممكن أن تتسبب بحالات مرضية شديدة”.

أظهرت البيانات الجديدة المتعلقة بحالات الدخول إلى المستشفى، والتجارب المخبرية الأولية التي أجريت على سلالة أوميكرون أن هذه السلالة أكثر “اعتدالاً” من سابقاتها.

اقرأ أيضاً: وقاية الجرعات المعززة من اللقاح ضد سلالة أوميكرون تنخفض بعد 10 أسابيع

إحساس زائف بالأمان حتى الآن

يقول “إدوارد جونز-لوبيز”، أخصائي الأمراض المعدية في كلية “كيك” للطب في جامعة جنوب كاليفورنيا: “ليس الأمر أن سلالة أوميكرون غير خطيرة بحد ذاتها، بل إنها أكثر اعتدالاً من السلالات السابقة، كما أنها أكثر اعتدالاً بشكل خاص بالنسبة للأشخاص الذين تلقّوا اللقاح”.

يمكن أن يولّد الاعتقاد بأن سلالة أوميكرون غير خطيرة إحساساً زائفاً بالأمان، حتى أن هناك بعض التقارير التي تفيد بأن بعض الأشخاص يريدون أن يصابوا بها “للتخلّص من الهم“. لكن حتى الأفراد الأصحاء الذين تلقّوا اللقاح يمكن أن يمروا بفترة عصيبة إذا أصيبوا بهذه السلالة، وهناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد احتمال أن تتسبب سلالة أوميكرون بحالات مرضية مديدة.

يقول ستاين: “يمكنك الاطلاع على بيانات صحة السكان والقول ‘إنها سلالة معتدلة الخطورة في المتوسط، على الأرجح ألا أضطر للدخول إلى المستشفى'”، ويضيف: “قد لا تُصاب بسلالة أوميكرون، لكن هذا ليس مؤكداً، واحتمال الإصابة ليس معدوماً”.

“لا نزال نجهل خطورة السلالات التي يمكن أن تظهر في المستقبل، وكن متأكداً من أنها ستظهر”. إدوارد جونز-لوبيز، كلية كيك للطب في جامعة جنوب كاليفورنيا

أفاد “مايك رايان”، مدير برنامج الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية، في بث مباشر لمناقشة الأسئلة المتعلقة بكوفيد-19 تم بثه الأسبوع الماضي، بأن مئات الآلاف من الأشخاص حول العالم قد دخلوا المستشفى بسبب سلالة أوميكرون. قال رايان: “يمكننا بالتأكيد أن نقول أن سلالة أوميكرون تتسبب، في المتوسط، بحالات مرضية أقل خطورة، ولكن هذا في المتوسط فقط”.

ثم هناك مشكلة قابلية الانتقال المرتفعة. يقول ستاين: “هناك الكثير من الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة، وتلقّوا اللقاح بشكل كامل إضافة إلى جرعات معززة، وظهرت عليهم أعراض خفيفة، لكن يظل هناك احتمال أن ينقلوا العدوى إلى أشخاص آخرين”.

يضيف ستاين: “عندما نشهد انتقالاً واسع النطاق مثل هذا في المجتمعات، وعندما تكون المستشفيات مكتظة، وغرف الطوارئ ووحدات العناية المركّزة ممتلئة، يجب عليك أن تحذر حتى ولو كنت تعتقد أن إصابتك يمكن أن تكون خفيفة”.

اقرأ أيضاً: من المبكر الجزم بأن أعراض متحور أوميكرون أقل حدة

الضغط على البنية التحتية الصحية

يضع الارتفاع الكبير في حالات الإصابة بكوفيد-19 العديد من الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة في وضع خطير بشكل خاص في الوقت الحالي، فضلاً عن التسبب في نقص الموظفين في المستشفيات والشركات والمدارس واستنزاف أنظمة الرعاية الصحية. يقول ستاين: “في مرحلة ما، تُستنزف غرف الطوارئ والمستشفيات، وإذا كان بعض المرضى بحاجة إلى رعاية خاصة، فقد لا تكون متاحة لهم”، ويضيف: “يجب أن يكون هذا مصدر قلق دائماً عندما تكون الانتقالات منتشرة على نطاق واسع في المجتمع، حتى ولو كانت انتقالات سلالة أكثر اعتدالاً”.

مجرد أن سلالة أوميكرون تبدو أقل فتكاً من السلالات السابقة لا يعني أن هذا النمط سيستمر في المستقبل. يقول جونز-لوبيز: “لا نزال نجهل خطورة السلالات التي يمكن تظهر في المستقبل، وكن متأكداً من أنها ستظهر”، ويضيف: “هذا ما تفعله هذه الفيروسات، فهي تطفر باستمرار لتتكيف مع علاجات البشر”.

وفقاً لتورباتي، إننا لا نعرف حتى الآن ما الويلات التي ستتسبب بها السلالات التالية من فيروس كورونا، ما يجعل الاحتياط من كل الاحتمالات أمراً مهماً. يقول تورباتي: “أعتقد أننا بحاجة إلى توخي الحذر ولنسأل أنفسنا ‘ما هو أسوأ سيناريو؟'”، ويضيف: “كيف سنتأكد من أننا نقلل من تأثير فيروس جديد يحتمل أن يكون معدياً تماماً مثل أوميكرون، ولكن أكثر ضراوة بكثير؟”.

“كل شخص مسؤول عن القيام بدوره في هذه الجائحة” سام تورباتي، مركز سيدارز-سيناي الطبي في لوس أنجلس

قد تستهدف لقاحات محدثة سلالة أوميكرون أو سلالات أخرى في المستقبل. لكن حتى يصبح ذلك واقعاً، لا تزال اللقاحات المتاحة حالياً توفر وقاية عالية ضد الإصابة بحالة مرضية شديدة بسبب سلالة أوميكرون، حتى لو كانت أقل فاعلية إلى حد ما في درء حالات العدوى الاختراقية التي شهدناها بسبب هذه السلالة. يقول ستاين: “تلقّي اللقاح والجرعات المعززة هما أفضل سبل الوقاية من الناحية الطبية”. نشر اللقاحات على نطاق واسع هو أمر بالغ الأهمية للحد من ظهور السلالات الجديدة أيضاً.

إضافة لذلك، يقول تورباتي: “اللقاحات لا تفيد الشباب فحسب، بل إنها تساعدهم على حماية أحبائهم الأكبر سناً، أو الذين يعتبرون عرضة لعوامل خطر الإصابة بحالات [شديدة]”.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب علينا جميعاً تلقي لقاحٍ معزز بعد ظهور متغير أوميكرون؟

مع سلالة أوميكرون أو غيرها: لا تزال الوقاية خير من العلاج

بالإضافة إلى اللقاحات والعلاجات مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، تظل الإجراءات الوقائية التي اعتمد عليها الناس طوال فترة الجائحة ضرورية للغاية. في آخر توصياته، ركّز مركز السيطرة على الأمراض الأميركي على استخدام الكمامات في دليل محدّث حول أغطية الوجه الواقية، مع التأكيد بشكل خاص على فعالية كمامات “إن 95″ و”كاي 95” في ضوء انتشار الحالات الحالي. يقول ستاين: “لا تزال نفس المبادئ المتعلقة بارتداء الكمامات وتجنب التجمعات الكبيرة والتباعد الاجتماعي صحيحة عندما يتعلق الأمر بإبطاء الانتشار”، ويضيف: “لا أعتقد أن المبادئ الأساسية حول ما يتعيّن علينا فعله قد تغيرت حقاً”.

ربما بدأت موجة أوميكرون في الوصول لذروتها في الولايات التي انتشرت فيها في وقت مبكر، ويبدو أنها تنحسر في جنوب إفريقيا، حيث تم الإبلاغ عن السلالة لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. يقول جونز-لوبيز إن هذا يمثل نقطة تحول في الجائحة، إلا أنه يُحذر قائلاً: “لا يزال يتعين علينا الانتظار بضعة أشهر أخرى لنلاحظ تبعات سلالة أوميكرون”.

في الوقت الحالي، لا تزال سلالة أوميكرون تمثل أزمة صحية عامة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. يقول تورباتي إنه بالنسبة للأشخاص الذين تعرضهم أعمارهم أو ظروفهم الصحية الأخرى لخطر الإصابة بحالات مرضية شديدة، فالآن هو الوقت المناسب لتوخي الحذر بشكل خاص. لكن هذا لا يعني أن على الآخرين أن يستهتروا بالسلالة.

“كل شخص مسؤول عن القيام بدوره في هذه الجائحة، ولا يمكن لأحد أن يقول ‘لن تؤثر السلالة الجديدة علي، إنها ليست مشكلتي'”، ويضيف: “إنها مشكلة العالم بأسره … ويجب على كل البشر توخّي الحذر”.